PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الليبرالية الجديدة والدول الفقيرة

الليبرالية الجديدة والدول الفقيرة محمد الجندي * الليبرالية الجديدة ليست جديدة، فهي لا تخرج عن طروحات آدم سميث (1723ـ 1790) الاقتصادي السكوتلندي، الملقب بأب الاقتصاد، والذي كان يمثل حرية الرأسماليين ضد التدخلية المركانتيلية، ويمثل تاريخياً مطاليب الرأسمالية الصاعدة ضد الهيمنة الاقطاعية التي كانت سائدة. ولكن الليبرالية الحالية هي جديدة لأن الرأسمالية الدولية اليوم تختلف كثيراً مثل اختلاف التمساح والحرباء، عن رأسمالية القرن الثامن عشر، الذي عاش فيه آدم سميث. يرى آدم سميث أن الحرية الكاملة يجب أن تعطى للرأسمالي ومصلحة المجتمع مرتبطة بهذه الحرية. يقول «إنه (أي الصناعي) لا ينوي في الواقع رفع سوية المصلحة العامة، ولا يعرف إلى أي درجة سيرفع سويتها.. عندما.. يدير.. صناعة بطريقة تجعل منتجاتها ذات قيمة كبيرة، فإنه يهدف فقط إلى ربحه الخاص، وهو في ذلك، كما في حالات عديدة أخرى مقود بيد خفية لتحقيق هدف لم يكن من نواياه، وعندما يتبع مصلحته الخاصة، فإنه غالباً يحقق مصلحة المجتمع بشكل فعال، أكثر مما لو كان يريد أن يحققها». صحيح، مصلحة المجتمع كانت تتطابق في القرن الثامن عشر مع حرية الرأسماليين، التي لولاها ما عرفت المجتمعات التطور الذي تفجرت انطلاقته حتى وصلت إلى المستويات الهائلة، التي نشهدها اليوم. والتطور هو جزء هام من حياة المجتمع، ويؤلف مصلحة عامة للمجتمع، نقيضها هو التخلف، الذي قد يصبح ظلامياً. وصحيح أيضاً، أن سميث لم يكن يهمل العمال فقط، ولا يضعهم في اعتباره، وإنما يحتقرهم أيضاً، والعمال هم المنتجون، أي هم أداة التطوير الحقيقية. طبعاً لولا الرأسمالي ما كان بإمكان العمال بفقرهم، وبضعف تطورهم، أن ينظموا أنفسهم في مؤسسة إنتاجية. الرأسمالي كان له الفضل التاريخي في خلق المؤسسة الإنتاجية وتطويرها. والرأسمالي استطاع بفضل ذلك أن يصل إدارة المجتمع مقوضاً الإدارة الإقطاعية، وكان له في ذلك فضل تاريخي، لأن الإدارة الإقطاعية كانت تغرق المجتمع في الظلام، والإدارة الرأسمالية أخرجت المجتمع إلى النور. لكن السؤال التاريخي هو: هل الإدارة الرأسمالية هي أهل للمهمة الاجتماعية، التي تتصدى لها، وهل هي نهاية المطاف. إدارة الرأسمالية للمجتمع هي مثل إدارة الرأسمالية للمصنع، التي تتبع المصلحة الخاصة للرأسمالي، وحسب آدم سميث، كما ورد أعلاه، هذه التبعية للمصلحة الخاصة تؤدي إلى المصلحة العامة فهل تبعية المصلحة الخاصة في إدارة الرأسمالية للمجتمع تؤدي إلى مصلحة المجتمع العامة؟ طبعاً لا. لقد أدت إلى الاستعمار وإلى الحروب. وإلى الاستعباد، والإفقار، وفي كل ذلك لا نعتقد أن ثمة مصلحة عامة للمجتمع. في أيام آدم سميث كان المصنع هو الأداة الرأسمالية، ولكن سرعان ما امتلكت الرأسمالية قطاعات أوسع بكثير، الخدمات وإنتاج المواد الأولية، وهذه التبعية للمصلحة الخاصة فيها لا تتطابق، أو لا تتطابق بالضرورة، مع مصلحة المجتمع. أيضاً كان المصنع يبنيه الرأسمالي في أيام سميث من ماله، فهو الذي يشتري الأدوات والمواد الأولية ويستأجر العمال ويتابع عملية الإنتاج من بدايتها حتى نهايتها. وتدريجياً تغير كل ذلك: أصبح الإنتاج الصناعي وغير الصناعي ذمة اجتماعية بفعل المنظومات الاعتمادية والبورصة. أي مالك الإنتاج الحقيقي هو المجتمع، والرأسمالي مجرد مستمتع بثمار ذلك الإنتاج. المجتمع يقدم للرأسمالي الإطار القانوني لنشاطاته. والجزء الأساسي من التمويل (عن طريق الاعتمادات والأسهم) والجزء الأساسي من تأهيل القوة العاملة، أي تأهيل العمال العاديين والفنيين على مختلف المستويات والعلماء..الخ، ولا تبقى من وظيفة للرأسمالي سوى أن يستمتع. إضافة إلى ذلك كان المصنع في أيام سميث أقرب إلى الحرفة المتطورة، وأصبح في مختلف القطاعات الاقتصادية مؤلفاً من احتكارات ضخمة تتسع نشاطاتها إلى القارات. الليبرالية الجديدة هي جديدة في أنها تطبق حرية النشاط للمصنع القديم في أيام آدم سميث على حرية النشاط للاحتكارات الدولية، وتطبق تبعية المصلحة الخاصة في إدارة المصنع على تبعية المصلحة ليس فقط في إدارة المجتمع فقط، وإنما أيضاً في إدارة العالم، فاليوم الرأسمالية الدولية تدير العالم. وبصرف النظر عن كل ذلك، فالليبرالية الجديدة في البلدان الفقيرة، أي في العالم الثالث عموماً، تختلف عنها في أيام آدم سميث، وعنها في البلدان المتطورة. الرأسمالية في مجتمع آدم سميث كانت مستقلة، أما في البلد الفقير اليوم، فهي ملحقة اقتصادياً بالرأسمالية الدولية، وكانت في مجتمع آدم سميث تقوم على الصناعة بالدرجة الأولى، والصناعة هي أداة تطوير وأداة إغناء للمجتمع، وفي البلد الفقير اليوم لا تشغل الصناعة سوى جانب هامشي من النشاط الرأسمالي، وحتى الصناعات الموجودة هي عموماً بمثابة تصريف تجاري لسلعة البلدان المتطورة، (تصريف لقطع التبديل، للمواد التركيبية..الخ). المصنع الحقيقي هو في البلد الرأسمالي المتطور، سواء وجدت فروعه، أو ما هو بمثابة فروعه في البلدان الثالثية، أو لم توجد. إضافة إلى ذلك. الرأسمال الصناعي غير متوفر في البلدان الفقيرة، إلا بحدود غير كافية، سواء كان المقصود به التمويل، أو الكادرات، أو البحث العلمي، أو مجالات التصريف. وإذا كان النشاط الرأسمالي الصناعي في البلد الفقير هامشياً، أو هامشياً نسبياً، فالنشاط الواقعي يصبح أمراً آخراً. الرأسمالية الضعيفة عموماً هي التي تتبوأ إدارة البلد الفقير، وسواء كان شكل الإدارة ديمقراطياً تقليدياً، أو فاشياً، أو ثيوقراطياً فإنها تدير المجتمع لمصلحتها، أو بشكل أدق، لمصلحتها المترابطة مع مصلحة الرأسمالية الدولية. هذا يعني أن سوق بلدها مفتوح لتصريف سلع تلك الرأسمالية ومنتجات بلدها الحرفية والزراعية وغيرها يذهب فائضها إلى تلك الرأسمالية، وأن نقد بلدها مرتبط بالعملات الصعبة الخارجية، وبوجه خاص بالدولار الأميركي، وثرواتها الطبيعية في يد الاحتكارات الدولية، وجميع اتفاقات البلد السياسية والاقتصادية مع الرأسمالية الدولية مجحفة: يستورد البلد بأغلى ما يمكن، ويصدر بأبخس ما يمكن، أما الاتفاقات السياسية، فهي اتفاقات تبعية. في طروحات آدم سميث نقطة صحيحة جداً هي أن الرأسمالي الصناعي ينطلق في نشاطه من مصلحته الخاصة، وهذه النقطة صحيحة بالنسبة لأي رأسمالي في نشاطاته السياسية والاقتصادية وإذا كان نشاط الرأسمال الصناعي ينعكس تطوراً أو غنى على المجتمع، فإن نشاط الرأسمالية الدولية ينعكس دماراً وحروباً وإفقار على العالم، ونشاط الرأسمالية الوطنية في البلد الفقير، أرادت أم لم ترد، ينعكس إفقاراً وتبعية لبلدها، وإفقاراً وتهميشاً لشعب بلدها. زيادة على ذلك، يدخل في النشاط الرأسمالي الوطني الاختلاس، أي الفساد بأوسع تجلياته: في الإدارة، في الاقتصاد في السياسية (السفراء كثيراً ما يخدمون بلداناً أخرى غير بلدهم، وكثيراً ما يتاجرون بالممنوعات، وبالأسرار وكثيراً ما يبتزون جاليات بلدهم، والمسؤولون السياسيون كثيراً ما يفعلون الأفاعيل في الخارج وفي الداخل.. الخ)، وفي الخدمات الاجتماعية، ويدخل أيضاً النشاط المحرم، نشاط العصابات، بل قد يرتفع نشاط العصابات لدرجة تصبح فيها هي المتسلمة لإدارة المجتمع. لذا كثيراً ما يجد المرء زعماء البلدان الفقيرة داخلين في العصابات الدولية (للمخدرات والجريمة وغير ذلك). وعندما يطبق البلد الفقير وصفات صندوق النقد الدولي، التي هي أقذر وصفات الليبرالية الجديدة، فإنه يحكم على شعبه ليس فقط بالفقر، وإنما أيضاً بالتشرد وبالتجهيل وبالجوع، مع تلك الوصفات القذرة لا يوجد ما هو محرم لدى سلطات البلد الإدارية. أيام الاستعمار القديم لم يكن المواطن آمناً لا في بيته ولا على بيته، ولا بقعة الأرض التي تحتويه، إذا كان ثمة شيء من ذلك، ولا على خصوصياته الحميمة جداً ولا على حياته، ونفس الشيء في ظل وصفات صندوق النقد الدولي، التي هي بمثابة عاصفة أوساخ تهب من لدن الإدارة الأميركية على العالم.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني