PCP

يا عمال العالم اتحدوا

بين الشيوعية واضحة المعالم و «اليسارية» الغامضة

بين الشيوعية واضحة المعالم و «اليسارية» الغامضة د. عمار بكداش في سياق الحملة الإعلامية المرافقة لتحضير الاجتماع الاستثنائي لأحزاب شيوعية وعمالية في دمشق، أجرت جريدة «النور» ــ (العدد /394/ «النور» الجديدة) مقابلة مع الدكتور خالد حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني والذي طرح بعض الآراء والأفكار من الممكن مناقشتها. يقول د. خالد حدادة جواباً على السؤال حول أهمية مثل هذه الاجتماعات بين الأحزاب الشيوعية والعمالية حرفياً ما يلي: «نود أولاً أن نؤكد أهمية اللقاءات المشتركة وتنسيق المواقف بين الأحزاب الشيوعية والعمالية على الصعيد العالمي، خاصة في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، فهذه الاجتماعات تؤسس لتحديد برامج المواجهة وأساليبها مع العولمة النيو ــ ليبرالية، ورأسها الولايات المتحدة الأمريكية». حسناً أيها الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، أنت ترى المهمة الأساسية لهذه الاجتماعات مواجهة العولمة النيو ــ ليبرالية، ورأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن غالبية الأحزاب الشيوعية المشاركة في الاجتماعات العالمية ترى أن مهمتها هي مواجهة الإمبريالية، أي أعلى مراحل الرأسمالية، وقوتها الضاربة الإمبريالية الأمريكية. ولكي لا يكون رأينا هذا غير موثق، فلنرَ على سبيل المثال وليس الحصر ما كان موضوع الاجتماع العالمي العاشر للأحزاب الشيوعية والعمالية المنعقد في سان باولو (البرازيل) في تشرين الثاني عام /2008/. كان موضوعه: «الظواهر الجديدة للوضع العالمي. احتدام التناقضات الإمبريالية (نعم الإمبريالية!) الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. النضال من أجل السلم والديمقراطية والسيادة الوطنية والتقدم والاشتراكية. من أجل وحدة عمل الأحزاب الشيوعية والعمالية». أما موضوع الاجتماع الدوري الحادي عشر (نعم الدوري وليس الاستثنائي ــ الندوة) والذي سيعقد في الهند فسيكون موضوعه: «الأزمة الرأسمالية (نعم الرأسمالية وليس النيو ــ ليبرالية أيها الدكتور المحترم) العالمية، نضال الكادحين والشعوب، البدائل ودور الحركة الطبقية (نعم الطبقية وليس اليسارية المبهمة) العمالية والشيوعية. هذا ما أقرته مجموعة العمل في اجتماعها الذي عقد في أثينا في شباط /2009/، وكما أذكر أن د. خالد حدادة كان حاضراً في هذا الاجتماع. قد يقول البعض أنه فقط فرق طفيف في المسميات، ولكن هذه المسميات تعكس منظومة الرؤى الفكرية والمواقف السياسية الناتجة عنها. فشيء جيد أن يناضل المثقف التقدمي اليساري ضد ما يسميه «بالعولمة النيو ــ ليبرالية» ولكن الشيوعي مسار نضاله موجه ضد الإمبريالية وضد الرأسمالية بشكل عام. وهنا يظهر الفرق بين هاتين الظاهرتين. وعلى الهامش يجب أن يقال أن النيو ــ ليبرالية كسياسة ومنهج قد تراجعت مواقعها بشكل جدي، وهذا ما نراه ليس فقط في السياسة التطبيقية للمراكز الرأسمالية العالمية، حيث يزداد الدور التدخلي للدولة بشكل كبير، بل وفي تصريحات رؤساء الدول الإمبريالية، ولاشك أن د. خالد حدادة المهتم بالشأن الفرنسي، قد اطلع على تصريحات الرئيس نيكولا ساركوزي بهذا الصدد. نعم .. نحن الشيوعيين، مع انحسار الليبرالية الجديدة نجد مجالاً خصباً لاستمرار نضالنا العام ضد الرأسمالية والإمبريالية، ولكن ماذا سيبقى للمثقف اليساري التقدمي، يبقى له البحث عن موضوع آخر لا يحمل تسمية فجة طبقية كي لا يؤذي (والعياذ بالله) مسمع الغرب المتحضر. فكلمات مثل الإمبريالية والصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتاريا والأممية البروليتارية وغيرها هي ألفاظ حادة ينبذها عضوياً اليساري الأوروبي الجديد والتي أوصلت يساريته العديد من أحزاب ثورية بكاملها إلى الدمار، وطبعاً على مقلديه في العام الثالث الساعين إلى الرقي أن يحذو حذو المجددين الغربيين الكبار من أمثال روبير هيو، وفاوستو برتينوتي وسانتياغو كاريليو وغيرهم. وفي تقييمه لواقع الحركة الشيوعية العالمية قبل عام /1990/ يشير د. خالد حدادة إلى الإيجابيات، كما يقول أنها في الوقت عينه مليئة بالأخطاء والعثرات التي تراكمت فأدت إلى ما أدت إليه من انهيار الاتحاد السوفييتي وفشل التجربة المحققة للاشتراكية. وفي السلبيات التي خصت منطقتنا يعطي د. خالد حدادة أمثلة محدودة لتوضيح ما يقول وهي (كلام حرفي كما ورد في «النور»): «المثال الأول: يتعلق بالموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي في العام /1948/، من تقسيم فلسطين، وما أدى إليه من تراجع وانكفاء عاشتها الحركة الشيوعية العربية لأكثر من عقدين من الزمن، علماً أن حزبنا، مثلاً، كان ضد التقسيم». نعم .. كان الحزب الشيوعي في سورية ولبنان ضد قرار التقسيم عام /1947/، ولكنه في الوقت ذاته دافع عن موقف الاتحاد السوفييتي ضد محاولات القوى الرجعية في إلصاق تهمة مسؤولية النكبة التي لحقت بالعرب الفلسطينيين بالاتحاد السوفييتي، وليس بالإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية العميلة (الملك فاروق، الملك عبد الله، نوري السعيد، شارل مالك، على سبيل المثال وليس الحصر) وهي القوى التي تقف وراء هذه النكبة. أما حول أن موقف الاتحاد السوفييتي من التقسيم أدى إلى تراجع وانكفاء عاشته الحركة الشيوعية في البلدان العربية، فالوقائع تدل على عكس ذلك. ففي عام /1954/ أحرز الحزب الشيوعي في سورية ولبنان انتصاراً كبيراً على الصعيد الجماهيري بوصول أمينه العام خالد بكداش إلى تحت قبة البرلمان السوري، فهل كان هذا دليلاً على التراجع والانكفاء، عندما توصل جماهير دمشق ممثلاً للشيوعيين إلى البرلمان وبأعلى الأصوات؟ وقد ساهم العديد من الرفاق اللبنانيين في عمل الحزب لملاقاة هذا المد الجماهيري ونذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر الرفيق الشهيد فرج الله الحلو، والرفاق نخلة مطران وحسن قريطم وأوهانيس أغباشيان وطنوس دياب وغيرهم وغيرهم الذين وقعوا ضحايا للإرهاب التجديدي بعد عقدين من الزمن، أي في الفترة التي يعتبرها الرفيق خالد حدادة نهاية الانكفاء، وبكلام آخر عندما استلم جورج حاوي وأخوانه السادة جورج بطل وكريم مروة ونديم عبد الصمد وأتباعهم البارزين من أمثال السيد إلياس عطا الله سدة قيادة الحزب. وسؤال على الهامش، أين هو موقع هؤلاء الأخوان حالياً بالنسبة للحركة الشيوعية في لبنان؟ أم أن السؤال عن موقعهم يجب أن يوجه إلى السادة سعد الحريري ووليد جنبلاط؟ هل الانتهاء من الانكفاء والتراجع يعني إعلان كمال جنبلاط قائداً ومعلماً تارة، وتارة أخرى الأخ ياسر عرفات وفي مراحل معينة السيد عبد الحليم خدام، بالسلوك العملي على الأقل. وهل الانفتاح يعني قبول الدعم اللوجستي للنضال الثوري التحرري طبعاً ابتداءً من الأخ معمر القذافي وكتابه الأخضر الذي ضاهى بالنسبة للمرحوم أبو أنيس كل كتب ماركس وأنغلس ولينين؟ وصولاً في قبول هذا الدعم للنضال التحرري ضد «الطائفة الطبقة الانعزالية» من صدام حسين التكريتي في عز فترة ملاحقة الشيوعيين في العراق. والله يا هكذا انفتاح سياسي، يا بلا، ولكن في نظر البعض «السياسة شطارة!». والمثال الثاني الذي يورده الأستاذ خالد حدادة حرفياً: «يكمن في ما سمي بطريق التطور اللا رأسمالي، في أواخر خمسينيات القرن الماضي، الذي أدى إلى إلغاء أحزاب شيوعية مهمة في العالم، وفي عالمنا العربي بشكل خاص (مصر)، ولم ينجح في تحويل الحركات القومية، التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات، إلى حركات «يسارية» بل حولت قياداتها شيئاً فشيئاً إلى برجوازية وسطى، كبرت فيما بعد، واستفادت من شعار (حكم الحزب الواحد)، الذي كان بالنسبة للبلدان الاشتراكية الحزب الشيوعي، لتقصي كل من هم خارجها عن المشاركة في السلطة». سوف لن نقف عند بعض المقولات القابلة للنقاش مثل أن نظرية طريق التطور اللا رأسمالي ظهرت في أواخر الخمسينيات، علماً أنها تبلورت في بداية الستينات، ولكن هذا الشيء هامشي، وما معنى تحويل الحركات القومية إلى حركات «يسارية»؟ فاليسارية مفهوم نسبي ولاشك أن القوى القومية التي وصلت إلى السلطة كانت على يسار الإقطاع والتي هي صادرت أراضيه من خلال الإصلاح الزراعي. الخطير في نظرية طريق التطور اللا رأسمالي كان الوهم بأن هذه القوى القومية التقدمية هي التي ستبني الاشتراكية، وبالتالي لا ضرورة لوجود الأحزاب الشيوعية في تلك البلدان التي وصل فيها القوميون التقدميون للسلطة. وللأسف كانت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني في حينه هي من المروجين الأساسيين لهذه النظرية، وخاصة أنه في لبنان لم تكن مثل هذه القوى القومية التقدمية موجودة في السلطة، فالتنظير اللبناني كان ينصب على دول عربية أخرى، وتجارة الترانزيت ليست غريبة عن الواقع اللبناني. وقد هوجم الرفيق خالد بكداش الذي رفض قطعياً هذه النظرية الكارثية، والذي واجه خروشوف مباشرة متصدياً لمقولة حل الأحزاب الشيوعية، من قبل بعض الرفاق اللبنانيين بصفته يقف ضد الخط العام للحركة الشيوعية العالمية وطليعتها الاتحاد السوفييتي. نعم، الحزب الشيوعي السوري وقائده خالد بكداش، كان القوة الوحيدة في الحركة الشيوعية في البلدان العربية التي تصدت بحزم لمقولة طريق التطور اللا رأسمالي، ويجب القول أن هذا الموقف التاريخي اقتضى معارك ليس فقط في الخارج ولكن أيضاً في داخل الحزب. بل إن هذه الصيغة أقِرّتْ لفترة وجيزة تحت ضغط التيارات التحريفية، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ يوسف فيصل في المجلس الوطني العام للحزب عام /1971/: «فبعد النقاش مع علماء ماركسيين ــ لينينيين من أحزاب شقيقة، في مقدمتها الحزب الشيوعي السوفييتي، توصلنا إلى إقرار صيغة طريق التطور اللا رأسمالي، يجب إقرار حقيقة هنا، وهي أن الرفيق دانيال (نعمة) دافع مسبقاً عن هذه الصيغة، وأن الرفيق خالد كان ضدها» ــ (المجلس الوطني للحزب الشيوعي السوري، ص /48/). نعم .. الرفيق خالد بكداش كان ضدها، وبقي يناضل ضد هذه الصيغة اللا علمية ذات المنعكسات السياسية الخطرة، إلى أن أزال المؤتمر الخامس للحزب وبالإجماع هذه الصيغة من كل الوثائق الحزبية وبالدرجة الأولى من برنامج الحزب الشيوعي السوري. هذا للتاريخ .. وماذا الآن، للحاضر؟ للحاضر، يطرح الدكتور خالد حدادة حرفياً ما يلي: «في وجه مثل هذه الهجمة الشاملة (ولم يحددها كونها هجمة إمبريالية) لابد من موقف يساري موحد». ويرى «أهمية اللقاءات التي تجريها الأحزاب الشيوعية في سورية والأردن ولبنان وحزب الشعب الفلسطيني». وهنا يطرح السؤال، لماذا في وجه العدوانية الإمبريالية، فلنسمِّ الظواهر بأسمائها، يُطرح فقط «موقف يساري موحد»؟ فلمواجهة مثل هذه الهجمة يجب السعي لوحدة صف كل القوى الوطنية، وخاصة تلك القوى المقدامة التي أثبتت نجاعتها في مواجهة الاستعمار فعلاً، كحزب الله في لبنان. لذلك يرفع الحزب الشيوعي السوري شعار «من أجل تعزيز الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية». ولكن الطروحات المبهمة حول اليسار البديل، تخفي وراءها شيئاً آخراً، وهو أن يكون هذا اليسار بديلاً للحركة الشيوعية المتسلحة بالنظرية الماركسية ــ اللينينية أي بالموقف الطبقي والوطني الثابت. مثل هذه الظاهرة تنشط في أوروبا، ومثل هذه الظاهرة يريد البعض إنجاحها في دنيا العرب. وقد حدد د. خالد حدادة القوى المكونة لمثل هذه العملية أي الحزب الشيوعي اللبناني بعد نجاحه المبهر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والحزب الشيوعي الأردني (الحمد لله على سلامته بعد أن جمع /500/ صوت من أجل تسجيله رسمياً في قيود الأحزاب الأردنية) والحزب الآخر في سورية وقد يكون ناجعاً في هذا المجال إذا استطاع أن يوجد شباباً ينشطون ضمن صفوفه، وحزب الشعب الفلسطيني الذي كان طليعياً بين كل هؤلاء الأحزاب في تخليه الكامل عن الفكر الماركسي ــ اللينيني أيام الفترة العصيبة. والغريب فعلاً لماذا د. خالد حدادة لم يذكر أيضاً الحزب الشيوعي العراقي الذي لاشك له مكان الصدارة بين هؤلاء لولا مواقفه «قليلة الشعبية»، فلنتكلم بلهجة دبلوماسية، من خلال تعاونه مع الاحتلال الأمريكي من زمن بريمير لحد الآن. وهنا أذكر حادثة أنه أثناء التحضير للاجتماع العالمي الثامن للأحزاب الشيوعية والعمالية والذي عقد في البرتغال في خريف عام /2006/ والذي ناقش العنوان الأساسي: «المواجهة المتصاعدة مع الإمبريالية العالمية (نعم الإمبريالية يا د. حدادة) ومهام الحركة الشيوعية في هذه الظروف» أعلن الرفاق البرتغاليون أنهم لن يدعوا الحزب الشيوعي العراقي، إلى هذا الاجتماع كونه حزب متعامل مع الاحتلال. ومن ثم وبشكل مفاجئ وجهوا الدعوة إلى ما يسمى بالحزب الشيوعي العراقي. وعندما استفسرنا عن هذا التغير في الموقف أخبـِـرْنا بأن غالبية الأحزاب الأوروبية والآسيوية والأمريكية اللاتينية أيدوا عدم الدعوة، ولكن أتاهم احتجاج من قيادة الحزب الشيوعي الأردني دُعِم بموقف الحزب الآخر من سورية، وحزب الشعب الفلسطيني وبسكوت من الحزب الشيوعي اللبناني، من أجل حضور العراقيين. وعند ذلك قدمنا احتجاجاً وقلنا أن ليس هؤلاء وحدهم يمثلون الحركة الشيوعية في البلدان العربية. على كل الأحوال سوف لا ندخل في سِيَر الغرام السري والمكتوم لأزمنة أخرى. نعم، إن ما يجري على ساحتنا هو جزء من النضال العالمي بين القوى الماركسية ــ اللينينية والقوى التحريفية والانتهازية. وعلى هذا النضال ونتائجه يتوقف لحد كبير نجاعة النضال العام للقوى التحررية العالمية في وجه الإمبريالية. وبالنهاية أقول: شخصياً يعجبني د. خالد حدادة كشخص، بل أكثر من ذلك، فهو يبدو كعنترة بن شداد بالمقارنة مع سابقه، وكأبي ذر الغفاري بالمقارنة مع أسبقه. وعن الديالكتيك يعلمنا أن الظاهرة لا تقارن بظاهرة أخرى، بل بالواقع. والسؤال المطروح هل يمكن بناء أحزاب ثورية قوية بدون أسس إيديولوجية ثابتة؟ على كل الأحوال الممارسة هي مقياس الحقيقة، هذا ما يقوله المعلم كارل ماركس.. (صوت الشعب)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني