التيه الفلسطيني بين وديعة ميتشل وتكريس الانقسام
التيه الفلسطيني بين وديعة ميتشل وتكريس الانقسام
شيئا فشيئا يتضح النجاح الذي يحرزه المبعوث الأمريكي جورج ميتشل في إدخال القضية الفلسطينية في متاهة تجميد الاستيطان مقابل التطبيع (لاحظوا ليس المطلوب أمريكيا إزالة المستوطنات أو حتى وقف الاستيطان)، ويدخل معه معتدلوه العرب في اللعبة، فيصبح السجال الأوبامي الإسرائيلي معركة أمام عرب اللهاث والهرولة، ويبدأ التصفيق لأوباما ومبعوثه الذي لا بد ان ينجح في مساعيه الشاقة بتجميد الاستيطان بعد أن تسفر مناوشاته مع نتنياهو عن تقسيم المستوطنات إلى شرعية وغير شرعية، والى بعضها الذي لا يمكن إزالته لأنه تم البدء ببنائها وأخرى قيد الإنشاء يمكن أن تتوقف ـ وهي متوقفة أصلا ـ لستة أشهر أو عام على الأكثر، ومقابل هذا «النصر الأوبامي» سيهرع عرب الهزيمة إلى فتح أسواقهم وأجوائهم وقصورهم وعواصمهم أمام الصهاينة ليؤكدوا نواياهم الحسنة وخيار السلام الاستراتيجي الذي تبنوه مع مبادرة الملك السعودي في قمة بيروت 2002.
الوديعة مرة أخرى
وقد كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تطالب إسرائيل بـ «وديعة» تتضمن تعهداً بتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لمدة عام بداعي أن من شأنها إقناع الفلسطينيين باستئناف المفاوضات، والدول العربية المعتدلة باتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموفد الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل طلب «الوديعة» من إسرائيل خلال لقاءاته مع رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو ووزير الحرب أيهود باراك لاعتقاده أن من شأن الحصول عليها أن يكسر الجمود في العملية السياسية «ويغير الموقف السلبي للدول العربية» من الطلب الأميركي – الإسرائيلي بمبادرات تطبيع مع إسرائيل.
وبحسب الصحيفة، سوّغ ميتشل طلبه برفض الدول العربية اتخاذ أي لفتة طيبة تجاه إسرائيل قبل أن تتيقن تماماً من تجميد البناء في المستوطنات، وعليه فإنه في حاجة إلى «وديعة» بصيغة موافقة إسرائيلية على تجميد مؤقت للبناء من أجل الحصول على «وديعة» تشمل تنازلات عربية مماثلة.
وأمام ما يجري من تسارع في حركة البناء الاستيطاني يصبح الأمر الواقع الإسرائيلي أقوى من أي أفكار او مبادرات، وقد تسارعت في القدس أيضا عمليات طرد الفلسطينيين المقدسيين من بيوتهم فيما فتح تعقد مؤتمرها في بيت لحم وتؤكد خيار المفاوضات وتنتخب عباس رئيسا بالتزكية وبرفع الأيدي على الطريقة العربية إياها ولم يتعد الرد العربي دعوة مجلس الجامعة للانعقاد والنظر في موضوع الهجمة الاستيطانية الجديدة على القدس، ومعروف ما ستؤول إليه نتائج اجتماعات جامعة العجز من مناشدات لأمريكا وأوربا للضغط على إسرائيل حتى توقف هجومها الاستيطاني وطرد المقدسيين من بيوتهم وتسليمها لقطعان المستوطنين. . .
الانقسام المستمر ومهمات اليسار
وأمام كل هذا الخلط في أوراق الملف الفلسطيني نجد اكبر فصيل فلسطيني، الحركة التي أطلقت رصاصات المقاومة الأولى، الحركة التي أصبح معظم مؤسسيها وقادتها الأوائل شهداء من أمثال خليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف أبو إياد وكمال عدوان وماجد أبو شرار وياسر عرفات وأبو علي إياد وسعد صايل وأبو يوسف النجار ودلال المغربي وممدوح صبري وأحمد سلامة وآلاف الشهداء والأسرى على درب الحرية، هذه الحركة تتحدث بخجل عن المقاومة المشروعة ضمن إطار الشرعية الدولية المعروفة وتؤكد اعتماد نهج مجموعة أوسلو في المفاوضات كاستراتيجية بعد أن قامت هذه المجموعة بحل كتائب الأقصى والمجموعات المسلحة الأخرى التي أقامها أبناء فتح المناضلين بعد أن اكتشفوا زيف وعود السلام الإسرائيلية وتتحول المعركة مع العدو إلى معارك بين أبناء الوطن الواحد والقضية الواحدة فيصبح صراع فتح وحماس له الأولوية، مما يزيد في تكريس الانقسام الحاصل بين الضفة والقطاع وقد أججت حركة حماس هذا الوضع بمنعها أعضاء مؤتمر فتح من مغادرة القطاع وكأنها قد صدقت بأنها السلطة الحاكمة في غزة المحتلة والمحاصرة والجائعة، والتي بدأت محاولات تحويلها إلى إمارة طالبانية تظهر إلى العلن عبر التضييق على المجتمع الغزاوي ومحاولة تطبيق قوانين قروسطية عليه.
ولم يكن دحلان يعبث حين صرح بأن «فتح بعد المؤتمر لن تكون كما كانت قبله»، كما إن ما قاله احد الكوادر الشابة في حركة فتح قدورة فارس، وهو من المحسوبين على جناح الأسير البطل مروان البرغوثي يحمل مدلولا مهما «لقد أمضينا سنوات طويلة في المطالبة بعقد هذا المؤتمر، ولكن هذا المؤتمر ليس ما كنا نحلم به» وهو لسان حال كل من حلم بتغيير ايجابي من خلال المؤتمر السادس للحركة، لكن ما حصل أن مجموعة أوسلو التي فرضت فرضا على الراحل ياسر عرفات وساهمت في تصفيته سياسياً قبل تصفيته جسديا هيأت لنفسها مؤتمراً على مقاسها دشن تحول فتح من حركة ثورية تحررية إلى حزب لسلطة مشوهة وناقصة وعرجاء.
ورغم تحالف دحلان مع عباس فإن الصراع بينهما لم يتوقف لأن عين دحلان هي على الرئاسة، وهو المقبول أمريكيا وإسرائيليا أكثر من حليفه أبو مازن، وربما كان التاريخ يعيد نفسه في اقتناص أبو مازن رئاسة السلطة من ياسر عرفات بعد اغتياله بغض النظر إن كان قد تواطأ في ذلك مع دحلان وشارون أو أنه تفرّج عليه وهو يموت ببطء في مقره بالمقاطعة.
إن الوضع الفلسطيني يدخل في نفق جديد نتيجة الانقسام الحاصل وانغماس القيادة المتنفذة في منظمة التحرير في أوحال المراهنات على الوعود الأمريكية واصطفافه علنا ضد المقاومة وتحوله إلى حارس لأمن الاحتلال فلم تنطلق من الضفة رصاصة واحدة ضد الاحتلال بعد أن دانت له الأمور فيها بتعاون أمني واستخباري مع إسرائيل بإشراف الجنرال الأمريكي الصهيوني كيث دايتون المعروف بتاريخه القذر في خدمة المخططات الأمريكية والصهيونية وهو الآن قائد وموجه قوات أمن سلطة أوسلو أي أن الجنرال غلوب باشا قائد قوات هزيمة 1948 يعود من جديد . . . .
فيما ينكفىء بعض اليسار الفلسطيني على نفسه، ويضطر هذا البعض إلى المشاركة في مهزلة سلطة أوسلو عبر توزير بعض قياداته والرضا بفتات أموال المعونات والمساعدات، رغم أنها فرصة تاريخية لليسار كي يقدم رؤيته البعيدة عن وهم الوعود الأمريكية وعن ميول التفرد والظلامية لدى الطرف الآخر، فبرنامجه، الذي يؤكد على المقاومة بجميع أشكالها حتى تحقيق الحقوق الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة لا مخترة أوسلو، سيكون هو الجامع لكل أطياف العمل الوطني بشرط أن لا يكون ذيليا وتابعا لأي طرف، وهو صمام أمان الثورة وبوصلتها التي لا تخطىء، فهل سيلتقط اليسار الفلسطيني فرصته التاريخية في تبوء واجهة العمل الوطني المقاوم؟ أم أنه سيكتفي بالعمل من داخل هيئات السلطة والمنظمة التي أحكمت مجموعة عباس دحلان سيطرته عليها بدلا من تصحيح أوضاعها وتحويلها إلى جبهة وطنية حقيقية تكمل مسيرة السنوات الطويلة من عمر النضال الوطني الفلسطيني؟ الجواب يتوقف على طبيعة هذا اليسار واستعداده لحمل هذه المهمة التاريخية النبيلة وفيه قوى تستحق أن تكون في هذا الموقع.
وعد الخالد