PCP

يا عمال العالم اتحدوا

عن الديمقراطية... والحال العربية

في مقال بعنوان( انتصاران إنتخابيان.. فلنعتبر)), يعود بنا كاتب المقال إلى مقولة(( الديمقراطية هي الحل)), دون أن يأخذ فيما يطرحه ظروف واقعنا العربي, أو يتطرَّق لطبيعة المرحلة التي تمربها أمتنا وشعوبنا العربية. وهو حين يقارب في مقاله, التجربة التركية والفنزويلية, ويتطرق للتجربة السوفييتية, فإنه يردُّ سيادة الديمقراطية أو غيابها إلى العامل الذاتي الإرادي دون محاكمة الظروف الموضوعية التي أحاطت بكل تجربة بحيث حددت مدى اتساقها مع قيم الديمقراطية أو مدى ابتعادها عنها. وفي هذا الخصوص, فهو يرى بأن(( الحدث الديمقراطي التركي,( الاستفتاء الذي أجراه حزب العدالة والتنمية حول الإصلاحات الدستورية), شكَّل لحظة فاصلة بين زمنين: سيطر الجيش على الأوَّل منهما محتجزاً الإرادة الشعبية, فيما بدأ الثاني من موقع قوَّةٍ تستند إلى تلك الإرادة, في إرساء حياة ديمقراطية( لا عودة عنها), بحيث بات في مقدور الأحزب والقوى السياسية, بأن تنظِّم أوضاع هذا البلد وأن تحل مشكلاته عبر اللعبة الديمقراطية بعد قصقصة أجنحة المؤسسة العسكرية(( . وهو يشير بالمقابل," بأن الحدث الديمقراطي الفنزويلّي ( الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب شافيز الإشتراكي الموحَّد) رغم مفصليته, لا يحمل مثل هذا المعنى من القطع التاريخي, ذلك أن قيادة شافيز يمكن أن تنحرف عن المسار الديمقراطي تحت تأثير التجربة السوفييتية- التي حكمت على نفسها بالإنهيار حين رأت بأن الإشتراكية هي المدخل للديمقراطية وليس العكس مصادرةً من خلال ذلك إرادة الجماهير الشعبية". ورغم هذه الملاحظة العرضية التي يسوقها الكاتب دون أن يضعها في سياقها التاريخي والموضوعي بشأن تمايز الحدثين الديمقراطيين في تركيا وفنزويلا, فإنه ينتقل بنا لما يحدث عندنا(( في الوطن العربي التعيس)) كما يقول, حيث(( تُعلن الحكومات العربية جميعها وبصوت واحد, بأن الديمقراطية هي سلاحٌ أمريكي- صهيوني, فها هي أمريكا قد دمَّرت ومزقت العراق باسم إحلال الديمقراطية فيه, وها هو الجيش الصهيوني يطلق النار على الفلسطينيين بدعوى وضع حدٍ لعدائهم للديمقراطية.. وفي البلدان التي يعلن حكامها إعجابهم غير المحدود بنظام شافيز, نرى أن هؤلاء يتهمون من يطالبون بمثل هذا النظام القادم إلى السلطة عبر صناديق الإقتراع, بأنهم عملاء للإمبريالية والصهيونية)) . وإذ نعلِّق على منطق الكاتب فإننا نعود إلى القول:- أولاً- إننا في العالم العربي بدوله القطرية, نعيش أوضاعاً لا تماثل الوضع التركي, ذلك أن تركيا قد حلَّت إلى حدٍ كبير مسألتها القومية, وقد تحقق هذا الحل استناداً إلى مشروع أتاتورك التحرري الذي اعتمد على دور المؤسسة العسكرية, وإنه من غير هذا المنجز التاريخي الذي لم يتحقق من دون تجاوزات أو انحرافات عن المفاهيم الديمقراطية, ما كان بمقدور أي حزب أو أية قوَّة سياسية, نقل هذا البلد من زمنٍ إلى زمن آخر في حياته السياسية. وانطلاقاً من هذه الرؤية تأتي نظرتنا المغايرة لنظرة الكاتب , إذ نرى بأن الإنجاز الإصلاحي الذي حققه حزب العدالة والتنمية عبر الاستفتاء الشعبي, لا يشكِّل قطيعة بل امتداداً للإنجاز الذي حققه مشروع أتاتورك, إضافة إلى أن هذا الإنجاز لحزب العدالة والتنمية, لم يستند إلى اللعبة الديمقراطية وحدها بمعزلٍ عن توافق هذا الحزب مع ميل أوسع الجماهير الشعبية نحو استعادة هويتها الثقافية والدينية التي جرى فصلها بصورة تعسفية عن هويتها القومية, أو بمعزلٍ عن المنجزات الإقتصادية- الإجتماعية التي حققها الحزب المعني بعد وصوله إلى السلطة, وليس بمعزل أيضاً, عن السياسة التي اختطها هذا الحزب في الداخل والخارج, والتي استهدفت إخراج تركيا من الصراعات الجانبية التي تعيق تحولها إلى مركز إقليمي فاعل, بما يمكنها من احتلال موقعها على الخارطة الدولية. ونريد التذكير في هذا المجال, بأن دكتاتورية أتاتورك العسكرتارية, لم تسُدَّ منافذ الحراك الديمقراطي في بلدها, بل عمدت إلى نوعٍ من الديمقراطية الموجَّهة التي تصب في خدمة المشروع القومي التحرري, وإنه عندما ترسَّخ هذا المشروع ولم يعد مهدداً, بات بالإمكان إنجاز النقلة النوعية في المسيرة الديمقراطية التي قادها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. ثانياً- وبالإنتقال إلى الحدث الفنزويلّي يمكننا القول, بأن الخطر الرئيس على التجربة الديمقراطية هنا وبالنسبة لباقي دول أمريكا اللاتينية التي شهدت في الأعوام الأخيرة أحداثاً مماثلة, هو ليس من الانحراف نحو النموذج السوفييتي- الذي هو وليد ظروف تاريخية سنأتي على توضيحها لاحقاً- , وإنما من انقلابٍ عسكري تخطِّط له الدوائر الأمريكية كما جرى بالنسبة للتشيلي عام 1972, أو من حالة فوضى وعصيان تعمل على تحريكها تلك الدوائر استناداً إلى قوى الثورة المضادة المحلية- حيث, جابه نظام شافيز كما نعلم كلا الخطرين-, لذلك فإن هذا النظام المتطلع إلى النهوض ببلده, وإلى إرساء نمط من العدالة الإجتماعية والإشتراكية, لا يستطيع أن يركن إلى آليات الديمقراطية وحدها لحماية مشروعه, وهكذا نراه يستعيد ضمن معطيات زمنٍ آخر, شعبوية عبد الناصر وكاسترو من أجل تعبئة أوسع القوى خلف هذا المشروع, ونراه يسارع عبر إجراءات فوقية لإخراج أوسع القاعدة الشعبية من حالة البؤس والجهل والمرض كي يكون بمقدورها الإنخراط في الحياة السياسية, كما يعمل في الوقت ذاته, على بناء جيش شعبي يتولى حماية المشروع من الأخطار المحدقة به الداخلية منها والخارجية, مشيرين على ذات الصعيد, بأنه من دون الإنجازات الإقتصادية- الإجتماعية التي حققها حكم لولا دي سيلفا في البرازيل على مدى ثمانية أعوام, فإنه ما كان لمرشحة حزبه أن تفوز في الإنتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً, وكان هذا البلد, سيعود مجدداً إلى حكم نظام تابعٍ يستجيب لإملاءات الإمبريالية الأمريكية ويعيد ملايين البرازيليين إلى واقع البؤس الذي تم تجاوزه. وفي هذا السياق, فإننا نعارض ما ذهب له الكاتب, من أن" اللعبة الديمقراطية" هي من أثبتت جدواها في إخراج فنزويلا إلى جانب العديد من بلدان أمريكا اللاتينية من نير السيطرة الإمبريالية للجار الشمالي, بعد أن أثبتت فشلها في ذلك حركات المقاومة المسلحة كما يقول, ورأينا في هذا المجال, هو أن مجمل النضالات الشعبية- العنيفة والسلمية- التي قادتها القوى والأحزاب في المراحل التاريخية السابقة في هذه المنطقة من العالم, هو ما مهَّد لهذا التحوُّل في الإرادة وفي الوعي الشعبي, لكي تنتصر عبر صناديق الإقتراع القوى والقيادات الثورية والتقدمية, وأنه من دون تلك المسيرة النضالية الحافلة بالتضحيات, فإن شعوب هذه البلدان كانت ستظل فريسة الشعور بالعجز والإحباط, بحيث ترى في الهيمنة الأمريكية القدر الذي لا راد له. وليس صدفة هنا أن يردُّ شافيز مشروعه الوطني التحرري والإشتراكي, إلى الحركة الثورية البوليفارية. ثالثا- وبالعودة إلى تجارب التاريخ المعاصر, فإن تلك التجارب لا تقول لنا بأن صناديق الإقتراع تنتج في كل الظروف ما هو خيرٌ للشعوب وما هو في صالح البشرية, إذ أنه عبر هذه الصناديق أتت الفاشية والنازية إلى إيطاليا وألمانيا في الثلث الأوَّل من القرن المنصرم, وقد نجم ذلك كما نعتقد, عن واقع تأخُّر حل المسألة القومية في هذين البلدين الأوروبيين, وكذلك عن تحقق وحدتها القومية في ذروة الصراع على المستعمرات بين الدول القومية الأوروبية, ولا يبتعد هذا التحليل الذي لا يستنفذ ظاهرة تاريخية بمثل هذا التعقيد, عما جرى من انتصارالستالينية في الإتحاد السوفييتي برغم النظام الإشتراكي, ذلك أنه في إمبراطورية كانت تعرف باسم سجن الشعوب, لم يكن يسيراً أن تنتصر قيم الديمقراطية بمجرد تحول هذه الإمبراطورية إلى الإشتراكية. ومقارنةً مع التجربة الصينية فإنه يمكن الجزم, بأن سلطة الحزب المركزية القوية وليس الديمقراطية بآلياتها التقليدية, من كان بمقدوره تحقيق هذا النهوض الذي تعيشه الصين بحيث باتت تشكل التحدي الأساس للنزعة الإمبراطورية الكونية الأمريكية. وهنا نريد الإشارة إلى عاملين ارتبطا بعدم وصول التجربة الإشتراكية الصينية إلى الإنهيار, يتعلق الأول منهما بجانب ذاتي, يتمثل بمحاصرة آليات الجمود البيروقراطي الذي ساد في النظام السوفييتي, فيما يتعلق الثاني, بواقع أن الصين لم تجابه معضلة تعددية قومية في إطارها الدولتي جرى تجاوزها بالوهم باسم الإشتراكية كما جرى في التجربة السوفييتية, وقد واجه مشروع الحزب الممسك بدفة الأمور في الصين, إنتفاضة "حداثية أو ليبرالية شبابية" اضطر الحزب إلى سحقها بالدبابات, بما حرك الوجدان الديمقراطي والإنساني المرائي للدوائر الأمريكية وفي المراكز الرأسمالية, ونحن نجزم هنا, بأن مثل هذا القمع البربري, ما كانت لتتأخر عن ممارسته حكومة ساركوزي في مواجهة التحركات الإحتجاجية التي شهدتها فرنسا مؤخراً, لو كان الأمر يهدِّد بإخراج فرنسا عن مسارها التاريخي. رابعاً- وإذ ننتقل أخيراً إلى الحال العربية, فإن ردنا على رؤية الكاتب قد يطول كثيراً غير اننا نكتفي بالقول: ليت أولاً جميع الحكومات العربية تعلن ولو لفظياً, بأنها معادية للمشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة وذلك بدل أن تتساوق في غالبيتها معه باسم الواقعية, أو بادعاء أن خطره هو أقل من خطر المشروع الإيراني على الأمة العربية.. وأقل من خطر حركات المقاومة المغامرة. وفي هذا الصدد نذكِّر الكاتب, بأن الحكومات المتخاذلة التي هيمنت على النظام الرسمي العربي بعد وأد مشروع عبد الناصر, قد أصبحت جزءاً من المشروع الأمريكي- الصهيوني, وإن من لا يريد أن يرى بأن مشروعاً آخر بدأ يولد في المنطقة من رحم المقاومة, واضعاً جميع الحكومات العربية في سلة واحدة, ومعتبراً أن الديمقراطية هي المعيار الوحيد للحكم على تلك الحكومات, لا يخدم في رأينا غير المشروع الإستعماري المعادي الذي يشن أصحابه وأتباعه أعنف هجمة على المسار التحرري في المنطقة, والذي هو في مضمونه وفي مآله الأخير مسارٌ ديمقراطي. وقد نوافق منطق الكاتب من الناحية النظرية, بأن الديمقراطية بمقدورها أن تحل كل الإشكالات التي تعترض نهوض الأمة, لكن هذه الديمقراطية تغدو عاجزة عن فعل ذلك حين لا تكون الأمة بسبب الإختراقات الإستعمارية ونتيجة موروث تاريخي, موحدة حول هدفٍ واحد, ويعيدنا ذلك إلى ما طرحه الكاتب يوماً عن أهمية الفكرة الجامعة في نهوض أي أمة أو اي جماعة بشرية, ليكون رأينا بأن المهمة المطروحة على جدول أعمال نخبنا الثقافية والسياسية النهضوية والتحررية, هي التي تتعلق ببلورة وترسيخ الفكرة الجامعة في محيطنا القومي وليس تعميم رؤية إطلاقية بشأن الديمقراطية. ونختم بالقول, لقد رأى الصهاينة- كما أشرنا في العديد من مقارباتنا لواقع الأمة-, بأن فكرة المقاومة التي حققت انتصارات هامة على المشروع الأمريكي- الصهيوني في العقود الثلاثة الأخيرة, باتت تعيد تشكيل منظومة القيم في العالم العربي والإسلامي, وذلك ما تخشاه القاعدة الصهيونية أعظم الخشية, وتخشاه أيضاً النظم والقوى التي لم تعد تخفي استعدادها لأن تضع يدها بيد قادة الصهاينة, وهو الأمر الذي يفعله عن غير قصد, من بات شاغلهم التشكيك بصدقية من يتصدون للمشروع الإمبريالي من قوى الصمود والمقاومة انطلاقاً من أقنمتهم لموضوعة الديمقراطية غطاس أبو عيطة


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني