مصر وتحالف الاسلاميين مع الامبريالية
احاط بفوز القوى الاسلامية في بلدان ما يسمى الربيع العربي - سواء كان هذا الفوز انتخابيا او عسكريا - كثير من التساؤلات. ولا شك ان الروابط الجديدة بين الامبريالية العالمية والجماعات الدينية مثل الاخوان المسلمين والسلفيين في مصر ومثل القاعدة والجماعات الاسلامية الاخرى في ليبيا وسوريا لا تنكره الولايات المتحدة والدول الاوروبية ولا تخفي هذا التحالف ، بل انها تتحدث عن صعود الاسلاميين انتخابيا باعتباره امرا جديرا بالترحيب، كما تتحدث عن الاسلاميين باعتبارهم تنظيمات جديرة بالاحترام، وعن تطلعها الى التعاون معهم عندما تصبح السلطة في ايديهم.
ففي مصر عادت الولايات المتحدة الى وصف الاسلاميين وخاصة الاخوان المسلمين بانهم “معتدلون” وبانهم “جديرون بالاحترام والتأييد” في حالة صعودهم الي السلطة في مصر بعد نتائج الانتخابات المصرية الاخيرة. وقد اظهرت الولايات المتحدة قدرة فائقة على التحول السريع من التحالف مع النظام الاستبدادي الذي كان يرأسه حسني مبارك الي اظهار هذا الموقف الجديد من الاخوان المسلمين وازدياد الاتصالات معهم عبر زيارات كبار المسؤولين والقادة العسكريين الأمريكيين لمصر وعبر نشاطات السفارة الأمريكية في القاهرة، فضلا عن الرحلات السرية وشبه السرية لزعماء الاخوان الى الولايات المتحدة (حتى اثناء سنوات حكم مبارك الاخيرة). كذلك فقد اظهرت الولايات المتحدة استعدادها لتأييد مشاركة الاخوان المسلمين في السلطة في حالة ما اذا استوجب الوضع السياسي الناتج عن الانتخابات مثل هذا المنحى.
ويلاحظ في هذا الصدد ان الولايات المتحدة لم تعد تعلن خشية من ان يستمر الاخوان المسلمون في سياسة معارضة لاسرائيل، الامر الذي يدل على ان الاخوان قدموا لواشنطن تعهدات بعدم السير في هذا الطريق اذا استمرت الولايات المتحدة في دعمهم كقوة سياسية تمارس الحكم او تشارك فيه. ومعناه ايضا ان الاخوان تعهدوا للمسؤولين الأمريكيين بأن يصلوا في اعتدالهم الي حد دعم حروب الامبريالية ضد القوى العلمانية ذات التوجه الوطني بين الجمهوريات العربية (على حد تعبير المفكر الماركسي الأمريكي جيمس بيتراس في بحث له نشره موقع “انفورميشن كليرنغ هاوس” علي شبكة الانترنت يوم 12 ديسمبر الحالي بعنوان «التحالف بين واشنطن والاسلام المعتدل».) حيث يقول بيتراس ان هذا التحالف يعطي “للاسلاميين مسؤولية فرض سياسات اقتصادية اورثوذكسية واعادة تاسيس نظام يدعم النظام القائم مع اقتصاديي البنوك وانصار الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من الجنرالات ومسؤولي الامن. وفي المقابل يحصل الاسلاميون على مناصب وزارية معينة ويتولون تعيين اعضائهم وفرض جدول اعمالهم المالي والاجتماعي والثقافي”. ويضيف جيمس بيتراس ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي “يساندون الاسلاميين المعتدلين في جهودهم لازاحة الانتفاضات الشعبية التي يقوم بها الشبان والعاطلون ...وباسم الديمقراطية وباسم التدخل لاغراض انسانية فانهم يطلقون حلفاءهم الاصوليين من اجل تدمير خصومهم المستقلين».
ويشرح بيتراس ما يعنيه بخصوم الاسلاميين بانهم اولئك الذين يتخذون مواقف وطنية وطبقية يرفضها الاسلاميون. وهو يؤكد ان العلاقة بين نظم الحكم الاسلامية - التي برزت نتيجة لثورات الربيع العربي -والامبريالية علاقة معقدة للغاية وتشكل تغييرا كاملا عن نهج الصراع الدموي. ولهذا فان استمرار الولايات المتحدة في علاقة تعاون او في علاقة صراع مع المسلمين المعتدلين انما يتوقف علي السياق السياسي المحدد لهذه العلاقات. “الامبريالية الأمريكية تتحالف مع الاسلاميين حينما تكون في مواجهة مع النظم والحركات الديمقراطية اليسارية والعلمانية».
ويؤكد المفكر الماركسي الأمريكي ان أمريكا “تصر على ان يلتزم هذا التحالف مع الاسلاميين بسياستها تجاه اسرائيل وان يتخلى عن تقديم الدعم للفلسطينيين والنضال الوطني الفلسطيني ...ولهذا فان التحالف بين الامبريالية الأمريكية والاسلاميين يبقي مهددا بالانهيار في حالة ما اذا تعمقت التوترات والصراعات المتعلقة بالنضال الوطني الفلسطيني».
والامر الذي ينبغي ان يكون واضحا عند النظر في امر هذا التحالف انه علي الرغم من نجاح الامبريالية الأمريكية والاوروبية في اقامة علاقة مشاركة مع الاسلاميين فان الازمات الاقتصادية التي تخيم علي البلدان الامبريالية، وكذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر في البلدان العربية ستجعل من الصعب على الاسلاميين الذين يصفهم الأمريكيون الان بالاعتدال ان يحققوا استقرارا في المجتمعات التي يصعدون الى السلطة فيها. ويذهب جيمس بيتراس الى «ان الاسلاميين قد يلجؤون الى محاولة التعاون مع بعض الليبراليين العلمانيين والديمقراطيين الاجتماعيين وحتى مع قلة من اليساريين، ولكن غرضهم الرئيسي من وراء ذلك سيكون الهروب من تحمل المسؤولية وحدهم عن تدمير امال الفقراء في بلدانهم».
لقد نجح الامبرياليون - أمريكيين واوروبيين- بصورة مؤقتة في تحاشي انتصار الثورات بان ساندوا الاصلاحات الانتخابية وساندوا الاسلاميين في الانتخابات كما قبلها، ولكن استمرار التدخلات العسكرية من جانبهم مع استمرار الازمات الاقتصادية لن يؤدي الا الى مجرد تأجيل صراعات اكثر حسما لابد ان تقع وفي المستقبل القريب.
كما قال االمفكر االماركسي جيمس بيتراس، فى مقابلة له مع موقع «كوبا ديباتى» عند سؤاله عن الربيع العربى، إن «الربيع العربى هو سلسلة من الانتفاضات الشعبية أدت إلى انهيار الديكتاتوريين الموالين للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها ليست ثورات سياسية، وذلك لسببين، وهما أن أجهزة الدولة والجيش بالإضافة إلى النظم القضائية والسياسية القديمة لم تتغير.
وأشار بيتراس فى حديثه إلى أنه «فى مصر نظام مبارك حل محله المجلس العسكرى الذى استمر فى سجن وتعذيب وقتل الناشطين المؤيدين للديمقراطية، وفى رأيي إن الولايات المتحدة تلقت خبر الانتفاضات الشعبية على حين غرة لكنها فى وقت لاحق بدأت تأتي في صف المجلس العسكرى والتعاون مع الإخوان المسلمين.
وأضاف بيتراس إنه «بعد الموجه الأولى من الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية فى مصر، تونس، الجزائر، المغرب، البحرين، اليمن، التى تحدت السلطات الإمبريالية والصهيونية فى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط ودول الخليج، تلتها موجة من الغضب في الولايات المتحدة الأمريكية.» ولذلك فإن الربيع العربى أصبح الآن « صيفاً إمبريالياً»، الولايات المتحدة وحلف الناتو قصفوا ليبيا، وتصاعدت العقوبات ضد سوريا وإيران، فى الوقت الذى تستمر المقاومة الشعبية فى واشنطن دعما لما يسمى بـ»تغيير النظام»، والتى يعارضها حلفاؤها الناتو وإسرائيل.
وقال «أرى أن الصراع على سوريا ودور حلف الناتو فى الهجوم الإمبريالى المسلح ضد نظام الأسد ، له عدة أهداف، مثل عزل إيران للتحضير للحرب، وإضعاف تحرير فلسطين من الحكم الاستعمارى فى إسرائيل، و تهيئة الظروف لتوجيه ضربة جوية لحلف الناتو، كما حدث فى ليبيا، وأخيرا إزالة قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر المتوسط فى سوريا، مشيرا إلى أن روسيا أدركت أن حلف الناتو يرغب فى شن هجمات فى سوريا، مثلما حدث فى ليبيا وإيران، هذا سيزيد من الحصار المفروض على موسكو واستبعادها من الشرق الأوسط، بما فى ذلك الصين التى ستستخدم حق الفيتو لمعارضة العقوبات لتجنب أى مواجهة عسكرية فى حالة وقوع حرب جوية يشنها حلف الناتو.
ولفت بيتراس إلى سلسلة اللوبى اليهودى الذى اخترق البيت الأبيض والخزانة والبنتاجون والكونجرس تحت اسم «تكوين السلطة الصهيونية» فى الولايات المتحدة ويتضمن 52 منظمة يهودية فى الولايات المتحدة والتي تسيطر على السياسة فى الشرق الأوسط، وهذه المنظمات الصهيونية هى التى تعزز العقوبات الاقتصادية ضد إيران وسورية، مع العلم أن هذا يمكن أن يؤدى إلى حرب إقليمية وكارثة اقتصادية.
ويكشف جيمس بيتراس أن أوباما بدأت تظهر عليه أعراض التخبط، فبعد معاناته العسكرية وهزائمه السياسية في الحروب على العراق وأفغانستان وعجزه عن حماية حلفائه في اليمن ومصر وتونس ولا يبدو أنه استخلص الدروس أو تعلم شيئاً من إخفاقاته في فترة قصيرة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
ويرى (بيتراس) أن أوباما يتجه الآن نحو مجابهة عسكرية أوسع من منطقة الشرق الأوسط بمحاولة شن حملة سياسية ضد روسيا والصين فقد تبنى أوباما إستراتيجية هجومية استفزازية لتهديد حدود روسيا والصين. ففي تشرين الثاني الماضي اتخذ أوباما موقفين سياسيين يحملان مضاعفات إستراتيجية هائلة ويؤثران في القوى الكبرى المتنافسة، فقد أعلن عن إجراءات تعزز قواته البحرية حول بحار الصين وزيادة قواعد الرصد الراداري لتلك المنطقة لمضايقة الصين وتجارتها وصلاتها مع آسيا، كما أعلن أوباما أن آسيا تحتل الآن الأولوية من التوسع العسكري وزيادة عدد قواعده فيها وتعزيز تحالفاته الاقتصادية فيها وهذا ما يشكل تحدياً للساحة الخلفية للصين.
وقال في خطاب في أستراليا: «إن مصالحنا الدائمة في منطقة آسيا تتطلب وجودنا الدائم فيها ونحن هنا موجودون كي نبقى فيها، وقد طلبت من فريق أمننا القومي إعطاء الأولوية لهذه المواضيع» وسارعت كلينتون إلى زيارة بورما وعدد من الدول الآسيوية لتهيئة هذه الأولوية. وبالمقابل ظهر الرد الصيني أشد وقعاً على أوباما حين أعلن الزعيم الصيني (جياباو) أن الصين لن تسمح لأي كان بالتدخل في شؤون المنطقة المحيطة ببحر الصين لأنها مع دول تلك المنطقة تحل خلافاتها على النفط والغاز مع الدول المحيطة ببحر الصين. وجاء خطابه هذا بحضور أوباما نفسه في مؤتمر في نفس الشهر تشرين الثاني الماضي كان الرئيس الأميركي يشارك به.
والمعروف أن علاقات الصين التجارية مع الهند وأندونيسيا واليابان وباكستان وفيتنام تتزايد بشكل لا يمكن للمنافسة الأميركية إبعاد الصين عن هذه الدول.. أما على الاتجاه الروسي فقد قامت واشنطن بنصب مواقع بطاريات صواريخ مضادة للصواريخ وأنشأت قواعد لسلاح الجو في بولندا ورومانيا وتركيا وإسبانيا وتشيكيا وبلغاريا ولا تزال واشنطن تبذل جهوداً كبيرة لإنشاء قواعد في دول آسيا الوسطى المحاذية لحدود روسيا.
كما قامت واشنطن بموجب ما يقوله (بيتراس) بشن حملة حرمان اقتصادية وعسكرية لروسيا في شمال إفريقيا ومعظم منطقة الشرق الأوسط عن طريق حلف الأطلسي ويزداد التحدي الأميركي- الأطلسي ضد مصالح روسيا في إيران وسورية إلى حد جعل موسكو تشعر بأنها أخطأت في طريقة تعاملها مع حلف الأطلسي من الناحيتين السياسية والاقتصادية وهذا ما جعل موسكو تنتقل من سياسة أوهام ميدفيديف مع أوروبا إلى سياسة بوتين الواقعية بصفته الرئيس الروسي المقبل. فبوتين يؤكد تعزيز العلاقة مع الصين ومع إيران وسورية والمحافظة على سياسة تحبط أخطار تزايد الهيمنة الأميركية والأطلسية في المتوسط والشرق الأوسط. وهذا ما سيجعل العالم يشهد صراعاً حاداً في السنوات الثلاث المقبلة وعلى مستوى دولي لم يحدث في العقدين الماضيين.