تقرير إلغاء الحالة العسكرية المفروضة على مخيم نهر البارد وأنسنة الإجراءات الأمنية كفيل بنزع فتيل الأزمة
أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تقريراً حول الأحداث التي جرت في مخيم نهر البارد مساء يوم الجمعة 15/6/2012، التي سقط على إثرها شهيد وخمسة جرحى من أبناء المخيم، وعدد من الجرحى للجيش اللبناني. وبحسب ما جمعته "شاهد" من بيانات ومعلومات فإن هذه الأحداث كان من الممكن تجنبها لو تم مراعاة قواعد الضرورة العسكرية، كما أن هذه الأحداث يمكن أن تتكرر مرة ثانية في غير مخيم من مخيمات اللجوء في لبنان، إن لم يتم أنسنة الإجراءات الأمنية ورفع الحالة العسكرية عن مخيم نهر البارد.
إفادة شهود عيان:
مساء يوم الجمعة 15/6/2012، عند الساعة السادسة والربع تقريباً، حاولت عناصر من الجيش اللبناني خلال دورية داخل المخيم توقيف شخصاً فلسطينياً من "آل الوحش"، كان يقود دراجة من دون أوراق قانونية حسب ما أفاد الجيش اللبناني في بيانه في 15/6/2012. وعند وصول عناصر من الجيش إلى بيت صاحب الدراجة النارية، حصل تلاسن ثم تدافُع مع عناصر من الجيش، وقعت على إثره إمرأة فلسطينية على الأرض، تطوّر الأمر حين انهال عناصر من الجيش على صاحب الدراجة بالضرب بحسب إفادات شهود عيان. تجمهر عشرات من سكان المخيم محاولين منع الجيش اللبناني من احتجازه. عندها رمى الشبان الفلسطينيون المتجمهرون عناصر الجيش بالحجارة، فردَّ الجيش بإطلاق النار تارةً في الهواء وتارةً أخرى باتجاه الشبان، مما أدى إلى سقوط ضحية يدعى "أحمد عادل أنيس قاسم"، 17 عاماً أصيب إصابة قاتلة في الرأس، وخمسة جرحى آخرين.
وبحسب مندوبنا في الشمال فإن أسماء الجرحى الذين نقلوا إلى مستشفى صفد في مخيم البداوي هم:
1. ناصر خالد قمر/ إصابة بالغة باليد، أدَّت إلى بتر كفه الأيسر.
2. أحمد عادل غنومي / إصابة بالصدر، وصفت بالمتوسطة.
3. نادر محمد راشد/ إصابة في الرأس، وصفت ما بين المتوسطة والطفيفة.
4. صهيب عثمان حسن/ إصابة في الفخذ.
5. عصام وليد عبدالعال/ إصابة في القدمين.
واعتقل الجيش اللبناني عدداً من شبان المخيم، ما لبث أن أطلق سراحهم في وقت لاحق.
وعلى إثر هذا التوتر، أفاد الكثير من سكان المخيم أن الاتصالات الهاتفية قد قطعت عن منطقة نهر البارد.
رواية الجيش اللبناني:
صدر على إثر هذا الحادث بيانين عن الجيش اللبناني في 15/6/2012 و 16/6/2012، البيان الأول يشرح فيه باختصار ما جرى على أنه محاولة توقيف شخص لقيادته دراجة نارية من دون أوراق قانونية، ومن ثم إقدام شبان فلسطينيين على رشق عناصر الجيش بالحجارة وقطع الطرقات المؤدية إلى المخيم، ولدى محاولة دورية للجيش فتح الطرق، تم التصدي لها من قبل بعض المندسين، مما أدى إلى إصابات. أما البيان الثاني فيتحدث فيه عن لقاء مع مدير المخابرات العميد الركن أدمون فاضل بحضور عدد من الضباط مع ممثلين عن الفصائل الفلسطينية. أسف فيه قائد الجيش العماد جان قهوجي على لسان العميد الركن فاضل لسقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين والعسكرين اللبنانيين، ووعد بكشف ملابسات الحادث من خلال تحقيق سريع لتحديد المسؤوليات، وتجنب تكرار ما حصل. كما عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً طارئاً في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت. صدر عن اجتماع الفصائل في 16/6/2012 بياناً أسف فيه المجتمعون بأحداث نهر البارد، وأكدوا فيه على حرص الشعب الفلسطيني على السلم الأهلي في لبنان. وأدان المجتمعون إطلاق النار على السكان المدنيين في المخيم وطالبوا قيادة الجيش بتشكيل لجنة تحقيق في الحادث، ورفع الحالة العسكرية المفروضة على المخيم.
إزاء هذه التطورات، فإن المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) سجَّلت الملاحظات التالية:
• إن حالة الضغط والحصار الأمني حول المخيم المفروضة منذ أكثر من خمس سنوات، إثر الاشتبكات بين عناصر من تنظيم فتح الإسلام والجيش اللبناني في 20/5/2007، توفّر أرض خصبة لاندلاع التوتر والعنف، وهو ما تؤكده ردة الفعل الغاضبة من قبل سكان المخيم. علماً أن سكان المخيم كانوا قد غادروا المخيم خلال الأيام الأولى للمعارك، وبقيت المعركة فقط بين الجيش اللبناني وعناصر تنظيم فتح الإسلام.
• كان من المفترض أن يستخدم عناصر الجيش اللبناني وسائل سلمية لتفريق المتظاهرين (خراطيم مياه، قنابل مسيلة للدموع، قنابل صوتية...)، وإن كان ثمَّة ضرورة عسكرية لاستخدام القوة، فيجب أن تكون متدرجة، وألا يكون إطلاق النار عشوائي، وأن تكون محدودة بمقدار الضرورة العسكرية.
• إن الحادثة التي حصلت مساء يوم الجمعة 15/06/2012، ليست إلا الشرارة التي جعلت الأوضاع متوترة، بسبب تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين عامةً، وسكان مخيم نهر البارد خاصةً، الذي يخضع لحالة أمنية متواصلة، والتأخر في الإعمار (إنجاز رزمتين من أصل سبعة رزم لغاية الآن)، وغيرها من الأسباب الضاغطة هي التي توفر الأرضية للتوتر والعنف. وإن تجاهل هذه الأسباب الجوهرية والاكتفاء بشكلية ما حدث فقط مسألة تُجانب الصواب.
• إن الحالة العسكرية تشكّل العائق الأكبر في طريق سكان المخيم الطبيعية. وبموجب الحالة العسكرية يُفرض نظام التصاريح، وتتأخر عملية الإعمار، وتتعثر مسيرة الاقتصاد في المخيم.
• إن الضغط المتواصل الذي يتعرض له سكان المخيم يولّد لديهم حالة من الغضب واليأس من الوعود المتواصلة بتحسين أوضاعهم وإلغاء الحالة العسكرية والإعمار.
• إن دعوات التظاهر والاحتجاج والتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشير بوضوح إلى حجم الهوة بين ما يطلبه سكان المخيم وما هو حاصل فعلياً في المخيم .
توصيات:
1. ضرورة إجراء تحقيق عاجل وسريع لمعرفة ملابسات الحادث، وإحالة مطلقي النار على السكان المدنيين إلى القضاء العسكري.
2. أن تتخذ الحكومة اللبنانية قراراً واضحاً بأسرع وقت ممكن، يقضي بضرورة إلغاء الحالة العسكرية المفروضة على المخيم منذ أكثر من خمس سنوات، بعد زوال أسباب هذه الحالة.
3. أن تتخذ الدولة اللبنانية عبر مؤسساتها المختلفة (التشريعية، والتنفيذية والقضائية) قرارات سريعة تحسن أوضاع اللاجئين لا سيما السماح لهم بالتملك والعمل.
4. إن إهمال حقوق الإنسان وتأجيل البحث فيها تحت أي حجة كانت هو الذي يؤجج التوتر والاضطراب. إن الإجراءات الجزئية هنا وهناك لا تعالج جوهر المشكلة وإنما تؤخر التوترات إلى أجل غير معلوم. لذلك لا بدَّ من التزام الدولة اللبنانية بكافة النصوص الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
بيروت في 18/6/2012
المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)