PCP

يا عمال العالم اتحدوا

ليبيا ... مقايضة وطن بطاغية!

ان ما يدعيه أنصار الامبريالية الأمريكية «الديمقراطيون» أن الاحتلال هو الوسيلة للخلاص من الطاغية والقضاء على الطغيان، هو إدعاء تنفيه تجارب الشعوب، بما فيها الشعوب العربية، إذ يأتي الاحتلال بطغيان مزدوج، طغيان الامبريالية الأمريكية وطغيان وعربدة عملائها الذين لا تختلف أساليبهم بالبطش والتنكيل عن الطغاة الزائلين. فالعراق مثال واضح للعيان فلم تسلم أية فئة أو شريحة من بطش صدام، وقد خلق استياء لدى شعبه ولولا الدعم الأمريكي الخفي له لسقط في انتفاضة عام /1991/، ولكن، لأن مصالح أمريكا متناقضة مع مصالح الشعوب أجهضت الحركة الشعبية ــ اتفاقية خيمة صفوان بين قائد القوات الأمريكية نورمان شوارزكوف وقيادة الجيش العراقي. وفي عام /2003/ عندما تهيأت الظروف المناسبة لها بعد إنهاك العراق اقتصادياً بفعل الحصار وسياسياً بفعل عزله دولياً، استغلت يأس القوى المعارضة له بإمكانية التحرر الذاتي من الطاغية، وكذلك وجود بعض الشخصيات المعارضة العميلة لأمريكا في الخارج وقصر النظر لبعض القوى الوطنية والتقدمية المعارضة في العراق أعطت المبرر للاحتلال الأمريكي وسمت هذا الاحتلال بالتحرر. وبعد عدة سنوات بلغ عدد القتلى العراقيين حوالي المليون قتيل ولم تتحقق الديمقراطية في العراق باستثناء حق كل عراقي بالتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس عشيرته أو رئيس طائفته، فديكتاتورية صدام تم توزيعها على ملوك الطوائف، فالاستبداد ليس حالة شخصية بل مرتبط بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية لأي مجتمع، إذاً، لم يتخلص العراق من الاستبداد بل كانت حجة المعارضة في دعم الاحتلال. من الناحية الاقتصادية قام الاحتلال الأنغلو ــ أمريكي بتدمير البنية التحتية للعراق (كهرباء، طرق، جسور، منشآت حيوية، وتصفية العقول العلمية)، فأصبحت العراق الدولة النفطية الكبيرة غير قادرة على تأمين حاجتها من الكهرباء، فأي تقدم صناعي أساسه الكهرباء، وطبعاً هذا التدمير للبيئة التحتية كانت عملية مقصودة من قبل الاحتلال لسببين: 1 ــ إعادة العراق عقوداً إلى الوراء ليس اقتصادياً فقط بل سياسياً واجتماعياً أيضاً، أي إعادة إنتاج التخلف فيه، فالاحتكارات تتطفل على تخلف المجتمعات. 2 ــ إعادة إعمار ما تم تدميره، وهي بصراحة عملية شفط ونهب كل تراكم للرأسمال في العراق الذي ستدفع ضريبته الأجيال القادمة أيضاً. ومن ناحية الفساد أصبح العراق من الدول الأولى في العالم، وهو أحد إنجازات الاحتلال. ومن الناحية البيئية استعمل الاحتلال اليورانيوم المنضب في قصف العراق وكذلك الفسفور الأبيض، وهناك معطيات تشير إلى استعمال السلاح النووي التكتيكي، فشهود العيان على معركة المطار ممن شاهد صهر وحرق الجثث والمعدات الحربية تدل على استعماله، كل هذا يؤدي إلى تلوث التربة والهواء بالمواد المشعة المسرطنة التي يبقى تأثيرها لآلاف السنين في التربة، فأصبحت أمراض السرطان في العراق وخاصة في بغداد والجنوب منتشرة كالرشح، وكذلك زيادة نسبة الولادات المشوهة، فالأرض الملوثة بالإشعاعات لن تؤثر على هذا الجيل فقط بل الأجيال القادمة أيضاً. سياسياً تحول العراق من دولة ذات سلطة مركزية إلى سلطات على مستوى مدن وبلدات ضعيفة لا حول لها ولا قوة (الفوضى الخلاقة)، وأصبحت ساحة للصراعات الدولية يسهل ابتزازها من الخارج. مما سبق، ألا يؤكد نموذج العراق صحة تطبيق المعادلة الرياضية السابقة في السياسة؟. ففي ليبيا يتم الآن الصراع بين الوحوش الضارية على الغنائم، ففي حين يسيل الدم على مساحة الأرض الليبية يسيل معه لعاب الشركات الاحتكارية من شركات السلاح والنفط وشركات إعادة إعمار على ثرواتها من /200/ مليار دولار قيمة صناديق سيادية و /105/ مليون برميل نفط، الغاز بالإضافة إلى /144/ طن من الذهب الموجود في البنك المركزي بطرابلس ــ فالاحتكارات العالمية التي بمشيئتها تتحرك الدول الإمبريالية لا تهمها إذا أبيد ملايين البشر أو حكم الطغاة كل العالم ولكن إذا تضرر واحد بالمليون من مصالحها الاقتصادية مستعدة لأن تبيد الملايين ــ وبلغ حتى الآن عدد الضحايا في ليبيا أكثر من /50/ ألف قتيل وآلاف المفقودين والجرحى نتيجة الحرب الأهلية وقصف طائرات الناتو، ومن يضمن أنه خلال القصف لم يتم استخدام اليورانيوم المنضب على غرار يوغسلافيا والعراق وتم تدمير البيئة التحتية التي كلفت ليبيا مليارات الدولارات. وللمفارقة أغلب الذين ادعوا قيادة المعارضة المسلحة كانوا من قيادات النظام الليبي السابق إضافة إلى جوقة من عملاء الخارج وبمظلة إعلامية من الجزيرة القطرية (التي تبث من أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ولا تعرف قطر الحياة الحزبية حتى لو كان حزباً موالياً ولا تعرف دستوراً ويوجد مكتب لإسرائيل فيها، على الأقل ليبيا لم يكن فيها لا قاعدة أمريكية ولا سفارة إسرائيلية. هناك مثل يقول: إن فاقد الشيء لا يعطيه، فمعظم الذين يشكلون المجلس الانتقالي كانوا شركاء القذافي في الحكم أي كان لهم نصيب في نهب وقمع الشعب الليبي فكيف سيعطون الحرية له مع مجموعة عميلة للغرب أتت من الخارج على متن طائرات الناتو. ولكن الأيام القادمة ستفرز الثوار الحقيقيين الذين سيحرقون الأرض تحت أقدام المحتلين وأذيالهم ــ بعض اللافتات التي تقول لا ناتو ولا قذافي تم حجبها من قبل وسائل الإعلام ــ ومن عجائب عصرنا أن يصبح الاحتلال تحرراً ومقاومة الاحتلال إرهاباً ... والمحميات الأمريكية تقود الثورات لتحرير الشعوب!... م. سعود إبراهيم


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني