حول الإنتفاضة المصرية الثانية :أية شعارات و أية أهداف ؟
إن إنتفاضة الخمسة و ثلاثين مليون مصري اليوم لا يمكن أن نعتبر أن لها بعد ديمقراطي بالمعنى العمالي الملموس مترجم بالفعل إلى شعارات و مطالب سياسية واضحة المعالم و لا وطني بالمعنى التحرري من الهيمنة اللإمبريالية حتى ,ولا قيادة سياسية ثورية حاملة لهذا المشروع الوطني و الديمقراطي أي حزب الطبقة العاملة الحامل لهذا المشروع لذلك هي لا تعدو أن تكون سوى استفاقة الجماهير الكادحة من أجل إستكمال مسار ثوري غير واضح الأهداف منذ البداية بالمعنى الطبقي و السياسي مثله مثل إنتفاضة 2011 في مصر و بقية الاقطار العربية المنتفضة في إطار ما يسمى كذبا و بهتانا بالربيع العربي .
لقد بقيت هذه الجماهير التواقة على التحرر الوطني الفعلي و العدالة الإجتماعية تدور في حلقة مفرغة دون تحقيق أي مكسب ثوري يذكرلا بالمعنى البورجوازي الإصلاحي و لا بالمعنى العمالي الثوري ، ذلك لأن الإمبريالية و عملائها المحليين يحاصرون هذا المد الثوري بالأحزاب العميلة و الليبرالية و الآلة العسكرية و الإعلام البورجوازي العميل المعادي لكل شعار ثوري حقيقي يمس من مصالح البورجوازية المحلية أو مصالح الإمبريالية و الصهيونية على حد سواء .
إن هذا الائتلاف الطبقي الذي يرعى تلك المصالح بزعامة سياسية عميلة و معادية لتلك المطامح و الاهداف الوطنية و الديمقراطية البروليتارية ليس في مصر فقط بل في جل الأقطار العربية . فقد أثبتت الأحداث التاريخية في كل من مصر و تونس أن الفاشية الدينية الوهابية التي سطت على الحكم , بعد أن أطاحت الطبقة العاملة برأسي النظام في كل من القطرين الطبقة العاملة الثائرة , هي امتداد للنزعة الفاشية الملازمة للبرجوازية العالمية و للهيمنة الإمبريالية و الصهيونية .
نلاحظ إن حتى المطلب البورجوازي الأدنى الإصلاحي في الحالة التاريخية الراهنة , خلال هذه الإنتفاضة المصرية الثانية ,و الذي كان يجب أن يرفع كمطلب جماهيري و كبديل عن الحكم الإخواني و سيطرة الدين عن الحياة السياسية و مؤسسات المجتمع مثل دسترة الحقوق الفردية و العامة على أساس الفصل بين مؤسسة الدين والدولة الذي يترجم عملياً بتجريم الاسلام السياسي و حل كل الاحزاب و التنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية , هذا الشعار لم يرفع كمطلب علماني .إن هذا المطلب أذا ما أخذنا بعين الإعتبار معطى و هو إضافة إلى جرم الإخوان المسلمين في حق الشعب االمصري و شعوب العالم هو تعدد الأديان في مصر و الإضطهاد الديني الذي يتعرض إليه غير المسلمين ،يصبح مطلبا ديمقراطيا و ثوريا و ضرورة تاريخية لتطور الحياة السياسية في كل من مصر و تونس .لقد عبرت الجماهير المصرية الثائرة بحرق مقرات حزب الحرية و العدالة الإخواني و إنتهوا بحرق المقر المركزي للحركة الإخوان المسلمين و إخراج الوثائق السرية التي تثبت عمالة هؤلاء لقطر وإنتماءهم إلى الحركة الوهابية العربية و العالمية صنيعة الإمبريالية و خادمتها.
على العكس من ذلك تماما مازالت القوى الليبرالية و إعلامها البورجوازي و الرجعي تمد يدها إلى رجال الدين و تفتح المنابر لكي يتبرؤوا من الحزب الحاكم المتهاوي و لكي يدافعوا مرة أخرى عن الإسلام السياسي باسم تنظيمات إسلامية أخرى لنتأكد و بشكل ملموس أن المؤسسة الدينية لا يمكن أن تكون إلا حليفة و خادمة الطبقات المسيطرة إقتصاديا و أن الإقطاع و البورجوازية المحلية و الإمبريالية و الصهيونية لن تستطيع السيطرة علئ هذه الشعوب الثائرة المؤسسة الدينية .
بل إنه لم يرفع في جميع ميادين مصر المنتفضة شعار واحد يعادي البورجوازية أو الإمبريالية أو يطالب بالعدالة الإجتماعية أي الحق في الثروة عبر إرساء السيادة الوطنية و مناهضة الإستغلال الطبقي والهيمنة الإمبريالية أو يتتطرق إلى كل ما يمس علاقات الإنتاج الإقطاعية و البورجوازية السائدة .
لذلك مازلت تعمل نفس تلك القوى المعادية للمد الثوري على الإنعطاف بالوعي الجماهيري الثوري على الرغم من حالته الثورية الجنينية ,التي تشكلت منذ إنطلاق إنتفاضة خمسة و عشرين يناير نحو نقطة تقاطع المصالح الطبقية المعادية و دائماً داخل مربع السيطرة الإمبريالية و الصهيونية و حلفائها المحلين . و أصبح من الجلي و الملموس أن هدف هذا الاٍئتلاف هو الالتفاف على كل إنتفاضة أو حراك شعبي قد يؤدي الى المساس بتلك المصالح الإمبريالية و الصهيونية و البورجوازية و الإقطاعية بنفس الدرجة من الشراسة و الحذر في التعاطي مع هذا المد الثوري و الشعبي أي تأبيد الوضع الاٍقتصادي و السياسي والاٍجتماعي الذي تعاني من نيره الطبقة العاملة المصرية .
إن نقطة التقاطع هذه هي تلك الجبهة الرجعية التي تعمل على إفشال هذا المسار الثوري و هو نفس التحالف الطبقي الرجعي الحاكم الهادف الى تحويله الى حالة مؤبدة من الانتفاضات العفوية ذات الطابع الاحتجاجي المفرغ من كل مضمون طبقي و ثوري لتنطلق الانتفاضات في كل مرة يصل فيها الصراع الطبقي الى لحظة الإحتدام و التصادم نحو المربع الأول و النقطة الصفر . و هذه نتيجة طبيعية في ظل غياب حزب الطبقة العاملة الثوري و البرنامج السياسي الوطني و العمالي .
تؤكد قرارات المؤتمر السابع للأممية الشيوعية أوت 1935 على ضرورة الجبهة،الجبهة اليسارية الديمقراطية الموحدة في وجه الجبهة البورجوازية و الإمبريالية الفاشية في ظل ضعف الاحزاب الشيوعية في الغرب و داخل حركات التحرر الوطني في المستعمرات و أشباه المستعمرات على الرغم من أن تلك القرارات تعتبر النضال الثوري من أجل الاستقلال الفعلي و التام داخل المستعمرات و أشباه المستعمرات لا يمكن أن يتحقق إلا بالنضال الثوري المسلح ضد الإمبريالية و عملائها المحليين .
إن غياب حزب الطبقة العاملة الماركسي اللنيني في مصر و حالة التشتت و الحلقية التي تعاني منها جميع الأحزاب الشيوعية العربية بما فيها تونس و سيطرة الرجعية, مع واقع سياسي موضوعي سريع التغير و حالة الوهن التي تعيشها الحركة الشيوعية العالمية قد فسحت المجال لتلك القوى الليبرالية باحزابها و مؤسساتها الإعلامية و بقايا الإسلام السياسي الذي لم يشارك مري الحكم و حلفائهم في الخارج بأن يظللوا مرة أخرى الطبقة العاملة المصرية في إنتفاظته البطولية الثانية و توهمها بأنها قامت بثورة ثانية اطاحت بحكم الاخوان و أنها سوف تحقق الديمقراطية و العدالة الإجتماعية .
فخطاب البرادعي مازال صداه في آذان من تابعوا خطابه مساء اليوم الأول من إعتصام حركة تمرد الفوضوية في ميدان التحرير عندما قال أنه لا بد من إجراء إنتخابات مبكرة و إحترام قواعد الديمقراطية و كأنه لسان حال الإمبريالية و حلفاءها و قد بعثوا برسالة إلى الطبقة العاملة المنتفضة مفادها إعتصموا و ثوروا لكن إرجعوا إلى صندوق الإقتراع إلى الديمقراطية البورجوازية البرلمانية حيث الصوت ببعض الجنيهات في مصر و في تونس بسندويتش و علبة سجائر فلدينا مرشح ثاني و ثالث و رابع لكن إياكم و الديمقراطية الشعبية إياكم و الثورة الوطنية , إياكم و المساس بمصالحنا و مؤسساتنا و بنوكنا و قروضنا و حليفتنا إسرائيل .
فمنذ سنة تقريباً رفضت الطبقة العاملة حكم العسكر الذي ترجم في شعار" يسقط يسقط حكم العسكر " و الكل يتذكر ردة فعل الجيش في أحدث بور سعيد و المجزرة التي راح ضحيتها 72 شهيداً و اليوم يرفع المنتايذن نفس الشعار السطحي من وجهة النظر الطبقية و العفوي من وجهة النظر السياسية " يسقط يسقط حكم المرشد " و منذ سنتين يرفع الشعب المصري المنتفض نفس الشعار ضد حسني مبارك " يسقط يسقط حكم مبارك " إلا جانب شعار ثوري و جماهيري كان دائم الحضور " الشعب يريد إسقاط النظام " الذي أفرغ من محتواه الطبقي و الثوري من قبل نفس تلك القوى الليبرالية و الإمبريالية التي سطت عليه و جعلته شعار الربيع العربي كما سمت هذا المد الثوري و سوقت في إطار الإلتفاف و الاحتواء و قتل الثورة العربية في المهد .
إن تهديد وزير الدفاع الأمريكي بقطع المساعدات المالية السنوية على الجيش المصري و التي تصل إلى أكثر من مليار دولار إذا ما واصل دعمه للمطلب الجماهيري بإقالة مرسي من الحكم وحل الحكومة الحالية لا تضع المؤسسة العسكرية في دور البطولة كما يفهمها البعض و يسوق لها الليبراليون و الإعلام الأصفر ، بل هي مفاوضات نتائجها معروفة وواضحة من أجل الضغط على الماسك الحقيقي بزمام السلطة حالياً ألا وهو الجيش من أجل تحسين شروط مواصلة الهيمنة الإمبريالية سياسياً و اقتصاديا على القطر حتى في ضل الحكومة القادمة ، و بذلك تدعيم مسار الإلتفاف على مطالب الشعب المصري المنتفض مرة أخرى من طرف نفس القوى الرجعية و العاملة . بل إن الضغط الدبلوماسي الأمريكي ذهب إلى حد إعطاء الأمر لقوات المارينز بالتقدم نحو سواحل مصر كتهديد معلن بالتدخل المباشر . و من جهة أخرى تهدد روسيا و معها الصين بالتدخل العسكري إذا لم تحترم أمريكا إرادة الشعب المصري في إطار نفس التنافس الامبريالي على مناطق النفوذ . و في نفس السياق يصرح بوتين بأن نحن على استعداد تام ان نمنح وندعم الجيش المصرى عسكريا دون شرط او قيد.
هكذا يتم إحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها و هكذا تتم الإستجابة إلى أحلام الجماهير الكادحة التواقة الى السيادة و الحرية و الكرامة الوطنية
في نفس الوقت تدلي الخارجية الأمريكية بتوضيح مفاده تكذيب لحزب الحرية و العدالة الاسلامي حول مساندة أمريكا لشرعية مرسي و وقوفها إلى جانبه قائلة "لم نعبر عن ذلك لمحمد مرسي، و لا نعتزم الوقوف مع أي طرف...و لا بد من استجابة مرسي لمطالب الشعب"... في حين أن شخصيات تقول أن مرسي طلب في محادثته مع البيت الأبيض تدخلا عسكريا أمريكيا في مصر لحمايته .و هاهو مرشد الإخوان يستقبل السفيرة الأمريكية . وهاهو أيضا عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية و عضو مكتب الإرشاد يطالب يطالب الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي التدخل لحماية حكم الإخوان العملاء من التظاهرين.و هاهم الإخوان المجرمون يرفعون القناع و تتضح حقيقة سياستهم الإجرامية و عداءهم لشعبهم و شعوب العالم من خلال نزيف الدم الذي أطلقوه في حق المتظاهرين العزل و الشرطة من ابناء الشعب المنحازين .
بعد تنح مرسي و الإستجابة لهذه المطالب الشعبية من حل حكومة الإخوان و تشكيل حكومة إنقاذ وطني برءاسة البرادعي أو عمر موسى و إجراء الإنتخابات القادمة و تشكيل حكومة جديدة ستستفيق الجماهير الكادحة على حقيقة الخيانة العظمى التي يقوم بها السيسي و البرادعي و الإعلام في حقهم مثلما فعل السبسي و رشيد عمار في تونس و أن لا فرق بين رجعيتين وهابية أو ليبرالية طالما كلاهما عميلتين و معاديتين لمطامح و مصالح تلك الجماهير المنتفضة .
إن المرحلة الحالية في مصر وتونس تستدعي من وجهة النظر الماركسية اللينينية :
- دعم الوحدة التنظيمية و السياسية لكل أطياف اليسار الماركسي في جبهة يسارية موحدة و مناضلة لفضح هذا البرنامج الانقلابي على إرادة خمسة و ثلاثين مليون منتفض نزلوا إلى الشارع إحتجاجاً على سياسة هذا النظام اللاوطني اللاديمقراطي و العميل -- المعادي لمصالحه الطبقية الذي يريد تصحيح مسار الإستعمار و النهب و العمالة و الصهيونية مقابل حركة ثورية تمثل نقيضه الثوري و تريد تصحيح مسار ثوري إنطلق منذ أكثر من سنتين من أجل الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية
- الدفاع عن مكاسب مدنية دستورية تعزز مكاسب سياسية بحتة و تتحصل عليها كحل كل الاحزاب و الجمعيات و المؤسسات الدينية ، تحييد الدين عن الدولة بعقد جمهوري و دستوري تحت شعار الدين لله و الوطن اللجميع .
- فضح القوى الليبرالية المتخفية وراء الشعارات الزائفة و الإعلام الأصفر العميل و الأحزاب المعادية العميلة رديفة الاخوان المسلمين و خادمة الإمبريالية التي ترفع شعار " تحيا مصر " أو "إرحل يا مرسي " أو يسقط حكم الاخوان ...
- تجذير الشعارات التي تعكس الثورية و الطبقية التي تعكس مطالب الطبقة العاملة السياسية و الإقتصادية الآنية المرحلية المباشرة و الشعارات التي تعكس فعلاً برنامج الطبقة العاملة الوطني و العمالي بالأساس و المزاوجة بينهما
أما عن المسألة الإقتصادية لا بد من الدفاع عن ألحق في الثروة الوطنية و الشغل تحت شعار شغل حرية كرامة وطنية .
ذلك لا يعني التخلي عن التناقضات الرئيسية بل لا بد من تعميق و تجذير القضية الوطنية في وعي الجماهير المنتفضة بفضح هذه المؤامرات الخسيسة التي يدسها الائتلاف الرجعي الحاكم باحزابه و اعلامه و جيشه و شرطته ضد جماهير شعبنا الكادح من أجل الهدف الثوري الحقيقي : التحرر الوطني من الهيمنة الإمبريالية الجاثمة على صدورنا و الإنعتاق الإجتماعي من نير الإستغلال و العبودية الرأسمالية و الإشتراكية أي شعار إسقاط النظام
ها قد سقط المشروع الوهابي القطري السعودي الصهيوني الأمريكي ،لكن مشروع الامبريالية و الصهيونية مازال قائما و يجب العمل على اسقاطه من اجل التحرر و الحرية .
يا من عودتمونا المجد و النصر،ترفعون شعلة الرفض،التمرد،الحياة،انتم ابطال هذا الوطن بفقيره، بعماله وفلاحيه، وعاطليه،الى الى الامام و كل يوم و انتم الى هدفنا الوطني و الديمقراطي المشترك اقرب.فلا شرعية الا للجماهير الكادحة،يا اما ثوار في الحكم ام ثوار في شارع.
يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة إتحدوا .
معز الراجحي(الحوار المتمدن)