مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي والشعور بالإحباط لدى المؤتمرين
مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي والشعور بالإحباط لدى المؤتمرين
عقد في منتجع دافوس السويسري المنتدى الاقتصادي العالمي. ففي بداية كل عام يلتئم في هذا المنتجع كثير من الشخصيات السياسية المؤثرة ورؤساء الشركات الكبرى والمصرفيين ورجال الأعمال والمضاربين في سوق الأوراق المالية بغية مناقشة المشاكل الملحة لوجودهم المضطرب وحياتهم "غير السهلة"، ومعالجة شؤونهم الخاصة، وكذلك تحديد آفاق بقائهم شخصياً وبقاء الرأسمالية عموماً على حد سواء. وقد
كان منتدى هذا العام الأكثر تمثيلا: فقد جاء إلى دافوس 2500 من كبار المسؤولين الحكوميين وكبار رجال الأعمال من 96 بلدا، بما في ذلك 1400 شخص يتبوأ كل منهم منصب رئيس لمجلس الإدارة أو رئيس تنفيذي للشركة.
الاجتماع الحالي لأرباب وأساطين رأس المال في العالم جرى في ظل اعتى أزمة اقتصادية منذ الثلاثينيات. هذه الأزمة كان ثمة من يتوقع أنها لن تؤثر على اقتصاد البلدان النامية، وخاصة بلدان كالبرازيل وروسيا والهند والصين، وهي كانت قد أظهرت حسن أداء اقتصادي عام 2008 واعتُبر أنها لا تزال ضعيفة الاندماج في النظام الرأسمالي العالمي، غير أن هذا التوقع لم يتحقق – فالأزمة وصلت أيضا إليها.إن اقتصادات البلدان النامية تعتمد بشدة على الاستثمارات الأجنبية.
هذا فيما السوق العالمية اليوم تشهد انخفاضاً في مبيعات المنتجات، ولذلك لا يعجل المستثمرون في توظيف رساميلهم. وبدلا من ذلك، يحدث هروب لرؤوس الأموال من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة في محاولة لربح الوقت إلى حين الخروج من الأزمة. وصناديق الاستثمار خائفة من الاستثمار الطويل الأجل، على الرغم من الجاذبية التي تتسم بها أسعار الحصول على الأصول. أما رؤساء الحكومات ورؤساء الشركات الكبرى فيحاولون التنبؤ بالمستقبل، ووضع تدابير لمنع وقوع أزمات مماثلة لاحقاً.
ولذلك عقد المنتدى تحت شعار: "تشكيل العالم بعد انتهاء الأزمة".ولكن الأزمة لم تنته بعد، ولا تزال ثمة حاجة الى تجاوزها والعيش من بعدها. وقد عبر رؤساء أكبر الشركات العالمية عن خيبة أمل متزايدة من البيانات التي تظهر في عملهم وعن ثقة أقل بالمستقبل، وتوقعٍ لفترات طويلة من الركود.
ولذلك، فإن الكلمات التي ألقيت فى المنتدى وسَمتها سمة الإقرار بعورات في الرأسمالية من قبل "كبار جهابذة الاقتصاد". فعلى سبيل المثال، قال رجل الأعمال الكبير جورج سوروس إن إدارة أوباما ستواجه تحديات أكبر من تلك التحديات التي واجهها في حينه الرئيس روزفلت. ففي عام 1929 بلغ مجموع القروض غير المسددة نسبة 160 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بينما بلغت هذه النسبة 365 ٪ في فترة انهيار عام 2008. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الاستمرار في السير على هذا الدرب والاستمرار في زيادة الديون؟
ولا يملك المرء إلا أن يتساءل: من يا ترى سيعيد وكيف سيعيد مئات المليارات أو حتى التريليونات الجديدة من الدولارات التي توظف الآن على جناح السرعة لانتشال النظام المالي في الغرب من الغرق؟أما رجل الاعمال والبر والإحسان البريطاني ريتشارد برنسون Brenson فيعتقد أن الجانب السلبي في النظام الاقتصادي الرأسمالي هو تركّز قسم كبير من الثروة في أيدي عدد قليل نسبيا من الناس، وأن "ليس كل هؤلاء الأشخاص يستخدمون الأموال لخلق فرص عمل جديدة، وإمكانات جديدة".
ولذلك، يجب من أجل الخروج من الأزمة أن يكون أكثر التركيز على حل المشاكل الاجتماعية. كان يبدو للوهلة الأولى أن هذه فكرة جيدة، ولكنه اقترح... الاستثمار في مجال حماية البيئة.واعتبر الفائز بجائزة نوبل للسلام في عام 2006، صاحب فكرة القروض الصغيرة محمد يونس أن وسيلة الخروج من الأزمة تكون في تقاطع النهج التجاري والعمل الخيري...
لقد توقع المجتمع الدولي من الاجتماع الذي عقد في دافوس أفكاراً جديدة وحلولاً ملموسة من شأنها أن تساعد على الخروج بالاقتصاد الحديث من مستنقع الأزمة. ومع ذلك، فإن الكلام اقتصر في معظمه على استنتاج أن الأزمة لا تزال تلملم ضحاياها.إن النظام المالي للرأسمالية الحديثة هو في حالة دمار، ولكن كل المحاولات لابتكار شيء جديد لا تتعدى التنظير البائس والمبادرات العاجزة بدلا من اتخاذ إجراءات محددة وملموسة. فها هو السيد كلاوس شواب، مؤسس ومدير منتدى دافوس، يدعو في نهاية كلمته إلى تجديد كامل للنظام الاقتصادي العالمي، وأعلن "مبادرة عالمية لاعادة بناء القطاع المصرفي ونظام الضبط المالي وإدارة الشركات". ودعا رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الى "صياغة نظام جديد للرقابة المالية، مع التشديد على تحميل المسؤولية بصورة واضحة".وقالت فاليري دجاريت المستشارة الرئيسية للإدارة الامريكية الجديدة بقيادة الرئيس أوباما، انه "لا بد لنا من الدخول في عصر جديد من المسؤولية المالية العالمية".
والحق أن أياً من هذه المبادرات العاجزة والحسابات النظرية التي لا حيلة لها، ومبادرات البعض الآخر المقدمة بالروحية نفسها، لا يمكن أن تحل المشكلة الرئيسية للأزمة المعاصرة، مشكلة البطالة. ففي جميع البلدان - المتقدمة منها والنامية على السواء – يسأل الناس الآن: لماذا يجب أن يدفع العمال ثمن هذه الأزمة التي تولدها تناقضات الرأسمالية؟ وتتفجر الأوضاع الاجتماعية وتحدث اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق تارة في هذا البلد وتارة في ذاك. وإن هذا إلا نتيجة لوصول تناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي إلى أقصاها، ولعدم صلاحية السياسة التي تعتمدها طبقة أصحاب المصارف وأصحاب الرساميل.
نقلا عن صحيفة "الطبقة العاملة" - أوكرانيا