PCP

يا عمال العالم اتحدوا

نحو نظرة شمولية للتحولات العربية

تتواصل القراءات الأولية لما يعيشه العالم العربي من منعطف تاريخي يحمل كل سمات المنعطفات الجذرية التي عاشتها مناطق من العالم في مراحل من التاريخ. وفي محاولة لتجاوز القراءات الجزئية والمباشرة التي تطالعنا بها الصحافة العربية, يسعى الدكتور علي فياض إلى إرساء رؤية شمولية لما يجري بدفع من الإنتفاضات الشعبية, بل إلى وضع نظرية سياسية كما يقول لتفسير ما يجري, معتبراً أن نظرية الحتمية التاريخية التي سادت في الغرب وجرى تعميمها في العالم لم تعد صالحة للتفسير, وكذلك نظرية الإحتمالات التي لم تقطع مع فكرة الحتمية التاريخية, معتقداً أن حالة التغيير العربية تتداخل فيها عوامل لم تأخذها النظريات السابقة في اعتبارها. وفي هذا الصدد, يرى الدكتور الباحث بأن الكرامة الفردية والإجتماعية, تقوم في محور الدافع للإنتفاضات التي اندلعت في أرجاء العالم العربي, وأن هذا المحور, لا يمكن اختزاله في الجانب الإقتصادي المعيشي كما رأى البعض, أو في الجانب السياسي المتعلق بسياسات النظم المذلَّة تجاه الدور الأمريكي والصهيوني وقضية فلسطين, أو فيما بات يمثله الفساد المستشري من استفزاز للشارع العربي في ظل تعميم الفقر والتفاوت الإجتماعي واتساع شبكة المنتفعين الذين شكلوا قاعدة النظم القائمة, فهو كل ذلك مجتمعاً, مضافاً له البعد الوطني متداخلاً مع البعد القومي- الإسلامي. ويذكِّر الباحث بأن ما يشهده العالم العربي راهناً هو مرحلة انتقالية تتسم بكل ما اتسمت به كل المراحل الإنتقالية التي عرفها تاريخ الجماعات البشرية لجهة عدم الإستقرار أو غموض المآلات النهائية, فما يشهده هذا العالم, لا يعيد تشكيل الواقع السياسي وحسب كما يقول, بل هو يكشف من خلال تظاهرات أولية, التغيرات التي لحقت بالإنسان العربي, والتغيرات التي ستصيب النخب الثقافية والسياسية والأحزاب على اختلاف مرجعياتها الفكرية, مؤكداً على ان الحركات الإسلامية لن تكون بمنأى عن هذا التغيير في نهاية المطاف, إذ ستغدو في اتساقٍ مع مجرى التطورات, أقل إيديولوجية, وأكثر انفتاحاً على مصالح المجتمع, وإن بدت بعض أوساطها الآن واقفة بين مسارين متعارضين. وإذ يقر الدكتور الباحث بأنه قد ركز اهتمامه في هذه المقاربة على معطيات الداخل العربي, واعداً باستكمال بحثه من خلال رصد تأثير الخارج أي النظام الدولي ممثلاً بقواه المهيمنة في أمريكا وأوروبا الغربية, فإننا في تقاطع مع ما طرحه وما وعد به, نريد رؤية أن ما يعيشه العالم العربي من تحولٍ تاريخي, لا يخرج عن سياق الصراع الذي يحتدم منذ قرابة القرنين, بين مشروع الأمة التحرري والنهضوي, وبين المشروع النقيض الإستعماري, دون أن يعني ذلك في رؤيتنا, بأن كل ما يخدم المشروع الإستعماري هو من صنع الخارج, بل أن هذا الخارج, إنما يعمل على توظيف التناقضات الداخلية القائمة في محيطنا العربي والإقليمي بما يدعم مشروعه ويؤمن سيطرته على مقدرات الأمة والمنطقة. وفي مقاربة لهذا الصراع في لحظته التاريخية الراهنة, نود القول بأن الإنقسام في العالم العربي سوف يستمر بين النظم والقوى التي تخدم المشروع الإستعماري, وبين تلك التي تناهض هذا المشروع. فمع خسارة القوى المهيمنة في النظام الدولي لنظام السادات- مبارك في مصر الذي شكل الركيزة الأساس لمعسكر التبعية, اتجهت تلك القوى إلى إقامة حلف للنظم التابعة تقوم في مركزه النظم الخليجية النفطية, كما اتجهت من ناحية ثانية, إلى محاولة الإطاحة بمحور قوى المقاومة والممانعة التي ألحقت هزائم محققة بالهجمة النيوكولنيالية. وقد نضيف هنا, بأن تسويةً يتم طبخها للقضية الفلسطينية كمدخل لإقامة نظام إقليمي تلتقي فيه الرؤية التركية مع الرؤية الأمريكية- الصهيونية. ومن هنا يمكن القول, بأن ما شهدته وتشهده سورية هو عدوان مدبَّر تقوده أمريكا وينخرط فيه كل حلفها الغربي وكل أعوانها في المنطقة, حيث رُكِّب هذا العدوان بصورة متقنة على موجة الإحتجاجات الشعبية في العالم العربي الداعية للتغيير الجذري, ووسط هجمة إعلامية ممنهجة, وحملة دولية معدة سلفاً, جرت تعمية حقيقة ما يدور على الجبهة الداخلية السورية بل جرى إدخال المجموعات المسلحة كي تخرج الأمور سريعاً عن حدود الإحتجاجات المطلبية الإصلاحية, وأدخل على خط العدوان عقوبات أمريكية وأوروبية, واستُنفر مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى وذلك في تمهيد لتدخل عسكري على النمط الذي شهدته ليبيا, وأعيد مجدداً تصويب مذكرة الإتهام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان نحو القيادة السورية. وبصورة متسقة مع ما أطلق في المنطقة من انقسام مذهبي, جرى النفخ في النزعات الإنعزالية عبر فتاوي ذات صبغة فئوية بالغة الإبتذال. وهكذا فرض على سورية قيادة وشعباً, أن تخوض في اللحظة التاريخية الراهنة, معركة الدفاع عن مصير الأمة أمام مخطط التمزيق الإثني والطائفي, وبات واضحاً بأنه على صمود الجبهة السورية سوف يتقرر مستقبل العالم العربي لأجيال, حيث نجد من يراهن من الكتبة, بأنه إذا أمكن للقيادة السورية أن تصمد في الجولة الأولى من المواجهة, فإنها لن تستطيع الصمود في الجولات القادمة. وذلك ما يراهن عليه دعاة الفتنة في لبنان ممن انخرطوا منذ عدوان تموز 2006 في المؤامرة على فكرة المقاومة, وهو ما يراهن عليه من يتآمرون على وحدة العراق, ومن يتخذون من الفتنة الطائفية في مصر مدخلاً لإعادة هذا البلد العربي إلى موقع التبعية, وليست الساحة الفلسطينية كما أشرنا بمنأى عن هذا المسار, حيث يراد للمصالحة الوطنية أن تندرج في خدمة مخطط التصفية بدل أن تكون رافعة للنضال التحرري. وفي غمرة الأحداث الجارية, نجد الأصوات المرائية تنتقد الأسلوب الذي اعتمد في سورية لمواجهة ما يجري مغفلةً أن ما يتعرض له هذا البلد العربي هو حرب بالغة التعقيد. وفي غمرة الصراع الدائر بين المشروعين النقيضين, أتى زحف العودة الذي أطلقته الجماهير الفلسطينية في يوم النكبة مدعومة من شعوب الأمة, لكي تسهم في تصويب بوصلة الصراع, ولكي تعيد رسم التخوم بين الجبهتين المتصادمتين. وإذ يقدم انخراط الشارع الفلسطيني في ربيع الشعوب العربية دعماً هاماً لمعسكر الحريَّة والتحرر في العالم العربي, فقد رأينا حجم القلق الذي أصاب الصهاينة من هذا الحراك الشعبي, وقد نرى بأن الحلف الإستعماري, سوف يعيد حساباته قبل أن يمضي بعيداً في العدوان على قوى الصمود والمقاومة في المنطقة تحت تاثير هذا الحدث وغيره مما يعكس طاقات الأمة. وبالعودة لما عبر عنه الباحث من نظرة إيجابية حيال مسار الحركات الإسلامية وتيارها الوازن, نود القول هنا, بأن وعي شعوبنا سوف يسهم في تصويب هذا المسار, وأن من يقيم حسابات قصيرة النظر على الكسب الآني مما تثيره الدوائر الغربية وأعوانها من انقسامات فئوية في المنطقة, لن يحصد غير الخذلان, لأن شعوبنا وإن جرى تضليل بعض أوساطها عبر حملة التجييش الفئوية, تملك من الوعي ما يمكنها من الاصطفاف مجدداً في خندق المواجهة مع أعداء الأمة الحقيقيين في الغرب الإستعماري وامتداده العضوي في الكيان الصهيوني الغاصب. وختاماً نقول, بأنه مع دخول أمتنا في زمن الشعوب محمولة على ثورة الإتصالات والمواصلات الكونية, ومستندة إلى خبرات كفاحها التحرري, فإن بلوغ هذه الأمة مرحلة الإستقرار, لن يستغرق الزمن الذي استغرقه انتقال أوروبا من عصر إلى عصر آخر منجزة وحدة شعوبها على اساس هويتها القومية. وكما فاجأتنا مسيرات العودة للجماهير الفلسطينية في أرجاء الوطن المحتل ومن مواقع الشتات, فإن شعوب الأمة, سوف تفاجئنا بما يقلب حسابات الحلف الإستعماري كما فعلت ذلك في الثورتين التونسية والمصرية وفي المقاومة البطولية العراقية, وفي انتصار لبنان وغزة, لتبقى إرادة الصمود هي من سيحسم نتيجة الحرب الدائرة بين مشروع الأمة النهضوي والتحرري, وبين المشروع النقيض.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني