مؤتمر كوبنهاغن للمناخ .. أزمة مناخ أم أزمة نظام؟
انتهت أعمال مؤتمر كوبنهاغن للمناخ في الدانمرك بمشاركة /192/ دولة والذي نظمته الأمم المتحدة للحد من ظاهرة التغير المناخي الناتجة عن الاحتباس الحراري في وقت أصبحت حياة الإنسان مهددة على الأرض ففي نهاية القرن الماضي أصبحت ظاهرة التلوث البيئي تشغل وتؤرق بال الكثيرين في العالم حيث ظهرت تنظيمات وجمعيات وأحزاب تسمى بجماعات «الخضر» كرد فعل على التلوث البيئي الجاري وظاهرة التلوث البيئي قديمة قدم ظهور قوى الإنتاج، ففي عملية الإنتاج تقوم قوى الإنتاج بإحداث تحويرات في الطبيعة، وبنفس الوقت تقوم الطبيعة بفعلها بهذه القوى، ففي المراحل السابقة كانت الطبيعة تتأقلم مع هذه التغيرات لأنها كانت بطيئة جداً، ولكن في آخر /200/ سنة الماضية نتيجة التسارع الهائل في نهب الطبيعة لم تعد هذه الأخيرة قادرة على التأقلم مع المتغيرات المتسارعة التي تتعرض لها لدرجة أن الحياة على الكوكب صارت في خطر حقيقي تهدد وجود الإنسان وأهم وأخطر أشكال التلوث (تدهور طبقة الأوزون ــ ظهور أمراض فيروسية عديدة نتيجة التلوث الجيني ــ التلوث الإشعاعي نتيجة استعمال التكنولوجيا النووية ــ التصحر نتيجة الاستثمار الجائر للتربة ــ ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري) ولعل أهم هذه التغيرات التي يجب إيجاد حلول لها بأقصى سرعة ممكنة حتى لا تصل إلى مرحلة اللا رجعة، ظاهرة الاحتباس الحراري حيث لم يعد يعيها فقط أصحاب الاختصاص والنخب العلمية بل أصبح يحس بها كل البسطاء والفقراء على وجه المعمورة لأن هذه الفئات هي الأكثر تضرراً منها.
فما هو الاحتباس الحراري وما أسبابه الحقيقية وما هي الحلول المناسبة له؟
الاحتباس الحراري: هو ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض نتيجة وجود غازات دفينة فيها (co2 – ch4 – h20 – nox – cc12f2 – chcif2 – cf4 – sf4) حيث تقوم هذه الغازات بامتصاص جزء من الحرارة المرتدة من سطح الأرض على شكل أمواج تحت حمراء حابسة قسم منها في الغلاف الجوي (القسم الأعظم من هذه الحرارة مصدرها الإشعاعات الشمسية والتي ترتد من سطح الأرض إلى الجو على شكل أشعة تحت الحمراء وكذلك الحرارة الناتجة عن النشاط الحيوي على الأرض والبراكين والحرارة الصناعية الناتجة بفعل الإنسان) حيث من المفروض أن تنطلق هذه الأمواج إلى الفضاء الخارجي وأن انحباس قسم من هذه الحرارة في الغلاف الجوي ضروري لاستمرارية وتطور الحياة على الكوكب عند نسب معينة وأي خلل في نسب تركيز هذه الغازات ستؤدي إلى كوارث بيئية تهدد الحياة على الأرض وأهم الغازات الدفينة التي لها تأثير كبير هي /co2 و ch4/ ومن المعروف أنه كان لهذين الغازين تركيز ثابت خلال أربعة ألاف السنة الماضية حيث كانت نسبة /co2/ غاز ثاني أكسيد الكربون حوالي /280 ppm/ أي جزء بالمليون إلا أنه ابتداء من /1700 م/ بدأت نسبة هذا الغاز تزداد في الغلاف الجوي تدريجياً بعد الثورة الصناعية حتى وصلت إلى تركيز /383.5 ppm/ خلال /2007/ هذه الزيادة نتيجة مباشرة لاستخدام الوقود الأحفوري المستخرج من باطن الأرض وقطع الغابات وتحويل الأنظمة البيئية الطبيعية إلى أراضي زراعية ومراعي.
أما غاز الميتان فكان تركيزه حتى عام /1800 م/ حوالي /750 ppb/ (جزء بالمليار) وزاد في عام /1900 م/ إلى /865 ppb/ ووصلت /2004/ إلى /1856 ppb/ أي أكثر من الضعف وهذه الزيادة نتيجة مباشرة للنشاط البشري بسبب عمليات التعدين واستعمال النفط والسماد وارتفاع الحرارة في قاع المحيطات....
غير أن السبب الرئيسي للتلويث الحراري هو استعمال الوقود الأحفري والكربوني ففي عملية حرقهما:
1 ــ يتم إطلاق كمية من غاز /co2/ في الجو التي تقوم باحتباس المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي.
2 ــ إطلاق الحرارة بشكل مباشر على شكل أمواج تحت حمراء في الجو.
إن الزيادة الحاصلة لتركيز الغازين /co2 – ch4/ في الجو قد رفع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار درجة مئوية واحدة وهي في ارتفاع وأن زيادة درجة حرارة الأرض درجة واحدة أحدثت تغيرات كارثية على مناخ الأرض كانت من أهم نتائجها:
1 ــ انخفاض نسبة الهطول على مستوى العالم.
2 ــ انخفاض نسبة الهطول على الشكل الثلجي.
3 ــ زيادة تحول الأراضي الزراعية إلى صحارى بشكل كبير ومتسارع.
4 ــ جفاف الأنهار الصغيرة والمتوسطة في كثير من مناطق العالم وخاصة في الجنوب.
5 ــ بدء ذوبان الجبال الجليدية في القطبين.
6 ــ انخفاض كمية الثلوج المتراكمة على قسم الجبال العالية (هيمالايا مثلاً) التي تعتبر المصادر الأساسية لينابيع أغلب الأنهار في العالم.
إن نتائج الاحتباس تجري بشكل متسارع محولة مناطق كاملة من الأراضي الزراعية إلى صحارى جرداء وبالتالي تهديد ملايين القرويين أن ينضموا إلى جيش الاحتياط العاطلين عن العمل من العمال في مدن العالم الكبيرة وبالتالي خلق توترات اجتماعية خطيرة ولاحقاً سياسية مع العلم إن خطورة استخدام الوقود الأحفوري كطاقة قد نبه إليه بعض العلماء السوفييت منذ بداية القرن الماضي.
فما هي الأسباب الحقيقية لمشكلة التغير المناخي وللإجابة على هذا السؤال علينا طرح بعض الأسئلة التي لا يجرؤ أحد في مؤتمر كوبنهاغن على الإجابة عليها!.
1 ــ من الذي يقوم باستخراج الوقود الأحفوري من باطن الأرض ويشن الحروب للحصول عليه؟
2 ــ من الذي يقوم بالتعتيم الإعلامي على مضار الاحتباس الحراري؟
3 ــ من يقف وراء دعم كبار الملاكين العقاريين في الأمازون لقطع الغابات الاستوائية؟
4 ــ من له المصلحة في استخدام الوقود الأحفوري في الصناعة واحتكار تكنولوجيا الطاقة الكهربائية وتصديرها بأغلى الأسعار إلى الدول النامية؟
5 ــ من الذي يقوم بتعليب وتنميط العقول البشرية على مستوى العالم حتى تصبح عاجزة عن رؤية المخاطر التي تحدق به لاسترقاقه فكرياً وجسدياً وتحويله إلى آلة استهلاكية؟
6 ــ من المستفيد من البطالة المنتشرة بين ملايين العمال المأجورين وزيادتها المتسارعة في جميع أنحاء العالم؟
7 ــ من المسؤول عن ملايين الجوعى في العالم؟
8 ــ من الآن وراء التخطيط لتحويل برميل النفط كمعيار لنظام النقد الدولي؟
9 ــ من يقوم باحتكار تكنولوجيا الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية؟
10 ــ من قام بسحب السيارات الكهربائية من السوق الأمريكية ومن ثم تم سحقها؟
11 ــ من له المصلحة في استمرار مشكلة مديونية العالم الثالث وإلى جيوب من تذهب أرباح هذه الديون؟
12 ــ من وراء تكوين غريزة اقتناء السيارة الخاصة في نفس كل واحد في أنحاء المعمورة؟
إن الإجابة هي الشركات الضخمة الرأسمالية الاحتكارية والطغمة المالية العالمية التي لا يهمها سوى تراكم المزيد من الرأسمال على حساب الإنسان والطبيعة، حيث قامت بتأجير مجموعة من العلماء وذلك لإيهام العالم أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي ظاهرة دورية طبيعية يمر بها مناخ الأرض وليست بفعل الاستغلال الجائر لموارد الطبيعة من خلال نشر المقالات الكاذبة في المجلات العلمية والمنابر الإعلامية والقيام بندوات للترويج لهذه الأكاذيب ما لبثت أن تم كشف عدم صحتها.
إذاً .. الأزمة هي أزمة تكمن في طبيعة النظام العالمي الرأسمالي، حيث أن أي حل لا يمكن دون الاستغناء عن الوقود الأحفوري وتخصيص جزء من أرباح هذه الشركات لمعالجة التغيير المناخي الناتج وحل مشكلات الفقر في الدول الفقيرة، ولكن هذه الإجراءات كفيلة بتجميد أرباح هذه الشركات وإفلاسها، وبالتالي نهاية النظام الرأسمالي نفسه، فأزمة المناخ هي إحدى النتائج الحتمية لتطور القوى المنتجة وتراكم رأسمال في ظل علاقات الإنتاج الرأسمالية فالأزمة هي أزمة نظام.
إن تحميل الزيادة السكانية في العالم سبب المشكلة، وبالتالي التفكير بحلول مالتوسية لها أو تحميل الدول النامية الصناعية كالصين والهند لتتحمل أعباء فاتورة التغير المناخي ما هي إلا تضليل إعلامي لتضليل الرأي العام العالمي تقوم به آلة الإعلام الإمبريالية المحتكرة من قبل الشركات الرأسمالية فوق القومية المتحكمة بالاقتصاد العالمي، فالفائض السكاني الذي يتحدثون عنه في الإعلام ويحملونه كل مآسي المناخ والفقر والبطالة ليس سوى نتيجة حتمية لزيادة تراكم رأسمال في ظل تطور النظام الرأسمالي الذي أصبح يلتهم الإنسان والطبيعة معنا في كل بقاع الأرض، وأن إلصاق التهمة بزيادة التنمية بكل من الصين والهند ليس سوى ذر للرماد في العيون، إن المستفيد الوحيد من هذه التنمية هي الطغمة المالية العالمية الهاربة من الضرائب المترتبة على التلوث وقوة النقابات العمالية في بلادها لذا تستثمر رأسمالها في تلك الدول (النامية) لتحصل على أعلى الأرباح على حساب القوى العاملة في تلك الدول وعلى حساب البيئة هناك بالتواطؤ مع البرجوازية الكمبرادورية ومن ثم تريد أن تحمل الشعوب فاتورة التلوث.
يقول أنجلس: «إن أي تطور للقوى المنتجة في ظل الرأسمالية يعني خطوة للوراء بالنسبة للإنسان والطبيعة».
ويقول ماركس: «إن أي تقدم في الزراعة الرأسمالية ينقلب لا إلى تفنن في نهب العامل فحسب، بل إلى تفنن في نهب التربة أيضاً».
هكذا تنبأ معلمو الماركسية الأوائل منذ أكثر من /150/ سنة بالدور التخريبي الذي تلحقه القوى المنتجة ــ في ظل علاقات الإنتاج الرأسمالي ــ بالطبيعة.
إن الحل هو:
1 ــ الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري والكربوني وهذا لا يتم دون القضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالي القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأن أي حلول أخرى من قبل «الرأسمالية الخضراء» ليست سوى مصطلحات تضليلية يراد بها تجميل وجه الرأسمالية القبيح الذي كلما ذاب جبل جليد في القطب زال القناع عنه وبيّن وجهه الحقيقي.
2 ــ حل مشكلة الفقر والجوع في العالم وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بحل التناقض بين العمال والرأسمال لصالح الأول.
3 ــ زراعة أشجار صناعية في كل أرجاء الأرض لامتصاص /co2/ من الجو وتخصيص أموال كافية لذلك بالاعتماد على القوى المنتجة، فقوى الإنتاج وصلت إلى درجة من التطور العلمي والتكنولوجي قادرة على حل أغلب مشاكل البشرية، ومنها ظاهرة التغير المناخي. ولكن علاقات الإنتاج السائدة تعيق ذلك، فقوى الإنتاج دخلت في تناقض حاد مع علاقات الإنتاج السائدة أكثر من أي مرة أخرى في التاريخ، وعلى حل هذا التناقض يتوقف مصير الحياة على الأرض، فالاشتراكية لم تعد صرخة المستضعفين فقط بل أصبحت صرخة الحياة على الأرض.
ملاحظة .. الوقود الأحفوري: هو الوقود المستخرج من باطن الأرض على شكل (غاز ــ فحم ــ نفط).
الثقوب السوداء: أجسام ضخمة جداً في الكون تقوم بامتصاص الأمواج الضوئية وتمنع ارتدادها لذا فهي سوداء لا ترى ولضخامتها تبلع أي شيء يقع في مجال جاذبيتها.
إبراهيم مسعود (صوت الشعب)