PCP

يا عمال العالم اتحدوا

احتدام التناقضات في القوقاز

احتدام التناقضات في القوقاز لم ينجح الرئيس الروسي ميدفيديف، عن طريق التنازلات التي قدمها لنظيره الأمريكي أوباما، خلال زيارة الأخير لموسكو، في إقناعه بالكف عن دعم جورجيا عسكرياً ومادياً، ولاسيما أن تبليسي التي هزمت في الحرب التي شنتها قبل عام على أوسيتيا الجنوبية، تتهيأ للانتقام من روسيا التي دافعت عن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا واعترفت بانفصالهما عن جورجيا. فروح الانتقام من روسيا، ليست مسألة رد اعتبار للهيبة الجورجية المنكسرة، وإنما استجابة لطلب أمريكي غير معلن، تسعى واشنطن من خلال ذلك إلى مضاعفة الضغط على موسكو لإرغامها على تقديم المزيد من التنازلات، خاصة وأنها شعرت بأن موسكو الضعيفة اقتصادياً، قد تضطر للتنازل مقابل تقديم ملايين الدولارات الأمريكية السخية ولو كان ذلك على حساب أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية في الفضاء السوفييتي السابق. وقد تحدث نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر صحيفة «وول ستريت» الأمريكية عن ذلك بكل صفاقة، قائلاً: إن ضعف الاقتصاد الروسي سيحمل موسكو على تقديم تنازلات للغرب، أبرزها التخلي عن محاولات الهيمنة على الدول السوفييتية السابقة، والموافقة على تقليص قدراتها النووية. وحسب بايدن ــ فإن روسيا ليست أكثر من شريك صغير للولايات المتحدة، إثر خسارتها دورها الإستراتيجي السابق». والحقيقة أن كلام بايدن صحيح، لأن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تواجه عدداً من المشكلات المعقدة جداً في المجالات الاقتصادية والديمغرافية والعسكرية، وفي قطاع البنى التحتية، ولم تتمكن من تذليل هذه المشكلات، التي قوضت مكانة روسيا الدولية. مما شجع الولايات المتحدة وحلف الناتو على اقتحام كل مكان يتاح لهم داخل هذا الفضاء السوفييتي السابق، فانتقلت المنافسة بين روسيا وأمريكا إلى داخل البيت الروسي، مهدداً حتى استقلال وسيادة روسيا. ولم ينتبه القادة الروس إلى أن أي تنازل لأمريكا، كما فعلوا في تحويل روسيا إلى معبر للقوات العسكرية الأمريكية المتجهة إلى أفغانستان، وما يترتب على ذلك من قواعد عسكرية جديدة لأمريكا في بعض الجمهوريات المجاورة حدودها لأفغانستان. وخطر ذلك على روسيا ودورها الإقليمي في المنطقة، والذي سيساهم في طلب المزيد من التنازلات للغرب وأمريكا. وكاد ــ كما ذكرنا في المقال السابق في «صوت الشعب» ــ أن يتنازل ميدفيديف عن الحد الأدنى للصواريخ النووية الإستراتيجية الروسية ــ لولا تدخل جنرالات الجيش الروسي الوطنيين الذين نصحوه بأن لا يُقـْدِم على مثل هذه الخطوة الخطيرة ــ لأن من شأنها إفقاد روسيا قدراتها النووية التي تحافظ عليها كدولة عظمى عسكرياً، ولاسيما أن الولايات المتحدة باتت متفوقة بأشواط بعيدة في مجال التكنولوجيا العسكرية التقليدية على روسيا وهذا ما يجعلها الدولة الوحيدة في العالم القادرة على فرض إرادتها وإملاءاتها السياسية على روسيا والعالم. الشيء الوحيد الذي تعتقد روسيا بأنه لن يتم اليوم هو انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، لأن الولايات المتحدة تدرك بأن مثل هذه الخطوة الآن ستؤثر على الموقف الروسي باستمرار السماح لحلف الناتو والقوات الأمريكية بعبور الأراضي الروسية نحو أفغانستان الذي يوفر لأمريكا والحلف الوقت والمال والسرعة في التحرك العسكري في أفغانستان، وما دامت المقاومة الأفغانية تتصاعد وتكبد قوات حلف الناتو الخسائر الهائلة، فإن أمريكا بحاجة إلى روسيا والقواعد العسكرية في الجمهوريات السوفييتية السابقة. كما أن توتير الوضع في القفقاس ودعم جورجيا عسكرياً ومالياً، سيعقد أوضاع تدفق النفط عبر جورجيا باتجاه أوروبا. ومن المعروف أن الكميات المتدفقة من بحر قزوين تبلغ الـ /800/ ألف برميل من النفط الخام العالي الجودة يومياً إلى البحر المتوسط عبر باشكوي وهي قرية جورجية تقع على بعد /42/ كيلو متراً من إقليم أوسيتيا الجنوبية ــ وعبر هذه القرية يمر خط أنابيب «باكوتبيليسيي ــ جيهان» الذي تديره الشركة البريطانية «بريتيش بتروليوم (بي ــ بي)» ــ ويمر عبر هذا الإقليم، لذلك فإن توتر الوضع قد يشكل خطراً على المستثمرين المراهنين على جورجيا كممر للنفط إلى الغرب. وفي حال تجدد القتال على الحدود الجورجية الأوسيتية الجنوبية، فإن الخطر يهدد خط «نابوكو» للغاز الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي ما زال قيد الإنشاء، وهدفه تقليص اعتماد أوروبا على روسيا في احتياجاتها من الطاقة. ويواجه هذا المشروع مشاكل كبيرة تتعلق بالتمويل والإمداد، والذي سيبلغ طوله /3300/ كيلو متراً ويتوقع أن ينقل الغاز من بحر قزوين والشرق الأوسط إلى أوروبا بحلول عام /2014/. وتبقى المشكلة متعلقة بأذربيجان التي تعتبر روسيا بديلاً جذاباً وهي لم تدخل بعد شريكاً في «نابوكو». لأن جورجيا غير مستقرة وليست ممراً آمناً للنفط والغاز الأذربيجاني. وخلال الحرب الجورجية ــ الروسية حولت أذربيجان مسار بعض نفطها من جورجيا إلى روسيا ــ وحصلت شركة «غازبروم» الروسية العملاقة للغاز على اولوية شراء الغاز من حقل «شاه دينيز» الأذربيجاني الذي تعلق عليه أوروبا آمالاً كبيرة في إمداد «نابوكو» للغاز. وتـُفضّل باكو روسيا لسببين: أولاً: موازنة المصالح السياسية بين الشرق والغرب. وثانياً: محاولة كسب وُدّ روسيا ودعمها في نزاعها مع أرمينيا حول إقليم «ناغورني ــ قره باخ». ولكن روسيا تلعب دور الوسيط لحل الخلاف الأرمني ــ الأذري حوله بالطرق السلمية وبما يُرضي الطرفين. ولكنها لم تفلح حتى الآن في ذلك، والنجاح الوحيد هو اعتراف الطرفين بعبثية الحل العسكري. وروسيا تحاول بكل قوتها التواجد العسكري المكثف في قرقيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وغيرها من جمهوريات آسيا الوسطى، لقطع الطريق على أمريكا وحلف الناتو الذي يحاول قطع أواصر روابط روسيا بهذه المنطقة أملاً في إخضاعها للهيمنة الغربية على حساب المصالح الإستراتيجية الروسية. ومن غير الواضح حتى الآن، هل ستقدم روسيا المزيد من التنازلات لأمريكا التي لا تقف عند أي حد، فالتنازلات تجر المزيد منها. وهذا ما يأمله حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة التي ما زالت تحلم بالهيمنة على العالم ولو بأساليب أوبامية هادئة أكثر خبثاً وخطورة على العالم. د. إبراهيم زعير


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني