مصر: طرد الفلاحين من أراضيهم ... أهلاً بالإقطاع
مصر: طرد الفلاحين من أراضيهم ... أهلاً بالإقطاع
لا يمكن لمن شاهد فيلم الأرض أن ينسى اللقطة الختامية لـ «محمد أبو سويلم» وهو مكبل بالحبال والخيل تجره على الأرض وهو يحاول التشبث بترابها، ليفتح الباب على مصراعيه أمام حقيقة مفادها أن الأرض هي حياة الفلاح.
ما يحدث حالياً للفلاحين المصريين في مختلف القرى المصرية وطردهم من أراضيهم التي يزرعونها منذ أكثر من خمسين عاماً أعاد للأذهان مشاهد فيلم «الأرض» وتجسيد لتحكم الإقطاعيين في مقدرات الفلاحين في مصر وهو ما جرى مؤخراً مع فلاحي قرية سراندو والبارودي بمحافظة الجيزة وبهوت بمحافظة القليوبية وفلاحي سوهاج وغيرهم، مثالاً واضحاً لعودة الباشاوات الجدد والإقطاعيين القدامى وتأكيداً لدور الدولة الداعم لورثة كبار ملاك الأراضي السابقين وعصابات السطو المنظمة على الأراضي المتمثل في شن غزوات شبه يومية على القرى وأطراف المدن بدعوى تنفيذ قرارات إدارية بمبررات واهية وأحكام قضائية تستند في معظمها إلى وثائق ومستندات مزورة لطرد الفلاحين من أراضيهم ومساكنهم.
وللأسف .. يتم ذلك في كل أنواع الأراضي، سواء أراضي الإصلاح الزراعي أو الأراضي التي باعتها الدولة للفلاحين أو التي يستثمرها زارعها استناداً إلى عقود رسمية مسجلة ومشهرة.
وفي لقاء مع الفلاحة صبرية الجيزاوي من فلاحات سراندو والتي أكدت أنها تعرضت للضرب المبرح والبهدلة من قبل قوات الشرطة التي اختطفتها من بيتها في منتصف الليل إلى قسم الشرطة لإجبارها مع عائلتها على ترك أرضها التي تعبت في استصلاحها وزراعتها، وتقول أنه في البداية كانت ترتعد خوفاً أما الآن فإنها تشعر بالقوة ولن تترك أرضها مهما كانت التضحيات.
أما المواطنة كوكب عبد المنعم من سراندو فتقول: تعرضنا للإهانة ولكن الحمد لله أخذنا البراءة مرتين وكان ذلك انتصاراً عظيماً للفلاحين البسطاء على الكبار الذين تدعمهم الحكومة، وأشارت أنها فقدت في هذه الأزمة أخاها الذي يقبع خلف الأسوار لمدة سبع سنوات وتسعى هيئة دفاع القرية إلى تبرئة ساحتهم.
وأشار محروس آدم من قرية بهوت إلى أن القرية تواجه تجربة إقطاع جديدة، حيث امتلكنا الأرض منذ عام /1962/ ولكننا فوجئنا بعائلة البارودي تريد أن تسلبها منا مرة أخرى هذه الأيام، ولكننا لن نتخلى عن أرضنا مهما يحدث.
وقال الشيخ سيد مقاوي من قرية محرم بالرحمانية بالجيزة أن القرية استصلحت /23/ فدان وقامت بزراعتها منذ عام /1955/ مشيراً إلى أن أحد الباشاوات جاء إلى القرية ومعه الشرطة واعتدى على الأهالي بالضرب وأهانهم وهددهم بتلفيق قضايا سلاح ومخدرات لهم إذ لم يتركوا الأرض.
وأوضح أنه زرع الأرض مع أبيه وترك التعيين بالشهادة للعمل في الأرض. ووصف ما حدث بأن فرعون وجنوده ما زالوا موجودين في مصر.
ويؤكد الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أن ما يحدث مع الفلاحين من طرد وعنف هو امتداد لتعامل الدولة مع باقي الشرائح الاجتماعية الأخرى ولكنها تتعامل معهم بقسوة أكثر من تعاملها مع العمال والموظفين على سبيل المثال.
وحول ربط ما يحدث بعودة الإقطاع القديم يقول الدكتور شوبكي: إننا لا نستطيع أن نقول إن هناك عودة للإقطاع كما في السابق ولكن نؤكد أن هناك عودة للمحتكرين وقوة الرأسمال في الدولة.
وهذا يدل على انحياز حكومي سافر ضد الفقراء لصالح الأغنياء ولسيطرة رجال الأعمال على الحكومة والحزب الوطني نتج عنه مثل هذه السياسات العنيفة ضد الفلاحين.
ولكن العلامة المميزة لهذه الأزمة هي أن الفلاحين لم يستسلموا لهذا الوضع المأساوي وطالبوا بحقوقهم وهذه علامة جيدة على صحوة الشعب المصري.
وأشار المهندس يحيى حسين رئيس حركة «لا لبيع مصر» أن منظومة الحكومة الحالية في التعامل مع الفلاحين بهذه القسوة والعنف ابلغ تعبير عن الحكم الحالي الذي يعتبر حكماً لرجال الأعمال ولا يعبر إلا عن مصالحهم.
وأكد أن التعامل بات فجأة وغير مستتر لكون التعامل التنفيذي في الوطن بات يعتمد على التنكيل كمنهج في التعامل مع المجتمع مشيراً إلى أن ذلك يتضح من سياق التعامل الأمني العنيف وتدخل الحاكم العسكري بنفسه لطلب إعادة محكمة فلاحي سراندو أمام محكمة غير طبيعية.
ويشير المراقبون أن هناك حملة هادفة لنهب أراضي الفلاحين وطردهم منها وإدخالها في سوق المضاربات العقارية لصالح أسياد المال الجدد، وهذا سيفجر أزمات جديدة داخل المجتمع المصري.
حسين متولى (صوت الشعب)