PCP

يا عمال العالم اتحدوا

حول إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي

إن وثيقة «إستراتيجية الأمن القومي» التي نشرها البيت الأبيض أواخر شهر أيار عام /2010/ لا تعدو كونها مجرد فصل جديد من الحملة الإعلامية التي تشنها إدارة أوباما لتحسين صورة الولايات المتحدة وجزءاً من حربها النفسية للتغطية على حروبها في العراق وأفغانستان وباكستان وزيادة حشدها العسكري في الخليج العربي خاصة والمنطقة عامة لدعم الجهد الحربي الأمريكي في مسارح القتال الرئيسية. فهذه الوثيقة المكونة من /52/ صفحة هي مجرد استحقاق قانوني يطلبه الكونغرس من كل إدارة جديدة ورئيسها، وهي «غير ملزمة» قانونياً. تسلط وسائل الإعلام الأضواء على تقرير البنتاغون المستحق كل أربع سنوات لمراجعة التخطيط العسكري الأمريكي للسنوات العشرين المقبلة لمعرفة الإستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأمريكي، بدل الانسياق مع جدول الأعمال الإعلامي الذي تختار الإدارة الأمريكية فرضه على وسائل الإعلام العالمية والإقليمية لتحرف الأنظار بعيداً عن إستراتيجيتها العسكرية الفعلية على الأرض. فجوهر إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي طبقاً لتقرير البنتاغون عمادها تعزيز القوة النووية الأمريكية بـ «قوة ردع تقليدية» مدمرة قادرة على ضرب أي هدف في العالم «خلال ساعة واحدة». والأولوية الثانية التي تسعى إليها إدارة أوباما هي امتلاك قوة أمريكية قادرة «على حماية مصالح الولايات المتحدة ضد أي عدد من التهديدات، بما في ذلك تهديدات دولتين معتديتين مقتدرتين» في آن واحد وعدم الاكتفاء بالقدرة الأمريكية الحالية على خوض حربين كبيرتين في وقت واحد. لذلك لا يعود مستغرباً أن تنفق الولايات المتحدة على الحرب والاستعدادات لها أكثر مما تنفقه دول العالم مجتمعة مع أن سكانها يمثلون /5.44%/ من سكان العالم فقط، وأن يكون لها حوالي /460/ ألف عسكري منتشرين حول العالم في أكثر من ألف قاعدة ومنشأة عسكرية خارج حدودها في /120/ بلداً، ليتبجح غيتس مؤخراً في مؤتمر رابطة البحرية الأمريكية بقوله إن بلاده بامتلاكها /11/ حاملة طائرات، و/10/ سفن حربية برمائية كبيرة، و /57/ غواصة هجومية، و /79/ سفينة حربية أخرى مجهزة بنظام «آجيس» المحوسب لرصد الأهداف المعادية وضربها بالرادار إنما تملك أسطولاً حربياً «أكبر بنسبة واحد في المائة على الأقل من /13/ سلاح بحرية للدول الأقوى التالية لها مجتمعة»، ناهيك عن سلاح جو يرصد المعمورة بكاملها بأقمار عسكرية في الفضاء تراقبها وصواريخ نووية موجهة مسبقاً نحو الأهداف المعادية المحتملة. في تقرير البنتاغون هذا، كانت وثيقة «إستراتيجية الأمن القومي» صادقة في تأكيد أمر واحد فقط هو تعزيز الإمبراطورية الأمريكية عسكرياً لأنه «تماماً مثلما حددت أمريكا في تقرير مسار النصف الثاني للقرن العشرين، فإنه يجب علينا الآن أن نبني موارد قوة ونفوذ أمريكيين لصياغة نظام دولي يستطيع التغلب على تحديات القرن الحادي والعشرين» كما جاء في الوثيقة. طلب أوباما من الكونغرس /708/ مليارات دولار، للسنة المالية /2011/ وهذه أكبر من أي ميزانية عسكرية أمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وقد بلغت تكلفة الحربين على العراق وأفغانستان /147/ مليار دولار سنوياً وهي في ازدياد بمقدار /5.5/ مليار للعراق و /6.76/ مليار لأفغانستان في السنة، تؤكد الوثيقة عدم وجود أي تغيير في الإستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأمريكي سوى تحديث آلة الحرب الأمريكية، وزيادة حجمها، وتوسيع نطاق انتشارها. إن مشروع «الدرع الصاروخية» الأمريكية في أوروبا الذي أثار أزمة مع روسيا، ونشر بطاريات «باتريوت» الأمريكية في أواخر شهر أيار عام /2010/، وإضافة ست قواعد عسكرية أمريكية في كولومبيا مؤخراً، وتوسيع قاعدة قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين على مساحة /70/ فداناً إضافية، وزيادة عديد قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان ليتجاوز لأول مرة عدديها في العراق، وتوسيع الحرب في أفغانستان إلى باكستان، إنما هي وغيرها مجرد دلائل ظاهرة على الإستراتيجية الحقيقية للأمن القومي الأمريكي كما جاءت في تقرير البنتاغون، وزادت نشر قوات خاصة لما تسميه محاربة الإرهاب إلى /80/ دولة بدلاً من /60/ دولة. وهذا يكشف الخدعة الواردة في وثيقة «إستراتيجية الأمن القومي»، مثل التخلي عن شعار «الحرب العالمية على الإرهاب» في حين تسوغ الوثيقة استمرار الوجود الأمريكي في العراق للمساعدة في محاربة الإرهاب (أي المقاومة الوطنية) وتسوغ المواجهة مع إيران بدعمها لما سمته الوثيقة «الإرهاب»، ومثل خدعة رفض التحرك «المنفرد» على المستوى الدولي بينما نصت الوثيقة على أن «الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بالحق في العمل منفردة»، واللجوء إلى القوة كملاذ أخير. قال الصحفي الأمريكي ماثيو «مات تيبي» إن غزو العراق لم يكن حرباً على صدام حسين بقدر ما كان «غزواً كفؤاً لا مثيل له في التاريخ للميزانية الفدرالية» الأمريكية، مما حول الولايات المتحدة من أكبر دائن في العالم إلى أكبر مدين فيه. فالدين الوطني الأمريكي الذي يزيد حالياً على /13/ تريليون دولار ذهب معظمه لصالح شركات تصنيع السلاح لإخراج الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية. تركز وثيقة «إستراتيجية الأمن القومي» على التعاون والشراكة الدوليين، لكي تـُحمـّل «الشركاء» طوعاً أو كرهاً جزءاً من الأعباء المالية لحروب هي أمريكية في الأصل، وكما قال أوباما لخريجي الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، فإن «أعباء هذا القرن لا يمكن أن تقع على عاتق جنودنا وحدهم، كما لا يمكن أن تقع على الأكتاف الأمريكية وحدها». وقد أوضح تقرير نشره «مركز التقدم الأمريكي» في السادس من الشهر الماضي كيف تمول واشنطن حروبها من جيوب غيرها عندما بين تفاصيل حوالي /163/ مليار دولار كانت مخصصة لإعمار العراق حتى نهاية شهر آذار ــ مارس الماضي، إذ تحملت واشنطن /53.30/ ملياراً منها فقط بينما دفع العراقيون /91.43/ ملياراً من أموالهم التي تشرف سلطة الاحتلال عليها و /18.10/ ملياراً تعهد بها مانحون دوليون. طبقاً لـ «مركز معلومات الدفاع» الأمريكي، كلفت الحرب على العراق الخزينة الأمريكية حتى الآن /2.3/ تريليون دولار. وأما في العراق، عشية إعادة انتشار جزئية لقوات الاحتلال الأمريكي من العراق إلى أفغانستان، طرح البنتاغون مناقصه على «متعاقدين مدنيين» من أجل تصعيد التغطية الإعلامية في العراق والولايات المتحدة معاً بتقديم «خدمات إستراتيجية لإدارة الإعلام» مهمتها «التواصل الفعال مع جمهورنا الإستراتيجي» باعتبار ذلك «جزءاً حيوياً من العمليات في العراق»، ولكون نشاط متعاقدي الإعلام المدنيين هؤلاء «عسكرياً»، فإنه «يجب عليهم أن يظهروا الدرجة الأعلى من المهنية في المظهر، والسلوك الشخصي، .... ولا يسمح بوقوع أكثر من خطأ مسلكي شخصي واحد طوال مدة العقد ... بما يتفق مع قيادة عسكرية من أربعة نجوم»! (الواشنطن بوسط في 25/5/2010). إن إستراتيجية أوباما هي استكمال لإستراتيجية سلفه وتخطط للبقاء في العراق إلى أمد غير منظور. والبحث عن متعاقدين إعلاميين للتغطية على هذه الحقيقة لم ينجح في التمويه عليها. وإبرام الخارجية الأمريكية عقداً بمليار دولار أمريكي في آذار ــ نيسان الماضي مع شركة «تريبل كانوني» لتوفير جنود مرتزقة لحماية الوجود «المدني» الأمريكي في العراق لفترة طويلة مقبلة يذكر بحقيقة أخرى مطلوب أن يغطي عليها فريق التضليل الإعلامي الجديد الذي سيتم التعاقد معه، وهي أن عدد المتعاقدين الأمنيين وغير الأمنيين الأمريكيين في العراق سوف يرتفع إلى /125/ ألفاً، بعد أن انخفض من /160/ ألفاً متعاقدين مع وزارة الدفاع الأمريكية وحدها عام /2008/ إلى /100/ ألف اليوم، وطبقاً لخدمة أبحاث الكونغرس بلغت نسبة المتعاقدين عام /2009/ إلى /48%/ من القوة البشرية العاملة مع وزارة الدفاع الأمريكية في العراق، ليتضح بأن الاحتلال الأمريكي يستخدم المتعاقدين أولاً لإخفاء الحجم الفعلي لقواته في العراق، وثانياً لخفض عديد خسائره في الأرواح حيث لا يرد عدد القتلى الأمريكيين من المتعاقدين في البيانات الرسمية للبنتاغون. في مثال آخر للتضليل الإعلامي الأمريكي، هذا عدا عن خمسين ألف جندي أمريكي (وهذا ليس بالقليل إذ يمثل أكثر من عديد الجيوش في كثير من الدول)، سوف يظلون في العراق بعد الموعد المحدد لسحب القوات المحاربة للاحتلال الأمريكي من العراق بنهاية عام /2011/ بموجب اتفاقية «صوفا» الأمنية التي تنظم وجود الاحتلال الأمريكي في العراق بعد ذاك التاريخ. ومما يؤكد أن أوباما يبني على إستراتيجية بوش القرار التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض في العاشر من أيار الماضي بإنشاء «مكتب العراق للشراكة الإستراتيجية» يكون تابعاً لوزارة الخارجية تمهيداً لـ «اتفاقية الإطار الإستراتيجي» من أجل ضمان «مواصلة الحضور» الأمريكي «الفعال في العراق». ومن الجدير بالتذكير هنا أن الموعد المقرر لاستفتاء العراقيين على اتفاقية «صوفا» الذي نصت عليه الاتفاقية نفسها قد طواه النسيان بينما لم تصدق عليها حتى المؤسسات «التشريعية» التي أقامها الاحتلال نفسه، ناهيك عن أي ممثل حقيقي للشعب العراقي، إن تغيير مسمى الخمسين ألف جندي أمريكي الذين سيبقون في العراق بعد عام /2011/ من قوات «مقاتلة» إلى خبراء ومدربين ومستشارين. وتغيير تسمية عملية الاحتلال الأمريكي للعراق من «عملية حرية العراق» إلى «عملية الفجر الجديد» اعتباراً من أول أيلول المقبل. لكن هذا التغيير «الاسمي» هو نموذج للتضليل الإعلامي الذي تحاول ترويجه وثيقة «إستراتيجية الأمن القومي» الأمريكي الجديدة. إن ظلام الاحتلال مستمر في العراق وأن أي «فجر جديد» للعراق لم تصنعه إلا مقاومة وطنية موحدة للاحتلال لا تبقي أياً من آثاره تحت أي مسمى.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني