PCP

يا عمال العالم اتحدوا

غزّة.. وضرورة تحقيق الاستقلال الثاني

غزّة.. وضرورة تحقيق الاستقلال الثاني حين كتبتُ في الأسبوع الماضي عن الاستقلال الثاني وضروراته قبيل بدء المحرقة الإسرائيلية الحالية ضدّ المدنيين في غزّة، لم يكن ليخطر لي ببال أنني بعد أيام فقط سأكتشف أنّ الموقف الرسمي العربي المتّسم بالعجز الشامل تجاه غزّة سيقدّم دليلاً آخر وتأكيداً إضافياً على ضرورة العمل من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي للإرادة العربية الآن واليوم وليس بعد غد أو بعد ساعات. إذ أنّ قيام عصابة مجرمي الحرب الحاكمة في إسرائيل من قتلة المدنيين بشنّ هذه المحرقة الجديدة ضدّ الشعب الفلسطيني الأعزل من أيّ آلة ردع، بما فيها الدعم الرسمي العربي، قد أظهرت للعيان نقاط الضعف القاتلة في النظام العربي سياسياً وعسكرياً ودولياً. ففي الوقت الذي تناثرت فيه أشلاء الأطفال العرب التي مزّقتها صواريخ ليفني وباراك هذه المرة، وفي الوقت الذي يعلم فيه الجميع أنّ كلّ انتخابات إسرائيلية تقوم على سفك المزيد من الدم الفلسطيني، وفي الوقت الذي نعرف فيه أنّه يجب أن يكون لكل من زعماء إسرائيل مجزرته الخاصة، وهذه هي مجزرة ليفني الأولى، لم يستطع وزراء الخارجية العرب أن يلتقوا، والعديد منهم عندما فعل ذلك كان على مضض، حتى اليوم الخامس من العدوان، وحتى حين اجتمعوا لم يكن لذلك أيّ أثر، فقد تخلّوا رسمياً عن عرب غزّة، وأحالوا المسألة إلى مجلس الأمن الذي تركها، بدعم بوش وأعوانه، للتشاور من أجل منح إسرائيل الوقت الكافي لذبح المزيد من العرب انتقاماً لضحايا الحادي عشر من أيلول، فيما كان الوزراء الأوروبيون قد اجتمعوا في اليوم الرابع للعدوان لأنهم صُدموا بحجم المجزرة. ولنفس الأسباب أيضاً فإن اللجنة الرباعية لم تدع إلى وقف فوري لإطلاق النار إلى اليوم الرابع من العدوان إذ ربما كانوا ينتظرون إيفاء إسرائيل بوعودها باقتلاع المقاومة في غزّة خلال ساعات. ولكنّ ما فرزه هذا العدوان أيضاً عربياً وإقليمياً ودولياً هو حجم التعاطف الإنساني من الشعوب مع المدنيين في غزّه وحقهم في الحرية والكرامة، فقد خرجت شعوب الأرض إلى الشوارع في معظم مدن وعواصم العالم تطلق صيحتها دعماً للأبرياء الذين يذبحون وهم مهجّرون منذ ستين عاماً، ومحاصرون منذ تسع سنوات ضمن سجن إسرائيلي سُدَّت كلّ بواباته بأياد إسرائيلية وضغوط دولية، وفيما أخذ الرئيس بوش وبعض الأوروبيين من دعاة الديمقراطية والتحضّر يعبّرون جهاراً عن استرخاصهم للدم العربي، ويعلنون دعمهم لصواريخ العدوان الإسرائيلي، فيما هم يزعقون ضدّ صواريخ حماس الدفاعية. ما أشبه الأمس باليوم، إذ أتذكر حين التقتني مراسلة البي بي سي بعد أسبوع من عدوان إسرائيل على لبنان في 12 تموز 2006، سألتني «كيف ستبدو المنطقة بعد حزب الله» إذ أنّ المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين رفضوا وقف قصف المدنيين العرب في بيروت والجنوب لأكثر من شهر على أمل إنهاء حزب الله، قلت لها «هم لا يعلمون عمّ يتحدثون، فلن تستطيع كلّ الهمجية الإسرائيلية اقتلاع الشعب اللبناني من الجنوب». واليوم تفتك آلة القتل الإسرائيلية بالمنازل المأهولة، وبالمدارس، وبالمساجد، والمداجن، والمزارع، والمعامل، والجامعات، وحتى المشافي وسيارات الإسعاف، تماماً كما فعلت في قانا، والضاحية، والجنوب، وتبيد الأسرة تلو الأسرة، والأطفال تلو الأطفال، والنساء تلو النساء آملةً في اجتثاث روح المقاومة من نفوس الشعب العربي المحاصر في غزّة، ولكن كلّ ما تفعله هو إقناع الملايين من شباب العرب وأطفالهم بأنّ نظام إسرائيل هو نظام إرهاب الدولة الصهيونية، تقوم سياسته على السفك الجبان للدماء العربية، وتقوم انتخاباته دائماً وأبداً على ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين، وتقوم قوة الردع لدى جيشها على القصف الجبان للمدن العزلاء. ولكن ما هي الدروس التي يجب أن نتعلمها من هذه المحرقة الجديدة كي لا تتكرر أبداً في أيّ بقعة عربية أخرى، خاصّة بعد أن اتضح الأمر بأن آليات العمل العربية الرسمية غير صالحة لمواجهة تحديات اليوم والمستقبل، وبشكل يعتبر بعض العرب أنّ العدوّ هو الصديق وأنّ الشقيق هو العدوّ، فتراهم رحماء مع بوش وليفني وغيرهم من القتلة الذين تلطّخت أياديهم بالدم العربي، ويلتقونهم وأشلاء أطفال غزّة والفلوجة وقانا ما تزال تتدلى من أنيابهم المتوحّشة، وتراهم بالمقابل أشدّاء على أشقائهم من العرب المسلمين فيقاطعونهم، ويحاصرونهم، ويغمضون عيونهم، ويسدّون آذانهم، ويخرسون ألسنتهم، ويميتون قلوبهم عندما يناديهم الواجب تجاه مأساة أشقائهم. بل إنّ المسؤولين الإسرائيليين ما برحوا يشيدون «بالتفهّم العربي الذي مكّنهم من شنّ هذا العدوان على عرب غزّة». أما العرب فقد فهموا الرسالة بأنّ حكام إسرائيل هم عصابة من القتلة يتنافسون على ارتكاب أبشع المجازر ليفاخروا بها أمام أقرانهم ولتسجّل في تاريخهم السياسي أنهم القتلة الأفضل للعرب، مستفيدين من انهيار النظام العربي، وعجز آليات عمله عن مواكبة التحديات الهائلة التي تواجه العرب، فيما العدوّ يغزو لبنان ثم العراق، ويدمّر الصومال، ويهدد السودان، ويعتدي على سورية، ويرتكب محرقة في غزّة وجرائم يومية ضدّ كلّ العرب هناك، ويتوعّد الحكام بمصير صدام إذا ما تداعوا لنصرة أشقائهم. إنّ الدرس الأول من محرقة غزّة يجب أن ينبع من حقيقة أنّ ما تفعله إسرائيل اليوم بالمدنيين العرب في غزّة يمكن أن تفعله بأيّ حيّ من أحياء المدن العربية، وفي أيّ دولة أخرى، وبأيّ ذريعة تختلقها، وأنّ الأسلحة التي يدفع البعض ثمنها وعمولاتها بالمليارات لن تردع إسرائيل من ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين العرب إذا لم تستخدم، ولذلك يجب التفكير بالإعداد لنظام عربي يعتمد مبدأ أساسياً يتمثّل بواجب ردع العدوّ عن ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين العرب، هذا المبدأ الأساسي يعني ضرورة امتلاك كلّ أنواع الأسلحة التي تمنع حكام إسرائيل من التفكير بضرب المدن العربية. فلو كان أهل غزّة يملكون كلّ أنواع السلاح الذي يمكّنهم من إنزال خسائر هائلة مماثلة بالإسرائيليين أنفسهم لما تجرّأ حكام إسرائيل على ذبحهم بهذه الوحشية السافرة. ولذلك يجب الكفّ بعد اليوم عن الحديث عن نزع سلاح المقاومة، بل يجب التفكير بتعزيز سلاح المقاومة الذي هو قوة الرّدع الوحيدة حالياً في وجه الاستباحة الإسرائيلية لكرامة العرب، وسلامة أوطانهم، ولحياة أطفالهم ونسائهم وشيوخهم. كما يجب التوقف بعد اليوم عن الحديث عن مجلس الأمن والأسرة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، فماذا فعلوا هؤلاء لحماية أطفال غزّة الذين تدفنهم صواريخ ليفني أحياء تحت أنقاض منازلهم وهم نيام؟ هل تمكّن مجلس الأمن من اتخاذ قرار لوقف محرقة تقع أمام أعين العالم «المتحضّر الديمقراطي» ضدّ سكان مدنيين عُزّل يقعون تحت احتلال غاشم؟ هذا يعني أنه من واجب العرب الوطني تجاه أنفسهم وشعوبهم أن يمتلكوا وسائل الردع التي تحمي حياة أطفالهم وسلامة أوطانهم، كما يجب أن يتوقف البعض عن اتهام هذا الفصيل أو ذاك بامتلاك السلاح بينما يستخدم عدوّنا كلّ أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ضدّ المدنيين العرب بمباركة دعاة الديمقراطية الغربية، بوش وبراون وأعوانهم، للفتك بأهلنا من المدنيين العُزّل الذين يبغون العيش بأمان وسلام على أرضهم. يجب أن يكون لدى كلّ الدول العربية أسلحة تدمّر ليس طائرات الموت الإسرائيلية وحسب، بل والمطارات التي تنطلق منها. ويجب أن نؤسس جيوشاً عربيةً قادرةً ليس على الاستعراض، بل الحرب على مبدأ العين بالعين، والمدينة بالمدينة، لكي نردع هؤلاء السفاحين المزوّدين بالسلاح والدعم الديمقراطي الغربي. ويجب أن نؤسس مؤسسات قادرة على جلب قتلة أطفالنا إلى المحاكم لكي ينالوا الحساب فنردع غيرهم من السفاحين «الديمقراطيين المتحضّرين» المتعطّشين لدماء العرب. هذه هي الدروس المهمة من هذه المجزرة المتواصلة منذ ستين عاماً ضدّ شعب فلسطين، وهذه هي خطة العمل لكلّ أحرار العرب، وعلينا جميعاً أن نعمل كي لا يقع أطفالنا مرةً أخرى تحت أنقاض منازلنا ضحيةً لشهية القتل الإسرائيلية أو لتحقيق رغبة رئيس أمريكي بالنصر في حرب خارجية. إنّ صمود أهلنا الصابرين في غزّة مقابل انهيار النظام الرسمي العربي، سيسرع دون شكّ باستبدال آليات العمل الرسمية المشلولة حالياً، وإرساء الأسس لآليات عمل فعالة جديدة تعبّر عن ضمير الأمة وتحفظ لها كرامتها وتدافع عن حياة أطفالها وأهلها، وتنتصر للمقاومة إلى حين دحر الاحتلال وبناء القوة الدفاعية الرادعة للعدوان، وذلك من أجل تحقيق حلم الخلاص من الوحشية الصهيونية، وحلم الخلاص من مجازرها المتواصلة، وحلم العيش بحرية وبكرامة على أرضنا. بثينة شعبان (الشرق الأوسط)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني