PCP

يا عمال العالم اتحدوا

انقلاب أبيض في مصر.. الثورة على مفترق الطرق

قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بحل مجلس الشعب، باعتبارها القانون الذي تمت الانتخابات بناء عليه مخالفاً لأحكام الدستور، وجاء في أسباب الحكم أن (تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه، والمجلس بالتالي غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه من دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر)، بينما أبقت المحكمة على القوانين التي اصدرها "المجلس الباطل". وتعود جذور هذا الحكم إلى عشية انتخابات مجلس الشعب، حيث يخصص القانون ثلثي مقاعد المجلس للقوائم الحزبية، والثلث الباقي للتنافس الفردي. وأصدر المجلس العسكري حينها قراراً يمنع الأحزاب من التنافس على المقاعد الفردية البالغة 160 مقعداً، وترك هذه المقاعد "للمستقلين"، إثر ذلك هددت أحزاب بمقاطعة الانتخابات، فتراجع المجلس. واستفادت القوى الرجعية المتسترة بالدين من هذا السماح فحاز حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الأخوان المسلمين على 99 مقعداً من المقاعد الفردية، وحصل حزب النور السلفي على 21 مقعدا وذهبت 10 مقاعد لحزب البناء والتنمية التابع للجماعة الاسلامية، وبإضافة هذه المقاعد للمقاعد التي حصلت عليها عبر القوائم ضمنت القوى المتسترة بالدين ثلثي مقاعد المجلس، وسارت به على النهج ذاته الذي اتبعه الحزب الوطني إبان حكم الرئيس المخلوع، فتحول المجلس سيركاً، وأصبح هدفاً لتندر المصريين. وأقرت المحكمة الدستورية أيضاً بطلان قانون العزل السياسي، الذي يقضي بحرمان كبار المسؤولين في نظام مبارك من العمل السياسي، واعتبرت المحكمة أن (النص المطعون عليه قد أخل بالمساواة ومايز بين أصحاب الوظائف بغير معيار موضوعي). وهو القانون الذي كان يعول عليه لإخراج الفريق احمد شفيق، آخر رئيس وزراء عينه مبارك، من السباق الرئاسي. ولتكتمل حلقات سلسلة الانقلاب الأبيض أصدرت السلطات المصرية مرسوما يسمح للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية باعتقال المدنيين لـ"جرائم" من بينها عصيان الأوامر، وعرقلة حركة المرور والإضراب عن العمل، وذلك قبل يوم واحد من حكم المحكمة الدستوري، وهو ما يماثل اعادة العمل بحالة الطوارىء. وجاءت هذه القرارات عشية الانتخابات الرئاسية، وفي ظل تنافس شديد بين مرشح الفلول ومرشح الأخوان المسلمين، وشكلت صفعة قوية للقوى الرجعية المتسترة بالدين، وانقلاباً أبيضاً للعسكر، في ظل جو يشير إلى توجيه دفة الانتخابات نحو العسكري السابق وابن النظام الساداتي ـ المباركي، سواء بدعمه باستخدام جهاز الدولة، أو حتى التزوير المباشر لإرادة الناخبين. بينما تكوّن جو يسمح بانفضاض الناخبين عن المرشح الاخواني لأسباب متعددة، فهو لم يقدم أي جديد أو مختلف عن مرشح النظام، فكلاهما من دعاة الاقتصاد الحر، وكلاهما مدعومان من قطاعات البرجوازية الكمبرادورية، وكلاهما لا يعاديان الغرب بل يواليانه، تصريحاً حيناً وبصمت أحياناً. أما في العلاقات مع الكيان الصهيوني فقد شهدت آراؤهما تطابقاً غريباً. فقد اكد مرسي في اكثر من لقاء تلفزيوني على ضرورة احترام الاتفاقات الدولية (الى ان يثبت في حقها ما يخالف المصلحة او القانون الدولي) واعتبر ان اسرائيل خالفت بنود الاتفاقية ورغم ذلك لا يطالب بالغائها لكن "باعادة ضبطها". أما شفيق فتعهد بالحفاظ على معاهدة كامب ديفيد قائلا انه يعترض على تصرفات اسرائيل الحالية لكنه رجل يحترم المعاهدات السابقة؟!!. وفي حين قدم شفيق نفسه مرشحاً "للتقدم" كما ادعى وحامياً للحريات الفردية، لم يستطع المرشح الأخواني نفي تهمة النزعة نحو الدولة الثيوقراطية الحاكمة تحت عباءة الدين. أما تهديدات الأخوان بـ"العودة إلى الثورة" فلن تفيد، فهم ركبوا موجة الانتفاضة الشعبية لأنهم اعتبروها تجارة رابحة، ولم يوفروا أي فرصة للتآمر عليها وابتزاز نظام مبارك ثم المجلس العسكري لتحقيق مكاسب آنية ضيقة، وعندما سيطروا على مجلس الشعب استمروا في انتهاج النهج ذاته، ولم يلتفتوا للمطالب الشعبية، فمثلوا مع المجلس العسكري القوى الضاربة للثورة المضادة، وحان وقت التخلص منهم بعد أن أدوا دورهم المرسوم. لذلك استقبل المصريون حكم المحكمة الدستورية بقاعدتهم الشهيرة "ونحنا مالنا"، ولم تشهد مصر احتجاجات كبيرة، بينما تدعو القوى الثورية لمقاطعة الانتخابات أو بالتصويت ضد كلا المرشحين. وبذلك يجري العمل على سد أفق الثورة المصرية، في وقت انهكت فيه جماهير الشعب، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، ونزع حكام مصر برقع الحياء، فهم غير مستعدين للعمل خلف ستار، وهم يريدون كعادتهم الحكم دون مجلس شعب ودون دستور، ومع رئيس منهم وبسلطات مطلقة. وقد يعتبر هؤلاء ما تحقق انتصاراً لهم، لكنهم من حيث لا يدرون عروا أنفسهم وحلفاءهم من القوى البرجوازية المختلفة، فلن ينظر المصريون مجدداً إلى قيادة الجيش كحكم محايد، بل كخصم، في وقت أثبتت فيه مختلف القوى البرجوازية المصرية، ممن يدعون الليبرالية السياسية إلى من يرفعون راية الدين، تآمرهم على الشعب المصري واستغلاله وقمعه في كل لحظة. وقد تكون الموجة الحالية للثورة المصرية قد أخمدت، لكنها ستعود أكثر قوة مستفيدة من الدروس.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني