PCP

يا عمال العالم اتحدوا

تحرر المرأة في سياق الصراع الطبقي

ما انفكّ النظام الرأسمالي يدفع نحو تفكيك القضايا المجتمعية، ومحاولة البحث عن "حلول" لها، مع أنها ليست سوى نتاج سياساته الاستغلالية بحق الشعوب، فابتكر أزمات تسهم في زيادة (تغذية) الشرخ العمودي في المجتمع، وحرف الصراع عن بوصلته الصحيحة، فبدلاً من أن تكون الصراعات أفقية، هو يسعى دائماً لجعلها عمودية، مما يخدم مصالح بقائه ومعنى وجوده! وفي الوقت ذاته، تطرح النظم الرأسمالية مجموعة من الحلول الوهمية لتلك القضايا لتجعل الصراع يدور في حلقات مفرغة، فتحمل عدداً من الشعارات الباهتة كالديمقراطية والمساواة بمضامينها الليبرالية ذات الوقع الرنّان على آذان المجتمعات. لا يخلو المشهد بالتأكيد من منظمات المجتمع المدني، الأداة الأكثر فاعلية بيد القوى الإمبريالية، والتي تنجح عادة في حشد طبقة بعينها، هؤلاء الذين يرون المجتمع مصنفاً بحسب الألوان، فبعضها مخصص للدين ومشتقاته، والآخر للأقليات، وهناك طيف بأكمله مخصص للمرأة. رحلة المرأة في التاريخ عانت المرأة اضطهاداً على مر التاريخ كفيلاً بتعبئة مجلدات، لكن إن بدأنا من المجتمع البدائي، سنلحظ بأن مكانة المرأة لم تكن دوماً على الحالة التي هي عليه اليوم. تشير الأدلة إلى أن المرأة والرجل كانا متساويين في غابر الأزمان، طبيعة جسد المرأة كانت مشابهة إلى حد كبير لجسد الرجل، أي أنها لم تكن أقل قوة من الرجل، وكانا كلاهما يبذلان ذات الجهود والمهام (القطاف البدائي والصيد). استمر الحال إلى أن تطور المجتمع بفضل المرأة بعد اكتشافها الزراعة (كونها أول كائن زراعي)، وهنا حظيت بمرتبة أعلى من الرجل، وانعكس ذلك جلياً في قصص الأساطير والآلهة التي كانت في غالبيتها إناثاً (الآلهة غايا في اليونان: أي الأرض ومصدر الحياة، الآلهة أثينا: آلهة الحكمة والقوة والحرب وحامية المدينة). لقد كانت المرأة عنصراً فعّالاً ومنتجاً، وأسهمت بطريقة مباشرة في عملية الإنتاج الاقتصادي، بما يعود بالنفع المباشر على المجتمع. لاحقاً، مع ظهور الملكية الخاصة والطبقات، بدأ المجتمع يتخلى عن دور المرأة في الإنتاج واستبدله بالعبيد ولاحقاً بأدوات الإنتاج المختلفة، وأضحت المرأة في نظر المجتمع -على اختلاف الطبقة التي تنتمي إليها- الوسيلة التي تنتج (تنجب) جيلاً جديداً من الأيدي العاملة التي سيتم تسخيرها لخدمة الطبقة المالكة (الحاكمة) في نظام اقتصادي يحركه عامل “الربح”. حتى وإن شاركت المرأة في الإنتاج، فهي لم تكن سوى عبدة لمالك العمل أو الورشة، أي أنها كانت مضطهدة بالضرورة، تبيع قوة عملها بكلفة أقل من تلك لدى الرجل، بحجة أنها أضعف من الذكر ولا تستطيع مواكبته في قدرته على الإنتاج، مما دفع العديدات إلى “الدعارة” ليستطعن تأمين تكاليف عيشهن في المدينة، هرباً من الريف وملّاكي الأراضي واضطهاد من نوع آخر، قد يكون مثال تصدير السلافيّات إلى أوروبا للعمل في الدعارة خير مثال على ذلك في العصر الحديث. فرضت الرأسمالية ظروف حياة قاسية على الإناث في شرق أوروبا عقب انهيار المنظومة الاشتراكية، مما دفع السلافيّات للهجرة إلى أوروبا والعمل في “الدعارة”، لا لشيء سوى لكي لا يمتنّ جوعاً! حرب الدين على المرأة ليس من السهل مجابهة قوى الطبقة الحاكمة في ترسيخ فكر أو معتقد ما، وخصوصاً لدى الطبقة العاملة. فهي تمتلك أدوات كفيلة بزرع أفكار معينة في اللا-وعي، كفيلة بأن تلقي المرأة في حضيض المجتمع، خصوصاً إن كانت تلك الأداة هي الدين. لا يمكننا إنكار دور رجال الدين ودور العبادة في تحقير صورة المرأة على مر السنين، بما يخدم النظام الحاكم. الدين هو الذي وصف المرأة بناقصة العقل، وجعل من الرجل وصياً عليها، مدعياً أنها غير قادرة على اتخاذ القرار أو السفر أو العمل لوحدها، وقد تماهى قانون الدولة مع هذه الصيغة، لينتج لنا بعد ذلك دين الدولة ودولة الدين في الوقت نفسه. ومن جهة أخرى، جعل منها خادمة لمنزلها وزوجها، فهي -بحسب الدين- خلقت للرجل! لنعد إلى قصة الخلق في التوراة والإنجيل وما بعد ذلك في القرآن، تنص جميعها على أن حواء خلقت من ضلع آدم، وهي صاحبة الخطيئة الأولى برضوخها للشيطان الذي أغواها فأغضبت الرب!، وهذا كان إعادة إنتاج لـ “صندوق بندورا”، فكانت بذلك مصدراً للشرور. محاكمة الساحرات في أوروبا في القرون الوسطى خير دليل على الاضطهاد الذي مارسه الدين على المرأة بهذه الحجج غير العلمية إطلاقاً. الاشتراكية هي معركة تحرر المرأة تواجه المرأة أقصى درجات الاضطهاد في المجتمعات الأبوية منذ الصغر، لقد حكمت مجتمعاتنا على الأنثى بأن تكون أقل مرتبة من الرجل، ومن البديهي أن تواجه تلك المجتمعات فصاماً حاداً وأزمة أخلاقية معقدة. من الواضح أن المجتمعات الأوروبية (على الرغم من خلافنا معها في الكثير من القضايا الأخرى) تغلبت بدرجة معينة على هذه الأزمة، لكن دول العالم الثالث ما زالت تعاني منها بشدة. فالأخيرة تفرض على المرأة بأن تكون خادمة في بيتها، لكنها في ذات الوقت تستغل المرأة وتصورها على أنها جسداً مجرداً من القدرة على التفكير والإنتاج، وذلك من خلال تسليع المرأة وجعله ظاهرة منتشرة لحد أصبح طبيعياً أن نتعرض له يومياً في كافة المجالات، سواء على شاشات التلفزيون أو في المتاجر وكذلك في الصحف والكتب والمجلات. لم يكتف النظام الرأسمالي بذلك، فقد ربط مفهوم المرأة بالجنس فقط، إلى الحد الذي أصبحت فيه الحركات المطالبة بتحرر المرأة تلخص تحرر المرأة بـ “الحرية الجنسية” فقط، نحن لا نطالب بحريات ليبرالية من هذا النوع، لا نطالب بحرية المرأة الجنسية من هذا المنظور، ولذلك حديث مطوّل قد نفرد عنه موضوعاً مخصصاً. ومن هنا يجدر بنا التأكيد على أننا لا ننظر إلى الجنس وفق النظرة الليبرالية، ولا وفق النظرة الدينية، أي أن نظرتنا إليه تنحصر في الحب وحده، نظرة تتجاوز النظرتين معاً، هي علاقة إنسانية بحتة، من المفترض أن لا تشوبها علاقات المصلحة (كما هو في الدين، أي الزواج لتعزيز علاقات القبائل، أو لمصلحة اقتصادية)، كما لا تشوبها علاقات مصلحة (كما هو الحال في الرأسمالية، أي العلاقة من أجل المال أو التسليع)، وقد يبدو التطابق هنا واضحاً بين الرأسمالية والدين، الاشتراكية تفهم العلاقة الإنسانية على ما هي عليه، هكذا ببساطة! في ذات الوقت، يتجلى ذلك الانفصام، أو الازدواجية الاجتماعية عندما يشعر الرجل بضرورة فرض سيطرته على ذلك الكائن “الضعيف”، ويبدأ بتشريع القوانين وصياغة مفاهيم أخلاقية من شأنها تحريم الملذات عن المرأة وتحليلها لنفسه ومن ثم إعادتها بين جدران منزلها وإطاعتها له. هكذا، ما بين هوّة “أخلاقية” وأخرى، يستمر المجتمع بالتخبط، ويستمر النظام الرأسمالي بفرض سيطرته بشكل أعمق من ذي قبل، لا بل ويصوّر نفسه مخلّصاً، فهو الذي يمتلك الحلول وحده. نساؤنا لسن بحاجة لبرجوازيين غربيين يخبرونهن كيف يمارسن حرياتهن، فاستبدال الثوب المطرز بالجينز ليس بالحرية التي تكفل للمجتمع التحرر من قيود الاستعباد! من السهل تفسير ظاهرة اختراق منظمات المجتمع المدني لمجتمعاتنا، لأن السبب يعود في الأساس إلى كون دولنا تابعة للإمبريالية الغربية على جميع الأصعدة وهذا ما يفسر بطلان نشاطاتها على أرضنا، لأن حل مشاكل مجتمعاتنا التي يعتاش عليها النظام لن يأتي من النظام ذاته، بل من البديهي أن ننظر إلى تلك الحلول المقترحة كأدوات تعزز من هيمنة الغرب على شعوبنا. إن قضية المرأة هي قضية مجتمع، بمعنى أن الصراع من أجل تحرر المرأة، إنما هو في صلب الصراع ضد الرأسمالية من أجل الاشتراكية. علينا أن ندرك أن تحرر المرأة لن يتحقق سوى في سياق تحرر المجتمع ككل من سطوة الرأسمالية وأدواتها. وهذا بالتأكيد قابل للتطبيق على جميع القضايا التي قسّمها هذا النظام. لن تتحرر المرأة إلى أن تصبح فرداً مشاركاً وبصورة مباشرة في العمل والإنتاج، ويمكننا القول وبثقة أن ذلك ينطبق أيضاً على الرجل على حد سواء. إن الاشتراكية وحدها هي التي تكفل للمرأة هذا الدور وتلغي فكرة الأدوار الأساسية والثانوية، فكل فرد في المجتمع له دور أساسي ويسهم في سيرورة تطور مجتمعه للأفضل، وهذا عكس ما تنتهجه الرأسمالية، التي من مصلحتها ألّا يتساوى الأفراد وأن تقع الثروة في أيد أقلية تدير شؤون العالم وتحدث فيه الخراب كما يروق لها! إن البداية في مشروع تحرري ثوري لإسقاط الإمبريالية يبدأ في اللحظة التي تعي فيها الشعوب أن الصراع طبقي لا غير. هذا النظام يستغل الرجل بذات القدر الذي يستغل فيه المرأة، فهو يرى في الشعوب أدوات تزيد من ثروته وتوسع نفوذه. الانجرار وراء إدعاءات الطبقة الحاكمة يعيدنا خطوات للوراء، تماماً كما يحدث في الوطن العربي في الآونة الأخيرة، فقد استغلت هذه الأنظمة جهل الطبقة العاملة لتعيد الصراع إلى المربع الأول، ورأينا أن نشاط منظمات المجتمع المدني قد ازداد مؤخراً، فالنظام في أزمة والشعوب المتململة فقدت الصبر، لكنها من السهل أن تتعرض للتخدير من جديد، إما أن ترتدي السلطة رداء رجل الدين أو تفتح الأبواب لمزيد من البرجوازيين (بالمناسبة، رجال الدين هم من الطبقة البرجوازية أيضاً) لتوفير الحلول بصورة مستوحاة من شاشات هوليوود! من جديد، إن المضي في هذا المشروع التحرري الثوري من هيمنة الإمبريالية لا يمكن تحقيقه من قبل المرأة بمعزل عن الرجل، بل جنباً إلى جنب لحين إسقاط النظام الرأسمالي وأدواته، ومن ثم تحقيق الانتصار من خلال النضال لإقامة مجتمع اشتراكي يقدّر الأفراد جميعاً على حد سواء، بغض النظر عن الجنس والأصل والعرق والدين. قد لا تفارقنا صورة الثائر تشي جيفارا وهو يحمل البندقية، وهي كذلك، جنباً إلى جنب، الكتف إلى الكتف، في ساحات المعارك، وفي ساعات الرخاء (وكم هي قليلة)، مع شريكته، وهي الصورة التي تلّخص معاني تحرر المرأة، بلا تسليع، وبلا رجعية!


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني