تفاقم أزمة الرأسمالية ومحاولات تصديرها إلى الخارج
التظاهرات العارمة التي اجتاحت حوالي ألف مدينة في أنحاء العالم الرأسمالي ، يوم 15 تشرين الأول 2011 ، وكانت انطلاقتها من نيويورك في الولايات المتحدة ، تحت عنوان : " احتلوا وول ستريت" ، وامتدت إلى لندن وبرلين وروما ، وصولاً إلى سدني في أستراليا ، تشير إلى تفجر اجتماعي لأزمة الرأسمالية العالمية ، ووصولها إلى مستوى غير مسبوق ، من الاحتجاج الشعبي الواسع ، من قبل الفئات الاجتماعية المسحوقة ، ضد الجشع والوحشية السوداء ، التي بلغها الاستغلال الرأسمالي ، وإلى صعود الصراع الطبقي ، إلى سطح المشهد السياسي العالمي . وفي الوقت نفسه تتصاعد عدوانية المراكز الرأسمالية الاستعمارية الغربية ، ضد مراكز الصمود والمقاومة في منطقتنا العربية والإسلامية ، فما هي الصلة بين تفجر أزمة الرأسمالية ونزولها إلى الشارع على المستوى العالمي ، وتصاعد هذه العدوانية ، وهل هي محاولة من قبل النظم الرأسمالية الاستعمارية الكبرى ، في الولايات المتحدة ، ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، لتصدير أزمتها المتفجرة ، وإيجاد مخارج لها عبر النهب المباشر ، للعائدات الهائلة للثروات النفطية في منطقتنا ، وتحميل شعوبنا وزر وآثار هذه الأزمة ..!!؟؟ .
الجشع والنهب والحروب تفجر أزمة الرأسمالية
:-
وإذا كان انفجار الأزمة المالية الرأسمالية العالمية ، قد ظهر بشكل مدو قبل ثلاث سنوات ، في 15 أيلول عام 2008 ، بعد انهيار سوق الأسهم في وول ستريت (في نيويورك) ، والتي وصفت بأنها "كارثة بيرل هاربر جديدة" ، وقيل أن تلك السوق خسرت فيها 11 تريليون دولار ، وانتقال تلك الأزمة إلى أسواق المال في مختلف أنحاء العالم ، إثر أزمة الرهون العقارية ( التي ظهرت في آب 2007 ) ، الناجمة عن إفلاس البنوك العقارية ، والتي تبعتها أزمة بطاقات الائتمان ، في تشرين أول 2008 في الولايات المتحدة ، فإن انعكاساتها الاجتماعية ، من فقر وبطالة ، وانتشار للاحتجاجات الشعبية ، في مدن البلدان الرأسمالية ، لم تظهر بهذا المستوى منذ سنوات طويلة .
ولم تأت هذه الأزمة الرأسمالية من فراغ ، بل نتاج انطلاق قوى النهب واللصوصية الوحشية ، في البلدان الرأسمالية من عقالها ، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية ، في أوائل تسعينات القرن الماضي ، حيث لم يعد على قوى النهب والجشع الرأسمالي ، من حسيب ولا رقيب . وصارت وسائل الإعلام الرأسمالية ، تضج بالحديث عن عظمة اقتصاد السوق ، وقدرته على إصلاح نفسه وتجاوز أزماته ، وأن الرأسمالية هي التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الأخيرة ، ونهاية التاريخ على حد تعبير المنظر الرأسمالي الأمريكي فوكو ياما . وصار الليبراليون الجدد والقوى والنظم الرجعية في منطقتنا يهللون و يتغنون ، ب"حسنات" الرأسمالية وحريتها وديمقراطيتها المزعومة ، لا بل يتنادون جهاراً ، لدعوتها للقدوم إلينا ، ولو على ظهر دبابة أمريكية ، أو حتى صهيونية ..!!؟؟.
ولم تكتف القوى الرأسمالية في بلدان الغرب الاستعمارية منذ التسعينات ، بالاعتداء المستمر على الضمان الاجتماعي ، والمكتسبات العمالية والنقابية ، التي نالتها الفئات المنتجة في بلدانها ، بالنضال المرير في الفترة السابقة ، إبان ما كان يسمى بفترة الحرب الباردة ، بل عمدت إلى تصعيد عمليات النهب واللصوصية المالية ، عبر الرفع المستمر لقيم الرأسمال الوهمي (الإسمي) ، من خلال المضاربات في أسواق الأسهم والسندات ، وعبر القروض ضعيفة الضمانات ، وخاصة من قبل البنوك العقارية ، في الولايات المتحدة ، وتحويلها إلى سندات مالية ، تفوق قيمتها الحقيقية بمرات ، والحصول على أرباح فاحشة ، من قبل كبار المضاربين ، والعاملين برأس المال المالي ، ومدراء البنوك الكبيرة ، الذين صاروا يحصلون على رواتب ، وحوافز غير مسبوقة ، بعشرات ملايين الدولارات . وهذا الانتفاخ في الرأسمال المالي بلغ درجة غير معقولة ، حيث قدرت قيمة الإنتاج العالمي من رأس المال الاسمي ( قيمة أسهم وسندات وأوراق مالية...) ، بأكثر من 600 تريليون دولار ، فيما لم تزد قيمة الإنتاج الاقتصادي الحقيقي ( إنتاج بضاعي من سلع وخدمات حقيقية..) عن 48 تريليون دولار .
وحين عجز صغار المقترضين عن سداد القروض ، نتاج الغلاء المستمر وضعف الدخول ، أخذت الفقاعة بالانفجار ، وبدأت البنوك التي عجزت عن الدفع بإعلان الإفلاس ، والتي بلغ تعدداها أكثر من 200 بنك في الولايات المتحدة في الأشهر الأولى للأزمة ، ممن تقدر رؤوس أموالها بعشرات مليارات الدولارات ، وحيث عمدت حكومة الولايات المتحدة ، إلى ضخ مئات المليارات من الموازنة الاتحادية ، والتي مصدرها دافعي الضرائب ، إلى البنوك والمؤسسات المالية والصناعية الموشكة على الانهيار، مما حمل الدولة أعباءً ضخمة فوق أعبائها .
ولم تقتصر الأزمة على البنوك والمؤسسات المالية والاقتصاد الاسمي ، بل أخذت تطال الاقتصاد الحقيقي ، وخاصة صناعة السيارات ، حيث شكل الرئيس أوباما في بداية ولايته ، فريقاً خاصاً لمعالجة أزمة صناعة السيارات ، واجتمع مع الاتحاد القومي لصناعة السيارات في ديترويت ، وبمسؤولي شركتي جنرال موترز وكرايزلر ، وقد تلقت تانك الشركتان قروضاًُ بقيمة 17 مليار دولار ، وطلبت 22 ملياراً إضافية ، ولكن ذلك لم يحل المشكلة ، حيث كانت خسائر جنرال موتورز 31.5 مليار دولار ، وطالت الأزمة شركة فورد لصناعة السيارات ، وكان تراجع مبيعات السيارات الأمريكية 41% عن العام الذي سبقه . ولم يقتصر الأمر على صناعة السيارات في الولايات المتحدة ، إذ هوت مبيعات شركة فولكس فايغن في الشهرين الأولين من عام 2009 بنسبة 15% ، فيما خفضت شركة تويوتا اليابانية إنتاجها عام 2009 بنسبة 20% .
ولم يكن سبب انفجار أزمة الرأسمالية في الولايات المتحدة مقصوراً على مسألة أزمة الديون العقارية ، بل كان لسلوك الإدارة الأمريكية العدواني ، وغير المسؤول في عهد جورج بوش الابن ، أثر كبير في انفجار هذه الأزمة ، من خلال حروبه العدوانية في أفغانستان والعراق ، والإنفاق العسكري الهائل على إنتاج السلاح وعلى هذه الحروب ، حيث قدرت تكاليف حرب العراق ، التي لم تنته ذيولها بعد بحوالي 3 ترليون دولار ، واليوم تقف الولايات المتحدة مدينة عاجزة ، يصل حجم العجز في ميزانيتها لهذا العام إلى 1.1 ترليون دولار ، و يصل حجم الدين الداخلي والخارجي إلى 16.5 تريليون دولار ، أي أكبر من إجمالي إنتاجها القومي السنوي ، الذي يبلغ حوالي 15 ترليون دولار
وقد اجتاحت هذه الأزمة كل الدول الرأسمالية الغربية ، وانعكست على باقي اقتصادات العالم ، ومنها بلداننا العربية ، وخاصة الدول الخليجية الرجعية المنتجة للنفط ، التي تأثرت أسواق الأسهم فيها بشدة ، فضلاً عن الخسائر الجسيمة التي تكبدتها إيداعاتها واستثماراتها ، من إفلاسات البنوك وانهيار أسواق الأسهم في الولايات المتحدة والغرب ، والتي قدرت ب 3 تريليونات من الدولارات . وقد حاولت الدول الرأسمالية الأقوى في الاتحاد الأ وروبي ، إنقاذ المؤسسات المالية الأوروبية ، ودعم الاقتصادات الضعيفة في منطقة اليورو ، حيث ضخت عشرات مليارات اليوروات من موازناتها دون جدوى . واليوم تقف اقتصادات بعض الدول في الاتحاد الأوروبي على شفا الإفلاس ، مثل اليونان التي فاقت ديونها 150% من إجمالي إنتاجها القومي ، وإلى حد ما تعاني البرتغال وإسبانيا وإيطاليا بشدة من الديون الكبيرة ، ومن آثار هذه الأزمة .
وحتى الكيان الصهيوني انعكست عليه أزمة الرأسمالية العالمية ، لدرجة جعلته يعلن حالة الطوارئ الاقتصادية ، حين هبطت أسعار الأسهم في وول ستريت في أيلول الأسود (2008) . وقد خسر 500 مليونير إسرائيلي 40% من ثرواتهم ، بما قدر ب52 مليار دولار ، وكانت أكثر الصناعات تأثراً "الهاي تكنولوجي" حيث فقد 15 ألفاً من العاملين في هذه الصناعة أعمالهم ، وقيل وقتها أن هذه الأزمة الاقتصادية في الكيان الصهيوني ، تحتاج إلى عامين على الأقل لتجاوزها .
وفي محاولة معالجة أزمتها ، تحمل الدول الرأسمالية الطبقات الفقيرة ، أعباء هذه الأزمة ، وتقوم بتسريح العمال في المؤسسات المتعثرة ، وتزيد نسبة البطالة ، وترفع الضرائب على الطبقات الدنيا ، وتعفي الأغنياء منها ، فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً ، حيث بلغ عدد من هم دون خط الفقر في الولايات المتحدة 46 مليون فقير ، وزادت نسبة البطالة عن 10 % . وهذا الأمر فجر الاحتجاجات الاجتماعية ، وكان وراء نزول الناس إلى الشارع في المدن الأمريكية ، حيث أشارت الاستطلاعات إلى أن 87% من الأمريكيين يؤيدون التظاهرات ، و54% يؤيدون حركة "احتلوا وول ستريت" . وقد واجهت السلطات الأمريكية والأوروبية ، التي تدعي حماية الديموقراطية وحقوق الإنسان ، هذه الاحتجاجات بالقمع والعنف ، حتى أن بعض الاحتجاجات صارت تتجه ضد هذا القمع ، وتقول إن السلطات تحمى الرأسماليين الذين يمثلون 1% ، في مواجهة الشعب الذي يمثل 99% من سكان هذه البلدان .
الدول الاستعمارية الكبرى تحاول تصدير أزمتها إلى منطقتنا:-
في ضوء أزمة الرأسمالية العالمية ، ووصولها مستويات غير مسبوقة ، في المراكز الرأسمالية الاستعمارية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة ، من إفلاسات البنوك والمؤسسات المالية ، والعجز الهائل في الموازنة ، في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ، وتعاظم حجم الدين العام بشكل يفوق إجمالي الإنتاج السنوي ، وتزايد الفقر والبطالة ، وتهديد مكانة الدولار كعملة عالمية أولى ، اعتمدت عليها الحكومات الأمريكية لتغطية عجزها في السنوات الأربعين الماضية ، من خلال طباعة الأوراق المالية (الدولارات) دون أي غطاء ، نرى محاولة تصدير هذه الأزمة إلى الخارج ، وخاصة إلى منطقتنا العربية ، عبر تصعيد الأعمال العدوانية ، ضد مراكز المقاومة والصمود ، وبث الفتن والفوضى ، وتمزيق البلدان العربية والإسلامية ، للسيطرة على ثرواتها النفطية الضخمة ، وحتى إنتاج الطاقة المستقبلية المتجددة ( من الطاقة الشمسية في الصحاري العربية ) ، واستخدامها لابتزاز ومحاصرة البلدان غير المنتجة للنفط ، ذات الاقتصادات الصاعدة ، كالصين والهند ، وحتى الرأسمالية الحليفة ، مثل اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا .
وإذا كانت القوى الاستعمارية بزعامة الولايات المتحدة ، قد اتجهت في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ، الذي كان يمثل المحافظين الجدد ، واليمين الأمريكي المتطرف ، الممثل لاحتكارات النفط والسلاح ، والملتحم مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، إلى الحرب والاحتلال المباشر ، واستخدام حاملات الطائرات والصواريخ الموجهة ، وما تمتلكه من أسلحة ذكية وتقنية عسكرية متطورة ، للسيطرة على الثروات النفطية في منطقتنا ، ولإرهاب وإرعاب الدول الأخرى كبيرة أو صغيرة ، وبسط الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية على العالم ، فكانت الحرب والاحتلال الوحشي لأفغانستان والعراق ، فإنها في عهد باراك أوباما الذي لم يغير سوى اللغة في بداية عهده دون الأهداف ، وبعد أن ظهر عجز وتورط الولايات المتحدة أمام المقاومة العراقية والأفغانية ، وظهر فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد (الكبير) ، وخاصة بعد فشل العدوان الصهيوني على لبنان صيف 2006 ، وعلى غزة أواخر 2008 أوائل 2009 ، عادت الولايات المتحدة إلى ما يسمى الغزو الناعم ، لتحقيق الأهداف نفسها ، في بث الفتن والصراعات الداخلية ، وضرب قوى المقاومة ، والقوى الممانعة التي ترفض الخضوع للإملاءات الأمريكية والاستعمارية الغربية من أجل إخضاع المنطقة ، ووضع اليد على ثرواتها وعائداتها بشكل نهائي ، بما يساعد في إخراج الرأسمالية العالمية ، والقوى الاستعمارية الغربية ،من أزمتها ، ويخرج الكيان الصهيوني أيضاً من أزمته ، التي سببها تصاعد قوى المقاومة .
وإذا كانت القوى الاستعمارية والصهيونية ، قد عملت طويلاً على اختراق البنى السياسية والاقتصادية والأمنية العربية ( وهو ما أكده مئير داغان رئيس الموساد السابق عند مغادرته لمنصبه ، أنه حدثت نجاحات هامة فيه في السنوات العشر الماضية ) ، من أجل المساعدة في إنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير ، والهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية ، فإنها تحاول اليوم ، وبعد فشل غزوها للعراق ، أن تدخل على خط التغيرات ، والهبات الشعبية ، التي حدثت في بعض البلدان العربية ، ضد بعض النظم المهترئة الموالية للغرب ، كتونس ومصر ، ل"مصادرة هذه الثورات وحرفها عن مسارها الطبيعي " ولإحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد ، وتقسيم دول المنطقة على أسس عرقية ومذهبية وجهوية متصارعة ، بحيث يبقى الكيان الصهيوني القوة الكبرى المهيمنة بين هذه الدول
" .
والولايات المتحدة والدول الاستعمارية في حلف الناتو ، وكما هو واضح ، تتبع مناهج متعددة لتحقيق أغراضها ، فإذا كانت تتبع أساليب تتناوب بين الضغط والإغراء ، تجاه دول كمصر وتونس ، لقصر التغيرات فيها على واجهة وأسلوب الحكم ، ومسائل الانتخابات والتعددية الحزبية ، دون أن تطال هذه التغييرات المناهج الاقتصادية والاجتماعية داخلياً ، والدور القومي للبلاد ، والتوجهات العامة للسياسة الخارجية ، وخاصة العلاقات مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ، وتغض الطرف عن الاحتجاجات والمطالبات الشعبية في البلدان الحليفة كالبحرين مثلاً ، فإنها عمدت إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا ، تحت غطاء فرض حظر جوي وحماية المدنيين ، وقامت بشن غارات وحشية على مدى أشهر ، دمرت البنى التحتية ، وقتلت عشرات الألوف، وأدت إلى تشريد حوالي مليون إنسان ، من هذا البلد العربي الغني بالنفط ، لتضع اليد على ثرواته ومقدراته .
وهي عملت مع حلفائها وعملائها في المنطقة ، على استغلال المطالبة بالإصلاح في سورية ، لشن حرب إعلامية شعواء ، لم يسبق لها مثيل ، ودعم إعمال التخريب والقتل التي تقوم بها عصابات مسلحة وممولة من الخارج ، من أجل إسقاط سورية ، التي تشكل سنداً رئيسياً للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ، وركيزة للكفاح القومي والتصدي لمشروعات الهيمنة الاستعمارية على المنطقة العربية ، وهي تحاول اليوم استخدام كل أشكال الضغوط السياسية ولاقتصادية ، وتهدد بالتدخل العسكري ، في محاولة يائسة لإضعاف الموقف السوري المقاوم .
ولم يقتصر الأمر على سورية في هذا المجال ، بل انتقلت التهديدات إلى إيران ، خلف مزاعم واهية عن محاولة اغتيال لسفير السعودية في الولايات المتحدة ، لتغذية الانقسامات وبث الفتن والصراعات بين دول المنطقة ، وضرب مراكز الصمود والمقاومة فيها . وقبل إيران وجهت الاتهامات إلى حزب الله ، في اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري ، لتشويه صورة هذا الحزب الذي شكل رمزاً للمقاومة في المنطقة العربية .
لا مخرج لأزمة الرأسمالية:
على الرغم من كل محاولات الدول الرأسمالية الكبرى إيجاد مخارج لأزمتها ، عبر تقديم المساعدات المالية بمئات مليارات الدولارات واليوروات ، للمؤسسات الرأسمالية المتعثرة ، وللدول المدينة في الاتحاد الأوروبي ، على حساب موازنات ودافعي الضرائب في تلك الدول ، وعبر الإجراءات التقشفية ، وتحميل الكادحين والفقراء عبء تلك الأزمة ، أو عبر المغامرات الحربية ، ومحاولات نهب ثروات الدول النفطية في منطقتنا ، فإن أزمة الرأسمالية تتفاقم ، لأنها أزمة بنيوية ، من طبيعة بنية وآليات عمل النظام الرأسمالي نفسه ، القائم على النهب والجشع ، وتعظيم الأرباح باستمرار ، على حساب العاملين والمستهلكين والشعوب الأخرى . فالاختلالات تزداد ، والعجوزات والديون الداخلية والخارجية تتعاظم ، وتحميل الأعباء للطبقات الفقيرة ، يفجر الاحتجاجات الاجتماعية ، التي يمكن أن تتسع وتصبح أكثر خطورة في هذه الدول ، ومحاولات تحميل أوزار الأزمة للخارج ، ولشعوب منطقتنا خاصة ، ستبوء في نهاية المطاف بالفشل .
ومن الواضح أن الدول الرأسمالية الاستعمارية ، تفقد مركزيتها وسيطرتها على العالم شيئاً فشيئاً ، لصالح قوى عظمى أخرى ، وتكتلات اقتصادية بازغة ، مثل دول البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) ، ودول معاهدة شنغهاي ، وتكتل آسيان وشرق آسيا ودول الألبا ، وهي دول تضم أكثر من نصف سكان العالم ، وتنتج 60% من الإنتاج العالمي . وعلى الرغم من أنها تضم أنظمة سياسية واجتماعية متنوعة ، إلا أنها تتطلع إلى علاقات دولية ، تقوم على أساس المصالح المشتركة ، والاحترام المتبادل ، بخلاف الدول الرأسمالية الاستعمارية الغربية (دول حلف الناتو) ، التي تريد الهيمنة والسيطرة ونهب الشعوب الأخرى ، باستخدام لغة القوة الغاشمة . ومن هنا كان موقف هذه الدول ضد التدخل الخارجي في منطقتنا ، وخاصة روسيا والصين ، واستخدامها للفيتو في مجلس الأمن ، ضد التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي السوري ، وهي تشعر أن المناهج العدوانية الاستعمارية الغربية ، يمكن أن تصل إليها ، إذا لم تجد من يقف في وجهها ويردعها . وكذلك كان تضامن دول الألبا ( فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وبوليفيا..) الأمريكية اللاتينية مع سورية ، ورفضها لمناهج التدخل الاستعماري الجديد في الدول الأخرى ، واعتبارها ذلك عدواناَ من دول الشمال الاستعمارية ، على دول الجنوب .
وبالإجمال فإن المناهج الاستعمارية التي تنتهجها الدول الرأسمالية الغربية الكبرى ، ومحاولاتها الخروج من أزمتها المتفاقمة ،على حساب الطبقات الكادحة في بلدانها ، وعلى حساب الشعوب الأخرى ، وفي منطقتنا على وجه الخصوص ، ستبوء بالفشل ولن يكتب لها النجاح .