PCP

يا عمال العالم اتحدوا

قراءة في واقع الربيع العربي المزعوم وتبعاته على القضية الفلسطينية

إن قراءة الواقع تُحتم علينا عدم فرض رغباتنا، واسقاط ذواتنا على حركة موضوعية مهما كانت مؤلمة لأن قراءة الواقع بشكل علمي هو الخطوة الأولى نحو الفعل الثوري في مسيرة التغيير، إن حقيقة واقع الظلم والتهميش والقمع وما رافق ذلك من فرز طبقيي في كافة البلدان العربية، هذا الواقع المفروض على الشعوب والمُسير لخدمة طبقة طفيلية قمعية لم يترك هامش وحيزاً ولو بسيط للحريات حيث استخدمت أجهزة قمعية في كبح طموح هذه الشعوب بالتحرر والانعتاق من التبعية للرأسمال الإمبريالي. إن واقع تحرك الشارع العربي نحو التغيير بدءاً من تونس وانتهاءً في ما يحدث في سوريا هو حقيقة معبرة عن معاناة تاريخية، هذا الواقع الذي لو حدث في ظروف وتوقيت غير هذا التوقيت لكان معبراً عن طموحات حقيقية لكن حقيقة الطموح عبر عنه واستخدم لأهداف مشبوهه كما يقول المثل "كلمة حق يراد بها باطل" إن ضرورة التغيير واجب حيث أصبحت هذه الجماهير لا تستطيع العيش بالنمط الذي عاشته لعقود طويلة، وهو ما عبر عنه البوعزيزي في تونس، ولم يعد بيد السلطات القمعية القدرة على السيطرة بنفس الطرق القمعية والنهج القديم. إن قراءة الظروف وأسباب الإنعطاف بالحراك الجماهيري باتجاه آخر غير المأمول له وذلك لعدة أسباب منها:- 1-واقع اليسار العربي والشيوعي خاصة: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بفعل التآمر وبروز عالم القطب الأوحد وانعكاس ذلك على اليسار العربي عموماً والشيوعي خصوصاً وما رافق ذلك من حالة الجزر التي مر بها وما زال البديل الثوري هذا الواقع الذي فرض نفسه على جماهيرية اليسار وانعكس بما عاشته الأحزاب الشيوعية واليسارية من أزمات تنظيمية، أيدولوجية، سياسية، جماهيرية بحيث كثرت بها الانشقاقات والخلافات مما عكس ذلك على قدرتها على التأثير والدور الذي يمكن أن تلعبه في التعبيير عن الحراك الجماهيري وقيادته، وفي حين بقي القسم الثابت من هذا اليسار المبدئي الشيوعي يعيش واقع الاضطهاد والسجون وخوض النضال على أكثر من جبهة، في نفس الوقت الذي رفض التسليم بواقع انتهاء الصراع مع الامبريالية لمجرد كسبها لمعركة داعياً لمواصلة النضال ضد الإمبريالية وحلفائها ومنظريها، وقف وحيداً مدافعاً عن النظرية والتجربة وهو مدرك تماماً أن المعركة ستبدأ مجدداً ولو من فوق نقطة الصفر بقليل هذه المعركة التي نتعرض فيها للطعن من قبل رفاق الأمس الذين سلموا بالهزيمة داعين للصلح مع الامبريالية والتي لم يشفع لهم ارتدادهم ولا ضيافتهم هذه الخيانة التي لم تستطع أن تعيد لهم ولو البعض من جنود هاربين من حشود المؤيدين، فواقعيتهم الجديدة زادتهم قلة احترام الجماهير وفقدان المصداقية. 2-إن كل ذلك لم يكن معزولاً من جانب آخر وهو ما تتمتع به تيارات دينية من حالة انتعاش وذلك بسبب واقع اليسار الجديد بعد انهيار وخيانة التجربة السوفياتية وكون هذه الأحزاب وخاصة الأخوانية منها لم تكن يوماً في حالة تناقض مع الامبريالية، وتعارضها الظاهري مع عملاء الامبريالية من رجعيات لم يكن سوى صراع على السيطرة والتمكن من خدمة السيد الإمبريالي فهم أي "الأخوان المسلمون" شكلوا على الدوام البديل الاحتياطي بيد الإمبريالية والمقبول في الشارع العربي في حال أجبرت الضرورة الإمبريالية على تغيير وجوه خدمها بالمنطقة ويشهد على ذلك تاريخ تشكيلها والدور الإمبريالي في حمايتها، والدور الذي لعبته خدمة للإمبريالية في الحد من نفوذ الشيوعيين والمد الشيوعي ويشهد على ذلك توفير الإمبريالية الملجأ لها ولقياداتها ورعايتها لهم في دولها أثناء التعارض مع الأنظمة الرجعية. إن هذه الحركات بما تتمتع به من إرث ثقافي وأرضية خصبة من انتشار ظاهرة التدين، هذه الثقافة التي عمرها آلاف السنين والسائدة في الوطن العربي جعلها الأكثر تأهيلاً لملىء الفراغ الذي تركه اليسار العربي وخاصة الأحزاب الشيوعية إضافة لرعاية الإمبريالية لها كأحد أدواتها، وهنا يبز الدور والعقلية الإمبريالية بإدارة الأزمة وتحريك خيوطها والقدرة على تغييب المعالم الثورية لرغبات الجماهير في حراكها الطبيعي. لقد وظفت الامبريالية كافة الإمكانيات وحركت كامل قدراتها في عملية تغيير دفة الحراك الجماهيري بما يخدم مصالحها ويحافظ عليها بل ويعمقها. إن ما أعلنت عنه الإمبريالية من رسم لشرق أوسط جديد وسياسة الفوضى الخلاقة التي انتهجتها وذلك منذ تكوينها أدوات سياسية متطرفة كحركة طالبان والقاعدة، والتي خدمت الإمبريالية في تنفيذ سياساتها بالمنطقة، فالإمبريالية بعد الخيانة التي أدت إلى انهيار المعسكر الاشتراكي وغياب حالة العداء أو العدو الرئيسي لها وخرجت بأحادية القطب العالمي لم تكن تسطتيع سوى خلق الذرائع لتنفيذ سياساتها ومصالحها بالمنطقة والعالم، وقد اعتبرت أمريكا حراك الجماهير العربية ضد الرجعيات الموالية لها نوعا من الفوضى الخلاقة التي تتيح لها ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة فالبديل لهذه الرجعيات متوفر بحركة الاسلام السياسي خاصة الأخوان المسلمون والتي تسعى الإمبريالية بالعلاقة معه"الاسلام السياسي" لتحويله إلى خادم جديد بديل للرجعيات السابقة، إضافة لتعميم النموذج الاسلامي التركي بالمنطقة. لقد تعاملت الإمبريالية مع الحراك الجماهيري في كل قُطر بسياسة مختلفة نوعاً ما لكنها مشتركة بهدف واحد، ففي تونس ومصر التي يتمتع بها الأخوان المسلمون بجماهيرية وقدرة على الفعل لم يتطلب الأمر تدخلا سافراً كما حدث في ليبيا واكتفت الإمبريالية بتوفير الغطاء والدعم لهذا التنظيم لضمان فوزه ولو بالتزوير وشراء الأصوات والذمم لأن الإمبريالية لا تستطيع مجابهة حركة الشارع بشكل مباشر، لكنها في معركة الإقتراع قادرة على فعل العجائب وهو ما حصل في كل من تونس ومصر، أما في ليبيا فإن تاريخ تواجد وحجم هذا التنظيم لا يؤهله للفوز ولو بالدعم والغطاء الإمبريالي، لذلك تم توفير الدعم له من نوع آخر وهو السلاح حيث تدخل حلف الناتو بشكل مباشر وهو نفس التدخل الذي لم تستطع الإمبريالية توفيره في سوريا التي يتشابه وضع الأخوان المسلمين فيه مع الواقع الليبي، وعندما لم تستطع الإمبريالية توفير التدخل المباشر سعت إلى رفد ومساعدة بما يسمى بالمعارضة بكل الوسائل القتالية وحشد وشراء المقاتلين من كل أصقاع الأرض لخوض معركة الأمبريالية على الأرض السورية وترافق ذلك بتشكيل حلف داعم للمرتزقة، مكون من دول الخليخ وتركيا والامبريالية والصهيونية العالمية . وفي اليمن سعت الامبريالية بحكم تشابه بعض الظروف في واقعها مع ليبيا وسوريا من حيث قدرة ونفوذ اسلامي الاخوان وتواجد قوى اسلامية أكثر تشدداً تناصب العداء للإمبريالية وحلفائها، وهم أنفسهم حلفائها السابقين لكن المغدورين والذين تم استعمالهم كورقة يجب التخلص منها وهم القاعدة، ولذلك نجد الإمبريالية سعت لحل توافقي يبعد هذه التنظيمات عن أي دور سياسي خوفاً من تأثيرهم على المنطقة خاصة دول الجوار كالسعودية والخليج عموماً فجرى حل التناقض باليمين ضمن خطة توافق تخدم الإمبريالية وحلفائها فقط. إن هذا الواقع بكل تداخلاته والذي يعمل على خلق معادلة جديدة بالمنطقة تقوم على تغيير شكلي لواقع بائس قادته الرجعيات العربية سابقا لصالح الإمبريالية ضد شعوبهم. لكن هذه المعادلة ارتكزت على قوى ولاعبين على المسرح السياسي لها دور فاعل في حرف الحراك الجماهيري وقتل أمانيه وطموحاته، وهذه الأقطاب ظهرت بأدور جديدة لكل من قطر والسعودية وتركيا، والمتحالفة ضمن قيادة الميسترو الإمبريالي والذي يشكل بواسطتها الشرق الأوسط الجديد الذي تطمح الإمبريالية في فرضه على شعوب المنطقة، وما يهمنا هنا هو مدى تأثير هذه الأقطاب على القضية الفلسطينية خاصة الدور القطري التركي. لقد لعب المال الخليجي والقطري خاصة وإمكاناته الاعلامية كبير الأثر على مجريات الأمور في ما يسمى بالربيع العربي، وامتد ذلك ليشمل برعايته الوقحة التدخل الصارخ في التأثير على السياسة الفلسطينية. لقد عملت قطر على شراء وترتيب الجامعة العربية بما يضمن تمرير وفرض كافة القرارات الضرورية التي تحتاجها الامبريالية لاستكمال مشروعها الشرق الأوسط الجديد، فليس سراً ما تتعرض له القضية الفلسطينية بتعامل قطر معها ضمن سياسة العصا والجزرة لتسويغ المطالب والمخططات الأمريكية والصهيونية فهي تحاول جاهدة أن تفرض على الفلسطينيين العودة للمفاوضات المباشرة مع دولة الكيان دون شروط مسبقه وتخلت عن دعم صندق القدس الذي أعلنت قطر عبر الجامعة العربية عن تشيكله هذا الدعم المتمثل بعشرة مليارات دولار التي تعهدت بها قطر، وذلك عقابا لأبو مازن على إعادة توكيل ملك الأردن لرعاية الأماكن المقدسة، هذا الاتفاق الذي عقده أبو مازن مع الملك الأردني دون العودة لمشاورة أحد فيه ولا يخفى على عاقل ما تمارسه قطر لفرض حماس وقيادة حماس على منظمة التحرير ونصيب ممثلي حماس داخل المنظمة وإعادة فرض خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي عراب الخطط القطرية للساحة الفلسطينية، هذا دون الحديث عن شراء حماس كاملة بقيادتها السياسية لصالح السياسة القطرية في المنطقة باستثناء بعض القيادات التي تم عزلها من عضوية المكتب السياسي لحماس أو غض الطرف والمشاركة بتصفية البعض الآخر جسديا كما سبق أن ألغت قطر زيارة رسمية مقررة لرئيس وزرائها لمناطق السلطة كوسيلة ضغط اخرى. واخر هذه التدخلات القطرية ما صرح به رئيس الوزراء القطري في الولايات المتحدة في محاولة منه لدعم العودة للمفاوضات الفلسطينية مع الكيان حيث عدل مبادرة السلام العربية بإضافة مبادلة الأرض والسكان، واستعداد العرب كافة للتطبيع الشامل مع دولة الكيان هذا الطرح الذي تجاوبت معه القيادة الفلسطينية معلنة أن المبادلة للأرض والسكان يجب أن يكون بالمقدار والمثل، كما أن الكرم القطري بإعادة اعمار قطاع غزة وكل المساعدات المقدمة ليست ببريئة من أهداف خبيثة ترمي لفرض الوصاية الأمريكية واليد الإمبريالية على القضية الفلسطينية ولو بعيون تدعي أنها عربية للأسف. ولا يختلف الدور التركي في ذلك كثيراً، فتركيا دولة الناتو تختلق مسرحية العداء مع دولة الكيان والأزمات معها بات مفضوحا للجميع فهي تحاول أن تلعب دوراً محوريا، كدولة اقليمية كبرى اعتماداً على الطابع الاسلامي لها والموقع الجغرافي كحلقة وصل بين أسيا وأوروبا وكقاعدة متقدمة في وجه ما تسميه الامبريالية محور الشر في المنطقة، فهو دور سياسي اقليمي وامني إضافة لرعايتها للإسلام السياسي وخاصة حماس في فلسطين ومحاولة فرض النموذج التركي الاسلامي على المنطقة، واشعالها للطائفية ليس خفياً، وما تلعبه من دور قذر في تكريس الانقسام الفلسطيني في الاعلان عن نية الزعيم التركي زيارة إمارة غزة الاسلامية، فتركيا تتعاون بشكل واضح مع قطر بتنافس محموم لخدمة الامبريالية وافراغ القضية الفلسطينية من المحتوى والجوهر لتصبح القضية مجرد اشكال وخلاف يجب أن يحل بتفاهمات بين طرفي الصراع الفلسطيني الصهيوني، فاللاجئين أصبحت مشكلة يجب حلها برضى الطرفين وليس اقرارا دوليا بحق الشعب المهجر بالعودة والتعويض، والقدس أصبحت حرية الوصل للأماكن المقدسة دولة بلا حدود هلامية مقطعة الأوصال غير قابلة للحياة ينخر بها سرطان استطاني كأمر واقع، هذا الواقع الذي تدفع به تركيا وقطر للأقرار به والاعتراف به والذي بدأ يلقى لدى السلطة الفلسطينية بعض التجاوب لكن بقيت مشكلة تمريره والتغلب على العراقيل ومدى استعداد الشعب الفلسطيني لتقبل ذلك، هذا الشعب الذي يمارس بحقه سياسة الترويض بنفس طويل والتأثير عليه وخنقه في عنق زجاجة ليطالب هو بالحل المطروح وإن كان حلاً مسخاً، من الواضح أن "ربيعا عربيا فلسطينيا" على الأبواب سيتم فرضه على الفلسطينيين والذي يحدد نجاحه أو فشله هو صمود سورية في وجه المخطط المعادي، ووقفه لأن سورية حلقة الوصل والنجاة من براثن المخالب الغادرة بالمنطقة وكذلك أيضا صمود القوى الحقيقية للشعوب في وجه الأمبرياليين الجدد"الاخوان المسلمون" في كل دول الربيع العربي وتحديداً في تونس ومصر لما لهاتين الدولتين من تأثير كبير على دول العالم العربي . بلقم الرفيق ابو يوسف (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني