تأملات الرفيق فيدل.. لقد تحول بوش إلى شبح
تأملات الرفيق فيدل..
لقد تحول بوش إلى شبح
قبل ثلاثة أيام، في يوم الجمعة 10 تشرين الأول، رجف العالم تحت تأثير الأزمة المالية في وول ستريت. ومن الصعب إحصاء ملايين الأوراق النقدية، التي ضخها النظام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي ــ المعرب) في المجال المالي العالمي، من أجل أن تستمر البنوك في نشاطها ولكي لا يخسر المودعون أموالهم.
وفعلاً من الصعب المتابعة بدقة وفهم تلك المبالغ غير المعقولة للنقود الجديدة التي يجري ضخها في الاقتصاد العالمي. فإن هذه الجرعات الكبيرة للنقد الورقي تؤدي بشكل حتمي إلى فقدانها لقيمتها ولقدرتها الشرائية.
إن ارتفاع الأسعار حتمي في المجتمعات الاستهلاكية ومهلك للدول النامية.
وفي حال توقف المستورد الأكبر في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) عن الاستيراد سيوجه بذلك ضربة إلى الدول الأخرى.
وتقلد البنوك الكبرى للدول المتطورة بنوك الولايات المتحدة وتحاول أن تنسق معها أفعالها. فإذا أعلنت البنوك الأمريكية عن إفلاسها، الشيء نفسه يحدث مع بنوك تلك البلدان، وأنهم يلتهمون بعضهم بعضاً.
إن الجينات الضريبية تزدهر، والشعوب تتكبد الشقاء. وهل هذا هو الأسلوب لتأمين ازدهار البشرية؟
وفي لقاء وزراء المالية لمجموعة السبعة تقرر اتخاذ الإجراءات التالية:
ــ اتخاذ إجراءات حازمة واستعمال كل الوسائل المتاحة من أجل دعم المؤسسات المالية المهمة للنظام والحؤول دون إفلاسها.
ــ القيام بكل الخطوات الضرورية من أجل فك جمود أسواق التسليف والعملات وتأمين للبنوك وللمؤسسات المالية الأخرى للوصول المضمون إلى السيولة وإلى الصناديق.
ــ ضمان إمكانية حصول البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة الأخرى على الرأسمال من المصادر العائدة للدولة وكذلك المصادر الخاصة وبكميات كافية، من أجل إعادة الاعتبار لها ومساعدتها على استمرارها بتقديم القروض للبزنس (مجال الأعمال).
ــ تأمين قوة وصلابة المنظومات الوطنية للتأمين على الودائع المصرفية وبرنامج الضمانات من أجل أن يبقى المودعون الأفراد يثقون في سلامة إيداعاتهم المصرفية.
ــ العمل عندما تسمح الظروف بذلك من أجل إعادة نشاط أسواق الرهن العقاري الثانوية.
وفي اليوم نفسه أعلن وزير مالية الولايات المتحدة الأمريكية أن حكومته ستقوم بشراء أسهم البنوك منضمة بذلك إلى المبادرة البريطانية. والحكومة الأمريكية كما الحكومة البريطانية بينت أنهما سيحصلان على ذلك النوع من الأسهم الذي يسمح بالحصول على العائدات ولكنه لا يعطي حق التصويت.
ولم يرَ الرئيس بوش مناسباً حضوره لهذا اللقاء لوزراء المالية. فقد كان مقرراً أن يجتمع معهم يوم السبت. فأين كان هو يوم الجمعة في 10 تشرين الأول؟ إنه كان في ميامي لا أكثر ولا أقل، إذ حضر نشاطاً مكرساً لحملة التبرعات للمرشحين الجمهوريين في فلوريدا. إن هذا الشخص الذي حصل على 24% فقط من أصوات الناخبين، كان رئيساً للدولة، الذي نال أقل التأييد من الجمهور خلال كل تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك العديد من أنصاره السابقين ينتقدون سياسته الحالية، سياسة ذلك الشخص الذي وصل بشكل احتيالي إلى سدة الرئاسة، بعدما حصل على عدد أقل من الأصوات من منافسه، وذلك بسبب تأثير ولاية فلوريدا أثناء إحصاء الأصوات، علماً أنه حتى هناك لم يكن له أكثرية.
يوم الأحد في 12 تشرين الأول اتخذ الاتحاد الأوروبي برئاسة فرنسا قراراً بالتوجه بطلب إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتنظيم قمة من أجل «إعادة بناء النظام المالي العالمي». هذا ما أعلنه الرئيس نيكولا ساركوزي بعد لقاء بلدان الاتحاد الأوروبي في باريس.
وقد أشار ساركوزي أن أوروبا يجب أن توحد جهودها مع الولايات المتحدة والدول الاقتصادية الكبرى الأخرى، من أجل الهجوم على الأسباب الجذرية للأزمة المالية التي اجتاحت أسواق البورصة. إذ قال ساركوزي: «علينا أن نقنع أصدقاءنا الأمريكان بضرورة عقد قمة عالمية، من أجل إعادة بناء النظام المالي العالمي».
اليوم يدخل رئيس الولايات المتحدة بوش في آخر مئة يوم من عهده، الملطخ بالحجم المائل لعدم شعبيته وبإحدى أكبر الأزمات الاقتصادية خلال العقود الأخيرة.
ومن جهته انتقد غيدوما نتيغا وزير المالية البرازيلي صندوق النقد الدولي، كونه كان يقدم الدول المتطورة كنموذج يجب احتذائه، قائلاً أنه في الإصلاح القادم للنظام المالي يجب أن لا تحصل نماذج تلك البلدان على الأولوية.
إذ صرح مانتيغا في اجتماع اللجنة الدولية للنقد والمال، وهي الهيئة الإدارية الأساسية لصندوق النقد الدولي، قائلاً: «إن العالم ينظر بشك إلى الأزمة الحالية، التي بينت نقاط الضعف والأخطاء الجدية في سياسة تلك البلدان، التي كانت تـُعتبر نموذجاً، تلك البلدان التي كان يضرب المثل بها كنماذج للإدارة الجيدة».
الاقتصاد العالمي محطم إلى أشلاء، وبذلك رئيس الولايات المتحدة، الذي وصل إلى منصبه بطريقة غير شريفة وغير مسؤولة، وضع في موضع صعب حلفاءه في حلف شمال الأطلسي واليابان ــ ذلك الشريك الأكثر تطوراً وثراء للولايات المتحدة من الناحية العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية في منطقة المحيط الهادي.
هناك اليوم غليان في ميامي وتحول بوش إلى شبح.
ولم تشهد البورصات هبوطاً جديداً، لأنه لم يبقَ مجالاً لأي هبوط. اليوم تنفست البورصات الصعداء بعدما حصلت على جرعات مالية هائلة التي جرى نفخها بشكل مصطنع على حساب المستقبل. ولكن العبث لا يمكن أن يستمر. نظام بريتون دودز يحتضر. وسوف لن يكون العالم، كما كان عليه سابقاً.
13 تشرين الأول 2008
فيدل كاسترو