PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الانحدار الدولي والدور الأمريكي

الانحدار الدولي والدور الأمريكي ربما حتى في المراحل العبودية القديمة لم يشهد الإنسان انحداراً دولياً، مثل الذي يشهده اليوم. ــ الفقر يعم بلدان العالم حتى المتطورة، ويبلغ الجوع أرقاماً خيالية تقاس بالمليارات، أما خندق ما تحت خط الفقر، فيضم الأغلبية الساحقة من سكان الكوكب. ــ التشرد، الذي يخلفه الفقر، من جهة، والحروب، والمجازر الطائفية والعنصرية، من جهة أخرى، يبلغ أيضاً أرقاماً خيالية. ــ الإدارات الفاشية ذات اللافتة «الديمقراطية»، أو الطائفية (العنصرية أو الدينية) هي النموذج السائد، بدءاً من البلدان المتطورة، وحتى البلدان الضعيفة التطور. ــ الأوبئة تتزايد أسماؤها، ويتفاقم انتشارها. هناك أوبئة انقرضت وتعود للظهور (الطاعون، الجدري، الخ) وهناك أمراض تكتسب المناعة، وبكتريا وفيروسات وفطور تكتسب زخماً جديداً ومتجدداً، وأغلب ذلك بسبب الفقر وفساد البيئة. ــ أمن البلدان وأمن الأفراد أصبح في كل مكان في مهب الريح. فالتدخل في الشؤون الداخلية أصبح يتناول الشؤون التفصيلية، المتعلقة بهذا الشخص أو ذاك، الذي يجب أن يتم إبعاده، أو أن يتم تكليفه بمنصب في بلده، وقد يتعلق بزواج هذا المسؤول، أو ذاك. لقد تحرك العالم كله من أجل موريتانيا، لأن الانقلاب فيها لم يعجب الإدارة الأمريكية. قد يكون جماعة الانقلاب متصفين بكل ما يخطر على البال من سوء، ولكن الانقلاب نفسه شأن داخلي، والشعب الموريتاني هو صاحب العلاقة، لا الاتحاد الأوروبي، ولا الزعماء الأفارقة، ولا المخابرات الأمريكية التي تحرك الجميع. من يدري؟ قد تتعرض موريتانيا لتدخل عسكري خارجي، إذا لم يرفع الانقلابيون أيديهم استسلاماً. موريتانيا ليس لديها «أسلحة دمار شامل»، ولا جماعات «إرهاب»، ولا نوايا بـ «الاعتداء» على جيرانها، أي ليس لديها أي ذريعة للتدخل الخارجي، فالتدخل هنا للتدخل. لماذا انتخابات لبنان تهم الإدارة الأمريكية، كي تصرف فيها المليارات، وكي يجنّد لها المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون من كل حدب وصوب؟ التدخل، إذا لم يكن واقعاً بالفعل في أي بلد، فإنه يهددها في كل لحظة، وحصة المنطقة العربية كبيرة جداً، فثمة تدخل في الانتخابات، إن وجدت، وفي التعيينات، وقد يكون البلد زيادة على ذلك مهدداً بالتدخل العسكري. الأفراد أمنهم مهدد، أولاً بالفقر، ثانياً بالمجازر الطائفية ــ العنصرية، ثالثاً، بالقوانين والتشريعات القاراقوشية، رابعاً، بالضرائب. خامساً، بالحروب. وإذا سلم المرء من بعض ذلك، فلا يسلم من البعض الآخر. ــ أسوأ أنواع التدخل في شؤون البلدان هو في نشر الليبرالية الجديدة. هذه تدمر الاقتصادات وتسخرها لصالح الرأسمالية الدولية. ولا يقتصر الدمار هنا على الاقتصاد، وإنما أيضاً على المجتمع وعلى الأمن القومي وعلى البلد ككل. والليبرالية الجديدة تؤلف الأرض الصالحة لهيمنة الفساد بكل أبعاده، ولنشوء العصابات، وازدهار مختلف أنواع الجرائم. ومعادلة الفاشية زائداً الليبرالية، زائداً الطائفية، تجعل الفساد أعتى حتى من أبسط انتقاد. فانتقاد شرطي، أو موظف، يفهم على أنه انتقاد للنظام بكامله. ولذا، فأي انتقاد، ولو بريئاً، يعاقب بقسوة، ويقمع بشدة، ولذا لا يستغرب المرء أن يرى الاختلاسات والرشوات العلنية، والمساومات دون حرج على المبالغ المطلوبة لقاء هذه الخدمة، أو تلك من قبل موظف بسيط، أو شرطي. ــ الطائفية ــ العنصرية أصبحت كابوساً يخيم على العالم. وقد ارتكبت الإدارة الأمريكية أكبر جرائمها التاريخية بتسليط هذا الكابوس على سكان الكرة الأرضية. لقد استخدمت الإدارة إياها الطائفية ــ العنصرية لتدمير نظام الاتحاد السوفييتي، ولتمزيق يوغوسلافيا السابقة، ولتدمير أنظمة الاشتراكية العلمية في أوروبا الشرقية. وأخطر ما فعلته في هذا الخصوص هو تجنيد «الجهاد» في ثمانينات القرن الماضي ضد الشعب الأفغاني. لقد جندت بشراكة بترولية خليجية وباكستانية أشدّ أنواع «الجهاد» همجية، واستطاعت بذلك أن تعيد أفغانستان قروناً إلى الوراء. لا علاقة للدين، وللإيمان بذلك التجنيد، إنه مجرد تجنيد سياسي مدفوع الأجر. لم يحدث في أشد العصور الإسلامية ظلامية، أن قتلت طالبات المدارس تحريماً لتعليم البنات، أو سجنت النساء في البيوت. وحدث ذلك في أفغانستان. الطائفية الإسلامية، التي أخرجتها الإدارة الأمريكية من القمقم، هي أشد تزمتاً من التراثيين العثماني والوهابي. وهذه بعدما استكملت وظيفتها الأمريكية، وحصلت على المال والتدريب، انطلقت تشق طريقها الخاص في مختلف مناطق العالم. ولكن هل هو طريق خاص؟ أم يخدم أهدافاً استعمارية؟ الواقع أن «الإرهاب»، وهذا ما صارت تسميته لدى الإدارة الأمريكية، صار ذريعة للعدوان وللاحتلال، فاحتلت الإدارة المذكورة أفغانستان، واحتلت العراق، وتهدد كل مكان في الشرق الأوسط بالاحتلال. وفي نفس الوقت قدمت التسهيلات لـ «الإرهاب» عبر جورجيا وغيرها من أجل خلق المشكلات لروسيا في الشيشان وغيرها. «الإرهاب» الذي خلقته الإدارة الأمريكية دمّر العراق طائفياً بعد أن دمّره الاحتلال، ودمّر المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وألبسها بالإرهاب. ذلك «الإرهاب» الوباء فعل العجائب في الجزائر وفي مصر. وقد سمم الحياة الاجتماعية في أغلب البلدان الإسلامية. الطائفية كانت موجودة قبل «الإرهاب» الذي خلقته الإدارة الأمريكية، ولكنها الآن ليست ضارة سياسياً ووطنياً فقط وإنما عدوانية، تهدد أمن المجتمع، بمختلف الأشكال، وبرؤيا ظلامية لم يسبق لها مثيل. ففي الصومال، مثلاً، السينما محرمة حتى في المنازل، ويعاقب بالجلد صاحب الهاتف المحمول الذي أنزل فيه فيلماً سينمائياً، وتفتش السلطات المنازل، الخ. ولا يهم أن يكون كل ذلك متناقضاً مع الدين بمفهومه الحضاري والتاريخي أيام العهد الراشدي والعهدين الأموي والعباسي. فالمنظور الطائفي الضيق غير قابل للنقاش لدى أصحابه. وهو مفروض على يد الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والإقليمين. ــ القتل أصبح مجرد مسألة إحصائية: قتل كذا في باكستان، وكذا في العراق، وكذا في فلسطين، الخ. والانحدار مستمر في كل جوانب الحياة، والمسؤول الأول عنه هو الإدارة الأمريكية، التي تخلف الدمار والتخريب حيثما امتدت يدها. محمد الجندي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني