PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أزمة اليسار والظروف الموضوعية جزء3

إذا كان الحديث فيما سبق عن ظروف ذاتية في أزمة اليسار فلا بد من التطرق استكمالا في الظروف الموضوعية التي عمل فيها الشيوعيون والتي شكلت عنصرا ضاغطا في تقليم الامتداد الجماهيري للشيوعيين على الرغم من العمر الزمني للفكر الشيوعي والذي بدأ منذ أوائل القرن الماضي ، لقد عمل الشيوعيين في ظل ظروف مجافية لهم من نواحي عدة ولا نريد هنا ، استعادة التاريخ بكيفية دخول الفكر الشيوعي إلى عالمنا العربي لكن ما نود التأكيد عليه هنا ، أن هذا الفكر الذي نشأ قبل ورافق قيام الدول العربية المعروفة اليوم ، وكان امتداد طبيعي لحالة الوعي الطبقي ليس على الصعيد العربي بل العالمي أيضا ، لذلك ليس غريبا نشوء حالة من العداء التاريخي طبقيا بين هذه الأنظمة والفكر الشيوعي من منطلق انتماء كل منها لمعسكره وتحالفاته المتناقضة طبقيا على الصعيد العالمي والعربي فهي حالة من العداء شكلت امتداد لدائرة عداء أوسع في حلبة الصراع الطبقي بين معسكري الاشتراكية والإمبريالية. لقد اصطدم العمل الشيوعي في كافة أقطار العالم العربي بجملة من الصعوبات كان أولها تصادمه مع الواقع العربي كفكر مادي ثوري امتاز بالجدية في سعيه لتغيير ونسف الأساس لملكية وسائل الإنتاج حيث ووجه بمعارضة تستند لمورث ثقافي ديني اجتماعي سائد ، وبقيادات ارتبطت مصالحها مع تأبيد هذا الواقع ، وهي تحظى بشعبية جماهيرية. هذه القيادة التي تماهت مع الواقع دون تغيير جذري فيه ، وحولت ممارستها السياسية إلى دجل ونفاق يدور بالمجتمع بحلقة مفرغة نحو الانحدار الدائم ، هذا التصادم تطلب بالمقابل موقف جذري وبث وعي طبقي بقيادة حزب ثوري يسلح جماهير الطبقة العاملة بأدوات انتصارها وهما التنظيم والنظرية (الماركسية اللينينية) هذا التنظيم والنظرية التي شكلت تهديدا حقيقيا لمصالح هذه القيادات ، والتي حملت مسميات عدة ، حيث افتعلت معركة الإلحاد مع الشيوعية ، ووصفت الفكر الشيوعي بكل الأوصاف الشيطانية ، وهي التي مارست الأعمال الشيطانية قولا وفعلا من بيع للأرض والشعوب لصالح المشروع الصهيوني والاحتكارات الدولية . رغم صعوبة الاستقطاب الجماهيري في ظل واقع مسير بمورث حكم مسبق وتحالف الرجعيات مع الامبريالية والصهيونية في سبيل وقف الخطر الشيوعي ، دعم هذا التحالف أي حزب منافس أو ذو توجه عدائي مع الشيوعيين وخاصة الأحزاب الدينية ، وذلك لإشغال وإبعاد الشيوعيين عن معركتهم الطبقية وحرف مسارها ، ويؤكد ذلك ما نشهده اليوم من تحول أصدقاء الأمس إلى أعداء اليوم كما حدث في أفغانستان وهذا التحالف (الرجعي الإمبريالي الصهيوني) لا يتوانى عن إتباع أي سياسة مهما كانت فيها من القذارة والدجل والدموية في سبيل تمرير سياسته العالمية وإدامة سيطرته ونهبه لشعوب العالم يعونه في ذلك الرجعية العربية في واقعنا الخاص ، هذه الرجعية التي لم تدخر جهدا في تطبيق أوامر الإمبريالية بقمع الشيوعيين على مدار عقود طويلة . ونحن هنا لسنا في معرض استعراض تضحيات وبطولات وشهداء الحركة الشيوعية العربية أو الفلسطينية ، لكن يكفي للتدليل عليها عناوين دامغة في سجن المزه وأبو زعبل والجفر ، ويكفي أن قيادات هذه الحركة عذبت أو أذيبت أجسادها بالأسيد وهم أحياء أو لفظوا أنفاسهم على الطرقات والخيل تسحبهم إلى السجون الصحراوية وقائمة الاغتيالات طويلة ، أطول من أعواد المشانق التي علق عليها الشيوعيين في الساحات العامة . لقد وصل جو الإرهاب الرجعي حدا أن يمضي الشيوعيون عقودا بالمعتقل لمجرد العثور لديه على منشور واحدا ، وأصبحت الشيوعية تهمة شرف للكثير من المعارضين. لذلك يجب أن يظل ماثلا أمامنا حالة القمع التي تعرض لها الشيوعيون عند الإجابة على التساؤل المشروع ، لماذا لم يكن الشيوعيون قادرين على التأثير في الواقع العربي رغم العمر الزمني الطويل جدا للعمل الشيوعي ؟؟. صحيح أن قمع السلطة وإرهابها قد يلعب في أحيان كثيرة دورا مهما في تنمية الالتفاف الجماهيري حوالمعارضة ، خاصة إذا كانت تلك السلطة سافرة التناقض في ممارستها ومصالحها مع عامة الشعب ، لكن في المقابل ورغم حالة التناقض هذه فإن الإرهاب قد يطمر لهيب الغضب الجماهيري تحت الرماد لفترات قد تطول أحيانا . لذا فإن شدة القمع التي تعرض لها الشيوعيون كانت في أحد جوانبها العامل الأهم في الحد من جماهيرية المد الشيوعي ، إلا أن هذه الجماهير نفسها ستراكم من خلال تجاربها الخاصة حقدها الطبقي وجمر غضبها تحت الرماد والتي يمكن أن يخلق الوضع الثوري الملائم للانفجار وستتعرى كل القيادات أمام الجماهير ( قيادة البرجوازية). لقد نجحت قيادات فاشلة في توجيه الشارع العربي وذلك بسبب بسيط هو امتلاكها لمقدرات إعلامية ومادية واختفائها في ثوب اجتماعي ثقافي ديني يتماهى والواقع العربي ، هذه القيادات التي لم تأت بفكر جذري لتغير الواقع بل للتوافق معه على علاته حفاظا منهم على مصالحهم ومواقعهم الطبقية الخاصة وهو سر انقياد الشارع لها . بينما كان الشيوعيون لا يملكون غير أجسادهم ومبادئهم والعمل بشكل جذري لتغير الواقع ثوريا ، وأي تغير جذري للمجتمع لن يسير بسهوله لأنه رغم جذريته وثوريته يبدأ بقلة تبدوا غريبة ومجتمع غير متقبل ، لذا فإن عمل الشيوعيون كان جهدا ضخما مقارنة بباقي التنظيمات في سبيل تعميم ونشر وعي الطبقة العاملة لذاتها وإدراك رسالتها التاريخية في التأسيس لبناء مجتمع العدالة ، ومن هنا ليس غريبا أن يكون مقاومة الفكر الشيوعي مؤشر طبيعي لتناقضه طبقيا ومصالح أكثر القادة العرب ثورية فهو مهدد لأسس قيام هذه الأقطار ، وتحالفاتها الإقليمية والدولية ، وبالتالي تشكل صراعا طبقيا بين قلة لا تملك سوى فكر ثاقب وكثرة تملك كل مقومات القمع والبطش وهي أكثر دموية في تعاملها مع كل من يهدد مصالحها. إن شدة القمع هذه تماثل تماما حالة الرعب الذي شكله وما زال يشكله الفكر الشيوعي لأعدائه الطبقيين في كافة القطار العربية . إن حالة التصادم هذه وحالة القمع تعني بكل بساطة أن الشيوعيين قد قطعوا شوطا مهما وهو الأصلب في نضالهم فقد تجاوزوا مرحلة إنكار وجودهم ومرحلة إهمالهم ومرحلة احتوائهم ، وخاضوا مرحلة قمعهم والتي أثرت بشكل كبير عليهم وأعادت الكثيرين منهم لمرحلة الاحتواء ، لكن الأهم من ذلك أنه بقي منهم الأوفياء القابضين على الجمر المصرين على تخطي القمع وفرض وجودهم . إن تغير المجتمعات ثوريا ، وخلق مجتمعات جديدة نوعيا لا تعني تقليب التاريخ والتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية كما تقلب صفحات كتاب وليس تغير ميكانيكيا بل هو تطوير ما هو إيجابي في المجتمع والحفاظ والبناء عليه ، فهو ليس نفي مطلق للواقع سلبا وإيجابا ، لذا فإن الفكر الشيوعي كفكر ثوري يسعى لتغير الواقع بما يلائم حركة التاريخ وصيرورة التقدم الإنساني ، هذا الفكر الذي ينمو بالمجتمع كالنبتة التي تحتاج لرعاية ، وكل محاولات القمع لقتل نمو النبتة غير ممكنة ، وذلك لسبب بسيط وهو أن عوامل نموها طبيعية وجذورها ضاربة في أرض الواقع تغذيها مصالح الفقراء والكادحين ، فالقضاء على النبتة يعني القضاء على جمهور الشغيلة والفقراء في المجتمع وهذا غير ممكن لأن القلة المتبقية وهي البرجوازية لا ولن تستطيع تشكيل مجتمع خاص بها لتعارضه وطابعها الطفيلي ، باستغلال عمل الغير وجل ما تستطيعه البرجوازية والرجعية فعله هو تقليم أو إعاقة نمو نبته الفكر الشيوعي زمنيا لكن القضاء عليها مستحيل. إننا كشيوعيين ندرك عميقا حجم المهام الملقى على عاتقنا و لا ننكر الواقع رغم مرارته وصعوبات المرحلة ، خاصة في أعقاب انهيار التجربة السوفيتية كما ندرك أن حجم الهجمة الإمبريالية في ظل العولمة والقطب الأوحد والسياسة الدولية الجديدة لنظام الاحتكارات العالمية ستكون أشد شراسة ، وستشهد تراجعات حادة في صفوف حملة لواء الفكر الشيوعي في ظل كل ذلك وإدراكا منا بصعوبة المرحلة لا يمكن لنا التراجع ولو خطوة واحدة للوراء ، وسنبقى قابضين على الجمر لإدراكنا العميق أن السياسة الدولية الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ستشهد احتداما للصراع الطبقي حيث الامبريالية الطفيلية في سعيها لنظام عالمي جديد هذا النظام الذي سيكون أشد سفورا في قمع وسلب الكادحين على نطاق دولي ، وسيتأثر به أكثر من غيره بلدان العالم الثالث بسياسات النهب والهيمنة الاقتصادية الأشد من الاستعمار العسكري السافر . هذه الهيمنة التي تنهب ثروات البلدان ونتاج عمل شغيلتها لصالح الاحتكارات الدولية التي ستشهد معارك طاحنة بينها في سبيل الاستيلاء على ثروات الشعوب ، والقيمة الزائدة للشغيلة في العالم ولن يوقف جشعها سوى إدراك كافة شغيلة العالم أن سيف الاحتكارات والمؤسسات المالية الدولية المسلط على رقاب العمال في كافة أقطار العالم حتى شغيلة دول المركز ، وما نشهده اليوم من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على شغيلة أوروبا وأمريكا ومن ضحاياهم يجعلهم في خندق واحد ضد الوحش الاحتكاري الذي يتحكم بالإنتاج العالمي ويزداد ثرائه وبالمقابل يزداد بؤس العمال العالمي ، إن طبيعة الإمبريالية الطفيلية وسعيها الدائم وراء القيمة الزائدة يجعلها لا تقيم وزنا أو فرقا بين شغيلة المركز أو الأطراف فقد بات الشغيلة في دول المركز تدرك أكثر من أي وقت مضى أن ليس فرص العمل المهدد دوما بالفقدان وليس نسبة الزيادة في البطالة العالمية في ازدياد ، بل أن الدم الذي يراق في سبيل تأمين القيمة الزائدة للوحش الاحتكاري في مغامراته العسكرية ، وتغذيته وتفعيله للنزاعات الدولية والإقليمية والعرقية هو دم شغيلة البلدان قاطبة سواء في دول المركز أو الأطراف. إننا كشيوعيين إذ نرى الواقع بكل مرارته فإن ذلك لا يثني عزيمتنا عن المقاومة والاستمرار والتضحية في ظل معادلة انقلاب الموازين لصالح الأعداء الطبقين ، ولن يكون عزمنا أقل صرامة مع كافة الأعداء الليبراليين والانتهازيين والمرتدين والمحرفين للفكر الماركسي اللينيني. بقلم الرفيق أبو يوسف (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني