PCP

يا عمال العالم اتحدوا

رأي.. العنصرية والقضية الفلسطينية والعالم الثالث

رأي.. العنصرية والقضية الفلسطينية والعالم الثالث مؤتمر «دوربان /2/»، الذي أنهى أعماله في جنيف في /20/ نيسان /2009/ كان ضد العنصرية، ولكن هذه الضدية تلتبس فيها أمور كثيرة. هناك العنصرية الناتجة عن ضعف التطور، والموروثة عن الماضي، والتي تنفي فيها القبائل والطوائف والأعراق بعضها بعضاً. هذه من المفروض أن ينهيها الوعي الإنساني، ولكن مع الأسف لم يفعل، ففي الوقت الذي يصعد فيه الإنسان إلى الفضاء، ويسبر أعماق الماضي والحاضر، وتتطور لديه المعرفة العلمية والتكنولوجية كل دقيقة، يرى المرء تفجيراً لبيوت العبادة في مختلف الصراعات الطائفية، ويرى مجازر طائفية وعرقية في كل مكان، ويرى قتلاً على الهوية، وليس ذلك في مجاهل الكرة الأرضية، التي لم يصلها التطور، وإنما في بلدان عريقة، في باكستان، التي نضج فيها الكثير من التطور التكنولوجي، ومن الجملة التكنولوجيا النووية، وفي العراق، البلد ذي التاريخ الحضاري، وفي لبنان، البلد، الذي رسمت فيه اليونيسكو بيروت عاصمة للكتاب، وربما في كل بلد موجود اليوم في كوكبنا. وهناك العنصرية من نوع ثان، هي عنصرية الاستعمار تجاه المستعمرات. اليوم تقود الإدارة الأمريكية السياسة الاستعمارية في العالم، سياسة الاستعمار الجديد (الاقتصادي ــ السياسي)، وسياسة الاحتلال، وسياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى. ومع الأسف، العواصم الاستعمارية القديمة تتبع إداراتها ضد مصالح شعوبها بشكل ببغائي سياسة الإدارة الأمريكية، التي لا تسمح للإدارات الأخرى، حتى بمناقشة أوامرها. والعنصرية الاستعمارية يجري تفعيلها ضد العالم الثالث، الذي رغم الاستقلال السياسي للعديد من دوله، لم يخرج عموماً من تحت نير الاستعمار. أولاً، لأن إداراته لم تخرج، فهي عموماً ملحقة بالإدارة الأمريكية. ثانياً، لأن اقتصاده لم يخرج، فهو ملحق بالسوق المالية العالمية. ثالثاً، لأن التشظي القبلي ــ الطائفي ــ العرقي فيه لا يسمح له بالتطور. ومن دون التطور لا نخرج له من تحت النير الاستعماري، العنصرية الاستعمارية تعني أن شعوب العالم الثالث هي لا شيء، هي «هنود أمريكيون Rmerindians»، وفي أحسن الحالات هي كائنات من درجة أدنى. لذلك منظر الأفارقة والآسيويين، والأمريكيين الجنوبيين، الذين يتضورون جوعاً ودون مأوى، أو يعيشون في خرائب، لا يؤثر في الإدارة الأمريكية، ولا يحركها لا إنسانياً، ولا حضارياً. الفلسطينيون يبادرون منذ ثلاثينات القرن الماضي، ولم يتحرك أحد لحمايتهم. في أربعينات القرن الماضي هجّروا من مدنهم وقراهم ومسحت هذه بالأرض، وبنيت على أنقاضها المدن والقرى الإسرائيلية، ولم يتحرك أحد لمنع تلك الكارثة الإنسانية، وعندما تحرك الكونت برنادوث، فإنه قتل ببساطة مع أنه ابن أخت ملك السويد، ومع أن المفروض بالأمم المتحدة أن تحميه. ذهب دمه هدراً مثل دم دجاجة، وللمفارقة كوفئ قتلته في سبعينيات القرن الماضي بجائزة نوبل السويدية للسلام. اليوم اختنقت غزة بعزلها عن العالم، وما تزال، ولا أحد يعترض. حصل عدوان إسرائيلي على القطاع أباد وهدم، وكأنه على الصعيد الدولي لم يحصل شيء. وفي الضفة الغربية يعاني الفلسطينيون من الحواجز ومن الجدار ومن الاغتيالات، ومن نقص مختلف أسباب الحياة، وكأن الأمر يجري في كوكب آخر في إحدى المجرات الكونية. المناداة بتطبيق القرارات الدولية، أو بتطبيق القانون الدولي، أو ميثاق الأمم المتحدة أو اتفاقية /1948/ ضد الإبادة، ليست سوى كلام فارغ، لا معنى دولياً له. القضية الفلسطينية أوجدها النضال العربي ــ الفلسطيني في ستينات القرن الماضي، وبدعم الاتحاد السوفييتي السابق، وتجسدت بمنظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف)، قبلئذ كان لا وجود لتلك القضية، بل نفت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة في الولايات المتحدة الوجود الفلسطيني من أساسه. لولا موجة التحرر الحربي في ستينيات القرن الماضي ما كان بإمكان (م ت ف) أن تنشأ، ولولا دعم الاتحاد السوفييتي، ما كان بإمكان (م ت ف) أن يكون لها موطئ قدم دولي، الأمر الذي لم تأخذه قيادة (م ت ف) في الاعتبار، عندما توجهت نحو الإدارة الأمريكية، وبوجه خاص، عندما وقعت اتفاقات أوسلو. الآن لكي تعيد القيادات الفلسطينية للقضية الفلسطينية وضعها الدولي السابق، فإنها تحتاج: أولاً، وحدتها، أياً تكن اجتهاداتها، وعلى قاعدة نضالية. ثانياً، إعادة الاعتبار لـ (م ت ف) باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بموجب قرار قمة الرباط العربية. ثالثاً، الوقوف على مسافة من الإدارة الأمريكية، التي لا يأتي منها للفلسطينيين سوى الاحتلال والحصار. الموضوع هنا لا يتعلق بالحديث عن القضية الفلسطينية، ولكن من المفروض أن تضع القيادات العربية والفلسطينية في اعتبارها، أن إسرائيل تؤلف بالنسبة للواقع الدولي الحالي خطاً أحمر. فغير مسموح لدى الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين بوجه خاص، أي مساس معنوي أو مادي بها. التشكيك بالهولوكوست يشكل جريمة في العواصم الأوروبية، وعوقب بسببه مثقفون عديدون وأساتذة جامعيون ورجال دين، مع أن ذلك لا علاقة له إلا بحرية الفكر، وبالتحقيق التاريخي. أيضاً كل ما ترتكبه العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومن الجملة بالاغتيال، الذي هو جريمة عادية، وهدم البيوت والتهجير، الخ، هو لدى الواقع الدولي دفاع عن النفس. مطلوب من مؤتمر «دوربان /2/»، لا إدانة العنصرية الصهيونية، وإنما إدانة «العنصرية» الفلسطينية، فالفلسطينيون لدى الواقع الدولي الحالي هم «عنصريون»، لا يقبلون الاحتلال الإسرائيلي، ولا الاستيطان الإسرائيلي. وهم «إرهابيون»، لأنهم يهددون أمن «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». عدا ذلك، ما تفعله العسكرية الإسرائيلية بالفلسطينيين هو بالنسبة للواقع الدولي الحالي شأن داخلي، ولذا لا تحمل أي مسؤولة دولية تجاه الفلسطينيين. هل يضع الفلسطينيون هذا في اعتبارهم؟ إذا فعلوا، فإنهم يستطيعون تفسير جميع الأحداث التي تمر بهم. القضية الدولية اليوم هي القضية الإسرائيلية، لا القضية الفلسطينية، ولكي تأخذ القضية الفلسطينية بعداً دولياً يجب النضال، والنضال له أبعاد شعبية وإقليمية ودولية، وليس مجرد تحرش بالعدو. بالعكس، التحرش ينتج المزيد من الكوارث. العنصرية الثالثية، الناتجة عن التركيب القبلي ــ الطائفي ــ العرقي للمجتمعات الثالثية، هي أيضاً نتاج استعماري، فالإدارة الأمريكية تدفع، وتجعل حلفاءها يدفعون تريليونات الدولارات، لتفعيل العنصرية من التيبت وحتى بولندا، مروراً بأفغانستان المنكوبة، وبالباكستان، التي تعاني النخر الطائفي حتى الجذور، وبالهند، التي رغم تطورها التكنولوجي معرضة لهزات رهيبة، وبالعراق، الذي يتشظى في ظل الاحتلال. ومحاربة العنصرية الثالثية لا تكون عن طريق الوعظ، والكلام عن ضررها، وعما يكمن فيها من أخطار وطنية وإنسانية وعالمية. فكل ذلك لا يفيد شيئاً. إن محاربة العنصرية الثالثية هي في رفع نير الإدارة الأمريكية وحلفائها عن الشعوب .. العنصرية الثالثية هي ظاهرة سياسية ــ اقتصادية ــ تاريخية، وبعدها التاريخي ما كان ليؤثر، لولا النير الاستعماري السياسي الاقتصادي. وإذا ما رفع هذا النير، فإن شعوب العالم تعود تدريجياً إلى توازنها المفقود في ظل الاحتلال والاستغلال والتخريب. غير أن المطلوب دولياً لا محاربة العنصرية الثالثية، بالعكس، هذه هي أداة ثمينة ورخيصة في يد الإدارة الأمريكية. مطلوب محاربة العنصرية المتناقضة مع العنصرية الاستعمارية. طبعاً ليس المقصود هنا التعريض بالمؤتمر، فهو بحد ذاته مهم، لأنه يذكر العالم بوجود نخر كبير في البنى الاجتماعية يجب معالجته، ولاشك في أن أغلب أعضاء المؤتمر مخلصون لموقفهم ضد العنصرية. غير أن تخليص العالم من العنصرية، وتخليصه من الاستعمار هما أمران مرتبطان ببعضهما ارتباطاً عضوياً. وهذا يجعل الخلاص من العنصرية، والخلاص من الفقر، والخلاص من التجهيل، والخلاص من جميع الآفات، التي تدمر البلدان والشعوب كثيراً أو قليلاً اليوم هو مسألة نضالية ملقاة على عاتق الشعوب، الضحية الأولى لتلك الآفات. الشعوب تتحرك، ربما ليس بشكل كافٍ، ولكنها تتحرك، ضد العولمة الاستعمارية وضد الاستعمار، وضد الاحتلال، وضد أشكال العدوان الأخرى. قد يتطور ذلك إلى نضال منظم شامل يخلص الإنسانية من النير العبودي، وقد يبقى يراوح في المكان إلى أن تأتيه دفعات تاريخية هامة تنقله إلى مراحل الحسم. يجب محاربة كل أشكال العنصرية، غير أن العنصرية التي يجب محاربتها بالدرجة الأولى هي العنصرية الاستعمارية، لأنها إهانة للإنسان ولحياته ولوجوده. محمد الجندي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني