PCP

يا عمال العالم اتحدوا

المرأة الفلسطينية ومستقبل الانتفاضة

حسان عبد الله حسان - باحث تربوي من أدوار المرأة الفلسطينية: الجهاد والإعلام والرعاية الصحية والتعبئة النفسية. المرأة الفلسطينية أهم أدوارها: إعداد جيل فريد من الأطفال الذين يبحثون عن الشهادة. د. محمد أبو سمرة: لو لم يعرف هؤلاء الأطفال معني الشهادة لما خرجوا بحثاً عنها. استوقفني اتصال تليفوني من إحدى النساء المصريات للمفكر العربي/ الفلسطيني الكبير د. أحمد صدقي الدجانى من خلال أحد البرامج التليفزيونية، هذا الاتصال التليفوني كان يتضمن سؤالا قالته هذه المرأة بارتجالية وعشوائية ظاهرة يوضحان مدى الصدق في هذا السؤال الذي ذكرت فيه ما يدور بخاطرها، وهي امرأة عندما شاهدت النساء الفلسطينيات وأبناءهن وأزواجهن وإخوانهن يستشهدون فوق ثرى القدس الشريف، قالت للدكتور/ الدجاني: هل المرأة الفلسطينية امرأة خارقة، فهي ترى زوجها وأخاها وابنها يستشهدون أمامها ثم تبعث بباقي أبناءها لكي يستشهدوا، كيف تتحمل المرأة الفلسطينية كل ذلك ؟ ومن أين أتت لها القدرة علي هذا الصمود؟ وبالرغم من بساطة هذا السؤال في ظاهره إلا أنه يحتوي على معنى أكثر خطورة وأهمية - على السواء - إذ إنه يربط بين دور المرأة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة ومستقبل الانتفاضة الحالية، والمقاومة المستمرة إلى النصر والاستقلال بإذن الله، كما أنه يلقي الضوء على جانب أكثر أهمية من جوانب الصمود الفلسطيني طوال النصف القرن الماضي، فتبقي المرأة جنديًا مجهولا من جنود جهادنا الإسلامي في العصر الحديث يحمل عن كثير من الرجال فرضية الجهاد. وأولي الصور التي يمكن أن نلاحظها في انتفاضة الأقصى هي: موقف النسوة اللاتي واجهن زعيم الليكود المتطرف شارون عندما داس بقدمه القذرة أرض الحرم المقدسي، بل إن البعض منهن تمكن من الوصول إلي مقربة منه ولم يتراجعن بالرغم من وجود الحراس حوله، ويمكن أن نشير في نقاط مختصرة عن دور المرأة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة: 1- الدور الجهادي: حيث سقط العديد من الشهيدات طوال فترات الاحتلال سواء كان ذلك برصاص مباشر من جنود الاحتلال والذين لا يأبهون بقتل النساء، أو عن طريق الغاز الخانق المسيل للدموع أثناء تواجدهن في ساحات المواجهة أو أداء الصلاة في المسجد الأقصى ، كما أن المستشفيات لا تخلو من النساء الجريحات من كل الفئات العمرية، ولا يقف الدور الجهادي عند الاستشهاد أو مقاومة جنود الاحتلال في ساحات الانتفاضة، بل استخدمت الفتاة الفلسطينية الإنترنت لدحر العدو الصهيوني وتكبيده خسائر بشرية، وقد أذاعت وكالات الأنباء 26/1/2001، أن الفتاة الفلسطينية مني أمانة البالغة من العمر 25 عامًا استخدمت طريقًا جديدًا للجهاد في سبيل قضية بلادها والمشاركة بدورها في الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي فتعرفت على الشاب الإسرائيلي أوفير راحوم 16 عاما عن طريق الإنترنت وطلبت منه القدوم لزيارتها في رام الله وفي الموعد المحدد ذهب الشاب الإسرائيلي وأمام بيتها فوجئ بأقاربها يستقبلونه بإطلاق الرصاصات عليه ليلقي حتفه في الحال ويصبح أول قتيل للإنترنت في الأراضي المحتلة. 2- الدور الإعلامي: كما لعبت المرأة الفلسطينية دورا مهما في الجانب الإعلامي والصحفي في إبراز وإظهار الوحشية والقمع اللذين يتعامل بهما جنود الاحتلال الإسرائيلي واستخدام الأسلحة الحية في مواجهة أطفال وحجارة، وتنقل لنا وكالات الأنباء التليفزيونية صورا لكثير من الفلسطينيات الصحفيات في وسط المواجهات وتحت زخات الرصاص يتابعن أولا بأول الأحداث في مواقعها، وكما تذكر جريدة النور اللندنية، بأنه لا يكاد يخلو تقرير تليفزيوني مصور عن أحداث هبة الأقصى من مشاهدة لمئات النسوة وهن يعترضن الجنود لدي محاولتهم اعتقال أحد الشبان، كما كانت الصحفيات الفلسطينيات من أوائل الذين قدموا تقارير تليفزيونية حول المجازر التي ارتكبها جنود العدو الصهيوني وخاصة مقتل الطفل محمد الدرة. 3- دور الرعاية الطبية: وكما كانت الصحابيات علي عهد النبي (صلي الله عليه وسلم)، يقمن بتطيب الجرحى وعلاجهم تقوم أيضا المرأة الفلسطينية بشكل تطوعي داخل المستشفيات وخارجها وفي ساحات الانتفاضة، من خلال التواجد في نقاط الإسعاف الميدانية التي أقيمت بالقرب من نقاط الانتفاضة، ومن ناحية أخري تقوم الممرضات بمجهود يستهان به داخل المستشفيات طوال ال- 24ساعة. يمكن أن نطلق علي مجموعة الأدوار السابقة التي تمارسها المرأة الفلسطينية أدوارا تقليدية تمارسها منذ إقامة الكيان الصهيوني لدولته عام 1948، بالإضافة إلي الدور التعبوي والذي يتمثل في الاعتصامات والمسيرات التي تقمن بها النساء الفلسطينيات وآخر هذه الاعتصامات الذي نظمه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في نابلس أمام مقر الغرفة التجارية احتجاجًا على المجازر الأخيرة، وتم فيه رفع اليافطات المنددة بالمجازر الإسرائيلية وتطالب المجتمع الدولي بتحمل مسئولياتها. وبالرغم من أهمية هذه الأدوار وأهمية استمرارها لدعم الانتفاضة لدرجة جعلت المراقبين يرون أن دور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة يمثل دورا أصيلا لا يمكن الاستغناء عنه للفلسطينيين على كافة الجبهات السابقة، إلا أن الدور المستقبلي الذي تمارسه المرأة الفلسطينية داخل البيت وهو تربية جيل فريد من الأطفال الشهداء أو ما يمكن أن نسميه التربيةالاستشهادية - هو ما تتفرد به المرأةالفلسطينية عن كل نساء العالم، وهذا الجيل الفريد من الأطفال الشهداء الذي استطاعت المرأة الفلسطينية تربيته يشكل العمود الفقري للانتفاضة ولحركة الاستقلال والنصر بإذن الله، وهذه التربية الاستشهادية التي تربي عليها الأم الفلسطينية أطفالها تتضمن جوانب عديدة من أركان التربية الإسلامية فهي تتضمن: إيمان واعتقاد بالله وإيمان بقضاء وقدر الله، واستعداد وتهيئ بدني وذهني ونفسي لملاقاة أعداء الله، فالعلاقة وطيدة وقوية لا يمكن إنكارها بين استمرار هذا النوع من التربية واستمرار الانتفاضة والمقاومة والصمود. وإذا كانت عملية التنشئة الاجتماعية تعني إكساب الأطفال أساليب سلوكية ودوافع وقيم وعادات واتجاهات من قبل الآباء داخل الأسرة، فإنه يمكن رصد نتيجة تربوية -خاصة بتربية الأطفال الفلسطينيين- وهي أن الطفل الفلسطيني أكتسب أنماطًا سلوكية وقيمًا واتجاهات كلها تصب في معين واحد وهو حب الشهادة في سبيل الله والتطلع إليها شوق ا، بل إن مجلة الأمة الأسبوعية الفلسطينية رصدت مجموعة من الشواهد التي تؤكد ما ذهبنا إليه، فتحت عنوان: أطفال فلسطين الباحثون عن الشهادة تذكر اللقاءات الآتية مع الأطفال جرحي انتفاضة الأقصى: محمد عدوان:لم يتجاوز عمره تسعة أعوام شارك في انتفاضة الأقصى وأصيب في ساحة المعركة وإثناء نقله في سيارة الإسعاف وجراحه الغزيرة تنزف سأل الدكتور الذي كان يسعفه إلي أين ستأخذونني ؟ فأجاب الدكتور إلي مستشفي الشفاء لتتلقى العلاج، فقال الطفل محمد عدوان: أنا لا أريد أن أذهب إلي المستشفي لقد جئت هنا لأشارك في المظاهرات والمواجهات ضد العدو اليهودي دفاعًا عن المسجد الأقصى لكي استشهد أرجوكم أعيدوني إلي مكاني لأستمر في المواجهة حتي ستشهد، ثم ذكر لهم عندما أخذوه إلي المستشفي رغما عنه، وهو يجهش بالبكاء لقد كان حلمي الشهادة ولم أذهب إلي (نيتساريم) (مفترق الشهداء - موقع للعدو الصهيوني) إلا بحث ا عن الشهادة وأنا حزين لأنني لم أستشهد. شادي أبو دقة: لا يتجاوز عمره أحد عشر عامًا وهو الذي أنزل العلم الإسرائيلي عن ساريته فوق الموقع العسكري الصهيوني في (نيتساريم) يقول بحسرة ولهفة، وهو يتلقي علاجه بالمستشفي: أنا لست سعيدًا لإنني كنت أتمني الشهادة، وتقول والدة شادي: انه ودع إخوته قائلا لهم: أنا ذهب للشهادة تري هل يعرف هؤلاء الأطفال والفتيان معني الشهادة ؟ يجيب د.محمد أبو سمرة -رئيس تحرير مجلة الأمة- إن هؤلاء الأبطال لو أنهم لم يعرفوا معني الشهادة ولم يفهموها جيدا لما خرجوا بحث ا عنها وهم لا يملكون سوي إيمانهم العظيم بالله، وإرادتهم الصلبة وقلوبهم الصافية وأرواحهم النقية وصدورهم العارية وأكفهم الصغيرة المعبأة بالحجارة الصغيرة. وأضيف سؤلا آخر هو من الذي علمهم هذا الإيمان وهذه الشهادة؟ يجب أن نبحث أين تريي هؤلاء الأطفال ذلك الجيل الفريد من أطفال الشهادة، إنها المرأة الفلسطينية المؤمنة هذا الإيمان العظيم، والذي علمته لأطفالها وأرضعتهم قبله حب الشهادة في سبيل الله والذود عن مقدساته، لذلك فإنه أمر يع د طبيعي ا، وليس خارق ا أن تري المرأة الفلسطينية وهي تزغريد عند تشييع جنازة أبنائها، وأن نراها عبر شاشات التلفاز وهي تحمل في يدها ومن حولها صور ا لشهدائها، ولقد شيعت امرأة عشرة شهداء ما بين أبنائها وزوجها وأشقائها. وفي ختام هذه السطور نقدم كل التحية والتقدير والدعاء لأمهاتنا في ساحة الجهاد، ولم يكن تكريم والدة محمد الدرة الذي أقيم في الإسكندرية مؤخراً تكريماً لشخصها بل كرمز للمرأة الفلسطينية المؤمنة التي تستحق كل تكريم في الدنيا والآخرة.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني