على عتبات حلب ستسقط المؤامرة بتلاحم الجيش والشعب المقاوم
تبدو معركة حلب معركةً يتحدد عليها الى حد كبير مستقبل الاوضاع في سورية، فقد حشدت القوى المتآمرة على سورية قوىً كبيرة وترافق ذلك مع ضخ اعلامي استثنائي ،خاصة بعد أن تلقوا ضربة قوية في دمشق، وأفرد لحلب برامج خاصة وتم استنفار المحللين السياسيين والعسكريين ودخل مع عصابات التمرد القادمة من تركيا عشرات الصحفيين من مختلف الدول من قطر حتى اليابان، وكلهم امل أن حلب ستكون علامة فارقة ونقطة انعطاف لصالح قوى التمرد. وكان قربها من الحدود التركية قد اسال لعاب قوى التأمر الامبريالي الاميركي الاوروبي التركي العربي، لتكون حلب بنغازي جديدة على اعتبار أن الجيش استنفذ قواه في حماية دمشق، وقواه وهنت بعد أن تم تفجير مركز قيادة العمليات في دمشق. تلك حساباتهم، ولان الحسابات عليها ختم الدوائر الامبريالية التي تحاول استنساخ التجارب استنساخا ميكانيكيا، فقد كان الواقع بعيدا عن حساباتهم، بل ومفاجئا لهم، فهم كالعادة يسقطون من حساباتهم عاملا اساسيا، لا بل ومحددا، ألا وهو الشعب. فشعبنا السوري في حلب كان له رأي آخر، فقد قال كلمته لا للمؤامرة الامبريالية على سوريا قالها قولا وفعلا، فهو لم يكن بيئة حاضنة للعصابات الاجرامية ومنع في كثير من الاحياء عصابات الارهاب من الدخول الى العديد من الاحياء والساحات بكل عزيمة وتصميم، رغم تنكيل العصابات بالعديد من اهالي حلب، الا أن الترهيب لم ينفع ولم يجد مع الشارع الحلبي الذي بقي مصمما على خياره الوطني لدرجة تقدر له كثيرا، وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة التدخل الجدي من قبل الجهات المعنية لحل العديد من القضايا الحياتية اليومية كالخبز والغاز والمحروقات، والتي ينبئ احتكارها لبيعها بأسعار خيالية أنه يمكن توفيرها طالما وصلت الى ايدي المحتكرين، فعمل الوزارات المعنية ليس في الاماكن الهادئة فحسب بل هنا في قلب المعركة حتى نحفظ كرامة وانسانية المواطن الحلبي الذي كان مفاجأة قاصمة لقوى التآمر على سورية.
وفعلا فقد كانت المفاجأة بالمسيرة الشعبية الداعمة للجيش السوري التي ضجت بها ساحة سعدالله الجابري في حلب والتي تحسم جانبا مهما من الجدل حول مسار الحرب العالمية على سورية وتسقط الكثير من الأوهام التي يروج لها التحالف الامبريالي وحلفاؤه الإقليميون، فقد شاهد الناس عشرات الآلاف في الساحات الحلبية وعلى مسافة غير بعيدة من أحياء المدينة التي ما تزال تشهد معارك بين الجيش السوري وعصابات الناتو وفرق الموت التي حشدت لتدمير الدولة السورية. لقد كانت صفعة قوية من قلب المدينة التي راهن المعتدون على اجتياحها وإخضاعها، وقد أكد أبناء حلب الشهباء في تلك التظاهرة المؤثرة على تمسكهم بسوريا رمزا للمقاومة في وجه العدوان الاستعماري الذي تتعرض له.
ولم يقف الامر هنا فقد تتالت المفاجآت حيث خرج المئات من الأهالي في بلدة أعزاز بريف حلب بمظاهرة تهتف ضد عصابات قطاع الطرق الإجرامية من "الجيش الحر"، وهي أربع مجموعات مسلحة تسيطر على المنطقة. وجاءت التظاهرة بعد اشتباكات بالأسلحة النارية بين المجموعات الأربع في سياق صراعها الشرس من أجل السيطرة على مناطق النفوذ وعلى اقتسام الغنائم بعد أن سلبوا المؤسسات العامة وصوامع الحبوب في ريف حلب وبدؤوا يبيعونها للتجار الاتراك بنصف سعرها ( 9000 الاف للطن الواحد من القمح) هكذا يفرطون بشقاء الاف الفلاحين واسرهم لشراء اسلحة تنشر الموت في رحاب الوطن.وهذه هي التظاهرة الثانية التي يشهدها ريف حلب للاسباب نفسها. إذ سبق لأهالي منطقة "الباب" أن تظاهروا ضد عصابات "الجيش الحر" من "لواء التوحيد"، ما دعا هؤلاء إلى اعتقال عدد منهم بعد إطلاق النار فوق رؤوس المتظاهرين!
وفي بنش الادلبية أرغم أهالي المدينة المسلحين على إخلاء المدارس، التي كانوا يتخذونها مقرات لهم، من أجل استقبال الطلاب مع بداية العام الدراسي. مما أدى إلى تراجع نسبة المظاهر المسلحة في مدينة بنش، بضغط من الأهالي، بالإضافة إلى إزالة السواتر الترابية من شوارع المدينة. كما خرجت مسيرة في معرة النعمان تحت شعار لا للقتل لا للدمار ضمت الاف الناس تدعو المسلحين للخروج من مدينتهم.
فحين يتقدم الجيش السوري على الأرض محتضنا من جمهور مدينة حلب كما هو محتضن في اكثر أنحاء سورية تتهاوى معاقل الإرهاب على امتداد الأراضي السورية، ولكن ما جرى في حلب بالذات يستمد قيمة استثنائية كونه يشكل الان كابوسا حقيقيا لكل من واشنطن واسطنبول والرياض والدوحة.
وبموازاة ذلك تتكشف الجرائم التي يرتكبها اجراميو الناتو على امتداد الوطن عشرات الجثث المنكل بها في التل ودوما وداريا وحلب ومسكنة بريف الرقة ودير الزور وكل ذلك دليل واضح على اجرام بلا تفريق على امتداد الوطن، كما تلاحقت التقارير والمعلومات عن تمادي حالة التعفن والتفسخ في صفوف العصابات الإرهابية السورية وفي الواجهات السياسية للمعارضات المتناحرة وكلها نزاعات تفوح منها رائحة الدماء والنفط والبترودولار فهي صراعات على الأموال ونزاعات على رقع السيطرة على الأرض حيث يتحول الناس إلى ذبائح على أيدي القتلة والإرهابيين وتسرق البيوت والمؤسسات وينشر الخراب ويتبارى أمراء القتل والتكفير من القاعديين ومرتزقة الناتو لإحكام سيطرتهم على دوائر فرض الخوة والسلب والنهب من الأملاك الخاصة والعامة.
وعلى ما يبدو فإن الامبريالية الاميركية وجزء قليل من حلفائها أدركوا أن حساباتهم التي اسقطت من المعادلة كلا من الشعب وتماسك الجيش وقوته، عادت تعي بواقعيتها السياسية استحالة تحقيق نصر عسكري على الجيش السوري من قبل ميليشيات مسلحة. أما الممكن في هذه المرحلة فهو تعزيز قدرات الجماعات المسلحة في الداخل على الصمود والحركة، ولهذا سعت واشنطن وتسعى كي تزودها ببعض ما يمكنها استيعابه من أسلحة متطورة نسبياً، بغية تقليص الفارق في ميزان القوى بينها وبين الجيش السوري وتمكينها من استنزاف سوريا بوتائر أعلى؛ هذا مع جرعات نفسية لرفع الروح المعنوية للمعارضة من خلال التطمينات عن “قرب سقوط النظام “!! ومحاولات لشد مفاصل ميليشياتها، ويندرج ضمنها الإيحاء بأن انشقاقاً من هنا، أو انشقاقاً من هناك “سيسرع بالنهاية ”، وهي انشقاقات، كما يعرف القريب والبعيد انشقاقات مدفوعة الأجر!!. ولابد لاستكمال ذلك من عقد مؤتمرات صحفية لبعض وزراء الخارجية من هنا او هناك لابقاء العصب مشدودا، وكل ذلك كي تستمر الفوضى تنخر المجتمع والدولة السورية.
الا ان الرياح لا تسير بما تشتهي السفن احيانا كثيرة فمعسكر اعداء سورية يدخل في ازماته فبعد هزيمته في العراق وقوة الضربات التي يتلقاها في افغانستان، فإن الازمة الهيكلية للنظام الراسمالي العالمي وتبعاتها من ترنح لدول اليورو واقتصاديات البلدان الامبريالية من اليابان حتى امريكا، كل ذلك يساعد سورية على الصمود وعلى امكانية الحسم كما أن حلفاء سورية اقوياء وهم يدركون جيداً، أن الدفاع عن وسط آسيا “بطن روسيا الرخو” يبدأ من سوريا… ويدركون ان سقوط سورية سيفضي إلى تفتيت الصخرة التي تقف في وجه المد الأمريكي الزاحف إلى قلب آسيا، أي محور: طهران ـ دمشق ـ المقاومة اللبنانية، لتصبح امكانية سقوط الوسط من آسيا بيد الأمريكيين مسألة أقل صعوبة وربما مسألة وقت لا أكثر!! وعندها سيستكمل الأمريكيون تطويق روسيا، والصين، فضلاً عن وضع اليد على خطوط الغاز بل ومجمل الثروات الباطنية في المنطقة، فكانت ثلاث فيتوات مزدوجة اعلان مؤازرة لا تلين.
وقد أفادت مصادر دبلوماسية روسية لبعض الصحف أنّ مواقف موسكو وبكين تبدو أكثر ثباتا من تلك المتقلبة التي تتخذها واشنطن، خصوصا بعد أن أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولين المعنيين بالازمة السورية بمن فيهم الرئيسان الاميركي باراك اوباما والفرنسي فرنسوا هولاند، كما رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، أنّ روسيا لا تناور فيما يتعلق بمصالحها الاستراتيجية والحيوية لا في سوريا ولا في منطقة الشرق الاوسط عموما. وبالتالي فانه على الجميع الانطلاق من هذه المعادلة من دون الاستخفاف بردة الفعل الروسية التي قد تصل إلى ابعد مما يتصوره البعض، وما استخدامها لحق النقض لثلاث مرات متتالية في مجلس الامن الدولي سوى رسالة واضحة على الجميع تفهمها، فضلا عن ان تعزيز الاسطول الروسي الرابض في القاعدة الروسية في طرطوس ليس من باب التهويل او المزاح، بل تأكيدا على عزم موسكو ارساء المعادلة التي اطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف وخلاصتها ان النظام العالمي الجديد يبدأ من سوريا.
فروسيا ترى أنّ أي انتصار يمكن ان يحققه ارهابيو سوريا من شأنه ان يرتد على الوضع الهش في اسيا الوسطى.ولا يقتصر الخطر على انتشار السلفية الوهابية في مناطق النفوذ الروسية، انما يتعداه إلى الدرع الصاروخي الاميركي المنشور في تركيا، بما يعني أنّ معابر الغاز الروسي باتت في دائرة الخطر الشديد، اضافة إلى امكانية اعتماد التكنولوجيات المستخدمة في قواعد الصواريخ للتجسس على روسيا، لاسيما بعد أن أمعنت أجهزة المخابرات الاميركية في خرق دول المنطقة استخباريا وامنيا، حتى يصح القول أنّ موسكو تعتبر حرب سوريا نموذجا عن الحرب الاميركية المدارة بواسطة اذرع عسكرية محلية وادوات سلفية وتمويل سعودي – قطري وتخطيط اميركي بريطاني مشترك. ولهذا فان روسيا القلقة من الهجمة الاميركية – الاوروبية – التركية على سوريا لن تقف مكتوفة الايدي تجاه اي خطر حقيقي يهدد سوريا.
وما تلويح الاميركان بخطر السلاح الكيماوي مؤخرا الا آخر الاوراق التي يريدون بها ابتزاز سورية وحلفاءها، ولكن تبدو المعركة قد تجاوزت حتى هذه التهديدات أيضا، فسوريا لن تكون عراقا جديدا يستباح بكذبة اسلحة الدمار الشامل التي اطلقها الثنائي بلير– رامسفيلد، وهاهو الكاتب الفرنسي تيري ميسان ينعش ذاكرتنا من ارشيف الامبريالية المليء بالاكاذيب ويكتب أنه في أيامه، واجه الرئيس ريغن مصاعب جمة في محاولته تقديم الكونترا على أنها «ثورية». فاستحدث من أجل ذلك جهازاً للدعاية، هو مكتب (الدبلوماسية العامة)، أوكل إدارتها لـ«أوتو رايش» الذي أفسد الصحفيين في معظم وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية لتسميم البئر التي ينهل منها الرأي العام. ومن بين الأمور التي قام بها: إشاعة مفادها أن لدى الساندينيين في نيكاراغوا أسلحة كيماوية وقد يستخدمونها ضد شعبهم. واليوم، نرى أن البروباغندا ذاتها، تدار في البيت الأبيض من قبل مساعد مستشار الأمن القومي، المسؤول عن الاتصالات الإستراتيجية؛ «بن رودس»، والذي لم يأتِ بجديد، حيث اكتفى بتطبيق الأساليب القديمة، فأخرج شائعة الأسلحة الكيماوية السورية، كما نجح، بالتعاون مع المخابرات البريطانية، في أن يفرض على وكالات الأنباء الغربية مؤسسة وهمية، هي «المرصد السوري لحقوق الإنسان، «للمدعو رامي عبد الرحمن»، كمصدر مرجعي وحيد للأخبار المتعلقة بسورية. واللافت أن وسائل الإعلام لا تناقش أبداً مصداقية هذا المرصد، على الرغم من أن مراقبين من الجامعة العربية وآخرين تابعين للأمم المتحدة قد نفوا المزاعم الصادرة عنه. والأدهى في الأمر أن هذا الهيكل الوهمي، الذي لا يملك سوى موظف واحد يقيم بالقرب من لندن، قد أصبح مصدراً لمعلومات المستشاريات الأوروبية منذ أن أقنعها البيت البيض بسحب موظفيها الدبلوماسيين من سورية.
وعلى ذكر الاكاذيب فإن وسائل اعلام كثيرة بدت أنها الابن النجيب للنازي غوبلز، فقد كانت الانباء حول سورية تعج بأكاذيب تؤهلها بكل جدارة لتضعها بالمرتبة الثانية بعد تلك الحملات التي حظي بها الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي عبر تاريخه من قبل الدوائر الامبريالية والصهيونية المسيطرة على وسائل الاعلام والمدعومة بالبترودولار الوهابي الرجعي القذر، إذا إنها الادوات ذاتها اليوم تنهش الحقيقة عن الوضع في سوريا، والامثلة أكثر من أن تحصى، ولكن اطرفها أن الجزيرة والعربية ظلتا لثلاثة ايام تتحدثان عن انشقاق وزراء آخرين مع الحجاب المنشق، كما انهما أصرتا على أن الانفجار الذي حصل خلف فندق الداما روز(الميريديان سابقا) استهدف اجتماعا لقادة الاركان راح ضحيته 150 ضابطا رغم مشاهدة الشارع الدمشقي للواقعة التي استهدفت مرآباً للسيارات فحسب.
ولكن الاكثر مرارة من الاكاذيب كان استخدام صور للاطفال القتلى في زلزال ايران الاخير على انها من اثار القصف على اعزاز.. انهم احفاد غوبلز، ماركة مسجلة للكذب الذي ثمنه دم سوري غال...
أخيرا..قد تطول معركة حلب قليلا فالتقارير تشير الى ان الجيش ولتجنيب السكان اثار المعركة قدر المستطاع يستهدف العصابات وتجمعاتها بشكل نقطي، وهو بنفس الوقت يفشل امكانية خلق كوريدور من الحدود التركية حتى حلب، وبالتالي فان دروس التاريخ تؤكد ان الجيش الذي يقاتل ومن حوله شعب يدعمه ويؤازره ويشاركه التضحيات قادر بكل تأكيد على اجتراح المعجزات.
صوت الشعب