PCP

يا عمال العالم اتحدوا

"يوم روسيا": نشأته تفصح عن مضمونه

في 12 يونيو 1990 أقرت القوى المعادية للسوفييت والطامعة بالسلطة من الديمقراطيين البرجوازيين في مؤتمر نواب الشعب إعلان "استقلال روسيا". وكان جوهر الوثيقة مثابة تبرير لحاجة القيادة الروسية في شخص يلتسين إلى مواجهة المركز السوفياتي المتمثل آنذاك بميخائيل غورباتشوف، حيث كان هذا مستمراً في خطابه الديماغوجي البغيض والممجوج، ذاك الخطاب الذي كرهه الناس حتى الشبع. ويرجع إلى هذا الاشمئزاز بالذات من شخص غورباتشوف إلى حد بعيد أن قوبل إعلان السيادة في روسيا وغيرها من جانب المجتمع بكثير من الرضى، على الرغم من أنه كان في الواقع إشارة إلى بداية هجوم القوى المعادية للثورة على نطاق واسع على الاشتراكية، وعلى وحدة الاتحاد السوفياتي، وعلى الصداقة بين الشعوب، وبقايا بقايا المبدأ السوفياتي في تشكيل السلطة. لم يكن، بالطبع، كل النواب الذين صوتوا لصالح اعتماد الإعلان معادين للاتحاد السوفياتي عن وعي وسابق تصور، بل هم انساقوا مع هستيريا النضال من أجل ما زعِم أنه الديمقراطية والاستقلال كما انساقت معها أوسع طبقات المجتمع المسيّسة. وبالتالي، لم تصوت كتلة الشيوعيين (الغورباتشوفيين من حيث برنامجها السياسي) في مؤتمر نواب الشعب الروسي فقط لصالح إقرار هذه الوثيقة، ولكنها حتى اعتبرت بفخر واعتزاز أن لها الفضل الأكيد في إقرارها. فموجة الانتهازية، أي الاستسلام للموضة، اجتاحت جماهير الحزب العريضة وأضحت بالطبع رائجة عبارات وتعابير من مثل النضال من أجل القيم الإنسانية والديمقراطية العامة (بدون أن تعطى هذه القيم أي محتوى طبقي يثبت دجلها) ومن أجل السوق الاشتراكية (مواربة من أجل العودة إلى الرأسمالية)، وفي سبيل الاشتراكية الحقة ذات الوجه الإنساني (هذا الوجه الكل يراه الآن على حقيقته!) وغيرها وغيرها. وهكذا ثبّت الانتهازيون في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفياتي نهج اعتماد السوق، أي السير نحو الرأسمالية. فيما توجه الانتهازيون في مؤتمر نواب الشعب وجهة السيادة الروسية، ما عنى بالذات انهيار الاتحاد السوفياتي. كان من الصعب في تلك الأيام ان يقول المخلصون للناس الحقيقة العارية ألا وهي أن علاج الاشتراكية بالرأسمالية سوف يؤدي إلى كوارث خطيرة. الناس لم تكن تريد أن تثق بكلامنا بل كانت تتضحك تهكماً عندما رحنا نتنبأ بأن الرأسمالية ستتسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي، ما يعني أنه ستكون هناك حدود وجمارك، ووزارات خارجية، وأن البعض سوف يرسل جواسيس إلى البعض الآخر. وها هي قد جاءت الرأسمالية إلى ربوع بلدنا. فجلبت معها الملكية الخاصة، وتقسيم الناس إلى أسياد وعبيد، وجلبت انهيار الاتحاد وسلسلة من الحروب والصراعات القومية: كاراباخ وسومغايت وباكو وتبيليسي، وطاجيكستان، وترانسنيستريا (بريدنستروفييه) وأبخازيا والشيشان وأوسيتيا وكثير غيرها من الصراعات الإقليمية الأخرى الأصغر حجما والأقل لحظاً، ولكنها ليست بأقل عنفا وإيلاماً. واليوم ها هي تنزف أوكرانيا. والسؤال هو - ماذا سيحدث بعد كل ذلك، فالضحايا في أوكرانيا باتت بالفعل تحصى بالآلاف من الأرواح. وكم منها يمكن أن يكون، إذا كنا ندرك أن هذه السلسلة المذكورة أعلاه حتمية لا مناص منها لدى التحول إلى الرأسمالية؟ في طاجيكستان التي عدد سكانها 5 ملايين نسمة هلك أكثر من مئة ألف شخص في الحرب ضد الإسلاميين (الذين راحت تغذيهم قوى خارجية) حفاظاً على الطبيعة العلمانية للدولة. وكم من مواطني روسيا قتلوا في الشيشان (من الجانبين)؟ فإذا أخذنا النسبة بالحسبان فإن عدد هؤلاء يمكن بسهولة أن يصل في أوكرانيا (وفي روسيا) إلى المليون، بل وأكثر من ذلك. وهذا أمر مفهوم، لأن تصادم مصالح رأس المال في هذه المنطقة أكثر وضوحا وشراسة بكثير، لا سيما أن رؤوس الأموال نفسها أكبر حجماً وأكثر عدوانية. وهي تشمل مصالح رؤوس الأموال العالمية التابعة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إن الناس التي انتظمت ونهضت للقتال ضد الفاشية في الجنوب الشرقي من أوكرانيا تشعر اليوم، غريزياً، أن السبب الجذري للمشاكل والويلات يكمن في القلة الأوليغارشية وفي الرأسمالية، ولذلك نشهد استخدام العلم الاحمر لأوكرانيا السوفياتية والاتحاد السوفياتي بقوة في صفوف المقاومين. ولذا تطرح وإن بغير دأب وإصرار حتى اللحظة مطالب من مثل تأميم شركات الأوليغارشيا. والعديد من السكان ما زالوا يفكرون سوفياتياً وينظر إلى روسيا على أنها كناية عن الوريث والخلف للاتحاد السوفياتي. ولكن الأمر ليس كذلك. وهو قطعاً ليس كذلك. فروسيا الرأسمالية الحديثة، روسيا البرجوازية هي مدمرة الاتحاد السوفياتي. ولدينا اليوم صورة فريدة من نوعها عندما تنبعث من جهةٍ الفاشيةُ في أوكرانيا في دثار بانديرا المثير للاشمئزاز، فيما تبحث جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك الشعبيتان عن المساعدة في روسيا عند جماعة فلاصوف المعاصرين. فجماعة بانديرا وفلاصوف هما كلاهما بحكم طبيعتهما السياسية والاقتصادية إخوة أشقاء وأعداء ألداء حقودون للاشتراكية. تماما كما في عام 1941، نجد أنفسنا في مواجهة جماعة بانديرا وفلاصوف، وكذلك في مواجهة أسيادهم من الفاشيين الحقيقيين، الفاشيين قلباً وقالباً. وإن أسيادهم الفعليين وملهميهم هم رأس المال المالي الرجعي الغربي، وقبل كل شيء - الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فرسميا تترى الاتهامات المتبادلة بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الدولي. فيتهم أحدهم الآخر بالقبح، ناسياً أنه هو الآخر قبيح للغاية. ويصار إلى عقد المفاوضات والمصالحات، بينما تخاض وراء الكواليس النزاعات العنيفة، والاشتباكات، وتعقد المساومات اللامبدئية، حيث حياة الإنسان ليست سوى ورقة في مساومة رخيصة أو حجة إضافية لرمي التهم في شباك الخصم. وهذا هو السبب (بسبب القرابة الاقتصادية والسياسية) في امتناع السلطات الروسية من ناحية عن أن تسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة، وأن تصف النازيين بما هم عليه، وفي احترامها، من ناحية أخرى لـ"خيار الشعب الأوكراني" المزعوم ومصافحتها للرئيس الأوكراني بوروشينكو. إن الإمبريالية الروسية هي إمبريالية شابة، جائعة، مفترسة وشرهة، ولكنها حتى الآن لا تزال هي العنصر الأضعف والخاضع إلى حد بعيد، إذ ترتبط ارتباطا وثيقا وبآلاف الخيوط برأس المال الغربي، فتحاول كلاعب شطرنج ماهر وجد نفسه في موقف صعب، نظراً لعدم وجود خطة واضحة لديه للفوز، تحسين مواقعها بطريقة أو بأخرى. أما الوطنيون الروس الصادقون فيحاولون استدرار المشاعر الوطنية عند المواطنين والسلطات. فقادة الحزب الشيوعي الروسي مثلاً صاغوا أسسا دعائية لإخراج الشعب الروسي، أكثر شعوب العالم انقساماً في عالم اليوم، من محنته، حين يقولون أن من الضروري التوحد للدفاع عن اخوة الدم واللغة. وقد أحسن التعبيرَ بهذه اللغة الآن بوتين نفسه. هذا ضروري، بطبيعة الحال، ويجب أن يكون الروس محميين، ولكن ليست هي الحقيقة كاملة، بل قل إن هذا بعيد عن الحقيقة - انه ليس الحقيقة اصلاً. فأكثر شعوب العالم انقساماً في عالم اليوم هو الشعب السوفيتي! إنه محروم من حقه في أن يعتبر نفسه شعباً. محروم من الحق في أن يكون له تاريخه الخاص به. محروم من حقه في تقرير المصير، وبالأخص من استعادة السلطة السوفياتية والاشتراكية. ففي هذا الصراع مع الشعب السوفياتي، ومع الفكرة السوفيتية يتوحد ويتضامّ إمبرياليو روسيا وأوكرانيا وكل العالم. في هذا الصراع يبعثون من تحت الرماد بانديرا وفلاصوف. وكل الفاشيين والـ"فيشيين" الآخرين من مختلف البلدان والشعوب. فجميع هؤلاء الفاشيين ولدوا من بطن أم واحدة هي الامبريالية والقسمُ الأكثر رجعية فيها – راس المال المالي. إن الاحتفال بعيد 12 يونيو/حزيران أو ما كان يسمى منذ سنوات بـ"عيد الاستقلال الروسي"، يتنكر اليوم باعتباره عيدا لا صفة تاريخية له، تحت قناع كونه "يوم روسيا". ومع ذلك، فإنه يتصل بما يجري من أحداث اليوم اتصالا مباشراً. فما زرع بالأمس كان بداية المسيرة. والبداية، كما يقول الديالكتيك، هو النتيجة غير الناضجة بعد. ونحن نشهد اليوم نضج وتطور تلك البداية ليس ببزوغ البراعم وحسب، ولكن حتى الزهور، والثمار الآيلة إلى النضوج. ويتبدى ذلك في الفاشية العادية في أوكرانيا وفي أماكن محتملة أخرى حيث لا تزال حتى الآن تلحظ الزهور فقط أو محاولة القيام بالثورات الملونة. نحن نرحب بالانتظام الذاتي للشعب في أوكرانيا، وقبل كل شيء آخر، بانتظام الكادحين في الدونباس لأجل النضال ضد الفاشية في جميع أشكالها. نرحب ونعمل نحن أنفسنا على تنظيم المساعدات ومكافحة الفاشيين بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك الكفاح المسلح، وتقديم المساعدة من خلال المتطوعين. ونحن نعتقد أن المهمة الأساسية هي إجبار الديمقراطية البرجوازية على مكافحة الفاشية. لكن المهم دائما بالنسبة إلى الشيوعيين في هذا الصراع كله هو تسليط الضوء على الحلقة الرئيسية: يجب أن نكافح ليس فقط جماعات بانديرا وفلاصوف، بل من الضروري محاربة الرأسمالية التي تولدهما في جميع أنحاء العالم. فاليوم يحتفل الأشرار بعيدهم احتفال المنتصر. ولكننا نعرف أن قضيتنا عادلة. ونحن نعلم من أين الطريق إلى النصر. مع أننا لا نستطيع أن نقول على وجه اليقين متى سيأتي النصر، ولكن كفاحنا لن يضيع هباء تحت أي ظرف من الظروف. فلن نتعثر في الطريق الذي اخترناه. ولن يلبث العيد أن يأتي إلى بيتنا!! * من مقال بمناسبة "العيد" للأمين الأول لحزب العمال الشيوعي الروسي- الحزب الشيوعي السوفياتي فيكتور تولكين - ترجمة مشعل يسار


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني