PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مَــــــــــنْ ينطَـــــــــــح مَـــــنْ؟!

مَــــــــــنْ ينطَـــــــــــح مَـــــنْ؟! في الستينات من القرن الماضي وفي إحدى مقالاته تحت باب «بصراحة» نصح السيد محمد حسنين هيكل بعدم مناطحة الثور الأمريكي، والنصيحة هي من نوع الموروث الشعبي «العين لا تلطم مخرز» والموروث الآخر البشع «اليد ألما فيك تعضها بوسها وادعي عليها بالكسر». طبعاً الصحفي الكبير لم يكن يقصد سوى الدعوة لاتقاء شر ذلك الثور الهمجي. لكن هل الشعوب هي التي تنطح الثور؟ الإدارات لا تجرؤ عموماً أن تنطحه، أو هي متحالفة معه. أما الشعوب فهي ضحية للاثنين، للثور ولإداراتها في الوقت نفسه. الثور هو الذي ينهب بترول الشعوب، إذا وجد، وثرواتها الأخرى، إن وجدت، هو الذي يبلع أغلب بترول العالم، ويحصل، بسبب التضخم النقدي الدولي. الاحتكارات تربح دوماً عدة أضعاف من ثمن البترول الخام على حساب الطرف المنتج، وعلى حساب الطرف المستهلك، ومن الجملة على حساب الإدارة الأمريكية، وعلى حساب الشعب الأمريكي. ليست الدول المنتجة هي التي تنطح الثور، وإنما الثور ينطحها. لكن يجب القول هنا، أنه لولا التطور الرأسمالي الدولي، لبقي البترول مدفوناً في الأرض دون أن يستفيد منه أحد. غير أن هذا التطور الذي هو ملك الإنسانية لا يعطي الثور الحق في النهب غير المنطقي والهدر لتلك الثروة الحيوية، التي بنفادها قد تعود الإنسانية قروناً إلى الوراء، لأنه، إذا كان بالإمكان إيجاد بدائل للطاقة، فمن الصعب إيجاد بدائل لعدد كبير من الصناعات، التي تعتمد البترول مادة أولية، أيضاً التطور الرأسمالي الدولي لا يعطي الثور الحق بالسيطرة على البلدان البترولية، أو باحتلالها ، وبتدمير البشر إفقاراً ، وقتلاً، وتجهيلاً، وزعزعة اجتماعية. إن الثور هو الذي ينطح البلدان البترولية، إداراتها وشعوبها، لا العكس. الشعب الفلسطيني لم يفعل شيئاً يسيء إلى الثور. بالعكس كان الملوك والأمراء العرب، ولا سيما ملك شرقي الأردن حلفاء مخلصين وخاضعين للثور الاستعماري، وهم بتبعية الثور الاستعماري للثور الأمريكي، يتبعون في النهاية ويخلصون للثور الأمريكي، فلماذا قام الأخير بغزوه الصهيوني، ويقوم منذ عقود بإبادة الشعب الفلسطيني؟ لعل الشعب الفلسطيني ينطح الثور، أم الثور ينطحه. الشعوب الإسلامية كانت عموماً صديقة للثور، إداراتها متحالفة معه، ومجتمعاتها المنغلقة مفيدة له، لأنها كانت وما تزال ضد محاربة الاستعمار، فلماذا صرف الثور المليارات البترولية «على حساب الدول المنتجة»،ومليارات المخدرات، من أجل زعزعة تلك المجتمعات، وتنوير الأصوليات الظلامية فيها ضد بلدانها،وضد البلد الضحية أفغانستان؟ هل نطحت الشعوب الإسلامية الثور، أم العكس، وما يزال ينطحها. الإرهاب؟ من نظمه وموله وسلحه وأطلقه غير الثور؟ من استغل الإيمان، القيمة الإنسانية الشفافة، ومن شوهه ولوثه بالدم غير الثور؟ هل نطحت الشعوب الإسلامية الثور، أم هو الذي نطحها؟ هل نطحت أفغانستان الثور؟ هل نطحته مصر، هل نطحته الجزائر؟ هل تنطحه الآن بلدان شمال أفريقيا؟ يوغوسلافيا السابقة، هل نطحت الثور، لماذا سلط عليها أموال البترول والمخدرات ومزقها؟ كان لإدارة يوغوسلافيا القديمة فضل على الثور حين انفصلت عن كتلة بلدان الاشتراكية العلمية، وأحدثت أول شرخ في معسكر الاشتراكية العلمية وانتهجت الإدارات التالية سياسات رجعية، يراد بها أن تكون مرضية للثورين الأوروبي والأمريكي، لكن حسابات الثور الأمريكي كانت غير ذلك، وتنشطت يوغوسلافيا على يده. من نطح الآخر؟ الثور أم يوغوسلافيا؟ النظام العراقي السابق مد يده للثور، وخاض في سبيله حربا مدمرة عبثية مع إيران، استمرت سنوات، وبسذاجة منه وبدفع من الثور قام بغزوة بسماركية على الكويت، فماذا كانت المكافأة؟حصار وتجويع الشعب لعراقي لسنوات، وفرض هيمنة إسرائيلية على المنطقة العربية أسقطت قلاع الدفاع عن النفس لدى شعوبها، وأخيراً احتلال العراق وإبادة شعبه، فمن نطح الآخر، العراق أم الثور؟ الثور كان عدواً للاتحاد السوفييتي السابق رغم أن الأخير كان حليفاً له في الحرب العالمية الثانية، ورغم مؤتمر يالطة 1945«يالطة مدينة على البحر الأسود في أوكرانيا ، وعقد فيها مؤتمر في نهاية الحرب العالمية الثانية، اتفق فيه على السياسة تجاه ألمانيا،و على إجراءات السلام»، واستعان بالرواسب التقليدية في المجتمعات السوفييتية، ولكن جهود الإدارات الأوروبية والثالثية الحليفة للوصول إلى انهيار الاتحاد السوفييتي بدءاً من 1985، تاريخ وصول غورباتشوف إلى السلطة. فكان انهيار الاتحاد السوفيتي دليلاً فاقعاً على إخلاص الحلفاء. من نطح الآخر؟ الثور؟ أم الاتحاد السوفييتي؟ وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي قام الثور بالتعاون مع غورباتشوف وشلته، ثم مع يلتسين وعصابته بفصل الجمهوريات السوفيتية وبلدان الاشتراكية العلمية عن روسيا الاتحادية، وبإنهاء حلف وارسو، وبفرض اتفاقيات عسكرية مجحفة على روسيا وتهدد أمنها، وبسرقة الكثير من أسرارها العلمية والعسكرية، وبتدمير الاقتصاد الروسي، وتحويل روسيا البلد المتطور إلى بلد متسول، وبتدمير المستويات المعيشية لسكانه ولسكان بلدان الاشتراكية العلمية، فتحولت أعداد كبيرة منهم إلى التشرد، وإلى تغذية عصابات المتاجرة بالرقيق الأبيض في العالم. من نطح في كل ذلك؟ هل الثور أم بلدان الاشتراكية العلمية وشعوبها. ثم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وزعزعة البنى الاقتصادية والاجتماعية لبلدان الاشتراكية العلمية، وبعد عربدة الثور في العالم شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً، لماذا نصب الدرع الصاروخي الموجه ضد روسيا في بلدان الاشتراكية العلمية السابقة؟ ولماذا حرب الشيشان الممولة أمريكياً عبر البلدان الخليجية؟ ماذا يراد بروسيا وهل هي التي تنطح الثور، أم العكس؟ الثور هو الذي ينطح دوماً، بل وينطح الشعب الأمريكي، فيدمر مستوياته المعاشية، وبناه الاجتماعية، وثقافته وتطوره، يدمر كل ما هو جميل لديه. وسيبقى الثور ينطح ويدمر، ما لم تتصد له الشعوب تصدياً مجدياً بمنظماتها التقدمية وتحالفاتها على نطاق كوني، وبإستراتيجية تجعل مستقبل الحياة على الكرة الأرضية للشعوب، لا للثور. يجب أن ينطح المرء الثور، لأن الثور ناطحه سواء رد هذا على ذلك أم لم يرد، لتنطح جميع الشعوب الثور، أو فلتتحمل فعله المدمر. محمد الجندي (صحيفة صوت الشعب)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني