مداخلة الحزب الشيوعي الفلسطيني في اللقاء الرابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية المنعقد في بيروت 22/11 ـ 25/11/2012
الرفاق الأعزاء،
لضيق الوقت لا بد من الاختصار الشديد،
تعلمون أن الوضع الدولي ومنذ تفكك المنظومة الاشتراكية، قد مر بعدة مراحل أهمها:
أولاً، مرحلة ما بعد الحرب الباردة، التي اتسمت بارتباك فعلي للكتلة الدولية التي بقيت من المعسكر الاشتراكي تحت مسمى الاتحاد الروسي، انكفأت فيها روسيا على نفسها إلى أن التقطت أنفاسها وإن يكن بعد فترة كانت أطول قليلاً مما ينبغي، فروسيا التي ظلت تعتبر نفسها تضطلع بمسؤولية خاصة تجاه دول الاتحاد اولاً وتجاه المجموعة الدولية ثانياً إستطاعت خلال هذه المرحلة تجاوز المأزق وعادت لتأخذ مكانتها في المعادلة الدولية، مزعزعةً بصورة جدية هيبة ومكانة القطبية الأحادية الأمريكية.
في ذات الوقت، ومع بداية هذه المرحلة، وتحت تأثير نشوة الانتصار الموهوم، اندفعت الإمبريالية الأمريكية وحلفائها في الغرب نحو مغامرات عدوانية متعددة على شعوب وبلدان عدة، مؤكدة بذلك طبيعتها المتناقضة دائماً مع السلم العالمي، مؤججةً بؤر توتر وصراعات ونزاعات تكاد تعم دول العالم تحت ذريعة نظرية غريبة عجيبة تجمع بين نقيضين: الفوضى والخلق مخالفةً بذلك كل قواعد العلم والمنطق ألا وهي نظرية الفوضى الخلاقة، متسببةً بإختلالات اجتماعية عميقة وصراعات وحروب محلية واقليمية في كل منطقة تطالها يدها، لكي يتسنى لها التدخل السياسي أو العسكري في شؤون هذه الدول خدمةً لأهدافها وسياساتها الاستغلالية القائمة على السلب والنهب وفرض الهيمنة لتأمين رفاهية شعوبها على حساب لقمة عيش غيرها.
إن كل النهب الإمبريالي التاريخي لمقدرات الشعوب وثرواتها، وكل السلب الحالي الذي تتصاعد وتائره يوماً بعد يوم لم يفلح حتى هذه اللحظة في تجنيب الخزانة الأمريكية مديونية فاقت الـ 16
ترليون دولار أمريكي، وكثيراً من الخزائن الأروبية التي باتت مهددة بالإفلاس (اليونان/اسبانيا/البرتغال....الخ) وإن تصاعد العدوانية الإمبريالية والانفاق العسكري المرافق هما سبب قبل أن يكونا نتيجة لهذه الأزمة الرأسمالية العالمية المركبة المستفحلة والتي لا أحد يستطيع أن يتوقع لها نهاية في الأمد المتوسط رغم كل التدابير المالية الحكومية والتي هي في ضخامتها موضع نقد كبار رجالات الاقتصاد الرأسمالي أنفسهم.
ثانياً: مرحلة انكشاف ليس فقط هشاشة وفساد النظام الرأسمالي، بل وعدم صلاحيته وحتمية انهياره، ففي الوقت الذي خلا فيه الميدان للرأسمالية بخروج المنافس الاشتراكي من الحلبة ردحاً من الزمن والذي يفترض أنه وفر لها خلاله مناخاً تنموياً أكثر صحيةً واستقراراً، لا تزال تتفاقم الأزمة الرأسمالية وتتسع في كل الاتجاهات لتضرب معقل الرأسمالية في وول ستريت نفسه والذي أصبح اسماً وعنواناً لحركة احتجاج شعبية أمريكية واسعة هي حركة "احتلو وول ستريت" بكل ما يحمل هذا الاسم من انعدام ثقة الأمريكيين أنفسهم بنظامهم الرأسمالي، ثم تبعهم البريطانيون بحركة مماثلة هي "احتلوا لندن" لنفس الأسباب وبنفس المعاني.
ثالثاً: واليوم يشهد العالم بداية النهاية لحقبة القطبية الأحادية، وتغيراً نوعياً في شكل ومضمون القطبيات التقليدية السابقة ، فبعد أن كانت قطبيات مرحلة الحرب الباردة ، ذات طابع سياسي عسكري بالدرجة الأولى، أصبحت اليوم تأخذ طابعاً اقتصادياً أكثر منه عسكرياً، تترنح فيه بقايا القطبية الأمريكية العسكرية تحت وطأة ضربات قطبيات اقتصادية حديثة مثل مجموعات البريكس، الألبا ....الخ. ولا تجد أمامها انطلاقاً من طبيعتها العامة سوى التوجه نحو تصعيد عدوانيتها وتوسيع مجال توحشها أملاًَ في تضخيم عمليات سلب ونهب ثروات الشعوب المضطهدة ظانةً انها بذلك تستطيع الخروج من أزمتها المالية العميقة. ما يستدعي من شعوب هذه البلدان المزيد من الوعي والعمل الممنهج لمواجهة هذا التصعيد بتصعيد كفاحي جماهيري مضاد في كل بلد على حدة، ومن ثم تعزيز تحالفات إقليمية ودولية مناهضة للتصعيد الإمبريالي الهمجي الوحشي مثل الهجمة الامبريالية الشرسة على سوريا هذا البلد العربي الممانع والذي كان ولا يزال يحتضن المقاومة الفلسطينية بشكل خاص ويدعم كل حركات التحرر العربية ويشكل عقبة رئيسية في وجه المخطط الامبريالي الصهيوني لإقامة شرق أوسط كبير تقوده وتهيمن عليه اسرائيل صنيعة أمريكا والغرب على كل ثروات المنطقة وفي مقدمتها النفطية منها بموافقة ودعم وتأييد صنائع أمريكا والغرب من الرجعيات العربية والاقليمية المنغمسة بشكل مفضوح ولم يسبق
له مثيل في هذه المؤامرة العدوانية الكبرى التي تأخذ شكل ومضمون حرب عالمية في الوقت الذي عجزت فيه الامبريالية حتى عن الحصول على موافقة مؤسسات دولية طالما كانت أدوات طيعة في يدها كالامم المتحدة ومجلس أمنها، إن هذه الهجمة المسعورة تتحطم اليوم على صخرة صمود شعب سوريا البطل وجيشها الباسل وإن زمرة أدروغان وأمثالها من زمر الخيانة العربية لا بد ستنال على أيدي شعوبها القصاص الذي تستحقه.
وفي منطقتنا وبشكل خاص على أرضنا المحتلة منذ عام 1948 لم يتوقف للحظة واحدة تصاعد العدوانية الصهيوامبريالية، ومنذ سقوط السلطنة العثمانية وشعبنا العربي الفلسطيني يعاني من آثار الإنتداب البريطاني ومخلفاته، وفي المقدمة منه الإحتلال الصهيوني الغاشم كأبشع وأطول احتلال في العصر الحديث وربما في التاريخ، هذا الإحتلال الذي طال أراضي دول عربية أخرى إثر عدوان عام 1967 (مصر، سورية، الأردن، لبنان) استخدمت أراضيها المحتلة كورقة ضغط وابتزاز على هذه الدول، لإخراجها من ميدان الصراع وقد نجحت في إخراج مصر التي وقعت على اتفاقية كامب دافيد المذلة والمجحفة ، واتفاقية وادي عربة التي لا تقل عنها اذلالاً واجحافاً مع الأردن كل ذلك بقصد الإستفراد بالفلسطينيين وتصفية قضيتهم لصالح المشروع الإمبريالي الصهيوني بإقامة دولة يهودية عنصرية على كامل فلسطين في الوقت الذي تبدو فيه سلطة أوسلو عاجزة عجزاً مطلقاً عن تحقيق أي إنجاز على طريق المشروع الوطني الفلسطيني التحرري ورغم اعترافها بفشل عملية التفاوض لقرابة العشرين عاماً، لا تزال هذه السلطة بقيادتها المزمنة متمسكة بهذا النهج ونابذةً بل ومعاديةً لأي نهج يمت للمقاومة المشروعة التي لم يعد أمام الفلسطينيين أي خيار آخر سواها بعد أن وصل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني حداً من الاهمال الدولي بسبب قصور هذه القيادة. ومن على هذا المنبر وأنا تحدث اليكم، ما زال الكيان الصهيوني لليوم الخامس على التوالي يشن عدوان وحشيا وهمجيا على شعبنا في قطاع غزة في محاولة منه لتركيع شعبنا البطل ولكن بصمود شعبنا وبسالة المقاومة في غزة سوف تتحطم كل المؤامرات والاهداف التي ارد تحقيقها العدو الصهيوني المتغطرس، فهاهم أخوانكم أبطال المقاومة في غزة يحطمون للمره الثانية هذه الأسطورة، ويرغمونه على طلب وقف اطلاق النار، تحت ضربات صواريخهم التي فاجأتهم وفاجأت كل حساباتهم وقلبت رأساً على عقب معادلتهم التي انبنت على عدم ملائمة الجغرافيا الفلسطينية عامة والغزاوية بشكل خاص للمقاومة التقليدية. فجاءت القوة النوعية الصاروخية للمقاومة لتعكس المعادلة وتقلب الميزة الجغرافية لصالحها، وتولد ربيعاًَ فلسطينياً من نوع جديد وحقيقي، ما أكد ويؤكد أن شعبنا العربي الفلسطيني شعب حي ومبدع وخلاق، وسيظل حياً ومبدعاً وخلاقاً، وسيحرر بمقاومته الباسلة كل أرضه المحتلة وسيبني بقوة أبنائه وعظمة نضالهم وبسالة كفاحهم دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس العربية، وإلى ديارهم المحتلة منذ عام 1948 سيعود كل من هجرتهم يد الإجرام والتآمر والغدر، المدعومة بالغرب الامبريالي وفي المقدمة منه الولايات المتحدة الأمريكية العدوة الأولى لشعبنا وكل الشعوب الطامحة للحرية والاستقلال، عدوة السلام والاستقرار في العالم أجمع.
وعلى الساحة العربية ذات الموقع الاستراتيجي المتميز وبما تمتلك من إمكانيات مالية واقتصادية وميزات جغرافية وديمغرافية، فإن كل مقومات انشاء تكتل اقتصادي ساسي اجتماعي على غرار تكتل البريكس متوفرة بشكلٍ يفرض على النخب السياسية والقيادات الوطنية في المنطقة العمل بلا هوادة لإنجاز مثل هذا التكتل في مواجهة العدوانية الإمبريالية ومخططاتها الجديدة ولليسار العربي وأحزابه مجال مناسب وفرصة سانحة لبناء مثل هذا التكتل عن طرق توجيه أدوات ووسائل النضال في اتجاه الضغط لإعداد وتجهيز القاعدة الشعبية والمادية المطلوبة، خصوصاً إذا ما توفر لهذه القواعد الجماهيرية قيادات تقدمية، وهنا تبرز أهمية اضطلاع الأحزاب الشيوعية العربية في
المنطقة بدور ريادي وقيادي، وعلى درجة صلابة ونقاوة فكر هذه الأحزاب الماركسي اللينيني يتوقف ليس فقط نجاح التجربة واتساعها بل وقوة نجاح مشاركتها في تأسيس أممية شيوعية تنظرها الحركة الشيوعية الدولية وشعوب العالم المضطهدة.
رفاقكم في الحزب الشيوعي الفلسطيني
23/11/2012