PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أطول عملية انتحار في التاريخ

أطول عملية انتحار في التاريخ مالك التريكي قبل أسبوع قال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو في عموده الذي يواظب على كتابته في جريدة الحزب الشيوعي 'غرانما' إن الأزمة المالية التي تعصف بالعالم كانت متوقعة، ولكنه لم يخض في التفاصيل. كما أن مدير صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس كان أعلن مؤنِّبا: 'لم يرد أحد الإصغاء إلي'. وإذا كان الصحافي والكاتب الفرنسي الكبير جان دانيال محقا في اندهاشه لكثرة من قالوا له إن الأزمة المالية الحالية لم تفاجئهم لأنهم كانوا قد تنبأوا بوقوعها، فإن من المناسب التذكير بأن المسألة ما كانت تستحق ادعاء النبوءة، ولا هي الآن تستحق ادعاء 'الحكمة بأثر رجعي'. ذلك أن الفكر النقدي المستنير بالقيم المعرفية المنفتحة والقيم السياسية التكافلية، من جنس ما تظل مجلة 'لوموند ديبلوماتيك' مثالا نادرا عليه، قد كان هو سلاح الإنسانية، طيلة ثلاثة عقود، ضد ضلالات ما أطلقت عليه المجلة اسم 'الفكر الأوحد' الذي كان له سلطان مطلق لا يقبل معه أي مساءلة لمسعاه إلى تسخير البشر بأجمعهم عبيدا لصنم الرأسمالية في صيغتها الليبرالية المُحدَثة (النيوليبرالية) المتوحشة التي دشنها عهد تاتشر وريغان. ولهذا فإن من الطبيعي أن تثبت الأحداث الآن صحة آراء الذين كانت لديهم مواقف نقدية من النيوليبرالية وما انطوت عليه من علل شتى ليس أقلها استلاب الاقتصاد الفعلي لصالح المال الافتراضي. ومن هؤلاء الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني مايكل فوت، الذي يتجاوز الآن الخامسة والتسعين من العمر. فقد قال فوت في العاشر من هذا الشهر إن الأزمة المالية الحالية أثبتت صحة الموقف الذي كان أعلنه حزب العمال في بيانه الانتخابي عام 1983 عندما دعا إلى تحكم الدولة بدرجة أكبر في الاقتصاد وإلى إشرافها المباشر، عبر البنك المركزي، على الإقراض المصرفي. إلا أن البيان الانتخابي العمالي قد عُد آنذاك منافيا لروح العصر بل مثيرا للشفقة إلى درجة أنه وُصف، تهكما، بأنه 'أطول رسالة انتحار في التاريخ'. وقال فوت لجريدة 'الغارديان': 'إن الرأسمالية لا [يمكن أن] تسير بنجاح إلى الأبد'. وأعرب عن الأمل في أن يقرأ رئيس الوزراء غوردون براون ومن معه الأفكار التي كان حزب العمال طرحها أوائل الثمانينات لأن 'كثيرا منها يثبت صحة رأينا في هذا الشأن'. أما المستثمر والمنظّر الشهير جورج سوروس فإن لديه مواقف نقدية جريئة في مجال الاقتصاد السياسي لم تكن تخلو من بعض التكهنات الصائبة. هذا رغم أن سوروس يعتقد أن التكهن بالأحداث الاقتصادية شبه مستحيل، بل إنه يضيف إلى الأسباب الكلاسيكية التي تجعل الأحداث الاقتصادية ممتنعة على المحدِّدات، ناهيك عن الحتميات، سببا آخر يتصل بنظريته 'الانعكاسية'. وتقول هذه النظرية التي تتعلق بطريقة سير الأسواق المالية، والتي كان أعلنها عام 1987 في كتابه الأول 'الخيمياء المال'، إن التحركات الكبرى في الأسواق، مثل الارتفاع الحاد حتى أسابيع قليلة في أسعار الطاقة والسلع الأخرى، تميل أحيانا إلى الانفصال عن بقية العوامل بحيث تصبح كأن لها كيانا مستقلا بذاته، فتوقع بالمستثمرين في شرَك الأوهام وتحدث عدم استقرار يصيب النظام الاقتصادي في الأساس. وقد عاد سوروس أخيرا لإعمال نظريته هذه في أزمة الائتمان التي بدأت في صيف 2007 بفعل اندلاع أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وذلك في كتاب بعنوان 'النموذج النظري الجديد للأسواق المالية'. وتوقع سوروس في الكتاب (الذي فرغ من نصه قبل اندلاع أزمة وول ستريت الحالية) أن فترة الانكماش الاقتصادي الناجم عن الأزمة ستكون طويلة وأن الحكومة الأمريكية ستضطر آخر الأمر إلى استخدام أموال الضرائب لوقف الانحدار في أسعار العقار، وطالما لم تفعل ذلك فسيستمر الانحدار، واجدا في ذاته أسباب استمراره. على أن التنبؤ الأعم والأهم هو ذلك الذي يقول فيه إن الفترة التاريخية التي استهلها وصول تاتشر وريغان إلى الحكم قد بلغت نهايتها. والرأي عنده أن ذلك يعني نهاية فترة طويلة من الاستقرار النسبي القائم على الولايات المتحدة قوةً مهيمنة، وعلى الدولار عملةَ احتياط دولية مرجعية، و'إني أتنبأ بفترة عدم استقرار سياسي ومالي، آمل أن يعقبها بروز نظام دولي جديد'.' وعلى هذا فإن الرأسمالية الأنغلوساكسونية، بوقوعها في متاهة الفترة النيوليبرالية التي امتدت ثلاثة عقود، تكون قد ارتكبت أطول عملية انتحار في التاريخ! القدس العربي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني