نقاش حول الأنشقاقات في الأحزاب الشيوعية - كارثة أم ضرورة
مفهوم الإنشقاق هو خروج مجموعة من الأعضاء بشكل تكتل خارج الحزب تنظيمياً و التموضع في موقع مختلف عن الموضع السابق نتيجة لعدة أسباب قد تكون اديولوجية او سياسية او شخصية او عرقية او حتى من مخلفات الأجتماعية القديمة .
الإنشقاقات في الأحزاب الشيوعية تختلف عن باقي الأحزاب و التيارات لأن الأحزاب الشيوعية هي تجمع لمجموعات من البشر من كل القوميات و الأديان و العشائر والجامع لهم هو الأديولوجيا الفكرية التي توحد البشر لأجل هدف محدد و هو خلاص المجتمعات من مجتمع الطبقات الى المجتمع الأشتراكي النقيض له .
تعرضت الحركة الشيوعية منذ اصدار (ماركس وانجلس)البيان الشيوعي لكثير من المتغيرات و الإنشقاقات الكبيرة و الصغيرة منها.
مع تشكيل الأممية الأولى على يد ماركس و تحولها الى قوى ترعب الأعداء الطبقيين بجمع كافة القوى الإشتراكية من كل المذاهب تبين بوضوح وجود اختلافات بين القوى المتحالفة بسبب الوضع الطبقي لكل حزب او تيار.
و تجلى ذالك بعد مدة تعتبر قصيرة تشكيل الأممية الثانية من قبل الأشتراكيين الديمقراطيين و من رموزها المرتد (كاوتسكي)كما وصفه الرفيق لينين .
المتابع لتاريخ الأممية الثانية بدقة و المتابع للظروف الأقتصادية السائدة سيرى أن تشكلها أتى نتيجة خيانة الاشتراكيين الديمقراطيين للطبقة العاملة بحكم وضعها الطبقي و تداخل مصالح من يدعي الشيوعية مع مصالح رأس المال.
لقد اسهمت الأوضاع الأقتصادية و النهب الوحشي للعمال، اسهمت في تقليص قوى المرتدين و فضحت الخيانة و أجبرت مرة اخرى أن تندس في صفوف العمال برفع شعارات شيوعية حتى تتجنب الأفلاس في الشارع و رفع شعار التوحد للدفاع عن العمال الذين خانتهم الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية و لمحاولة تغيير الخط السياسي الشيوعي و إيقاف التقدم في الشارع بطرح أفكار عديدة لكن دون طرح قضية التغيير السياسي لصالح العمال .
لينين تعرض لهجوم من كل النواحي، مرة الهجوم على شخص لينين ،مرة على تعامل لينين وحزب لينين مع القوى الاخرى، مرة حول فهم الماركسية، و كلها كانت لتغطية الفرق بين الهدف الذي يسعى اليه لينين و ما سيعى اليه الأشتراكيين الديمقراطيين بأطالة عمر الرأسمالية التي لهم مصالح معها.
المحاربة لم تئتي من الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية فقط، بل من بعض أعضاء الحزب الشيوعي نفسه و لنفس الأسباب و من يقرأ كتاب لينين (خطوة الى الأمام خطوتين الى الوراء ) سيلاحظ أدق التفاصيل التي دونها لينين و طريقة عمل الأنتهازيين بين صفوف الحزب.
حدوث انشقاق بين المناشفة الأكثيرة الحزبية و البلاشفة الاقلية التي بقت مع لينين أدت الى توقع الرأسماليين على ان الحزب الشيوعي تلقى ضربة قسمت ظهره و لم يعد يملك المبادرة لقيام بالثورة التي يخطط لها.
وقد أثبتت التجربة المادية ان قوى الحزب ليست في العدد فقط بل النوعية و الترابط بين الكم و النوع .
مع نجاح الثورة الأشتراكية و تولي الطبقة العاملة زمام السلطة السياسية ظهر نوع جديد من التحريفية (التروتسكية ) نسبة الى المرتد ليون تروتسكي بطرح سياسات تهدف الى إرهاق الثورة التي لم تكن قد ثبتت قدمها على الأرض بعد، وذلك بغية إدخالها في مطبات توصلها في نهاية المطاف الى الأنهيار .
من ما طرحة تروتسكي معارضته لصلح (بريست)الذي لم يوافق الكثير من اعضاء الحزب الثوريين المتحمسين عليه مما أجبر لينين ان يهدد المكتب السياسي إما القبول بصلح أو قبول الأستقالة و للمفارقة حتى ستالين كان ضد الصلح بسبب الروح الثورية و اعتباره أن الصلح يعتبر إهانة لإتحاد السوفياتي.
النقطة الثانية التي طرحها تروتسكي الثورة الشاملة في أوروبا و ادخال الثورة الى مطبات لا قدرة لها بعد .
و العديد من التصرفات التي كانت واضحة انها تهدف الى النيل من ثورة اكتوبر العظمى مما أجبر الرفيق ستالين أن يضع حد له و لكل اتباعه.
ثورة اكتوبر الأشتراكية العظمى تحققت بعد أنشقاقات كثيرة و صراعات مدمرة و لولا هذه الصراعات لما أنتصرت الثورة .
الثورة انتصرت بـ أقلية ( البلاشفة ) لكن الثورة أنهارت رغم أن عدد الأعضاء في الحزب الشيوعي السوفياتي كان عشرين مليون مع أنصاره و هو عبرة للحركة الشيوعية .
لينين ( ان الأنشقاقين و المخربين هم الأكثر حديثاً و تشدقاً بالوحدة ).
وفي منطقتنا عانت العديد من الأحزاب المشكلة نفسها بسبب روح الإنتهازية و دخول البرجوازية الصغيرة الى صفوف الحزب الشيوعي و نرى أن الأحزاب التي لم تنجح بالتخلص من السموم انهارت رغم أنها كانت في وقت من الأوقات تعتبر من الأحزاب العملاقة في بلدانها مثل الشيوعي العراقي و الى حدما المصري و تحجم الباقي بشكل كبير.
أما من مر بنفس التجربة التي مربها الرفيق لينين و دخولها صراعات مدمرة هيا الآن تعتبر بحالة ممتازة، مقارنة مع معظم الأحزاب الاخرى ولها وزن في الشارع يحسب له حساب.