انقلاب هندوراس.. تكتيك قديم بإدارة جديدة
انقلاب هندوراس.. تكتيك قديم بإدارة جديدة
أطاح انقلاب عسكري برئيس هندوراس مانويل زيلايا، إثر نيته تنظيم استفتاء شعبي غير ملزم يسمح بتعديل الدستور لجهة ترشح الرئيس لولاية رئاسة ثانية من أربع سنوات.
بدأت الأزمة حين اتجه زيلايا لإقامة علاقات تعاون وصداقة مع فنزويلا وكوبا ومجموعة دول الخيار البوليفاري (ألبا)، وهو ما ألب عليه البرجوازية الكمبرادورية والجيش والدوائر التابعة لهما، والذين اتهموه بالعمالة لفنزويلا وكوبا.
أضيف إلى ذلك إقالة زيلايا لقائد الجيش الجنرال روميو فاسكويز، لكن المحكمة الدستورية أبطلت القرار، ويبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة ونظرتها لدور هندوراس المستقبلي قد سرعت عملية الانقلاب، حيث جرى التمهيد له بحملة إعلامية مكثفة تحذر من دور كوبا وفنزويلا و «خطرهما» وشارك في الحملة بفعالية منظمات غير حكومية ممولة من الولايات المتحدة الأمريكية، أما السفير الأمريكي هوغو لورنز فأعلن رفضه أي تعديل دستوري مضيفاً أن الوضع السياسي الحالي يمنع من خلق مناخ استثماري، وهوغو لوريز هو مهندس الانقلاب الفاشل على تشافيز حين كان مديراً لشؤون منطقة الأنديز في مجلس الأمن القومي.
صبيحة /28/ حزيران حاصر الجيش القصر الرئاسي، واقتاد الرئيس من سريره إلى قاعدة عسكرية، حيث تم ترحيله على متن طائرة إلى منفاه في كوستاريكا، وانتشرت قطعات الجيش المسلحة في شوارع العاصمة قبل أن ينصب العسكر رئيس البرلمان روبرتو ميتشيليتي رئيساً «لفترة انتقالية» لحين تنظيم انتخابات رئاسية.
وحسب منظمة اليونيسيف فإن أكثر من ثلثي سكان البلد السبعة ملايين يعيشون تحت خط الفقر، رغم برامج مكافحة الفقر وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية التي تديرها الحكومة، فهي حين تعرضت لأعاصير وعواصف دمرت الكثير من البنى التحتية، ويعاني أكثر من ثلث الأطفال الرضع سوء التغذية ورغم انخفاض معدل سوء التغذية /13%/ إلا أن هذا المعدل ما زال مرتفعاً ويبلغ /25%/، ويصيب فيروس مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) /1.8%/ من السكان وهو ثاني أعلى معدل في أمريكا اللاتينية ويسبب فقدان تسعة أطفال أحد والديهم يومياً. أما عدد سنوات الدراسة فلا يتجاوز الخمس سنوات في الريف وسبع سنوات في المدينة.
وتحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة عسكرية تضم /600/ جندي على بعد عشرات الكيلو مترات فقط من العاصمة، ولديها صلات قوية مع الجيش، وهي التي دعمت فرق الموت في الثمانينيات في حربها ضد الثورة الساندينية في نيكاراغوا والحركات التقدمية في أمريكا الوسطى والجنوبية.
وتخرج معظم قادة الجيش الهندوراسي من مدرسة الأمريكيتين، في ولاية جورجيا، التي تخصصت في تخريج قادة الانقلابات والميليشيات الفاشية في القارة الجنوبية.
ومن هؤلاء قائد الجيش الهندوراسي الحالي، وقائد سلاح الجو لويس خافيير سولازو الذي استولى على صناديق الاقتراع ومنع نشرها قبل أن تحررها الجماهير بصحبة زيلايا من قاعدة عسكرية وكذلك الديكتاتور السابق بوليكابرو باس غارسيا وهذا الأخير حكم بين عامي /1980 ــ 1982/ ومعروف عنه تكثيف عمليات القمع والقتل عبر إحدى أشهر فرق الموت وأكثرها ترويعاً والمسماة الكتيبة /163/ والتي قام بتأسيسها خريجون من مدرسة القمع الأمريكية، كما تخرج من هذه المدرسة /50/ قاتلاً محترفاً في هندوراس شاركوا فور تخرجهم في مجازر وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
ورغم مزاعم الولايات المتحدة الأمريكية بعدم تورطها في الانقلاب، وإدانتها الخجولة جداً له إلا أن أيديها الملطخة بالدماء لن تكون بعيدة عنه لا بل هي من يمسك الخيوط الأساسية للانقلاب، فبعد فشل سياسة الحرب الاستباقية والإدارة الرعناء لجورج بوش تأتي الآن إدارة محترفة في مجال الثورات الملونة والانقلابات العسكرية والعمل الصامت خلف أقنعة مندهشة حيناً ومبتسمة حيناً آخر، وقد تعود مجدداً لتكتيك فرق الموت والاغتيالات والإرهاب بدلاً من الحرب المكلفة مادياً وبشرياً، فالإرهاب والانقلابات لا يحتاجان هذه التكاليف الباهظة.
ويبدو أن الأزمة لا تتجه نحو الحل في ضوء تعنت قادة الانقلاب الذين لا يتلقون الدعم العلني من أحد رغم تعاملهم بثقة شديدة تدل مجدداً على أن معلميهم يقبعون في الشمال.
وحالياً، ورغم التعتيم الإعلامي الشديد وحظر التجول، فإن المظاهرات والتحركات الاحتجاجية المؤيدة للرئيس المخلوع تستمر، وتشير مصادر إعلامية إلى أن العسكر يقومون بإطلاق النار على الحافلات التي تنقل المحتجين من القرى والأرياف الفقيرة إلى العاصمة لمنعهم من المشاركة في الاحتجاجات.
ويبدو أن طريقاً صعبة وشاقة ستواجه شعب هندوراس في وجه طغمة عسكرية غاشمة تربت على أيدي مجرمين محترفين يعملون بصمت في واشنطن.
رشيد موسى