PCP

يا عمال العالم اتحدوا

متابعات ثقافية

دردشات ثقافية "لا شيء يستحق الاحترام مثل الطفولة" حصار الشبيبة بين سندان الإعلام المضاد الليبرالي ومطرقة الفضائيات «المسيح يُصلب من جديد» "عزف على قيثارة الوجود الإنساني" -------------------------------- دردشات ثقافية لا شيء يستحق الاحترام مثل الطفولة ناجي دلول صديق من أصدقائي .. له لون التراب والشمس .. وهو أطول من سنبلة بقليل .. وأقصر من الحزن بكثير .. لكن وبكل الأحوال فإن طوله لا يتناسب مع حديثه الذي إن بدأ فلن ينتهي .. حتى وإن انتهى الوقت!!.. ولم ينبت لصديقي كرش .. على الرغم من خدمته في سلك وظيفي لمدة زادت على الثلاثين عاماً، وفي موقع يتميز من يحتله بهذه الميزة المميزة، إضافة إلى تخزين المال والأملاك .. والجشع .. عن طريق الرشاوى .. لكن ناجي لم يرتش ِ إلا بالقصائد والياسمين!!.. خاض المعارك .. التي خاضها الوطن .. ومع كل معركة .. كان يرق ويشف بدل أن يتصخر قلبه .. بل صار يركض خلف أية امرأة يريد الإمساك بها .. لا لأنه يريد منها جسداً .. بل لأن ناجي تحوّل إلى طفل .. وهو يظن وبكل قناعة أن من يطاردها .. فراشة!!.. ومع كل ذلك لم تنبت حوله إلا لبلابة الديون والهموم التي التفت حول عنقه النحيل .. وغطت صلعته التي قد ينبت فيها الشعر ثانية .. كردة فعل على الضغوط التي يعيش.. منذ مدة ليست بالبعيدة .. كان يحدثني عن مشروع عمره ومنتهى أحلامه! .. «غرفة صغيرة خارج البلدة» حتى أنني كدت أشم عبق الورد .. وأسمع هديل الحمام وأرى وهج الجمر في الموقد الذي سيشتعل أمام الغرفة في الليل .. وكنت أقول له يا ناجي: أنت مجنون ورجل أحلام .. كيف ستبني الغرفة وليس معك قرش؟! .. كفى .. لا تحدثني عن غرفتك وتضييع الوقت .. حدثني حديثاً مفيداً..!.. وتركت ناجي مدة عشرة أيام سافرت خلالها ثم عدت لأجد الغرفة قد نهضت .. ويحيط بها الورد والياسمين وأمامها تنتصب شجرة بطوله تماماً .. فما كان مني إلا أن أهديته ياسمينة ليغرسها ولتزيد ياسميناته ياسمينة!!.. واكتشفت أن ناجي جمع حجارة غرفته من مكبات ركام الهدميات التي ترمى خارج المدينة، فلذلك أصبحت كما يقال في بلدتنا مثل عباءة (حسن الضحاك) أي لكل حجرة فيها لون فهذه بيضاء .. وتلك صفراء .. وأخرى رمادية!... لا بل .. بنى فيها وأمامها مقاعد من طين .. وجعل المقاعد الخارجية محاصرة بالورد والياسمين .. ونثر في فضاء الغرفة وحيطانها لوحات صغيرة مقصوصة من الجرائد والمجلات .. تتوسطها لوحة مشتعلة باللون الأحمر حيث تتصاعد امرأة حزينة من موقد .. (رسمها الفنان رياض الشعار).. .. ولم يقتصر الأمر على ذلك .. بل وفي كل مساء تتجمع عنده ثلة من الأصدقاء حول الموقد الطيني الذي يجلس خلفه كما يجلس رئيس مجلس الوزراء خلف مكتبه .. وهو يلقم النار الجوعى كسر الحطب .. متراجعاً عن عزيمته على البطاطا المشوية والبصل .. لأن كل شيء أضحى غالياً .. واللحم أساساً مرفوض على موقده .. حتى لا تـُفسد أخلاق الموقد .. كما يزعم صديقنا ناجي .. ولتدور حول مكتبه أحاديث الشعر والأدب والفن .. وربما في أحيان قليلة النميمة البريئة مترافقة مع كأس شاي على الحطب!.. نسيت أن أخبركم أن لصديقنا ديوانين من الشعر .. كئيبين من حيث الشكل ويجلبان الفقر من بعد الف كيلو متر .. حيث استطيع أن أزعم إنهما رديئان من حيث الشكل .. وأنهما أساءا كثيراً للقصائد الجميلة والمكتنزة (كامرأة شهية) بالصور الشعرية المميزة ... الأول اسمه (طموح الحواس) صادر عام (1993) عن دار مجلة «الثقافة» والثاني واسمه (جلالة الماء) مكتوب بخط اليد ومنسوخ على (آلة الفوتوكوبي) وغير ربك لا يعرف عن أية دار نشر صدر.. ومن خلال تذوقي الشعري الخاص استطيع أن أدعي بأن ناجي في شعره شاعر صورة وبامتياز .. ويعبّر شعره عن ثقافة يخفيها الشاعر في داخله رغم أن تحصيله العلمي لم يتجاوز المرحلة الابتدائية..!.. «كم استحضرتك وأطلقتك بجعة اللقاء؟ طويتُ جميع أصابعك محصياً القرنفل /الطالع والحمام ../ كأن يدي ستقطفك ../ خبأت في مائك عروقاً من بروقي ../ وقبلة لم تباركها الأختام!!». ولنقرأ حين يخاطب طفلة تدعى رفيف يقول لها: «كـُنتِ في دغشة المساء فراشة غافلها الطقس البديع/ تبحثين عن نافذة للمبيت وأية مدينة هذه ../التي لا تنام على نافذتها فراشة؟!». وربما كان الهاجس الأكبر في شعر ناجي هو المرأة والحب .. فالمرأة تلخص التطور الذي وصلنا إليه والموقف منها لا ينفصل عن الموقف من القضايا العامة: «أنا من أمة فيها /لكل أنثى ذكر يقمعها /لكل سراج ريحٌ تطفئه ستعود الدلاء من قعر الآبار متألمة /كما يعودُ العاشق من عند حبيبته بلا قبلة». «لا تصفق للماثل /تخُنْ المستقبل /إن فـُرضت عليك القِبـْلـَة ُ ابقِ سجادتك تحت إبطك .. لا تصلِّ» «للشرّ جناحان أحدهما أخي» «لأن لحظة بقربك أفضل من دهر بليد» «ديانا بليغة كنهديها ../قالت لي: لا يحاكي السماء سوى الطير». وأنا هنا لست بصدد الدخول في مسائل نقدية بقدر ما أود الإشارة على أنه وفي وسط هذا الزحام الأدبي والفني يختلط الحابل بالنابل، ويطفو الغث والزبد ويُضيع ما ينفع الناس، .. وأزعم أن ديواني ناجي ــ كما أسلفت ــ مكتنزان بالصور الشعرية المبتكرة الخالية من الفذلكات التي يُغطي الكثير ممن حملوا رايات الاستحداث ضعفهم وجدبهم الشعري بها، حيث تدخلنا قصائدهم الحداثوية في الحيط .. كما يقال.. وهناك شعراء حقيقيون ــ غير ناجي ــ يضيعون في هذا الزحام ويكاد غناؤهم أن يضيع ويتلاشى وسط هذا الضجيج وهذه الجعجعة .. الأدبية والفنية والسياسية.. وإن كان لي ملاحظة على شعر ناجي عموماً تتلخص في الضعف في تقنية القصيدة، أي عدم المهارة والسلاسة في ربط الصور الشعرية بعضها ببعض بحيث تبدو القصيدة سلسلة، ولا جسداً واحداً .. ولكني شخصياً أغفرُ له ذلك أمام روعة تشكيل الصورة الشعرية. «أعرفُ أن الأمهات حين يصبحن طاعنات في السن /تتجعد جلودهن أعشاش حنان /فإذا مت يا أمي /لا تملئي الدنيا عويلاً كالوحشة /والآن أرجوك أن تؤجلي موتك قليلاً لأقول لك /أنا المذنب .. مالي والنضج؟ .. /كنت أسطورة أمارسُ الشغب الرفيع /أطوح من الرصيف إلى الطريق /بلا سروال داخلي /ألتقط حجراً /أحطم الذي لا يعجبني! /أنا المذنب يا أمي /أنا الذي أعجبتُ بأبي /ورحتُ .. أنمو .. وأنمو .. حتى حلقت ذقني». في كل صباح .. أذهب إليه .. لأجده متمدداً على التراب كنبتةٍ .. أنهضه لنسمع فيروز .. ولأشاركه سيجارة تبغ عربي .. مع فنجان قهوة، ولأشكك في آرائه النقدية الخاصة بأدب النساء .. فناجي منحاز للأدب حين تكتبه امرأة مهما كان ضعيفاً، ولكني أردد معه دائماً صارخين في وجه هذا العالم المجنون لا أحد .. لا أحد يستحقُ الاحترام .. سوى الطفولة. نضال الماغوط -------------------------------- حصار الشبيبة بين سندان الإعلام المضاد الليبرالي ومطرقة الفضائيات لقد أصبح الناس في العالم لا يتعرفون على الصهيونية من خلال نجمة داوود، وإنما من خلال عدوانها الغاشم وإرهابها الوحشي وبطشها، ومن خلال سياستها وممارستها في حقل الإعلام وتأثيرها في الناس، ومن بينهم الشباب العربي، فمن السذاجة والخطأ أن نتصور أن عمليات القتل والتدمير التي تمارسها القوات الأمريكية في العراق، والغارات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، هي المعركة الوحيدة التي تواجه الشباب العربي في هذا العصر القبيح. فهناك حرب إعلامية تقوم على خطط ودراسات، وتستخدم فيها كل الوسائل بالفضائيات التي تغطي سماء الكون، وتستنزف وتستهلك عقول الناشئة، ولهذا الأمر أهمية خاصة، لأن الصراع الإيديولوجي في العالم، ما هو في نهاية المطاف إلا صراع إعلامي له أهداف محددة وملموسة، وهي كسب الأنصار والسيطرة على الناس، وجيل الشباب خاصة. فالإعلام هو في نهاية الأمر عبارة عن أفكار تنتشر وغالباً ما تشبّه هذه الأفكار بالأسلحة والقذائف، بيد أن الأفكار أقوى وأمضى، فالقذيفة تؤثر ولمرة واحدة، أما الأفكار والإعلام فيؤثر مراراً وتكراراً، ويمكن أن يكون على درجة من الخطورة، بحيث لا يمكن تدارك مضاعفاتها وتأثيرها في الناس. يقول الصهاينة، أبناء عمومة الاحتكارات الإمبريالية العالمية: «على إعلامنا أن يربي العقول، حسب الاتجاه الذي رسمناه» فالإعلام الصهيوني ــ الإمبريالي هو عبارة عن نظام التخريب الإيديولوجي والإعلامي الذي تقوم به مختلف الأجهزة والمراكز الإمبريالية العالمية، وموجه إلى وعي الناس والشباب وعواطفهم بغية السيطرة على العقول والتحكم بها، وإعادة توليف وتشكيل البشر من جديد، لتبقى المحصلة النهائية، هي غياب الحقيقة أمام صخب الآلة الإعلامية المجنونة والتي تحاصر جيل الشباب من كل الجهات بجيوش العُري .. وجيوش الموت، حيث هناك أكثر من /25/ قناة فضائية يشاهدها الشباب فيها مساحة واسعة من العرّي مجسداً في أغانٍ الفيديو كليب على مدار الأربع والعشرين ساعة مضافاً إليها الكم الهائل من القنوات التي تقدم كل أنواع السينما العارية .. وفي هذا المستنقع يغرق ملايين الشباب العربي .. وغير العربي لشل طاقة الأوطان حيث تهمشت الأفكار، واختلفت القيم والمثل، وتراجع دور الفن الحقيقي الأصيل أمام جنون العرّي وجنوحه وصخبه!!.. نحن الآن أمام أجيال تخضع لحصار مخيف من الفضائيات التي تتسلم الشاب طوال أربع وعشرين ساعة، ولا تتركه إلا في حالة من الغيبوبة التامة والانحراف والعجز مضافاً إليهم البطالة والفراغ القاتلين .. فأمام كل ألوان العرّي هذه لا يجد الشاب أمامه غير وسيلة الإحباط والعجز والانحراف والتحوّل في بعض الأحيان إلى جرائم التحرش والاغتصاب... إنه الحصار ... وهذا الحصار لم ينشأ من فراغ، فهو يعكس في حقيقة الأمر فكراً وأدلجة مدروسة.. إن هذا العدد الهائل من الفضائيات العارية .. كمّ لا يوجد له مثيل ولا حتى في الصين أو الهند أو حتى بأمريكا نفسها، وهي دول تعداد سكانها بالمليارات، مما يعني أن هناك خصوصية موجهة لأدلجة الشباب العربي بهذا المنحى ... إننا أمام مؤامرة ومشروع يهدف لاستنزاف قدرات أجيالنا الحالية والقادمة وتهميشهم جميعاً، وهذا يعني أننا نمضي إلى مستقبل مجهول .. بلا ملامح، لأن الشباب الضائع في متاهات العرّي والغرائز هو الذي سيتحمل عبء الوطن وهمومه بعد أعوام المستقبل المنكرجة، وعلينا أن نتصور النتائج. هناك جهود حثيثة من الإعلام الإمبريالي والصهيوني المسيطر على هذه الفضائيات بغطاء عربي، لتغيير المفاهيم والتقاليد والانتماء ... وهناك أموال طائلة ومصادر تمويل تبلغ ملايين الدولارات كل يوم في هذا الاستثمار المشبوه. وفي الوجه الآخر للصورة، تقف الفضائيات في موقع مختلف عن حصار العرّي ... إنه حصار الموت الذي تخصصت قنواته في نقل صورة الموت والدمار في العراق وفلسطين ... وما يبعث الحيرة أن هذه الفضائيات لا تنقل على شاشاتها سوى جثث القتلى العرب، أما لماذا لم نشاهد قتيلاً واحداً للقوات الأمريكية صور قتلاها وهم بالمئات والآلاف، فهذا يبقى بلا جواب!! ... وهكذا نجد أن شبابنا إما يقضون أوقاتهم مع اللحوم البيضاء العارية أو مع الدماء والأشلاء فوق الإسفلت والحديد المحترق، وهذه الثنائية هي التي تحكم مسيرة الفضائيات، أياً كان لونها وتوجهاتها.. هناك سر غاضب متفجر يدعو شباب العالم لأن يقف في مواجهة الإمبريالية والصهيونية، فهي في أشد حالاتها عدائية وبربرية .. وهي التي تسعى إلى إدامة احتلال للمسرح التاريخي على حساب الشعوب والعالم بأسره .. ومنها شعوبنا العربية.. وتعتبر قضية الإعلام العربي ودفعه لأن يكون ثورياً وجماهيرياً هي من أكثر القضايا حيوية وإلحاحاً ومن الضروري أن يتم إدراك مهماته وخطه هذا الخط الذي يجب أن يستوعبه الشباب والجماهير معاً، وبأي قدر استطاع الاقتراب والنفاذ إلى حياتهم ونضالهم .. هذا الإعلام الذي يتوجب عليه دعم وتعميم الحل الثوري للمسائل المطروحة بشكل واسع. كما يتوجب عليه رفع شعارات رئيسية وطنية وفي مقدمتها، الاستقلال الكامل عن الإمبريالية والصهيونية والاستعمار بكل أشكاله، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كما يتوجب عليه رفع شعار القضاء على الرواسب الاجتماعية .. وعلى أساس هذا الخط يتوجب على الإعلام جذب الأوساط المثقفة الثورية والعمالية الكادحة .. إن نجاح الإعلام في مهماته يعني أن يكوّن جهازاً مثقفاً منظماً لتحرك الشباب والجماهير وقائداً للنضال الوطني الثوري للشعوب نافذاً إلى أعماق حاجات الناس ونضالهم اليومي وأن يجيبَ دائماً على الأسئلة الملحة المطروحة من قبل جماهير الشباب والشعب، والتي تستحوذ على اهتمامهم في المرحلة المعاصرة، كما أن عليه أن لا ينغمس في متاهات مسائل نظرية معقدة لا تجد تجاوباً سريعاً من قبل الجماهير الشعبية ولا أن يكون وصفياً تأملياً، وإنما حاثاً على النضال والتصدي للمؤامرات. على الإعلام الثوري أن يقيم صلات متينة مع الفصائل الطليعية والمتقدمة التي من الممكن أن تبذل له الخدمات ليس فقط من ناحية المعلومات والوثائق، بل ايضاً من حيث الصلة بالجماهير والأوساط الكادحة، كما أن عليه فضح السياسة الاقتصادية الليبرالية الموجهة، نجد زيادة وتدعيم وتوطيد مواقع الرأسمال الأجنبي الإمبريالي في بلادنا لكي يتم إنزال ضربة مميتة للصناعات الوطنية والتجارة الوطنية وإضعاف دور الدولة... الوضوح، فالوضوح، ثم الوضوح في الخط الإعلامي الثوري وعدم إضفاء جو من البلبلة في وعي الجماهير، ومحاولة تعليمهم شيئاً منها ... إن المحور الأساسي يجب أن يدور حول فكرة، أن أفضل طريقة لتجنب الإمبريالية الأمريكية مثلاً، لا محاولة تحييدها، بل هي طريقة النضال الثوري المنظم، وإظهار تعاظم النهوض الشعبي بتعابير عامة وواضحة، إن الإعلام الوطني الثوري يجب أن يعطي الجماهير شيئاً جديداً، لا أن يكرر لهم ما يمكن أن يجدوه بأنفسهم بالإعلام الإمبريالي والإعلام الوطني والإصلاحي، ومن هنا تبرز المهمة الكبرى، وهي الانتهاء من المقالات الطويلة والمنقولة والمكررة. ولكي يصبح الإعلام الثوري جماهيرياً عليه ان يتجه اتجاهاً حاسماً نحو هذه الجماهير وأن يأخذ بعين الاعتبار مستوى تطور هذه الجماهير بشبابها ودرجة جاهزيتهم السياسية. وفي الوقت نفسه من الضروري للإعلام الثوري أن يسلط الأضواء ويقدم إلى مكان الصدارة تطور النضال الثوري المناهض للإمبريالية في البلدان العربية كافة، ومن أجل رفع الطاقة الثورية للجماهير وبعث الثقة فيها ولقواها، وإعطائها إمكانية الاستفادة المتبادلة من تجربتها وتنسيق جهودها، وينبغي في سبيل ذلك متابعة مسيرة النضال النقابي الذي يجب أن يكون هجومياً للطبقة العاملة، ومسيرة النهوض والتنظيم وأشكال النضال لدى جماهير الفلاحين والبرجوازية الصغيرة والمثقفين الثوريين .. كما أنه من الضروري أن يقوم الإعلام الثوري بتحليل شعبي ومفهوم للسياسة الإمبريالية والصهيونية، وكشف أساليبهم في بسط سيطرتهم واستغلالهم للشعوب، ووسائل الإرهاب والتجسس والاستفزازات التي يلجؤون إليها بهدف إبقاء الجماهير في حالة من التعـّمية والتبلد، ينبغي تركيز النيران على الإمبريالية جلادة الكادحين. كما ينبغي تحطيم النير الإمبريالي كما على الإعلام الثوري أن يشرح ويوضح ويفضح بشكل تكتيكي ومرن السياسة الإصلاحية الوطنية وتطورها نحو الاستسلام التام أمام الإمبريالية (وخاصة اقتصادياً) .. كما عليه تعئبة انتباه واهتمام الجماهير بشكل دائم للنضال ضد الحروب. وأخيراً .. عليه أن يرفع شعار: «جبهة موحدة عريضة عالمية وعربية مناهضة للإمبريالية والصهيونية» والقادمات من الأيام مفعمات بالأمل. مازن الحلبي -------------------------------- «المسيح يُصلب من جديد» عزف على قيثارة الوجود الإنساني .. الصليب عبء الحياة الذي يثقل كاهل الإنسان، يحمله ويرتقي الجبل الوعر، سعياً وراء الخلاص، إنه صخرة سيزيف، والصلب انتصار قوى الشر، وقيامة المسيح هي الأمل .. قد يكون بعيداً، ودونه أهوال، ولكنه قائم، وعلى المرء أن يحمل صليبه على كتفه، أن يعاني ويناضل، ويتخذ الطريق الوعر، الطريق الصاعد، حيث يكون الخلاص، ولا خلاص بغير نضال، نضال الإنسان الحر المتمرد إزاء نفسه، وإزاء الوجود، متمرد على نفسه وعلى الوجود رغم العدم. .. «المسيح يصلب من جديد»، رواية من نوع القصص السيكولوجية الاجتماعية، وهي عمل فني فذ، سطرها قلم راسخ متمكن، فيها دقة فنية، وقوة حيوية نشطة، ولمسة شعرية في صوغها، وتصويرها المرهف لآلام المسيح، وهي صورة ملحمية لصراع الإنسان على مرِّ التاريخ من أجل حياة أسمى، وهي أمل إنساني قوي عارم يعتمل في صدر كل إنسان، ولكن ... وهنا مسحة التشاؤم إذ يختمها كازانتزاكس بقوله: «لا جدوى يا يسوع» فيصير الأمل سراباً كأنما نقيض الريح، .. رغم كتابات كازانتزاكس التشاؤمي العدمي إلا أنها كلها دعوة إلى الحياة، أن ننهل منها، ونقضي وطرنا، فالحياة لنا، ومن أجلها نعيش ونناضل، ولكن الجمال والحب أسماها جميعاً، وأرفعهما قدراً. فهكذا كان زوربا الذي عاش حياة الواقع، أقدامه على الأرض، حياته تجربة متجددة، وحين حضره الموت خطا نحو النافذة وفتح مصراعيها، وبسط ذراعيه كأنما يستقبل الوجود بين أحضانه، وأطل بعينين نهمتين إلى الجمال الموجود في الطبيعة، يرنو إلى الأفق البعيد يمتـّع ناظريه ... ولكن إلى الشمس الغاربة التي خطبت الأفق بجمرة الشفق. .. هكذا كان الكابتن فورتوناس في «المسيح يصلب من جديد»، حين استرجع حياته وهو على فراش الموت، فلم تع ذاكرته سوى رفاق الأنس في روضة يانعة حيث الأزهار الجميلة العطرة الأريج، وألحان الماندولين، والسماء الصافية الأديم، وكأن كازانتزاكس يعزف على نفس القيثارة التي عزف عليها ديونيسيوس سولوموس رائد النهضة الأدبية الهيلينية الحديثة: الطبيعة سحر وحلم جمال ودلال تنبجس من ألف نبع، وتنادي بألف صوت، حتى تستقر في نفس ِ الإنسان. إن من يمت اليوم فكأنما مات ألف مرّة... .. الحياة عند كازانتزاكس ظفر بالموت، وانتصار على اليأس ونضال مستمر، وبهجة تراجيدية. الخلاص في رأي كازانتزاكس أمل قائم فيما وراء اليأس، والنضال سبيلنا إلى التعالي أو تجاوز هذه الهوة السحيقة. الحب والعمل عدة النضال، وزادنا في مسيرة الحياة، وسبيلنا للانتصار على اليأس، والحب والعمل لا يكونان إلا للإنسان الحر، الذي يختار حياته بكل معنى الاختيار، الذي يرقى إلى مستوى الخلق. .. يقول كازانتزاكس في رواية المسيح يصلب من جديد، على لسان ياناكوس «هكذا يكون الإنسان .. كائن حي يتكلم ويعترض ويسائل»، فعلى هذا النحو يحقق الإنسان ذاته أو يمنحها الوجود الحق. .. إننا نفرض ذواتنا على الحياة، أو هكذا ينبغي أن يكون الإنسان، وهكذا كان القسيس فوتيس في المسيح يصلب من جديد، وهو نموذج الإنسان، ومسيرته هي مسيرة الإنسان على طريق الحياة: معاناة وجلد وتحرر وحب وعمل. يقول القسيس فوتيس: «الحياة يا إلهي عبء ثقيل، ولولاك لأمسك كل منا بيد الآخر، رجال ونساء، وذهبنا لنلقي بأنفسنا في هوة سحيقة ليس لها من قرار لنتخلص من الحياة، ولكنه موجود، فأنت الفرحة والعزاء». .. مرة أخرى يقول لقومه بعد أن حلت بهم النوائب تطحنهم: «العمل والصبر والحب» .. تكلم فهي أسلحتنا، «تحررت الروح من البطون المتخمة، وهي الآن قادرة على الطيران» و «إن من يملك أرضاً وأشجاراً تصبح الأرض والأشجار هي ذاته، وتفقد روحه صفتها القدسية». لذلك يسأله مانولي قائلاً: «يا أبانا، ترى هل تستحق الحياة الدنيا كل هذا العناء والوقت؟». فيجيب عليه الأب قائلاً: «نعم تستحق، وتستحق الكثير .. ولو وضعنا أيدينا إلى جنوبنا دون أن نبدي حراكاً، فإننا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، هلاك على الأرض، وهلاك في السماء»، وهكذا فالحياة أمل عبر اليأس، ونضال حر على شفا العدم الذي يسري بين أوصال الوجود حتى يكاد يصدعه، واختيار قلق وخالق، وبهجة مأساوية، لا دعةً وسكينة واستسلاماً، والحياة قلب عاشق للجمال يذوب حنيناً، وابتسامة صافية لنفس نقية أسقطت عن كاهلها أهواءها وشواغلها الدنية. .. جدير بالذكر أن نيكوس كازانتزاكس: كاتب ومفكر يوناني معاصر، وقمة شامخة بين أدباء عصره. حقق شهرة كبيرة كروائي، ولد في /8/ ديسمبر /1885/، درس القانون في اثينا، له إلى جانب رواياته: (زوربا اليوناني ــ المسيح يصلب من جديد ــ الأخوة الأعداء ــ الإغواء الأخير للمسيح)، أعمال شعرية مثل: العمل الشعري الملحمي (الأوديسا)، كذلك ألـّفَ مسرحيات منها: (يسيوس، المسيح وبوذا وبروميثيوس ... الخ). .. توفي عام 1957، في يوم 18 من شهر أكتوبر. عاش نيكوس كازانتزاكس للإنسان .. للحب وللحياة وللطبيعة والجمال. بقي كازانتزاكس عازفاً بارعاً على قيثارة الوجود الإنساني المشدودة فوق حافة العدم. عرض وتقديم: عماد برهو


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني