PCP

يا عمال العالم اتحدوا

إفلاس نموذج الثورة المضادة الإخواني الظلامي

شهدت الأشهر القليلة الماضية هزات شديدة لحكم جماعة الأخوان المسلمين في كل البلدان التي يحكمونها. فاندلعت في تركيا احتجاجات جماهيرية واسعة ضد السياسات الاقتصادية الاجتماعية لحكومة حزب العدالة والتنمية، ورئيسها رجب طيب أردوغان وأحلامه العثمانية، بما فيها الهجوم على نمط حياة الشعب التركي، وارتباطه الشديد بالمخططات الإمبريالية في المنطقة. وفي تونس يترنح حكم حركة النهضة الفاشل، والذي يقود البلاد نحو الحرب الأهلية، فالتمرد المسلح مستمر على الحدود الغربية والعملية السياسية تراوح مكانها، فلا دستور ولا انتخابات، والأوضاع الاقتصادية في تراجع مستمر بينما يزداد سخط الجماهير. وفي المغرب انسحب حزب الاستقلال من حكومة حزب العدالة والتنمية الاخواني لتركها في مهب الريح، وجاء هذا الحدث بعد سقوط حكم الأخوان المسلمين في مصر إثر الإنتفاضة الشعبية التي دفعت بالجيش إلى خلع محمد مرسي كي لا تخرج الأمور عن السيطرة. وعندما نقول الأخوان المسلمين نقصد كل القوى الرجعية المتسترة بالدين والمرتبطة عضوياً بالمشروع الإمبريالي الأمريكي والصهيوني في المنطقة، فكل هذه التيارات الرجعية خرجت من عباءة الأخوان المسلمين وإن اختلفت معها في التفاصيل فإنها لا تختلف معها في الرؤية والهدف والوسيلة، وهي تنظيمات مصنعة ومفرخة فكرياً وتنظيمياً في مخابر الاستخبارات البريطانية في النصف الأول من القرن العشرين وحازت على رعاية المخابرات الأمريكية منذ النصف الثاني للقرن العشرين. ويشترك حكم الأخوان المسلمين في هذه البلدان بقواسم مشتركة أساسية، فقد صعدت إلى الحكم في مرحلة فراغ سياسي، بعد ثورات شعبية كما في تونس ومصر، وبعد مرحلة اضطراب وفضائح طالت النخب الحاكمة كما في تركيا، بينما ركبت في المغرب كتعميم للنموذج وبمباركة من السلطة الملكية المطلقة بعد فشل النظام المغربي في حل المشكلات المستعصية . وكان صعود الأخوان بإشراف كامل من الإمبريالية الأمريكية،التي كانت تسوق هذا النموذج من خلال تركيا خلال العقد الماضي، باعتباره نموذج "الإسلام المعتدل" الذي يناسب المصالح الأمبريالية، أي الذي يخدم الإمبريالية الأمريكية والقادر على التعايش مع الكيان الصهيوني، لذلك بقيت العلاقات الاستراتيجية التركية الإسرائيلية قوية بغض النظر عن الجعجعة الإعلامية، وحافظ الأخوان المسلمون في مصر على اتفاقيات كامب ديفيد وازدادت وتيرة وعمق التنسيق مع الصهاينة، وفي تونس عمل حكم حركة النهضة على إجهاض أي محاولة لتجريم التطبيع قانونياً ودستورياً، أما في المغرب فهذا من اختصاص الملك وعلى الوزاراء تنفيذ إرادته فحسب. واقتصاديا يرفع هؤلاء لواء الليبرالية السافرة، فبرنامجهم الاقتصادي يستند إلى الخصخصة واستجرار القروض، فهم الممثلون الأكثر رجعية للبرجوازية الكمبروادورية المرتبطة مصالحها عضوياً بمصالح الإمبريالية العالمية. ويغفلون هذه السياسة بمجموعة من الشعارات الذرائعية التبريرية ذات اللبوس الغيبي، وكي يستطيعوا تنفيذ البرنامج الوحشي لليبرالية الاقتصادية لا بد من عصا غليظة لكبح الغضب الجماهيري، لذلك يدعون للحكم الثيوقراطي المطلق المعاي للديمقراطية والدولة الوطنية والتقدم الاجتماعي، مسخرين الدين لغاياتهم الدنيئة، فما لن يستطيع الفكر الغيبي كبحه تستطيع السلطة الغاشمة قمعه تحت راية الدين. وهم يروجون منذ نشأتهم لفهم خاص للدين الإسلامي، وهذا الفهم يتعارض مع الفهم الشعبي لهذا الدين وطقوسه، وهذا ليس بصدفة، فمفاهيمهم الدينية هي خليط من أفكار الخوارج وتنظيم المماليكوسلطة العثمانيين، أي ذلك الخليط من الفكر القمعي الظلامي المعادي للشعوب، والذي يهدف لوضع الشعوب في قمقم الجهل والتخلف كي ينعم حكامه بالبذخ والثراء، وكل ما يحرموه على الناس يحلل لهم. لذلك أنتج فكر الأخوان تعاليم من قبيل تكفير المجتمع وضرورة قمع الجماهير الشعبية وإجبارها على تبني رؤيتهم المشوهة، وإن لم يتم ذلك بالدعوة فالقوة الإخوانية ميالة دوماً لاستخدام الإرهاب الفردي والجماعي، لأنها تعتبر الجماهير رعاعاً لا تعرف مصلحتها على أقل تقدير ومن أجل ذلك يتاجرون بالدين ويجعلون أنفسهم السدنة الحصريين لأبواب الفردوس السماوي، لا بل يوزعون صكوك الغفران على من يريدون ويحجبونها عن الاخرين وهذا أحد المظاهر الفاشية لهذه التنظيمات. وفي سبيل تروج سياستهم يمارسون مختلف الموبقات السياسية، من الكذب والإفتراء ونشر الإشاعات والدجل والشعوذة والتنجيم حتى الحنث باليمين والتزوير واستخدام المال السياسي، فنجد "دعاة" الأخوان يتحدثون عن رؤى وأحلام يعطونها صفة القدسية والحقيقة المطلقة، ويروون القصص الخيالية وكأنها حدثت معهم، ويتلاعبون بمشاعر البسطاء من خلال الشعوذة والتنجيم، ويحنث سياسوهم بالقسم ويكذبون عاى الجماهير دون رادع أو وازع من ضمير فالغاية تبرر الوسيلة، والكذب على "الكفار" ليس مشروعاً بل واجباً أيضاً. وقام الأخوان بتزوير الانتخابات في كل مرة شاركوا فيها، سواء في انتخابات النقابات أو الإنتخابات العامة، ويحترفون استخدام المال السياسي مستفيدين من شطارة التاجر ودجل المشعوذ وطبعاً البترودولار. وطوال تاريخهم مارسوا معايير مزدوجة، فخطابهم الإعلامي رسمي ناعم بينما يمتاز بالتحريض العنيف بين الجماهير وفي منظماتهم، وإن قويت شوكتهم يبدؤون بالحديث بصوت عالٍ ضد الديمقراطية والدولة الوطنية، ويؤسسون تنظيمات مسلحة مهمتها ضرب القوى الوطنية والتقدمية باستخدام الإرهاب، وعندما يتلقون الضربات من الدولة يبدؤون بلبس دور الضحية ويدعون للديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تكرر السيناريو في مصر وسورية والجزائر، لكن الشعوب لا تنسى، وتعرف الذئاب وإن تدثرت بجلود الحملان. وهذا النموذج من الممارسة السياسية ليس بغريب عن فئة تمتاز بكل صفات الحثالة الطبقية، فقياداتها من البرجوازية الكمبرادورية والتجارية المتحالفة مع الكولاك، وتتأثر قطاعات من الفئات الوسطى بهذا الفكر، خاصة تلك المرتاحة مادياً لكنها تخشى على مكاسبها من الضياع والمرتبطة مصالحها بالفئات السابقة الذكر، ويستند الأخوان في عملهم الميداني غلى حثالة البروليتاريا من البلطجية والمهمشين لتنفيذ مهامهم القذرة. لذلك فإنهم لا يقدمون للمجتمع إلا نموذجاً مشوهاً ذا أفق محدود سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلن نجد على مر تاريخ جماعة الأخوان المسلمين أديباً أو كاتباً أو صحفياً لامعاً، ولم تنتج الجماعة أغنية أو نشيداً يتداوله الناس خارج إطار أعضائها، ناهيك عن معاداة الأدب والفن المتجذر في فكرهم الظلامي. لكننا نجد لديهم عشرات التجار والشطار والفهلوية، وهو النموذج الساداتي، الذي تم ترويجه سنمائياً وتلفزيونياً، للرجل المتوسط التعليم والثقافة القادر على جمع المال بشتى الطرق، فالمال هو القيمة الوحيدة لديهم. لذلك فإن نماذج خيرت الشاطر ومحمد مسي والمرشد محمد بديع ليست الاستثناء بل القاعدة التي أبرزت هؤلاء الأشخاص المحدودين الفاقدين للشخصية الكارزماتية والذين يحاولون إدارة بلد كمصر بالدجل والشعوذة، ويحاولون مد أذرعهم إلى البلدان الأخرى بكل الوسائل القذرة. اليوم يحصد الأخوان ما زرعوه خلال عام من حكمهم في مصر وتونس والمغرب، فقد انكشف زيف حديثهم ورياؤهم وانبطاحهم أمام الإمبرياليين والصهاينة، وانفض الناس عنهم، وزد على ذلك نكساتهم المنكرة التي تلقوها في بلدان أخرى، وخاصة في سورية، إضافة لإفلاس النموذج الأصلي في تركيا، بعد أن وصل مشروعهم هناك إلى طريق مسدود وبدأت البرجوازية التركية ومن خلفها الإمبريالية الأمريكية بالبحث عن بديل لأردغان وحزبه. إن ما يحدث اليوم من إفلاس للنموذج الأخواني الرجعي التابع المنفذ للإرادة الإمبريالية والمتستر بالدين، لكن هذا لا يعني زوال الخطورة عن المجتمعات والدول الوطنية، فهذا التنظيم سيبقى ورقة دائمة تستخرج من أدراج الدوائر الإمبريالية في المراحل الإنعطافية كقوة للثورة المضادة، ودوماً بإدارة مخابراتية إمبريالية ومال خليجي.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني