PCP

يا عمال العالم اتحدوا

عراقة الحزب الشيوعي الفلسطيني

نص محاضرة قدمت في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ببيروت، في 30 تشرين الثاني 2011، وعقبّت عليها الدكتوره كارلا إده رئيسة قسم التاريخ في جامعة القديس يوسف اللبنانية. ما المكانة التي تحتلها المذكرات بين مصادر الكتابة التاريخية، وما مدى صدقيتها بالمقارنة مع وثائق الأرشيف؟ عن هذا السؤال سأجتهد في الإجابة من خلال الرجوع إلى مذكرات قائدين بارزين من قادة الحركة الشيوعية في فلسطين، هما محمود الأطرش أو المغربي ونجاتي صدقي، ووضعها في مقابلة وثائق الأرشيف السري للكومنترن الخاص بفلسطين. ولكنني قبل أن أشرع في هذه المحاولة، سأتقدم بملاحظات أربع: الملاحظة الأولى: إن "كتابة الأنا" ليست فناً جديداً في الثقافة العربية، حيث نجد في التراث العربي كثيراً من السير الذاتية، مثل "التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً"؛ و "المنقذ من الضلال" للإمام الغزالي، و "رسالة حنين بن اسحق". بيد أن هذا الفن لم ينتشر، في الواقع، إلا في الكتابة العربية الحديثة. الملاحظة الثانية: اعتاد المؤرخون أن يعطوا أهمية كبيرة لوثائق الأرشيف في أبحاثهم، بينما تعاملوا مع المذكرات، في معظم الأحيان، بوصفها مصادر ثانوية، يلجأ المؤرخ إليها للتعويض عن غياب وثائق الأرشيف أو عدم تمكنه من الوصول إليها. بيد أن البحث التاريخي "الجديد" راح يجدد تقديره لمكانة المذكرات، ويهتم بأشكال كتابة الذات، و" بالعلاقات بين الكاتب وقرائه وبينه وفعل الكتابة كشكل من أشكال البناء التاريخي ". ويرى البحث التاريخي "الجديد" أن المذكرات ليست مصادر أقل وثوقية من غيرها، بحجة أنها "ذاتية"، ذلك أن جميع المصادر هي هكذا؛ وعلى غرار كل مصدر، " يجب على المذكرات أن تحاط بسياق معيّن وأن تُنتقد وأن تتم مقابلتها بوثائق أخرى. الملاحظة الثالثة: بغض النظر عن هذه النظرة الجديدة إلى المذكرات ومكانتها بين مصادر الكتابة التاريخية، ينبغي الإقرار " بأن من الصعب الكتابة عن الأنا في ثقافة لا تميل إلى تعرية الذات، والاعتراف بأفعالها غير المستحبة اجتماعياً، كالثقافة العربية ". وفي كل الأحوال، فإن حدود استخدام المؤرخ العربي للمذكرات بوصفها مصدراً في كتابة التاريخ لا يزال محدوداً. الملاحظة الرابعة: ينبغي على المؤرخ أن يميّز بين المذكرات المنشورة من صاحبها أو إبان حياته وبين المذكرات المنشورة بعد وفاته. وفي هذه الحالة الأخيرة، قد تخضع المذكرات " إلى تدخل من قبل القيمين عليها والمسؤولين عن نشرها، يتجلى في حذف بعض المقاطع أو تحوير بعض الجمل والكلمات بهدف تخفيف وقعها، إما لأسباب وتقديرات متعلقة بالورثة أو لأسباب رقابية سياسية. بعد هذه الملاحظات الأربع سأنتقل إلى موضوع محاضرتي، حيث سأسعى، أولاً، إلى التعريف بكاتبي المذكرات، وأتساءل عن طبيعتها وعن الموضوعات التي عالجتها، وعن تاريخ كتابتها وهدفها، وسأقدم، ثانياً، لمحة سريعة عن الأرشيف السري للكومنترن الخاص بفلسطين، ثم سأنهي مداخلتي بوضع المعلومات الواردة في مذكرات هذين القائدين الشيوعيين في مواجهة المعلومات الواردة في وثائق الأرشيف، لأتبيّن مدى صدقية المذكرات. أما الافتراض الذي أنطلق منه فهو أن المذكرات، مثلها مثل مصادر الكتابة التاريخية الأخرى، تنطوي على نقاط قوة ونقاط ضعف في آن معاً، وهي بالتالي ليست أقل صدقية من غيرها من المصادر. مذكرات محمود الأطرش ولد محمود الأطرش في القدس، في عام 1903، لعائلة عمالية من أصل جزائري، وتلقّى تعليمه الابتدائي في مدينة يافا قبل أن ينخرط في العمل في قطاع البناء. وبعد تعرّفه إلى الشيوعيين اليهود، انضم إلى منظمة الشبيبة الشيوعية وأصبح، في عام 1926، سكرتيراً لفرعها في مدينة يافا. وفي عام 1927، أوفدته قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني إلى موسكو للدراسة في "جامعة كادحي شعوب الشرق"، حيث أمضى ثلاث سنوات عاد بعدها ، في تموز 1930، إلى فلسطين ليساهم في قيادة الحزب، حيث انتخبه المؤتمر السابع للحزب، الذي انعقد نهاية كانون الأول 1930، عضواً في سكرتارية لجنته المركزية. اعتقلته السلطات البريطانية، مع رفيقه نجاتي صدقي، في شباط 1931، وحُكم عليهما بالسجن لمدة عامين. وبعد خروجه من السجن، توجّه إلى لبنان للمساهمة في قيادة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني. وفي آب 1935، انتخبه المؤتمر العالمي السابع للكومنترن عضواً في لجنته التنفيذية، ثم أُوفد إلى فرنسا، ومنها توجّه إلى الجزائر، حيث اعتقل من جديد وبقي في السجن حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وبعد خروجه ساهم في قيادة العمل النقابي وفي تحرير الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري "الجزائر الجديدة". وبعد أن أمضى سنوات الثورة الجزائرية في العمل السري، عاد إلى العمل في تحرير "الجزائر الجديدة" قبل أن تعتقله سلطات عهد الاستقلال بتهمة الانتماء إلى الشيوعية. وفي ربيع عام 1968، وبعد إطلاق سراحه، قرر مغادرة الجزائر والاستقرار في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حيث أمضى هناك سنوات عدة عاد بعدها إلى الجزائر وتوفي هناك في مطلع ثمانينيات القرن العشرين. كتب محمود الأطرش مذكراته في مدينة برلين في منتصف عقد سبعينيات القرن العشرين، حيث اشتملت على أكثر من 700 صفحة، اطّلعت، بعد اتصالات عديدة مع قيادة الحزب الاشتراكي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، على نصفها تقريباً، وبتحديد أدق على 305 صفحات، تغطي المرحلة الفلسطينية في نشاطه، التي تبدأ في مطلع الشباب في السنوات الأولى من العقد الثاني للقرن العشرين وتنتهي في باريس في ربيع العام 1938. أما المرحلة الجزائرية في نشاطه فلم يسمح لي بالاطّلاع على ما كتبه حولها. وقد أراد محمود الأطرش، من خلال كتابة مذكراته، أن يضع تجربته في العمل الشيوعي أمام جمهور الشباب، وكانت مذكراته مكتوبة بخط اليد، وهي تتناول أحداثاً سياسية واجتماعية انخرط فيها في إطار مساهمته في قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني والحزب الشيوعي في سورية ولبنان، وفي قيادة الكومنترن. مذكرات نجاتي صدقي أما نجاتي صدقي ألاي أميني، فقد ولد في القدس في عام 1905، وتعلّم في مدارسها قبل أن يلتحق بالعمل في دائرة البريد والبرق، حيث تعرّف إلى الشيوعيين اليهود وانضم إليهم. أوفدته قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني، في نهاية صيف العام 1925، إلى موسكو للدراسة في "جامعة كادحي شعوب الشرق"، حيث أمضى ما يقرب من أربع سنوات عاد بعدها إلى فلسطين ليشارك في قيادة الحزب. اعتقلته السلطات البريطانية في شباط 1931، مع رفيقه محمود الأطرش، حيث حكم عليه بالسجن لمدة سنتين. وبعد خروجه من السجن، سافر إلى فرنسا، بطلب من قيادة الكومنترن، حيث أصدر مجلة شهرية باسم "الشرق العربي"، استمر صدورها حتى أوائل صيف العام 1936. كلفته قيادة الكومنترن، بعد ذلك، بالسفر إلى اسبانيا للتعاون مع الحزب الشيوعي الاسباني على نشر الدعاية الثورية بين الجنود المغاربة الذين كانوا يقاتلون في صفوف قوات الجنرال فرانكو. ومن اسبانيا، توجّه بمهمة جديدة إلى الجزائر، حيث كُلف في أواخر كانون الأول 1936 بإنشاء محطة إذاعة سرية تبث باللغة العربية إلى أفريقيا الشمالية عامة، والمغرب خاصة. ومن الجزائر عاد إلى لبنان وسورية للمشاركة في قيادة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني، وذلك إلى أن تقرر فصله من صفوف الحزب، في عام 1939، بتهمة انتقاده الاتفاقية التي وقعها الاتحاد السوفيتي مع ألمانيا النازية. وتوفي نجاتي صدقي في تشرين الثاني 1979. وقد نشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت مذكرات نجاتي صدقي في أيلول 2001، التي قدم لها وأعدّها للنشر الباحث حنّا أبو حنّا، الذي يذكر بأنه حصل في البداية على نسخة منها من صديقه هاشم ياغي، وهي مطبوعة بالآلة الكاتبة على الستانسل، ثم حصل على نسخة أصلية واضحة من هند كريمة نجاتي صدقي، التي أبلغته أن والدها كتب مذكراته في مرحلتين: القسم الأول كتبه في سنة 1958 تقريباً، بينما كتب القسم الثاني خلال عامي 1974-1975، وأنه كتبها بعد إلحاح شديد من العائلة، ولولا ذلك لما فعل. وقد تضمن الكتاب المنشور عشرة فصول وملحقاً وفهرس أعلام، تغطي الفترة الواقعة بين عامَي 1924 و 1939، أي منذ انضمام نجاتي صدقي إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني وحتى فصله من الحزب الشيوعي السوري-اللبناني. ويجمع بين مذكرات هذين القائدين أن صاحبيها من الجيل نفسه وشغلا المواقع الحزبية نفسها، وانتهيا من كتابة مذكراتهما في وقت واحد تقريباً. ولذا، نجد أن مذكراتهما تتقاطع في أحيان كثيرة وتعالج الموضوعات نفسها تقريباً. أما نقطتا الاختلاف الرئيسيتان بينهما، فتتمثّلا في أن محمود الأطرش كتب مذكراته وهو من داخل الحركة الشيوعية، إن صح القول، بينما كتبها نجاتي صدقي بعد خروجه من صفوف هذه الحركة، كما أن الأطرش كتب مذكراته إبان حياته، بينما نشرت مذكرات صدقي بعد وفاته. وثائق أرشيف الكومنترن الخاص بفلسطين أما وثائق الأرشيف الخاص بفلسطين لدى الكومنترن، الذي يغطي الفترة الواقعة ما بين عامَي 1920 و 1937، والذي بذلت جهوداً مضنية وعلى أكثر من صعيد طوال ما يقرب من عشر سنوات حتى استطعت الوصول إليه في صيف العام 1989، فقد توزعت وثائقه على سبعة صناديق، صُنّفت ملفاتها على عجل وبصورة عشوائية إلى حد ما، وكان كل واحد منها يحمل رقماً ورقم تسجيل، ويتضمن عدداً من الملفات التي يحمل كل واحد منها رقماً، ويشتمل كل ملف على عدد كبير من الوثائق غير المرقمة. فقد تضمنت الصناديق الأربعة الأولى التقارير والرسائل الدورية التي كانت تبعث بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني إلى قيادة الكومنترن، وعلى نسخ من البيانات والنشرات والصحف التي كان يصدرها الحزب باللغة العربية واللغتين العبرية واليديشية، بينما تضمن الصندوق الخامس مجموعة كبيرة من الوثائق الصادرة عن قيادة الكومنترن، كالتقارير التي أصدرتها لجنته التنفيذية أو سكرتيرية القسم الشرقي التابعة لها، بخصوص المسألة الفلسطينية ونشاط الحزب الشيوعي الفلسطيني، وكذلك الرسائل التي كانت توجهها قيادة الكومنترن إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني أو، في بعض الأحيان، إلى جميع أعضائه. أما الصندوقان السادس والسابع، فقد تضمنا الرسائل التي كانت تتبادلها قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني وقيادات منظماته الرديفة، مثل منظمة الشبيبة الشيوعية وجمعية المساعدة الحمراء و "الكتلة العمالية"، مع قيادات كومنترن الشباب ومع جمعية المساعدة الحمراء ومع البروفينترن (الأممية النقابية)، بالإضافة إلى عدد كبير من البيانات والمنشورات الصادرة عن هذه المنظمات الرديفة للحزب الشيوعي الفلسطيني. وقد جمعت وثائق هذا الأرشيف، وقدمت لها وأصدرتها، في تشرين الأول 2004، في كتاب عن منشورات دار المدى بدمشق، حمل عنوان" " فلسطين في وثائق الأرشيف السري للكومنترن". وكانت هذه المهمة صعبة جداً، واحتجت لإنجازها إلى مساعدة عدد من الأصدقاء، لا سيما وأن الوثائق كانت في بلغات ست. نقاط قوة المذكرات سأحاول فيما يتبع ، ومن خلال بعض الأمثلة، أن أسلط الضوء على ما للمذكرات وما عليها في الحالة الملوسة التي تعنينا. وأبدأ باستعراض نقاط قوة المذكرات: تحدثنا وثائق الأرشيف عن انضمام العرب إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي أسسه ثوريون يهود، وتوفّر لنا معلومات دقيقة عن عددهم وعن تاريخ انتسابهم إلى الحزب، حيث نعلم، من تقرير مرسل إلى موسكو عن نشاط الحزب في النصف الثاني من عام 1924، أنه كان يضم في صفوفه، في تلك الفترة، سبعة أعضاء عرب، كما يذكر تقرير آخر أن الحزب عقد كونفرانساً حزبياً للأعضاء العرب، في حزيران 1926، شارك فيه خمسة أعضاء من يافا والقدس وحيفا وشرق الأردن؛ بينما تتجاوز المذكرات لغة الأرقام لتحدثنا عن طرق دخول الأفكار الشيوعية إلى فلسطين، وعن كيفية تعرّف العرب إلى هذه الأفكار وطرق انتسابهم إلى الحزب، كما تحدد لنا هوية هؤلاء الشيوعيين العرب أو بعضهم. ففي مذكراته، يشير محمود الأطرش إلى أنه تعرّف إلى الحركة الشيوعية عندما كان يسعى إلى تشكيل نقابة لعمال البناء، بالتعاون مع رضوان الحلو وعبد الله خميس وسعيد الجيش وشقيقه الطاهر، الذين انتسبوا فيما بعد، مثله، إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني. أما تعرّفه إلى الأفكار الشيوعية فقد تمّ عبر مطالعة بعض الجرائد والمجلات السورية والمصرية، وعن طريق نشرات سرية كان يلقيها العمال الثوريون اليهود في مواقع العمل، وكذلك من خلال احتكاكه بأسير حرب سابق لدى الجيش الروسي، حررته ثورة اكتوبر، هو محمد اللدّاوي، الذي كان يحدثه بإعجاب شديد عن "البولشفيك" و "رئيسهم الأكبر" لينين، الذين أسسوا "دولة جديدة من العمال والفلاحين، وأقاموا العدالة والمساواة بين الجميع". أما نجاتي صدقي، فيذكر، في مذكراته، أنه تعرّف إلى المبادئ الشيوعية عن طريق عمله في دائرة البريد والبرق في القدس، حيث كان على احتكاك بالمهاجرين اليهود، وكذلك عن طريق مقهى "البوسطة" الصغير الذي كان يرتاده عدد من اليهود المنتمين إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني، الذين نجحوا في اجتذابه إلى أحد نواديهم "الواقع خلف المستشفى الألماني في القدس"، وذلك قبل أن يعرضوا عليه فكرة السفر إلى موسكو للدراسة. وبينما تستمر وثائق الأرشيف في اللجوء إلى الأرقام لمتابعة تطوّر العضوية العربية في صفوف الحزب، حيث يشير تقرير مرسل إلى موسكو في آذار 1930 إلى أن أعضاء الحزب العرب "ليسوا أقل من أربعين رفيقاً"، نجد أن المذكرات تستمر في الكشف عن هوية هؤلاء الأعضاء وعن طبيعة مهنهم، حيث يذكر محمود الأطرش أن الحزب نجح في استقطاب عدد من المثقفين العرب، مثل هاشم الرمادي، المدرس في إحدى مدارس يافا، وسليم أبو غزالة، المستخدم في يافا، والصحافي عبد الغني الكرمي من طولكرم، وعثمان زعرور ونعمان البخاري، وكانا يعملان مستخدمين في يافا، والعمال يوسف خلف وعلي الجيباوي وحسن الفران. وإذ تشير وثائق الأرشيف، من ناحية ثانية، إلى الصلات التي أقامها الحزب الشيوعي الفلسطيني مع بعض القوميين السوريين اللاجئين إلى فلسطين، وتتعرض إلى دوره في دعم الثورة السورية، التي اندلعت في عام 1925، توفّر لنا مذكرات محمود الأطرش معلومات أغنى حول هذا الموضوع، حيث يُشار فيها إلى الاتصالات التي أقامها الحزب مع مظهر البكري، شقيق نسيب البكري أحد زعماء الثورة، وكان يقيم في مدينة يافا "في حي المنشية بالقرب من الجامع"، وعن الزيارة التي قام بها نسيب نفسه إلى فلسطين لدى وفاة والدته، وكيف "جنّد الشبان في حي المنشية صفوفهم وقاموا بمظاهرة كبيرة من أجل تشييع جنازتها، ودُفنت في مقبرة عبد النبي شمال حي المنشية"، وكيف أن عدداً من أولئك الشبان فاتحوا نسيب البكري "في أمر التعجيل في تجنيدهم للثورة، فكان جوابه: سننظر في الأمر ومع أن وثائق الأرشيف تتطرق، من ناحية ثالثة، إلى التحاق الطلاب العرب بجامعة كادحي شعوب الشرق في موسكو، فتذكر عددهم والأسماء السرية التي عُرفوا فيها بالجامعة، حيث يذكر تقرير أُرسل إلى القسم الشرقي للكومنترن في 31 كانون الأول 1929، أن الحزب أوفد ، حتى نهاية العام 1929، 14 طالباً إلى الجامعة، تحكي لنا المذكرات عن كيفية انتقال بعض هؤلاء الطلاب من فلسطين إلى موسكو، وعن أسمائهم الحقيقية، وعن حياتهم اليومية داخل الجامعة، وعن برامج تدريسهم، وعن وسائل ترويحهم عن أنفسهم. وهكذا، يذكر نجاتي صدقي أن سفره إلى موسكو تمّ في منتصف أيلول 1925 من ميناء يافا، على ظهر الباخرة الروسية "تشتشرين"، وأنه كان عليه الإيحاء بأنه مسافر إلى استانبول، ويشير إلى نزوله في ميناء أوديسا، ثم توجهه بالقطار إلى موسكو، ويصف النزل الذي نزل فيه في العاصمة السوفيتية ويدعى "لوكس". ثم يتحدث بالتفصيل عن معاملات الالتحاق بجامعة كادحي شعوب الشرق، وعن أقسامها ومناهج التدريس فيها، والطلبة العرب الملتحقين بها، كما يشير إلى اللقاء الذي جمعه بالشاعر التركي المعروف ناظم حكمت، ويتطرق إلى جريدة الحائط التي أصدرتها الفرقة العربية في الجامعة، والتي أُطلق عليها اسم "الحرية"، والتي كان "حمدي [المصري] رئيس تحريرها، وفهمي [المصري] رسامها، وحسونة [المصري] ونجاتي صدقي عضوي هيئة تحريرها". ويتحدث بالتفصيل عن اختلاطه بالمواطنين الروس، وتعرّفه، في نادي الجامعة، إلى عدد من طالبات مدرسة التمريض، التي كانت تقع بالقرب من نادي الجامعة، واحتكاكه بإحدى الأسر الروسية التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. كما يتطرق إلى الحفلة التي نُظّمت بمناسبة تخرّج الدفعة الأولى من الطلبة العرب، والتي تكلم فيها "الطالب التونسي علي الحمامي، والطالب الجزائري محمد بوصفير، والطالب المصري عزيز، والطالب اليهودي المصري زانبرغ، والذي غدا أستاذاً في الجامعة لتضلعه في العلوم الماركسية". ويتعرض محمود الأطرش من جهته، في مذكراته، إلى ملابسات سفره إلى موسكو، فيذكر أن قيادة الحزب اقترحت عليه السفر في صيف العام 1927، وأنه سافر بالفعل في منتصف شهر آب 1927، عن طريق تركيا، بـ "صحبة أحمد جبر، وامرأة كاتب الحزب أبو زيام وولديه زلمان ودانيال"، وأن أول عمل قام به بعد وصوله إلى موسكو هو قيامه "بزيارة ضريح لينين". ويصف الأطرش بالتفصيل الأوضاع في الاتحاد السوفيتي، والاحتفالات التي جرت في الذكرى العاشرة لثورة اكتوبر، وطبيعة التعليم في الجامعة ونوعية الطلاب وحياة الفرقة الحزبية العربية فيها. كما يتحدث عن القضايا التي واجهها الدارسون العرب الفلسطينيون، وبخاصة قضية "تعريب" الحزب الشيوعي الفلسطيني، وعن تفاصيل عودته إلى فلسطين "بعدما مكث بضعة أسابيع في استانبول"، وذلك بهدف الحصول "على شهادة إقامة من دائرة الشرطة"، وهي الشهادة التي نجح في الحصول عليها "بواسطة أحد الفلسطينيين اليهود المقيمين في استانبول مقابل نصيب من الليرات التركية". كما أن وثائق الأرشيف لا توفّر، من ناحية رابعة، معلومات تفصيلية عن ظروف اعتقال محمود الأطرش ونجاتي صدقي في القدس، وعن هوية السجّانين، وعن الحياة في السجن، وهو ما تحدثنا به المذكرات، حيث يذكر محمود الأطرش أن "معلم المدرسة عبد المعطي الصالح البرغوثي" هو الذي نصب فخاً لهما، وأن مداهمة البيت الذي كانا فيه قد تمّت على يد "ثلاثة من رجال الشرطة السرية، هم مستر ريكس مدير البوليس السري، وأحد الضباط اليهود ويدعى سلمون، وضابط بريطاني ثالث لا يتذكر اسمه"، وأن المدعو "محمد الكردي" هو الذي استقبلهما في سجن القدس المركزي، بينما استقبلهما ضابط الشرطة المدعو "صادق" في سجن يافا بعد نقلهما إليه، ويورد أسماء بعض السجناء الشيوعيين الذين التقاهم في السجن، مثل سعيد الجيش، وعلي الجرايجي، وبن يهود، وشفارتس، وشتوك شتيل ودافيدوفيتش. كما يتوقف عند محاكمتهما، ويشير إلى أن أحمد صدقي، شقيق نجاتي صدقي، قد شهد ضدهما في المحكمة. وتتقاطع رواية نجاتي صدقي لظروف الاعتقال، في مواقع كثيرة، مع رواية محمود الأطرش، حيث يذكر أن "معلم مدرسة ابتدائية من آل البرغوثي" هو الذي نصب فخاً لهما، وأن رجلاً سورياً يدعى "محمد اللاسلكي" هو الذي استقبلهما في سجن القدس المركزي، الذي كان يديره "المستر ستيل"، وأنه تعرّف في السجن إلى الثائرين أبو جلدة والعرميط "اللذين اقتيدا إلى المشنقة في عام 1932"، كما يتطرق إلى ملابسات محاكمتها، التي شهد شقيقه أحمد ضدهما فيها، والتي كانت برئاسة "القاضي المسلم عزيز بك الداوودي والقاضي اليهودي ألدون شلوش"، ويصف نقلهما من سجن القدس إلى سجن يافا، ومن ثم إلى سجن القدس من جديد، ومنه إلى قلعة عكا، التي كان يشرف على المعتقلين فيها عريف يهودي "اسمه أفرام"، ويديرها "مستر بايك". وتوفّر لنا المذكرات، من ناحية خامسة، فرصة تدقيق بعض المعلومات حول بعض الشخصيات الوارد ذكرها في وثائق الأرشيف، والتي تحمل أسماء مستعارة، فنعرف مثلاً، من مذكرات محمود الأطرش ونجاتي صدقي، أن المدعو يوسف هو يوسف خلف، وأن المدعو مايخين، الذي كان بين الطلاب الأوائل الذين أوفدوا إلى موسكو للدراسة، هو عبد الغني الكرمي، وأن المدعو حسن هو اللبناني وهيب ملك، الذي أوفدته قيادة الكومنترن إلى فلسطين، في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، للمساهمة في قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني. نقاط ضعف المذكرات هذا فيما يتعلق بنقاط قوة المذكرات، أما فيما يتعلق بنقاط ضعفها فهي تنبع، في الأساس، من طبيعتها الإنسانية ومن مرور زمن طويل على الأحداث التي تذكرها. ففي أحيان كثيرة، ينحو كاتب المذكرات، عن قصد أو من دون قصد، إلى المبالغة والتضخيم، وهو ما يفعله نجاتي صدقي في مذكراته حين يذكر أن عدد أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني وأنصارهم بلغ "عشرة آلاف بين صفوف اليهود وما يقرب من الألف بين صفوف العرب"، علماً بأن وثائق الأرشيف توفّر أرقاماً مختلفة كلياً، حيث يتبيّن منها أن عدد أعضاء الحزب، والمنظمات الرديفة له كمنظمة الشبيبة والكتلة العمالية وجمعية المساعدة الحمراء، كان في حدود 140 عضواً من العرب واليهود في عام 1930، بحسب تقرير أرسله أحد قياديي الحزب، وهو نداب، إلى موسكو في 30 آذار 1930، كما يتبيّن من تقرير آخر قدمه نجاتي صدقي نفسه، باسم مصطفى، في موسكو بتاريخ 13 حزيران 1931، أن مجموع أعضاء الحزب ومنظماته الرديفة بلغ، في تلك الفترة، 394 عضواً. كما ينحو كاتب المذكرات، من جهة ثانية، إلى تجنب الحديث عن سلبيات العمل، حيث يتطرق محمود الأطرش، في مذكراته، إلى مشاركة الحزب الشيوعي الفلسطيني في أعمال المؤتمر العمالي العربي الأول، الذي انعقد في مدينة حيفا في مطلع العام 1930، فيشير إلى "أن وفد الحزب الشيوعي داخل المؤتمر كان من أكبر الوفود وأشدها صلابة وخبرة، وتمكّن رفاقنا من توجيه المؤتمر نحو الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة العربية، وتوضيح مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، ثم يضيف: "لكن حزبنا، كما ظهر من أقوال الرفاق، لم يتابع للأسف، بعد المؤتمر، نشاطه النقابي". بيد أن وثائق الأرشيف تعطي صورة مغايرة عن دور وفد الحزب الشيوعي الفلسطيني في ذلك المؤتمر العمالي، حيث يدعو لبرمان، وهو طاهر المغربي شقيق محمود الأطرش، وأحد المندوبين الشيوعيين إلى المؤتمر، في تقرير رفعه إلى هيئات الكومنترن القيادية في 5 نيسان 1930، أي بعد بضعة أسابيع من انعقاد المؤتمر العمالي العربي الأول، يدعو إلى "عدم تصديق كل ما يُقال عن النشاط التحريضي [الشيوعي] بين صفوف الطبقة العاملة العربية قبل عقد مؤتمر العمال، حيث لم يُبذل أي جهد في تنظيم المؤتمر"، ويتابع: "وأنا شخصياً لا علم لي عن عقد اجتماع خاص لكتلة المندوبين الشيوعيين إلى هذا المؤتمر؛ فالواقع أننا لم نكن نعرف ما علينا فعله، ولم يُلمس أي تأثير للحزب داخل المؤتمر". ومن جهة ثالثة، تبرز النزعة الذاتية في المذكرات أكثر ما تبرز لدى تقويم صاحبها لأدوار الآخرين، أو بعضهم، وبخاصة في ضوء النهايات التي انتهوا إليها، والتي قد لا ترضي كاتب المذكرات، وفي مبالغته، في المقابل، بدوره الشخصي. فمحمود الأطرش، الذي بقي ملتزماً بانتمائه الشيوعي، يأخذ على جوزيف بيرغر، أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني اليهود، كونه قد بات "عميلاً صهيونياً معروفاً اليوم"، ويذكر أن بيرغر قد ترك فلسطين بعد اعتقال الأطرش وصدقي مباشرة، و "فرّ إلى المانيا"، وهو أمر تنفيه معلومات وثائق الأرشيف التي تبيّن أن بيرغر قد استدعي إلى موسكو، وظل يعمل لدى القسم الشرقي التابع لقيادة للكومنترن، حيث شارك في 27 آب 1933 في اجتماع عقدته اللجنة السياسية لسكرتارية اللجنة التنفيذية للكومنترن، تقرر فيه إرسال رسالة إلى جميع أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني. كما يشير محمود الأطرش إلى أن نجاتي صدقي قد أصبح اليوم "خارج الحزب والحركة الشيوعية"، ويأخذ عليه سلوكه في السجن، حيث "بدأ يحتد ويغضب لأقل حادث"، ويسعى لتفضيل نفسه على الآخرين، الأمر الذي دفع رفاقه "إلى نزع كل مسؤولية [قيادية] عنه. وبينما يستخف نجاتي صدقي بدور محمود الأطرش، حيث يشير، في مذكراته، إلى أن محمود الأطرش "لم ينهِ دروسه [في الجامعة] فقطعها"، علماً بأن قيادة الكومنترن هي التي قررت، في الواقع، إنهاء دراسته في موسكو وأرجعته إلى فلسطين للمشاركة في قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني وتعريبه، ويتجاهل كون الأطرش قد انتخب معه ومع جوزيف بيرغر في سكرتارية اللجنة المركزية للحزب، كما لا يذكر شيئاً عن انتخاب الأطرش عضواً في اللجنة التنفيذية للكومنترن خلال انعقاد المؤتمر العالمي السابع في صيف 1935؛ يستهين محمود الأطرش، من جانبه، بدور نجاتي صدقي، حيث يغفل، على سبيل المثال، لدى حديثه عن تضامن الشيوعيين في العالم مع الجمهوريين في اسبانيا، وقيامهم بتشكيل فرق أممية لمواجهة قوات الجنرال فرانكو، يغفل حقيقة أن نجاتي صدقي كان، بتكليف من قيادة الكومنترن، من أوائل المشاركين العرب الشيوعيين في نشاط هذه الفرق الأممية أما النزعة الذاتية في تقويم دور "الأنا"، فتبرز في مذكرات نجاتي صدقي حين يشير، على سبيل المثال، إلى أنه لوحق إثر مشاركته في مظاهرة نُظمت خلال الاحتفال بموسم النبي موسى في القدس، حيث يصف دوره في تلك المظاهرة بقوله: "رفعني الأنصار على الأكتاف وأنا أضع كوفية وعقالاً على رأسي، فهتفت بما أوحته القريحة لي ثم لوّح الرفاق بالعلم الأحمر"، ويتابع: "وكان لهذه الحادثة أن أثارت سلطات الانتداب التي شنت حملة مسعورة لإلقاء القبض عليّ". بيد أن وثائق الأرشيف تتضمن تقريراً عن تلك المظاهرة، أصدرته لجنة القدس الحزبية في 14 أيار 1930، يشير إلى أن الرفيق سعدي، وهو نجاتي صدقي نفسه، "لم يسارع إلى تسلّم قيادة المظاهرة بعد هروب الرفيق ساول واعتقال مساعده". ويعاني كاتب المذكرات، من جهة رابعة، من الخلط بين الأسماء والأحداث ومن نسيان تواريخ الوقائع، وهذا ما نتبيّه من مذكرات نجاتي صدقي الذي يذكر أن المعارضة اليسارية داخل حزب العمال لفلسطين طلبت في سنة 1923 قبولها في الكومنترن، فقُبل طلبها وصارت تدعى "الحزب الشيوعي لفلسطين"، في حين أن وثائق أرشيف الكومنترن تشير إلى أن قيادته لم تقبل الشيوعيين في فلسطين، إلا بعد توحدهم في إطار الحزب الشيوعي الفلسطيني، وذلك في شباط 1924. ومن جهة ثانية، يخلط نجاتي صدقي بين شخصية السكرتير العام للحزب، أبو زيام، وبين شخصية أحد قادته اليهود، وهو إلياهو تيبر أو شامي، ويعتبرهما شخصاً واحداً، ويكتب أنه اعتقل مع محمود الأطرش في كانون الأول 1930، ثم يذكر، في موقع آخر، أنه اعتقل مع محمود الأطرش في تشرين الثاني 1931.. ويشير إلى أن القيادي في الحزب جوزيف بيرغر استدعي إلى موسكو في عام 1936 للتحقيق معه، بينما نتبيّن من وثائق الأرشيف أن بيرغر استدعي إلى العاصمة السوفيتية في عام 1932. ويكتب أن محمود الأطرش انتسب إلى الحزب عام 1928 ثم سافر إلى موسكو، في حين أن محمود الأطرش يشير في مذكراته إلى أنه انتسب إلى صفوف شبيبة الحزب الشيوعي الفلسطيني في عام 1926 وسافر إلى موسكو في عام 1927. وينسى صدقي، أو يتناسى، لدى حديثه عن رضوان الحلو، أن هذا الأخير قد انتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني في عام 1927، وليس في عام 1935 كما يذكر، وأنه صار يشغل منصب السكرتير العام للحزب بعد نجاح تعريبه استخلاصات وأخلص، في نهاية هذه المحاضرة، إلى أن المذكرات، وبغض النظر عن التقسيم التقليدي الشائع لمصادر الكتابة التاريخية إلى مصادر أولية ومصادر ثانوية، تشكّل مصدراً رئيسياً وضرورياً لدراسة تاريخ الحركات الاجتماعية والسياسية، فهي تنفخ روحاً إنسانية حية في وثائق الأرشيف الجافة، إلا أنه مصدر لا يمكن الاعتماد عليه وحده، الأمر الذي يفرض على المؤرخ أن يتعامل مع المذكرات تعاملاً نقدياً، وأن يضع المعلومات التي تتضمنها في تقاطع مع المعلومات التي تتضمنها وثائق الأرشيف، وهذا ما يؤكد عليه محمود الأطرش عندما يقر في مذكراته بصعوبة كتابة شيء عن تاريخ الحركة الشيوعية بالاعتماد على الذاكرة وحدها، ودون الرجوع إلى الوثائق والملفات الحزبية، التي أدّت ظروف الملاحقة والسرية إلى إضاعة القسم الأكبر منها، مقدّراً أن الرجوع إلى وثائق أرشيف الكومنترن، التي ظلت محفوظة في موسكو، قد يسمح –كما كتب- "بتوسيع أفق تحليلنا بشكل أدق لكل مرحلة من مراحل نضال شعوبنا العاملة وأحزابنا الشيوعية". المصادر أبو حنّا، حنّا (إعداد وتقديم)، مذكرات نجاتي صدقي، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001. الأطرش، محمود، طريق الكفاح، المذكرات [برلين]، من دون تاريخ (مخطوطة بخط اليد). الشريف، ماهر (جمع وتقديم)، فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن، دمشق، دار المدى، 2004. الشريف، ماهر، الزرلي، قيس (تنسيق)، السير الذاتية في بلاد الشام، دمشق، دار المدى-المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، 2009.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني