PCP

يا عمال العالم اتحدوا

السودان ولعبة الأمم

السودان ولعبة الأمم لطالما تحججت أمريكا بالشرعية وما إليه في حربها على العراق وأفغانستان. بل قد سلبوا لقمة عيش العراقيين وحاصروهم ثم غزوا العراق وقتلوا أكثر من مليونين من أبنائه وشردوا أربعة ملايين آخرين وحرقوا أخضره ويابسه. ولا أحد حاكمهم ولا استدعاهم، رغم أنهم الآن يعترفون جهارا بالجرم. وشارون أباد صبرا وشاتيلا لم يحاكمه أحد بينما يحاكم شعب لبنان بجريرة الحريري الذي نهب الشعب والدولة اللبنانية لسنوات عديدة. وقد سرق محمود عباس أموال شعبه وجمدها في مصارف إسرائيل لتستفيد من أرباحها وزاد فتآمر على إبادة غزة، وهو يجلس الآن معززا مصانا أمريكيا واسرائيليا حتى وبعد أن انتهت ولايته. وأولمرت حرق الأطفال بقنابل الفوسفور الأبيض جهارا نهارا، وكلينتون هدم معمل أدوية على عماله في السودان، ولم يُستدع أحد من هؤلاء لاستجواب، إذن حين الحديث عن محاكمة البشير فنحن لسنا أمام محكمة وقضاء، وإنما أمام عصا عبودية تستخدم حسب الرغبة والمصالح الامبريالية الاميركية والصهيونية ترفعها على الشعوب لتستعبدها. ولو انصاع السودان لاستدعاء المحكمة الدولية، فإن التهم ستكون مفبركة وجاهزة بشهودها وأدلتها وعقوباتها، خاصة و أن صاحب الاستدعاء لويس مورينو أوكامبو، الأرجنتيني الذي تربى في مؤسسات أميركية مثل بنك التنمية عبر أميركا والبنك الدولي قبل أن تضيفه هذه المؤسسات إلى رصيدها البشري في الأمم المتحدة، أي من الادوات الامبريالية الاكثر سفورا وابن المؤسسة الأشد إجراما في التاريخ الحديث. والهدف وضع دارفور تحت الحماية العسكرية، أي احتلالها، وهي التي تمثل ثلث السودان، بحجة أو دون حجة. وانضم الى خندق التآمر حسن الترابي الذي ناصر المحكمة وشمت بمصير وطنه، كيف لا فهو مرتد خائن وفي تاريخه دمغة سوداء لا تنسى فهو من قام بتسليم المناضل الاممي والنصير للقضية الفلسطينية كارلوس الى الاستخبارات الفرنسية وهاهو يستمر في مسيرة الغدر بإعلانه عن رغبته بتسليم ابن جلدته عمر البشير ضارباً بعرض الحائط بكل القيم العروبية والإسلامية التي يدعيها. ومن الواضح تماماً أن الحملة الأميركية – الأوروبية تستهدف التركيز على شخص البشير وتحاول الفصل بينه وبين السودان كدولة وحكومة على أمل أن تتكرر مع البشير خيانة حكومة صربيا لرئيسها السابق سلوبودان ميلوسويفتش عندما سلمته للمحاكمة تحت الضغط الاقتصادي الغربي لتظهر براءته بعد موته قهراً خلف قضبان المحكمة الدولية ولكن بعد خراب بلده وتفتتها . واستتبعت المذكرة الآن بنشاط محموم من قبل أمريكا وفرنسا وألمانيا لاستخدام مجلس الأمن الدولي في اتجاه الاستغلال السياسي للقرار السوداني بطرد ثلاث عشرة منظمة إنسانية غير حكومية أجنبية من السودان لاتهام الخرطوم لها بالتجسس لصالح محكمة الجنايات الدولية، أربعة منها في الأقل أميركية وواحدة (أطباء بلا حدود) أسسها وزير الخارجية الفرنسي الحالي برنار كوشنير صاحب نظرية التدخل العسكري الدولي لأسباب إنسانية في الدول الأخرى، وقد دخلت الأمم المتحدة نفسها بالمؤامرة المكشوفة على السودان فقد أعلن روبرت كولفيل المتحدث باسم المفوضة السامية لحقوق الإنسان أنه سوف يدرس ما إذا كان قرار الخرطوم يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية وربما أيضا "جريمة حرب" لأنه يعرض حياة مئات الآلاف من السودانيين للخطر، دون أن ينسى الإشارة إلى أن مواثيق جنيف تحرم تجويع الناس حتى الموت بمنع وصول الغذاء إليهم، علماً بأن هناك أكثر من مائة منظمة غيرها عاملة في السودان . من الواضح أن الهدف من هذه المؤامرة هو تقسيم السودان فهل مجرد مصادفة اندلاع التمرد في دارفور عام 2003 في تزامن مع إنهاء حرب أهلية استمرت إحدى وعشرين سنة في الجنوب باتفاق على استفتاء لاحق على الوحدة أو الانفصال، وقد حرص التحالف الغربي على التعتيم على العامل الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً واستخبارياً، لو لم يكشفه رئيس حركة تحرير السودان المتمرد عبد الواحد نور عندما طلب تدخلاً إسرائيلياً مباشراً لدعم التمرد بعد أن كان يهود فرنسا، حيث يقيم، قد رتبوا له لقاء مع رئيس الدائرة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية الميجر جنرال أموس جلعاد وليفتح مكتباً لحركته في تل أبيب، فإسرائيل لها مصلحة استراتيجية في أن يكون مآل الوضع في السودان مثلما آل إليه وضع العراق، وليس سراً أن المتمردين يسعون إلى توحيد أقاليم دارفور الثلاث في إقليم واحد له حكومة إقليمية وأن التحالف الغربي يسعى إلى وضع مماثل في جنوب السودان ثم في كردفان لينسحب الوضع نفسه بحكم الأمر الواقع على شمال السودان حيث تتم إقامة كيان رابع، فمثل هكذا تقسيم عرقي وطائفي هو الذي يمكنه فقط من جعل السودان لقمة سائغة للاحتكارات الغربية . وهنا تكمن تهمة البشير الحقيقة وهي رفضه فتح أبوابه على مصاريعها أمام الشركات الغربية العابرة للقارات، وهنا تكمن كذلك الأهداف الحقيقية للتحالف الغربي الذي لا يرى له حصة في ثروات أكبر دولة إفريقية حيث الصين هي المستثمر الرئيسي في النفط كما في التنمية السودانية وحيث روسيا هي المصدر الرئيسي لتسلح السودان شمالاً وجنوباً . وفي خضم دموع التماسيح الإعلامية الذي يذرفها التحالف الغربي على المعاناة الإنسانية السودانية حيث يصور الصراع مرة بأنه بين السودانيين العرب وبين السودانيين الأفارقة، ومرة بأنه بين السلطة المركزية المستبدة وبين الأقاليم النائية "المهمٌشة"، ومرة بأنه بين المعاناة الإنسانية للاجئين وبين جبروت الآلة العسكرية للدولة السودانية، إلخ، في خضم كل ذلك تضيع حقيقة أطماع التحالف الغربي في يورانيوم ونفط السودان وثرواته، خاصة و أن السودان يملك الأرض الخصبة ليكون سلة غذاء متكاملة للقارة السوداء، وأنه ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا جنوب الصحراء، وأن النفط يمثل (56%) من دخله السنوي، وأن جنوب دارفور غني باليورانيوم، حيث للصين أكبر امتياز نفطي، وتغيب أيضا حقيقة أن بقاء السودان خارج النفوذ الغربي يمثل خطراً على الاستراتيجية العسكرية لحلف شمال الأطلسي "ناتو" وللولايات المتحدة التي أنشأت للقارة قيادة "أفريكوم" الخاصة بها، مثل الخطر الذي كانت تمثله وحدة يوغوسلافيا على كليهما قبل أن يعيدا "بلقنتها" إلى دويلات متصارعة! زياد حداد (صوت الشعب السورية) العدد208


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني