الأكمة الفلسطينية ـ ماذا وراؤها؟!
الأكمة الفلسطينية ـ ماذا وراؤها؟!
في الشارع الفلسطيني ، يتساءل كثيرون ، وأحيانا باندهاش كبير ، عن الدوافع الحقيقية لبعض التصريحات المتفائلة الرسمية ـ العربية وغير العربية ـ وفي الأونه الأخيرة ، انضم بلير لمجموعة المصرحين بأن الفرصة باتت مهيئة لتسوية سلمية للنزاع العربي الإسرائيلي ، والمستغربون لأمثال هذه التصاريح ، لاشك لديهم أسبابهم ، لأنها كما يرون ويحللون جاءت على العكس من تصوراتهم ، صحيح أنهم وغيرهم يرون في خطاب الرئيس أوباما ـ في القاهرة ـ شيئا مختلفا ولكنهم كمعظم المحللين لا يستطيعون وصف الخطاب بأكثر من أنه مجرد خطاب علاقات عامة ، يتناول عموميات في تفاصيلها تكمن شياطين ، لا شيطان واحد ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فإن كل متغير بدا في الخطاب لم يكن أبدا لأجل عيون لا الفلسطينيين ولا العرب ، وإنما لأجل الأزمة الأمريكية الاقتصادية التي انفجرت مع بدايات عهده . بالإضافة لأزمات عسكرية أخرى ، وإذا أضفنا لكل هذه العوامل (الأمريكية) حقيقة أن الكونغرس لم يتغير ـ ولا الموقف الأوربي التابع حقق أي تغير مهم يبرر هذا التفاؤل المفاجئ، وعلى الصعيد العربي (الرسمي) لا يزال كل شيء على حاله (في العلن) وأما على الساحة الفلسطينية ، ساحة الورقة التي يفترض أنها الورقة الأقوى فإنه وللأسف الشديد ، ورغم ست محاولات لعمليات قيصرية لتوليد مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية فإن أي منها لم تأت بالمولود المطلوب . والذي نريده أن يكون ولادة طبيعية ، وبمرارة شديدة فإن الأمل يكاد يكون مفقودا لمثل هذه الولادة لأن الظاهر أن أيا من الفريقين يخفي عن نفسه وعن الجماهير مخاوف فعلية تتعلق بما بعد المصالحة المطروحة ، ولعل هذا هو العائق الأساس للتوصل إلى مصالحة أمام كل من فتح وحماس ، عائق سببه التباين الجوهري والحاد والذي لا يزال قائما في موقف كل من الحركتين ، لأن أي منهما لم يستطع لغاية الآن توفير لا الأرضية المناسبة ولا الرؤية المقنعة لمرحلة ما بعد المصالحة ، ولذلك لا زلنا وسنبقى نرى حوارا أشبه بحوار ليس الطرشان ولكن (المستطرشين) ، حوار أسوأ نتائجه ـ إذا نجح ـ أنه ينجح شكلا تحت ضغوط مرحلية واعتبارات كسب وقت ورفع عتب ويفشل مضمونا ، ولأسباب لم تعد خافية على أحد ، ( الثنائية ، القطبية ، المحاصصة ، الافتقار لرؤية توافقية : مرحلية وإستراتيجية …الخ)، مع أن المصالحة الحقيقية هي فعلا الركيزة الأساسية الباقية للمشروع الوطني التحرري ، وبدونها لا مستقبل لأي تحرر بل لمزيد من الذل والعبودية والتبعية.
فالمعطيات الدولية ، والعربية ، والفلسطينية ـ على الأقل الظاهر منها ـ لا تزال غير كافية لتبرير هذا الشكل من التفاؤل المطروح دوليا وعربيا وفلسطينيا ( شخصيات فلسطينية رسمية وفي مواقع مختلفة بشكل أو بآخر تشارك الآخرين تفاؤلهم) مع أن الموقف في الجانب الإسرائيلي مخالف تماما بل ومتناقض مع أساسيات هذه الطروحات ، فعودة نتنياهو على رأس حكومة هي الأكثر يمينية وتطرفا في كل تاريخ الكيان الصهيوني ، بكل لاءاتها، وعنصريتها وعنجهيتها ، ووقاحتها ، واستمرارها في تحدي ليس أمريكا فقط ، بل العالم كله ، وتمسكها العنيف بالاستيطان تحت ذرائع وحجج واهية وغير منطقية ، ولا تمت بصلة لأي شرعية أو قانون (مثل دعاوى النمو الطبيعي للمستوطنات ، واستفتاءات متهافتة نتائجها معروفة سلفا، فالمعتدي لا يمكن أن يدين عدوانه) كلها معطيات تتناقض بشكل صارخ مع أي داع للتفاؤل ، اللهم إلا إذا كان هناك طبخة أوسع وأخطر من طبخة أوسلو ، مشروع مشترك لتصفية نهائية للقضية برمتها ، كان ولا يزال السلام الاقتصادي المعبر الوحيد إليه ، معبر يضاف إلى المعابر الحدودية الأخرى التي كانت ولا تزال وستبقى ، معابر للجيوب المتهافتة على الثروة ، معابر لإخراج المشروع الوطني ، وإدخال مشروع استثماري بديل يعين على سقف لا متناهي من المفاوضات والمباحثات ومتزامن مع تطبيع تلقائي يصبح مع الزمن تحصيل حاصل.
هيئة التحرير(في مجلة الوطن المجلة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)