PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الاغتراب جنين الثورة

بما أن الإنسان كائن اجتماعي كما قال ابن خلدون في مقدمته "الإنسان مدني بطبعه" فهو دائم السعي للتكيف الاجتماعي. إن المجتمع الإنساني "أي مجتمع" خاضع في تنظيم العلاقة بين أعضائه لقوانين مكتوبة تشريعية وأخرى غير مكتوبة . لكن متعارف عليها صمن إطار العادات والتقاليد ومجمل الموروث الاجتماعي ، وكما يقال فإن الإنسان ابن لبيئته تحدد نمط ومجال تفكيره وسلوكه بناء على هذه المعايير المجتمعية. وفي سعي الإنسان للتكيف الاجتماعي مع وسطه نجد حالات اجتماعية سواء فردية أو جماعية قد تجد نفسها في حالة تعارض مع الموروث الاجتماعي بكافة أشكاله القانونية وغير القانونية ظن سواء منها الدينية ، الاقتصادية ، السياسية ....الخ ، وهذا التعارض ينجم عن عدم قناعة بما هو موجود وبالتالي الشعور بعدم الانتماء أو الولاء له اجتماعيا ، وفي مجالاته المتعددة أو جزء منها، وهذا الرفض أو الشعور بعد الانتماء ناتج عن قناعة بتخلف الموروث الاجتماعي وبالتالي إن ما هو سائد لا يعبر عن شخصه أو مصالحه الفردية والمجتمعية والطبقية. إن حالة التعارض التي تنشأ تصاحب ما يعرف بحالة الاغتراب أي شعور الفرد بعدم الانتماء والتوافق مع الأنماط الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية والفكرية والسائدة جميعها أو بعضها ، لذلك فإن ردة فعل الفرد تختلف بين شخص وآخر ويمكن أن تتمحور ردات الفعل في جوانب محددة سائدة في المجتمع وقد تتمثل بمايلي:- 1-انطواء على الذات والسلبية المطلقة (منغوليا). 2- التشاؤم السلبي وعدم الفاعلية وفقدان الثقة. 3- الفوضوية وهي ردات فعل غير منظمة وعفوية يتصرف بها الفرد بناءا على لحظة انفعالية. 4-التمرد وهو عدة أشكال منه التمرد السلبي ومثال ذلك ظاهرة الهبيين في أمريكا وأوروبا الذين يتحللون من كافة القيم الاجتماعية والرفض الدائم للمؤسسة الرسمية ويحاولون العودة بعيشهم للنظام البدائي كظاهرة احتجاجية وهو نكوص إلى الوراء. أما التمرد الايجابي فهو رفض للواقع السلبي مع عدم إهمال ما هو ايجابي في الواقع ومحاولة الرقي بهذا الواقع وتخليصه من سلبياته ، لذلك نجد الثوريين من بين هؤلاء المتمردين والمطالبين بالتغير ، فهم عنصر إيجابي في المجتمع وقد يستند هذا النوع من التمرد على وضوح معرفي (فكري) قادر على التحليل ومعرفة مداخل التغير فيه ، وقد يكون مجرد أماني غير واضحة المعالم لأسلوب التغير، فإذا ما فشل هؤلاء المتمردين في تغير الواقع بسبب بسيط وهو عدم امتلاكهم القدرة على استيعاب آلية وأسلوب التغير وكانوا مندفعين يغمرهم شعور أن أبسط الدعوات أو التصريحات لا بد أن يعقبها التغير المطلوب أو لعدم القدرة على تحمل مشاق وأعباء مهمة التغيير. والتغير الايجابي الثوري هو ما تذهب إليه كافة الأدبيات الماركسية ، فكشف الماركسية للأسس الموضوعية في نشوء وتطور المجتمعات البشرية والقوانين الموضوعية المحركة لهذا التطور قد أبان الطريق السليمة في التغير وقواها المحركة ، حيث أن انقسام المجتمع الطبقي هو المسئول عن الكثير من الظواهر المجتمعية التي يفرزها والتي لا تنسجم أو تتلائم مع الصفة والطبيعة الإنسانية للإنسان ، والتي تكون مسؤلة بالتالي عن حملة من الانحرافات المؤدية بالإنسان لعدم ممارسة إنسانيته في مجتمعه ، ومن أبسط هذه الظواهر هو الشعور بالاغتراب أو الحروب بكل تأثيراتها. في ظل المجتمع الطبقي وحالة التعارض الناشئة ما بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وشكل الملكية الخاص لوسائل الإنتاج يجد العامل نفسه في حالة تعارض مع السلعة التي ينتجها ويقل شعوره بإنسانيته وتعبه ، خاصة وهو يدرك أن هذه السلعة التي ينتجها سوف تحرمه من متعة استهلاكها وهي نفس النظرية التي يرى بها البندقية التي تحوله إلى قاتل لمصلحة الغير. قبل اكتشاف الماركسية للقوانين الموضوعية وخاصة الاقتصادية ، كان ينصب غضب العامل على الآلة مما أدى لظهور حركة احتجاجية واسعة عرفت حينها بحركة محطمي الآلات ، والماركسية التي أزالت الغموض عن جوهر الاستغلال وأبانت أن الماكينة كإنجاز علمي ليس لها علاقة بالاستغلال رغم أن استعمالها أفقد الكثير من العمال فرصة العمل ، وإنما المسئول عن ذلك هو شكل الملكية لهذا الانجاز العلمي الذي يحرم العامل من ثمار عمله وحول الآلة من نعمة لنقمة على العامل وأشعره بعدن الانتماء للعمل والآلة والمجتمع وأشعره بغربة دائمة لأن هذا المجتمع لا يعبر عن مصالحه. عندما نقول بحالة التعارض ما بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وشكل الملكية الخاصة لا يتبادر للذهن أن الشكل الاجتماعي المقصود به العمل الجماعي لفريق عمل داخل المصنع والذي هو جزئية من شكل العمل الاجتماعي ، بل المقصود أن سعي الإنسان لتأمين احتياجاته الضرورية بإنتاج السلع المتنوعة بحاجة لتنوع أشكال العمل والإنتاج وبالتالي الجهود الاجتماعية لمجمل العملية الإنتاجية التي توفر للإنسان حاجاته وذلك على نطاق العالم الإنساني وليس داخل مصنع معين متخصص بإنتاج سلعة واحدة . فتنوع الإنتاج يعكس الحاجات المتنوعة وهذا التكامل العضوي لمجموع السلع هو نتاج تكامل عضوي لمجموع العمل الاجتماعي. إن شعور العامل بعدم الانتماء للعمل والمصنع الذي يعمل به وحالة الاغتراب عن المنتج الذي يشعره على الدوام بأنه مجرد برغي في آلة المصنع وأنه عبد يعمل لصالح رب العمل ببيع قوة عمله ينسحب بذلك هذا الشعور على المجتمع الطبقي ، لذلك أجابت الماركسية أنه من أجل إحداث التوافق والقضاء على حالة والقضاء على حالة اغتراب العامل لا بد من موائمة الطابع الاجتماعي للإنتاج مع شكل اجتماعي لوسائل الإنتاج وفي سبيل ذلك طرحت الماركسية ضرورة التمرد الثوري لإحداث التغير المطلوب وذلك بثورة طبقية بقيادة حزب ثوري ستبنى نظرية ثورية تعبر عن مصالح الغالبية العظمى من العمال والفلاحين. إن التمرد الثوري الذي يقود تطبيق دكتاتورية البروليتاريا لإحداث التغير المطلوب كجوهر للعملية الثورية لا يعني بحال من الأحوال إن العنف الثوري يجب ممارسته في كافة مراحل التغير ، بل يجب استخدامه في حالة القضاء على شكل الملكية الخاصة العفنة ، والثورية في باقي مجالات التغير تهدف إلى ضمان عدم السماح للقوى الرجعية بالعودة للسيطرة وإجهاض حركة التغير. إن البرجوازية في سعيها لستر حالة الاستلاب لحرية العامل واستغلاله تلجأ للتستر وراء جهاز السلطة الطبقي القمعي (الدولة) ، وذلك بتحويل جوانب متعددة من فروع الإنتاج لملكية الدولة ، وذلك في محاولة لطمس واقع الاستغلال والقول بملكية الدولة لبعض فروع الإنتاج تلك الدولة التي غالبا ما يتم انتخاب أجهزتها من قبل الشعب في صناديق الاقتراع كل ذلك لإخفاء الوجه البشع للمالك ، إن الدولة التي تتغنى بها البرجوازية لا يمكن أن تكون سوى جهاز قمع طبقي وفي أي مجتمع برجوازي ، فلا يمكن أن تكون الدولة بكافة أجهزتها خارج سيطرة البرجوازية ونفوذها وأوامرها فهي أي الدولة أداة بيد البرجوازية لقمع الطبقة العاملة وعموم الكادحين ، وبسط مثال على ذلك أن أي تحرك عمالي جماهيري ، فإن أول ما يفكر به البرجوازي هو استخدام القمع فيقوم باستدعاء قوى الدرك للتنكيل بهذا التحرك وقادته بأبشع صنوف القمع فلو كانت الدولة حيادية لما وقف البوليس بجانب صاحب المصنع ضد العمال المطالبين بتحسين ظروف العمل أو رفع الأجور ، وقد وصل بإعلان رأسمالية الدولة الاحتكارية انحيازها المكشوف والواضح بتمثيل مصالح الإمبريالية العالمية وذلك برعاية الملكية الخاصة والدفاع عنها ، وأكبر دليل على ذلك ما تشهده الساحة الدولية من أزمة انهيار البنوك حيث لجأت الدولة لتغطية النقص المالي في كافة البنوك المنهارة ، في أمريكا على سبيل المثال بينما هناك طفل يموت جوعا كل ثلاث ثواني في الدول النامية دون أن تتحرك هذه الدولة لإغاثتهم ولو بكسرة خبز أو حتى إيجاد أي حل لملايين العمال الذين فقدوا عملهم جراء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم الإمبريالي اليوم ، ففي هذه الظروف وهذا التوحش اللامحدود لدولة الرأسمالية كيف لا تشعر قوى الشغيلة بالاغتراب وكيف سيشعرون بالانتماء لهذا المجتمع المتوحش والظالم. بقلم الرفيق أبو يوسف


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني