PCP

يا عمال العالم اتحدوا

العمل والليكود .. ومشروع السلام العربي

حزب العمل الصهيوني هو مؤسس إسرائيل، أي هو الذي احتل فلسطين، وشرد الفلسطينيين، وهدم مدنهم وقراهم، وبنى على أنقاضها مستوطنات إسرائيلية، وهو الذي خاض حربي /1948 و 1967/ ضد الفلسطينيين والعرب، فهو ليس حزباً يسارياً إلا بالاسم، وهو عدا ذلك في التصاق حميمي مع الإدارة الأمريكية، الأمر، الذي ينفي عنه أي صفة يسارية بالمعنى العلمي. ربما هو «يساري» بمقياس الاشتراكية الدولية، وفعلاً هو منتم لها، التشكيل الدولي المنضوي تحت لواء الإدارة الأمريكية. وقد بنى حزب العمل في الشأن الإسرائيلي الكيبوتسات، والهستدروت، أي الاتحاد النقابي الإسرائيلي، وكلا البناءين تفككا مع الزمن في الاتجاه الرأسمالي، وكان في نفس الوقت رغم اللافتة اليسارية عنصرياً، سواء تجاه العرب الإسرائيليين، أو في موقفه من الفلسطينيين، وفي تعامله معهم بعد احتلال بقية الأراضي الفلسطينية بعد /1967/. الليكود حزب قومي عنصري، والحل لديه بالنسبة للفلسطينيين هو الإبادة، التي رأى تجسيدها المرء في /1982/ عبر مجازر صبرا وشاتيلا، ويرى وجوهها الأكثر بشاعة في المجازر اللبنانية عام /2006/، التي ارتكبها التحالف الشاروني ــ العمالي (حيث رئاسة الحكومة، والحكومة، هي لورثة شارون)، والتي ارتكبها نفس التحالف في غزة أواخر /2008/ وأوائل /2009/، والتي عانى منها باستمرار سكان الضفة وغزة منذ /1967/. والليكود متحالف موضوعياً وواقعياً مع الأحزاب الدينية، والشوفينية، ومنها «إسرائيل بيتنا»، الحزب الذي اخترعته الصهيونية الدولية عبر مخابراتها في الاتحاد السوفييتي السابق. حزب العمل كان عنصرياً أيضاً تجاه اليهود غير الاشكنازيين، أي الذين أتوا من البلدان الشرق أوسطية والهند وغيرها. وهذا ما لعب على وتره الليكود، واستطاع من خلاله أن يربح المعركة السياسية على حزب العمل، في مفارقة هي أن الليكود اليميني أصبح ممثلاً للفقراء والمهمشين السفارديم. الاستيطان، أي بناء المستوطنات الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية، هو جزء لا يتجزأ من سياسة العمل والليكود والأحزاب الأخرى، فلا فرق بالنسبة للفلسطينيين، إذا ما تناوبت الأحزاب على الحكومة الإسرائيلية. السلام بالنسبة لليكود هو بالشعار الذي أطلقه قبلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق شامير: «سلام مقابل سلام peace for Peace» أما شعار «الأرض مقابل السلام» لم يتبناه العمل، وكان شعاراً عربياً، لا إسرائيلياً في مؤتمر مدريد عام /1991/. وحتى «الأرض مقابل السلام» ليس شعاراً صالحاً لتسوية سلمية عادلة ودائمة في الشرق الأوسط. أكيد أنها ليست عادلة لأن إرجاع الأرض ليس إرجاعاً كافياً للحقوق العربية والفلسطينية التي انتهكت، وليست دائمة، لأن بقاء العسكرية الإسرائيلية على حالها يهدد في كل وقت بالاحتلال من جديد. فالتسوية الدائمة تتطلب تغيير الوضع الميداني، إما بتقليم الأظافر الإسرائيلية، أو بتكافؤ الردع العربي والردع الإسرائيلي، وكل ذلك ليس في حساب أي من الأطراف. أيضاً هناك فرق كبير بين أن يأتي السلام عبر مفاوضات ثنائية غير متكافئة، هي التي تحرص عليها الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية، أو عبر مفاوضات شاملة بين البلدان العربية وإسرائيل. كاريكاتور السلام بين مصر وإسرائيل، وبين الأردن وإسرائيل، وبين القيادة الفلسطينية وإسرائيل، ليس سلاماً، وإنما هو سيطرة إسرائيلية أوسع فأوسع. قبل /1948/ كان بن غوريون يريد سلاماً مع الحكومات العربية يسمح للصهيونية باحتلال فلسطين، وبعد /1948/ كان يريد افتعال حرب مع أي دولة عربية من أجل التوسع، وكان بوجه خاص يريد تغيير جغرافية لبنان وحكومته، يريد لبناناً مقتصراً على جبل لبنان وبحكومة طائفية، أما الجنوب فكان يطمح في ضمه إلى إسرائيل. وبعد /1967/ أصبحت إسرائيل لا تريد السلام. لماذا السلام وهي السيدة على الأرض، وفي علاقة عضوية مع الإدارة الأمريكية؟ السلام لدى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية هو طرح فارغ، موجه للرأي العام الدولي، ويقصد به تغطية مختلف المشروعات العدوانية. السلام لدى إسرائيل يقرأه المرء جيداً في خطاب رئيس الوزراء السابق اسحق شامير في مؤتمر مدريد /1991/، ونورد هنا أجزاء منه نقلاً عن لوموند، تشرين الثاني /1991/: ــ ليس الهولوكوست هو الذي جعل المؤتمر الدولي يعترف بطلبنا العادل (؟) في أرض إسرائيل. الواقع أن ولادة إسرائيل بعد الهولوكوست مباشرة أنست الناس أن مطلبنا عريق في القدم. نحن الشعب الوحيد (؟)، الذي عاش على (هذه الأرض) دون انقطاع منذ ما يقرب من /4000/ سنة (...)، والذي مارس سيادة مستقلة (...)، والذي كرس القدس عاصمة (...)، الشعب الوحيد الذي ليس لديه أماكن مقدسة إلا على أرض إسرائيل(؟). ــ اعتقدنا دوماً أن المفاوضات الثنائية المباشرة وحدها يمكن أن تقود إلى السلام (؟). لقد قبلنا أن تسبق تلك المفاوضات بهذا الاجتماع الاحتفالي (مؤتمر مدريد هو مؤتمر احتفالي وليس مؤتمر للسلام)، ولكننا نأمل أن يكون قبول البلدان العربية بالمفاوضات المباشرة والثنائية دالاً على الوعي بأنه لا يوجد طريق آخر (...). في الشرق الأوسط يكتسب ذلك أهمية، لأن مثل تلك المفاوضات تنطوي على الاعتراف المتبادل، وأصل الصراع نفسه ناشئ من رفض العرب الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل. ــ في رأينا أن هدف المفاوضات الثنائية هو توقيع اتفاقات بين إسرائيل وجاراتها، وأيضاً الوصول إلى اتفاق يتناول الترتيبات الانتقالية للحكم الذاتي مع العرب الفلسطينيين. ــ أدعو القادة العرب الموجودين هنا وغير الموجودين بعد إلى الانضمام إلى المسيرة: برهنوا لنا وللعالم أنكم تقبلون وجود إسرائيل (...) ككيان دائم في المنطقة. (...) ندعوكم إلى التخلي عن «الجهاد» ضد إسرائيل (...) وإلى شجب ميثاق م.ت.ف (منظمة التحرير الفلسطينية) الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل، وإلى إدانة التصريحات المحرضة على إنهاء إسرائيل (...) وإلى السماح بالخروج لليهود الراغبين في مغادرة بلادكم. نتوجه إلى العرب الفلسطينيين: تخلوا عن العنف والإرهاب (...). كفوا عن تعريض أولادكم للخطر بإرسالهم لإلقاء القنابل والحجارة على الجنود والمدنيين. ــ نعترف أن شركاءنا في المفاوضات سوف يصوغون مطاليب بالأراضي تجاه إسرائيل، لكن كما يدل تحليل التاريخ الطويل للصراع، طبيعته لا تتعلق بالأراضي (؟). لقد تسبب هذا الصراع بالدمار قبل أن تستولي إسرائيل على يهودا والسامرة وغزة والجولان بزمن طويل في حرب دفاعية (؟). (...) سيكون من المؤسف أن تثبت المفاوضات وبالدرجة الأولى على مسألة الأرض. إن ذلك هو أقصر طريق يقود إلى الطريق المسدود. (انتهى الاقتباس). السلام هنا معالمه واضحة وغير مغطى بأي تمويه، ويتطلب اعترافاً لا بإسرائيل (فالاعتراف فيها حاصل ضمناً أو صراحة باعتبارها عضواً في الأمم المتحدة)، وإنما بشرعية إسرائيل، وشرعية مطاليبها الإقليمية ولا شرعية لأي عداء، ولو لفظياً تجاهها، الخ. أليس هذا ما تطلبه الإدارة الأمريكية من الفصائل الفلسطينية؟ وغير ذلك فإن السلام، الذي لا يؤدي إلى طريق مسدود، هو السلام الذي لا يتحدث عن الأرض، فالسلام مقابل السلام. وبالمناسبة الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية تطبلان بالسلام وتقوم بالعدوان والحرب، والقادة العرب يطبلون بالحرب ويمارسون الاستسلام ورفع الأيدي. الطرف الأمريكي ــ الإسرائيلي يطبل بالسلام لأنه يريد أن يغطي عدوانه، أما الطرف العربي فيطبل بالحرب ليغطي عجزه أمام شعبه. بصرف النظر عن كل ذلك، فإن المبادرة العربية للسلام لم يطلبها أحد، وليست مقبولة من الطرف الأمريكي ــ الإسرائيلي صاحب العلاقة. ربما طلبتها قبلاً الإدارة الأمريكية أو بعض وكلائها من الرياض بهدف الحصول على تنازلات مجانية، ولكن لم تطلبها الإدارة الأمريكية أو إسرائيل رسمياً من الجامعة العربية، فالمبادرة العربية مولودة ميتة لسبب بسيط هو أن الطرف المعني الأمريكي ــ الإسرائيلي لا يعتبرها موجودة أصلاً، والتهديد بسحبها لا يعني ذلك الطرف. السلام الذي لصالح المنطقة، ولصالح الاستقرار فيها، إذا ما أرادت الإدارات العربية أن تنادي به، يتطلب قبل كل شيء الوقوف على مسافة من الإدارة الأمريكية ومن طروحاتها، ويتطلب دعم ذلك بقوة دفاعية مناسبة وبتحالف شعبي ودولي في إطار تقدمي. ومن دون ذلك لن يكون لكلمة السلام سوى رنة استسلام. وحتى رنة الاستسلام قد تكون مقبولة في ظرف معين، يكون فيه المرء معدوم الوسيلة. ولكن الاستسلام الذي يقدم المنطقة على طبق من فضة للطرف الأمريكي ــ الإسرائيلي، فإنه أمر آخر. الاحتلال لأي بلد هو كابوس لا يتناول الآمال الوطنية والأمور العامة فحسب، وإنما يتناول جميع السكان، وجميع ما في البلد من منشآت ومن تاريخ، وصورة العراق المحتل كافية للعبرة. وفي الشرق الأوسط قوى تعمل على مساعدة الاحتلال، والمساعدة على تمزيق بلدانه. وهذه القوى قد لا تنجح، ولكن سينجم عن تحركها كوارث كبيرة، نشهد بعضها، والباقي ينتظر. وما احتلال العراق، ومحاولة احتلال لبنان في /2006/، وكارثة غزة في /2008/ سوى حلقات من ذلك التحرك. يتمنى المرء أن تضع شعوب المنطقة حداً لذلك قبل التفاقم إلى ما هو أسوأ بكثير. والجولة الأمريكية ــ الإسرائيلية القادمة في الشرق الأوسط لن تكون وبالاً على سكان المنطقة فحسب، وإنما أيضاً على الشعبين الأمريكي والإسرائيلي، وعلى الإدارتين العدوانيتين في نفس الوقت.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني