PCP

يا عمال العالم اتحدوا

العدو الرئيسي للعمل الشيوعي اليوم

فيما قبل "الثورة" المضادة التي قامت بها البورجوازية الوضيعة السوفياتية (الجيش والفلاحون) بقيادة خروشتشوف في خمسينيات القرن الماضي كان العدو الرئيسي للعمل الشيوعي واضحاً ومحدداً لا تخطئه العين من أول نظرة وهو عدو خارجي يتمثل بالإمبريالية الدولية التي تجسدها مراكز الرأسمالية في العالم، لدرجة أن الشيوعيين الأصلاء لم يكونوا يفكرون طويلاً في رسم سياستهم إذ يتبنون تلك التي تعاكس تماماً سياسة الولايات المتحدة رئيسة أركان حرب معسكر الإمبريالية على اعتبار أنها السياسة الشيوعية الصحيحة؛ علماً بأن هذا العدو الرأسمالي الإمبريالي كان يجد دائماً داخل المجتمع السوفياتي قوى احتياطية تتناغم معه من بعيد وهي البورجوازية الوضيعة المتمثلة بموظفي إدارة الدولة السوفياتية وفي مقدمتهم العسكر، وبالفلاحين الكولخوزيين كذلك. وفي هذا السياق تبرز السمة الأبرز للستالينية وهي اليقظة المستمرة والثابتة لخطر البورجوازية الوضيعة على الثورة. ومقابل اليقظة الستالينية المتميزة بحرصها الشديد على سيادة دكتاتورية البروليتاريا جاء العدوان الهتلري التدميري الواسع على الدولة السوفياتية، التي كانت ما تزال طرية العود، رافداً قوياً لقوى البورجوازية الوضيعة وخاصة للعسكر الذين هم رأس حربة القوى الرجعية والذين ورثوا أمجاد النصر السوفييتي في الحرب الوطنية ضد النازية بغير حق. بعد انقلاب القصر في أكتوبر 1953 وإزاحة مالنكوف كأمين عام للحزب غدا العدو الرئيسي للعمل الشيوعي هو طبقة البورجوازية الوضيعة بقيادة جنرالات الجيش والمتعاون معهم في قيادة الحزب نيكيتا خروشتشوف، بينما تحولت الإمبريالية بمختلف مراكزها الرأسمالية إلى قوى احتياطية متناغمة إلى حد بعيد مع قوى الردة في الداخل، وقد رأينا التهليل والترحيب الواسعين بقائد الردة نيكيتا خروشتشوف في عواصم الإمبريالية الكبرى أثناء ولايته كما لو أنه منقذ العالم من التهلكة المحققة ــ طبعاً كانت هي التهلكة المحققة للنظام الرأسمالي. أول الأعمال العدائية للإنقلابيين بعد إزاحة مالنكوف كان تعطيل وإلغاء الخطة الإقتصادية الخماسية التي اعتمدها الحزب في مؤتمره التاسع عشر في أكتوبر 1952، تلك الخطة التي لو تم تنفيذها حتى النهاية لتعذر القيام بأي ردة على النهج اللينيني الإشتراكي حيث كانت الخطة تستهدف رفع مستوى حياة البروليتاريا في العام 56 إلى ضعفي مستواها في العام 52. تعطيل الخطة هو خيانة صارخة للحزب ولدولة دكتاتورية البروليتاريا. تلك الخيانة لسيادة البروليتاريا ظلت طي الكتمان حتى فبراير شباط 1956 حين تفجر خروشتشوف حقداً على القائد التاريخي للبروليتاريا وللثورة الإشتراكية في العالم جوزيف ستالين واختلق لذلك أكاذيب يخجل بها محترفو الكذب من الفشّارين، كادعاء ممارسة ستالين طقوس عبادة الذات التي كانت موضع احتقار يتميز به ستالين من دون كل الشخصيات التاريخية ويكفي هنا أن يشار إلى رفض ستالين القطعي لأن ينسب النصر الأعظم على النازية لشخصه وهو القائد العام للقوات المسلحة. لم يستحِ خروشتشوف وخلفه جنرالات الجيش من الهجوم على ستالين حين كان الإتحاد السوفياتي يتقدم بخطىً سريعة وثابتة يشق طريقه إلى مقدمة الأمم على مختلف الصعد المادية والمعنوية، وحين كانت الثورة الإشتراكية بأوار الأعلى تدق أبواب مراكز الرأسمالية بقوة. لم يخجلوا بخيانة الثورة وإعلانهم على الملأ ، بتنكر وقح لروح ثورة أكتوبر وأهدافها، رغبتهم في ملاقاة الإمبريالية في منتصف الطريق تحت راية " التعايش السلمي " و " إطفاء بؤر التوتر " و " الإنتقال إلى الإشتراكية بغير الثورة ". العامة والخاصة سواء بسواء هالهم انهيار الإتحاد السوفياتي، الدولة الأعظم وحصن السلم والاشتراكية، وانعكس ذلك مباشرة في فشل الجميع، الشيوعيون منهم قبل غيرهم، في معرفة أسباب الإنهيار، أو الأحرى الإعتراف بها. وما يثير السخرية الممزوجة بالازدراء حقاً هو أن أعداء البروليتاريا داخل المجتمع السوفياتي، كما خارجه، يزعمون أن أسباب الإنهيار هي عوامل نمت وتفشّت أثناء حكم ستالين الذي وصفوه كذباً ونفاقاً، إن لم يكن جهلاً وغباءً، بالدكتاتوري والبيروقراطي، وحجتهم الوحيدة في مثل هذا الزعم هو أنه كان قد تم إعدام العديد من قادة الحزب الشيوعي في النصف الثاني من الثلاثينيات ــ لكن هل إعدام العديدين من الطبقة الحاكمة، وكذلك وجود قريب أول في السجن لأربعة من أبرز أعضاء المكتب السياسي للحزب ومنهم ستالين نفسه ، المكتب السياسي الذي هو أعلى سلطة في الدولة، هل يعني هذا بالضرورة أن نظام الحكم كان فردياً ودكتاتورياً؟ الحقيقة تقول أن العكس هو الأصح. فهتلر وهو الدكتاتور الأشهر في التاريخ حكم ألمانيا إثني عشر عاما ولم يعدم خلالها أحداً من حزبه، ومن أشهر الحكام الدكتاتوريين أيضاً كان فرانكو في اسبانيا وسالازار في البرتغال، ولم يسجل التاريخ أي إعدامات في حزبيهما طيلة حكمهما الذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً. لئن وجب أن تكون كثرة الإعدامات في الطبقة الحاكمة وسجن أقرباء لهم من الدرجة الأولى مؤشراً على طبيعة الحكم فالأولى أن تكون مؤشراً على ديموقراطية الحكم وهو ما يعني أن السلطة لا تحمي الخونة والفاسدين من رجال الدولة، وهذا عين الديوقراطية. أضف إلى ذلك أن ستالين لم يحدث طيلة حكمه الذي امتد لثلاثين عاماً أن اتخذ قراراً فردياً لوحده دون موافقة المكتب السياسي للحزب المؤلف من اثني عشر عضواً قيادياً منتخبين من قبل اللجنة المركزية للحزب؛ حتى تلك القرارات العسكرية أثناء الحرب التي تتسم بطبيعتها بالفردية وتعود للقائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد كان ستالين يتخذ قراراته الهامة بصورة جماعية داخل المكتب السياسي وغرفة العمليات باستثناء قراره بتبكير الهجوم على الجيوش الهتلرية المقرر في 28 يناير1945 إلى 12 يناير من أجل مساعدة القوات الأميركية والبريطانية المحاصرة في جبال الأردن في فك الطوق الألماني القوي الذي هددها بالإبادة ــ غرفة العمليات عارضت القرار بالإجماع وليس معروفاً إذا ما كان القرار عرض على المكتب السياسي ووافق عليه. في ثلاثينيات القرن الماضي بدا واضحاً أن الإمبريالية العالمية بقيادة المخابرات البريطانية متعاونة مع الفاشيين والنازيين في أوروبا تحيك مؤامرة دولية كبرى ضد الإتحاد السوفياتي. فبعد أن كانت المخابرات البريطانية قد حملت موسوليني على رأس الفاشيين عام 1922 إلى رأس السلطة في إيطاليا حين كان شبح الثورة الإشتراكية يحوم في سمائها، جهدت طويلاً وأنفقت كثيراً في أوساط حزب الإشتراكيين الديموقراطيين الألمان، وهو موئل الخيانة كما هو معروف عبر تاريخه، حتى حملت هتلر يقود النازيين إلى رأس السلطة في ألمانيا. مؤتمر ميونخ في سبتمبر 1938 كشف عن تعاون إمبريالي أنجلو- فرنسي ونازي فاشي ألماني - إيطالي يستهدف تصفية الدولة الإشتراكية الأولى في التاريخ، الإتحاد السوفياتي الذي كان يتهدد في العمق مشاريعهم الإمبريالية والعنصرية النازية المعادية للإنسانية وتقدمها الحضاري. بريطانيا وفرنسا أقرّتا بحق هتلر في احتلال النمسا وضمها للرايخ الألماني، وكذلك احتلال مساحات شاسعة من تشيكوسلوفاكيا دون استشارة الإتحاد السوفياتي الذي كان شريكا لبريطانيا وفرنسا بضمان أمن تشيكوسلوفاكيا. جاء موسوليني وهتلر يعلنان الهدف الأعظم لفاشيتهما وهو ما وصفاه باجتثاث الشيوعية. وطبعاً الإمبريالية الإنكليزية بقياد نفيل تشيمبرلين والفرنسية بقيادة إدوارد دالادييه أيدتا بل دعمتا هدف الفاشست ورفضتا كل المحاولات الحثيثة التي بذلتها القيادة السوفياتية لدى الحكومتين الإنجليزية والفرنسية من أجل عقد تحالف ضد النازية الهتلرية التي غدت آنذاك تشكل خطراً داهماً على السلم في أوروبا. سئل ستالين عن دواعي ما سمي بالتطهير في عامي 37 و 38 فكان جوابه أن ما يوصف بالتطهير لم يكن أكثر من تعليمات أعطاها للنائب العام للدولة أندريه فيشنسكي تقضي بألا تتهاون النيابة العامة للدولة مع الخونة والمتعاونين مع الهتلرية والعصابات التروتسكية كخطوة ضرورية من أجل تحصين الدولة السوفياتية في وجه المؤامرة الإمبريالية الفاشيه على أمنها ووجودها، وأكد ستالين أنه لولا تلك التطهيرات لما تمكن الإتحاد السوفياتي من الإنتصار على النازية. ويشار في هذا السياق إلى مؤامرة الإنقلاب العسكري على الحزب والدولة في العام 1937 التي اشترك فيها عدد من القادة العسكريين وعلى رأسهم مارشال الإتحاد السوفياتي ميخائيل توخاتشيفسكي وقد أعتقل المتآمرون قبل دقائق قليلة من تنفيذ المؤامرة حسبما أكد رئيس مجلس الوزراء آنذاك مولوتوف. كان التعذيب ممنوعاً منعاً باتاً للمعتقلين قيد التحقيق في النظام السوفياتي حتى اكتشاف تلك المؤامرة العسكرية حين أجازت القيادة التعذيب في حالات تمس أمن الدولة مباشرة فقط كما في حالة الضباط المتآمرين. جميع الذين أعدموا في عامي التطهير كانوا على اتصال بهتلر أو بتروتسكي الذي كان يحض ألمانيا الهتلرية على مهاجمة الإتحاد السوفياتي بوصفه مارداً ساقاه من طين ولن يقوى على الصمود بوجه ألمانيا النازية أكثر من شهر. كثيرون هم من صدقوا الدعاية التروتسكية واتصلوا بتروتسكي متحسبين أن يقوم تروتسكي بعقد اتفاقية تسليم الإتحاد السوفياتي لهتلر. اعترف عدد من قادة الحزب باتصالهم بتروتسكي وعصابته دون تعرضهم لأي تعذيب، مثل زينوفييف وكامينيف في العام 36 اللذين كانا يقضيان عقوبتهما في السجن لاشتراكهما في مؤامرة اغتيال الرجل الثاني في الحزب سيرجي كيروف، وبوخارين وريكوف في العام 38، وهؤلاء الأربعة كانوا من أعضاء المكتب السياسي للحزب؛ وكذلك المارشال توخاتشيفسكي ورفاقه الضباط الستة من قادة الجيش الذين اعترفوا تحت التعذيب في العام 37. مراهنة قادة كبار في الحزب وفي الجيش على المشروع النازي الهتلري في اجتثاث الشيوعية هو ما جعل ستالين ببصيرته الثاقبة يضيف إلى قانون الصراع الطبقي بنداً إضافياً يقول . . " كلما تقدم البناء الإشتراكي كلما ازدادت حدة الصراع الطبقي ". ما أثبت شرعية البند الذي أضافه ستالين لقانون الصراع الطبقي هو الإنقلابات العسكرية الثلاث ضد الحزب خلال ولاية خروشتشوف 1954 ــ 1964. فالإنقلاب الأول الذي تمثل بإزاحة مالنكوف لصالح خروشتشوف كان قد جرى في أكتوبر 53 من أجل إلغاء الخطة الخماسية التي كان الحزب قد أقرّها مستهدفاً مضاعفة إنتاج البضائع الإستهلاكية لخير طبقة العمال تحديداً وكخطوة أساسية من أجل إلغاء طبقة الفلاحين. تم تعطيل الخطة بحجة تفضيل الصناعات الثقيلة على الصناعة الخفيفة وتبيّن أن الصناعات الثقيلة المقصودة هي صناعة الأسلحة التي تقوي موقف العسكر في الصراع الطبقي الناشب ضد طبقة العمال. وكان تعطيل الخطة مخالفة فظة غير مسبوقة للقانون وللنظام حيث قرارات المؤتمر العام للحزب هي الأعلى دائماً لا يعدلها أو يلغيها سوى قرار آخر من مؤتمر عام للحزب. أما الإنقلاب الثاني قي يونيو 1957 وطرد البلاشفة الستة من المكتب السياسي وهم نصف عدد أعضائه، فقد جرى بسبب الخلاف حول طبقة الفلاحين أيضاً، حيث وضع خروشتشوف مشروعاً يقضي بتنمية طبقة الفلاحين بعد أن كانت سياسة الحزب تنحو نحو إلغائها. مشروعه " إحياء الأراضي البكر والبور " أضاف في فصل واحد 200 ألف فلاح جديد إلى طبقة الفلاحين وأنفق عليهم حوالي 30 ملياراً من الدولارات. مشروع الصناعات الثقيلة قوّى جبهة العسكر ومشروع " إحياء الأراضي البكر والبور " قوّى جبهة الفلاحين وهؤلاء وأولئك هم أعداء البروليتاريا وأعداء الإشتراكية. كل ذلك جرى بالطبع على حساب طبقة العمال التي هي وحدها من يقود العبور الإشتراكي كما اشترط كارل ماركس ومن بعده لينين. المكتب السياسي في يونيو 57 سحب ثقته من خروشتشوف بعد أن تكشفت سياساته الخيانية وكان عليه أن يتنحى كما كان مالنكوف قد تنحي في العام 53، غير أنه وباستخدام القوى العسكرية ألغى قرار المكتب السياسي الذي لا يلغيه إلا المؤتمر العام للحزب والذي لا ينعقد بدوره إلا بقرار من المكتب السياسي، وجرى هذا الإنقلاب تحت شعار تنمية طبقة الفلاحين. الإنقلاب الثالث جرى في اكتوبر 1964 حيث اجتمع عدد من كبار ضباط الجيش في الكرملين واستدعوا خروشتشوف الذي كان خارج العاصمة ولدى حضوره هددوه بالقتل أو بالإستقالة، فقبل الإستقالة لصالح رجلهم الجديد ليونيد بريجينيف الذي اشتهر بتجارة السلاح، تجارة العسكر. أسباب الإنقلاب كما بدا واضحاً في مذكرات خروشتشوف هي أنه بدأ يعي أبعاد خيانته للنهج اللينيني الستاليني فطلب من المكتب السياسي للحزب أن يقرر تخفيض الإنفاق العسكري وحين تردد الأعضاء في ذلك خوفاً من سطوة العسكر شتمهم خروشتشوف قائلاً . . " خراء ستالين أفضل منكم ". لذلك سارع العسكر بإلغائه من الحياة السياسية. لا يمكن أن يكون المرء شيوعياً حقيقياً قبل أن يعرف تمام المعرفة الأعداء المباشرين لطبقة البروليتاريا. أولئك الذين ما فتئوا يملؤون الفضاء زعيقاً بالعداء للإمبريالية هم ليسوا بورجوازيين وضعاء فقط بل خونة للعمل الشيوعي أيضاً. يضللون عن قصد البروليتاريا عن عدوها الطبقي فيما بعد " تطهير " حزب لينين من البلاشفة اللينينيين. ليسوا الإمبرياليين هم من أسقطوا رسمياً دكتاتورية البروليتاريا في العام 59 في الإتحاد السوفياتي بل هو خروشتشوف وعصابته في قيادة الحزب " الشيوعي". وليسوا الإمبرياليين هم من أوقفوا الصراع الطبقي في بناء الإشتراكية بل هو خروشتشوف بمرسوم رئاسي وعصابته علماً بأن الإشتراكية إنما هي أساساً معركة متصلة للبروليتاريا ضد أعدائها الطبقيين، ووقف الصراع لا يعني سوى الإرتداد عن الإشتراكية. ليسوا الإمبرياليين هم من قاموا بالإنقلابات على الحزب في الأعوام 53 و 57 و 64 بل هم قادة الجيش " الأحمر " خلفاء المارشال الخائن توخاتشيفسكي. ليسوا الإمبرياليين هم من أمر الدبابات السوفياتية ألا تطلق النار على البيت الأبيض مقر البرلمان في الإنقلاب على غورباتشوف ويلتسن عام 91 ، وليسوا هم من جعل ذات الدبابات تحرق البيت الأبيض في العام التالي. ليسوا الإمبرياليين هم من فككوا الإتحاد السوفياتي ليعلن كل عضو في المكتب السياسي استقلال جمهوريته برئاسته ثم يعلن بكل صفاقة عداءه للشيوعية وللشيوعيين. ليسوا وكلاء الإمبريالية هم الذين شكلوا المكتب السياسي للحزب الشيوعي. من يغمض عينيه عن كل هذه الحقائق إنما هو ليس أقل من خائن للشيوعية، ويزيد في خيانته إن ظل يرتدي رياءً رداء الشيوعية. ما يفضح هؤلاء الخونة هو أن أحداً منهم لم يتوقف لمرة واحدة فقط أمام " الثورة " المضادة التي قامت بها البورجوازية الوضيعة بقيادة خروشتشوف في خمسينيات القرن الماضي والتي بعدها مباشرة بدأ الإتحاد السوفياتي بالتراجع والإنحدار نحو التفكك والإنهيار. وبالوقاحة والمخاتلة اللتين تميّزان البورجوازية الوضيعة لا يتذكر هؤلاء الخونة غير الدكتاتورية والبيروقراطية المزعومتين لستالين حين كان الإتحاد السوفياتي يحقق الإنتصارات العجائبية على مسار تقدم الثورة الإشتراكية، تلك الإنتصارات التي ما كانت لتتحقق إلا بدكتاتورية حقيقية للبروليتاريا، تنعدم فيها أية سلطة أخرى غير سلطة العمال المطلقة. الحرب العالمية الثانية 1941 ــ 1945 بينت بصورة حدية من هم الجنود الأحرار، وإعادة الإعمار 1945 ــ 1950 التي أدهشت كل المراقبين بمن فيهم غورباتشوف دلت على المجتمع الأكثر ديموقراطية. ما يثير الإستغراب حقاً هو أن البورجوازية الوضيعة ما زالت تنكر أنها هي وليس غيرها من قوض مشروع لينين وألحق هزيمة مذلة بالبروليتاريا. من أجل إنكار دورها في تقويض المشروع أنكرت مبدأً رئيسياً من مبادئ الماركسية القائل بأن الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، فهل تحرك تاريخ الإتحاد السوفياتي إلى الخلف بدون صراع طبقي وتواجد طبقة معادية لطبقة البروليتاريا!؟ تدعي البورجوازية الوضيعة السوفياتية، وغير السوفياتية أيضاً، أن الدكتاتورية والبيروقراطية الستالينية هما ما تسبب بانهيار المشروع اللينيني. لو وافقنا على هذا الزعم الباطل لتحتم حال اكتشاف السبب المزعوم من قبل خروشتشوف في العام 56 تعافي المشروع واستئناف مسيرته الإشتراكية بقوة أكبر، إلاّ أننا ما رأيناه في الواقع هو أن الوهن والتراجع بدآ بالظهور على الإتحاد السوفياتي حال استلام خروشتشوف القيادة في العام 54. التراجع الإقتصادي جرى الطبطبة عليه إلا أن الإنقلابات العسكرية الرجعية العديدة التي جرت في العالم الثالث في الستينيات دلّت دلالة قطعية على خبوّ أوار الثورة الإشتراكية في العالم وفي مركزها موسكو بداية. الدكتاتورية والبيروقراطية لا يعملان وحدهما على انهيار الإشتراكية دون أن يكون هناك أعداء متربصون يقتنصون الفرصة لنقضها. والقول بأن الخلل كان مستفحلا وغير قابل للإصلاح، أو الزعم بأن خروشتشوف كان نسخة أخرى عن ستالين أو أي إدعاءات أخرى بلهاء لا تلغي بأي حال من الأحوال تواجد أعداء أقوياء للمشروع داخل المجتمع السوفياتي. عبثاً تجهد البورجوازية الوضيعة في إخفاء دورها في تقويض الإتحاد السوفياتي ومشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية. وهل بالإمكان وصف أعضاء المكتب السياسي الذين توافقوا على تفكيك الإتحاد السوفياتي واستقلال كل منهم رئيساً لجمهوريته، هل بالإمكان وصفهم بشيوعيين بيروقراطيين!؟ الشيوعية هي بعد كل شيء إلغاء تخصيص العمل، والبيروقراطية هي قبل كل شيء تخصيص العمل فكيف يمكن جمع الشيوعية والبيروقراطية في شخص واحد؟ بالرغم من نجاح البورجوازية الوضيعة الباهر في تقويض المشروع الإشتراكي اللينيني وجعله أثراً بعد عين إلا أنها مع ذلك ما زالت تخشى الفينيق الشيوعي ينبعث من تحت الرماد ليحاربها من جديد حتى فنائها. ولذلك ما زالت تشيع أراجيفها القديمة حول الستالينية واعتمادها على الدكتاتورية والبيروقراطية والتي كانت صرخة حربها ضد البروليتاريا في خمسينيات القرن الماضي التي نجحت بها في قهر البروليتاريا ساعدها في ذلك الجهل الفاضح لطلائعيي البروليتاريا في العلوم الماركسية. تستمر في صراخ ذات الصرخة لأنها تعلم تماماً أن لا إشتراكية بغير إنتهاج النهج اللينيني الستاليني القاضي بإنجاز العبور الإشتراكي إلى الشيوعية المرتكز على محو الطبقات حيث تخوض البروليتاريا أصعب وأشرس معاركها ضد البورجوازية الوضيعة، تلك المعارك التي حذّر من شراستها ماركس وإنجلز في بيانهما الشيوعي وفي أكثر من مرجع. كما أن الجهل المطبق في العلوم الماركسية ما زال يطوق العمل الشيوعي ويحاصره من كل الجهات. لن يفلح العمل الشيوعي في فك الطوق الخانق والذي يساعد البورجوازية الوضيعة في حربها ضد الشيوعية سوى الوعي العلمي الماركسي يرافقه الدراسة التفصيلية لتاريخ المشروع اللينيني وتطوراته المعقدة عبر عمره الممتد لأربعة وسبعين عاماً. هناك جهل فاضح بين الشيوعيين على مختلف مستوياتهم في القاعدة كما في القمة وبمختلف أجيالهم. من يتصور أن أميناً عاماً لحزب شيوعي لا يدرك ماهية الإشتراكية ويصفها بالمساواة والعدالة الإجتماعية. من يقول هذا القول لا يستحق أن يكون عضواً في أي حزب شيوعي فما بالك بأمين عام، وعليه أن يخجل من نفسه طالما أن كارل ماركس قد سخر سخرية مرة من فكرة المساواة وفكرة العدالة الإجتماعية بل ومفهوم الحقوق الذي يؤسس لمثل هذه الأفكار البورجوازية الوضيعة. أحد هؤلاء الجهلاء أسس لحزب " شيوعي " مختلف سماه (حزب العمال الشيوعي) حيث أدان البلاشفة بادعاء فشلهم في استبدال علاقات الإنتاج الرأسمالية بعلاقات إنتاج اشتراكية (!!) أولئك الذين يتقولون بالمساواة والعدالة الإجتماعية في الإشتراكية هم أقل جهلاً من مثل هذا الجاهل جهالة فريدة. الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً مستقراً ليكون لها علاقات إنتاج. الإشتراكية هي قيام دولة دكتاتورية البروليتاريا بثورة لا تهدأ ولا تنتهي قبل إلغاء كل الحقوق وكل الملكيات؛ ويأتي أحد الجهلاء الأغبياء ليدين البلاشفة لأنهم لم يقيموا علاقات إنتاج اشتراكية. كيف لعلاقات إنتاج أن تقوم في غمار هذه الثورة ضد كل الحقوق. الجاهل الجهول الذي أسس ل "حزب عمال شيوعي" لا يفهم أن علاقات الإنتاج مهما كان جنسها تقوم أساساً على توزيع الحقوق البورجوازية بين ذوي العلاقة ودكتاتورية البروليتاريا تُنشأ أصلاً لإلغاء كل الحقوق بمختلف أجناسها. الإشتراكية تلغي علاقات الإنتاج لا لتستبدلها بعلاقات أخرى مختلفة بل لتمحوها من الوجود نهائياً كيما يعبر المجتمع إلى الشيوعية التي تغيب فيها كل الحقوق، فالحقوق هي دائماً وأبداً بورجوازية. ثم كيف لهذا الجهول أن يدعي بأن علاقات الإنتاج في المجتمع السوفييتي ظلت علاقات رأسمالية في الوقت الذي كان جزءاً كبيراً من الإنتاج الوطني لا يذهب للسوق ولا يستبدل بنقد حيث لم يكن هناك سوق على الإطلاق ولم يكن هناك نقد بالمعنى التاريخي للنقد، فالروبلات لم تكن لتستبدل إلا بالسلع المعاشية الإستهلاكية الضرورية لاستمرار الحياة. أجور العمال السوفييت لم تكن أجوراً بالمعنى الوافي للكلمة بل كانت معاشات لا تتناسب دائما مع القيمة الرأسمالية لإنتاج العامل كما عليه الحال في الدول الرأسمالية. كان فصل تام في النظام السوفياتي بين السلعة وقيمتها الرأسمالية، ورغم كل ذلك يتجرأ هذا الجهول لأن يدعي بأن علاقات الإنتاج في المجتمع السوفياتي كانت علاقات رأسمالية بينما في الواقع لم يكن هناك علاقات إنتاج ثابتة على الإطلاق. الإشكال الذي يعرقل بل يعطل العمل الشيوعي اليوم هو أن البورجوازية الوضيعة (الطبقة الوسطى) التي امتلكت العالم الإشتراكي مع بداية النصف الثاني من القرن المنصرم، وامتلكت العالم الرأسمالي مع بداية الربع الأخير منه، هذه البورجوازية الوضيعة ما زالت تنكر أنها هي نفسها من تآمر على المشروع اللينيني والثورة الإشتراكية وقوّضهما. بل وتزيد في تآمرها فتجند جماعات من أطرافها لتنتحل صفة الشيوعية وتفاقم من عرقلة العمل الشيوعي من داخلة، زاعمة أنها ليست البورجوازية الوضيعة من قوض الإشتراكية بل هم البلاشفة أنفسهم كستالين ولينين!! للوقاحة ضروب لكن مثل هذا الضرب البورجوازي الوضيع لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل. فـؤاد النمـري (الحوار المتمدن)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني