PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الشخصية الحزبية

الشخصية الحزبية رفيقي يا من تقرأ هذه السطور الآن ، هل فكرت مليا بالعنوان المطروح أمامك ......؟ لنجرب معا. الشخصية الحزبية ـ لو فكرنا بها ضمن المتعارف عليه وما تناولته الأدبيات الاجتماعية والتنظيمية في معرض الحديث عن الشخصية، فهي متنوعة وعديدة وذلك لتنوع المصادر والانتماءات الفكرية والموقع الطبقي للفرد، وهي في مجملها لم تتجاوز الحديث عن صفات الشخصية ومقومات فيها ، مثل الصلابة والثبات والثقة العالية والسيادة على النفس والقدرة على القيادة والوعي ، والكثير الكثير من المواصفات التي قد تصيب في جوانب وتخطيء في أخرى ، والماركسية هي التي استطاعت تعريف الشخصية ، وهو الأكثر دقة وصوابيه وذلك لاستنادها إلى الفلسفة المادية بمكوناتها الثلاث. ففي الجانب الفلسفي وفي معرض التفريق ما بين الفرد والشخصية أكد الرفيق كيلي كوفالين "أن ليس كل فرد شخصية لكن كل شخصية فرد" وهذا يفسر أن الشخصية هي عملية بناء تراكمي في سياق العملية الاجتماعية التي يحياها الفرد. فالإنسان الفرد وعيه لذاته ككائن اجتماعي لا يتاح له إلا في وسطه الاجتماعي فهو يعيش ضمن شبكة علاقات اجتماعية ضمن تفاعل الأخذ والعطاء ، والحقوق والواجبات ولا يمكن له أن يعيش بمعزل عن هذا الوسط ، وذلك لممارسته إنسانيته كإنسان وتلبية احتياجاته ، وخارج هذا الوسط فإنه لم يحدث لديه أي تراكم وجل استطاعته هو التكيف غريزيا ضمن الوسط الذي تربى فيه . فلو عاش في غابه منذ الولادة لتربى ومارس حياته ضمن التكيف الغريزي كباقي الحيوانات ، فهو لن يستطيع أن يمتلك القدره على التجريد الذهني ووضع المفاهيم التي يحققها في مجتمع إنساني. إن إدراك هذه الحقيقة ، وهي عدم القدرة على ممارسة الإنسانية إلا في مجتمع إنساني يتطلب منه الوعي بطبيعة هذه العلاقات واليات فعلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .....الخ ومن منطلق هذا الوعي وقرب الفرد أو بعده عن وسائل الإنتاج وانحيازه الطبقي ، تبدأ رحلة الفرد في مراكمته لبناء شخصيته وهي رحلة قد لا يسعفها العمر الزمني للفرد وهنا تأتي أهمية المورث التراكمي للفكر البشري ، فشخصية الفرد لا تقاس بعمره الزمني بل بحياة الفكر الذي يحمله ويورثه. فنحن لم نولد في مجتمع شيوعي منجز ورغم ذلك ننادي بالحلم الإنساني في بناء مجتمع العدالة الإنسانية ، وهل التجارب السابقة في بناء هذا الحلم لم تتجاوز التجارب التي هي عرضة للفشل ، فأعظم التجارب حتى في المختبرات العلمية رغم توفر الأدوات الضرورية كثيرا ما تفشل فكيف الحال في حركة اجتماعية صاعدة بحتمية تاريخية نحو تحقيق هذا الحلم يوميا . إن واقعية هذه الحركة العالمية في استنادها إلى قوانين موضوعية وليس لرغبة ذاتية لشخص خيالي الأفكار ، فحتمية الصيرورة التاريخية واليات التغير وإدارتها معروفة لكنها تحتاج إلى وفاء وطول نفس متخطية العمر الزمني للفرد منا. لذا رفاقي مثلا صغير في نعت المثابرين والقابضين على المبدأ بالجمود أو كما يقول المثل العامي "على بال مين يلي ترقص بالعتمة" إن الانهزام والتراجع لا يحتاج إلى تبرير أما الثبات فهو ما يحتاج إلى تبرير يومي ، ففي ظل العلاقات الرأسمالية أسهل من أسهل زلة واحدة تكفي للتراجع للخلف ألف خطوة وحتى الارتداد ، أما الارتقاء والثبات فهو الأصعب والذي يحتاج إلى مثابرة إن معظم الأفراد في ظل التسويق الفردي والجماعي لثقافة الانهزام في مشاهداتهم اليومية صادقين بالخبرة اليومية عندما يشاهدون قيادات وأفراد يتراجعون فهذه الخبرات صادقة لكن النتائج خاطئة فليس سهلا بث حلم النصر في جيش يهرول منهزما. لذا رفيقي نحن بحاجة لبناء شخصية حزبية تضع حلم النصر أمامها في زمن الانهزام ولا تهزها المشاهدات المروجة حاليا والتي لا تعبر سوى عن نفسية السقوط للعلاقات الرأسمالية وهي واسعة جدا الآن ، خاصة في ظل انهيار المنظومة الاشتراكية. من السهل على أي فرد فلسطيني أن يقرأ النظام الداخلي والبرنامج السياسي للحزب ويقدم طلب انتساب ، فهل يكفي ذلك لنكون رفاقا حزبيين ..... بالطبع الجواب أنتم أعلم به. إن عملية البناء للشخصية الحزبية طويلة وشاقة وتصليب يومي لأن صلابة العضو الحزبي تعبير عن صلابة الحزب وأولى هذه العملية هي الوعي بدور الحزب ودور التاريخ في التغير وضرورة الحفاظ على هذه الإرادة صلبة قادرة على الصمود لذلك فإن الالتزام بالأسس اللينينية في حياة الحزب والتي هي الركيزة الأولى والأهم في بناء الذات الشخصية الحزبية وللحفاظ على الأداة الثورية عصية على الكسر ، لأن الحزب مجموع أعضاءه الفاعلين وليس المسجلين. كل ما ورد سابقا هو الجانب المختصر من عملية الوعي والتي هي أشمل وأعمق من ذلك بكثير وهي الركن الأول في بناء الشخصية الحزبية المكون من ثلاثة أركان حيث يلي ذلك ركن الفاعلية والتأثير في الوسط والمحيط. ففي الفاعلية والتأثير فهو مرتبط بجوانب متعددة الركيزة الأساس فيها ، هي العلاقة ما بين النظرية والتطبيق فأعظم النظريات ميتة في بطون الكتب إذا لم تجد الأداة القادرة على إخراجها إلى حيز التطبيق العملي وأهم هذه الأدوات هو الحزب الثوري المخلص لمبادئه ولطبقته التي ينحاز إليها ، فما فائدة الكم الهائل من أعضاء غير فاعلين، إن خلية واحدة تعمل أفضل منهم جميعا ، ومن هنا يأتي دور وأهمية الرفيق الحزبي (الشخصية) وفاعليته في الوسط المحيط به فهو يجب أن يشكل أنموذج يقتدى به في سلوكه وحركاته وسكناته ، وهذا الرفيق كما قلنا كائن اجتماعي عرضة للتأثير والتأثر وما دام هنالك خلل في شخصيته الحزبية ، فهنالك خوف عليه ومنه في أحيان كثيرة وما دام هذا الرفيق يعمل فلا بد أن يخطئ أحيانا وكما يقول الرفيق لينين " من يعمل يخطئ والأموات وحدهم لا يخطئون" لكن هذه المقولة يجب أن لا تكون شماعة الأخطاء الكثيرة بل يجب دراسة الأخطاء والاستفادة منها للخطوات المقبلة وهنا يبرز أهمية النقد والنقد الذاتي في حياة الحزب الداخلية ، فالحزب الثوري لا يخجل بأخطائه ولكنها ليست مجالا للاعتزاز بها . إن فاعلية ونشاط الشخصية الحزبية يبرز في مدى تأثيره في وسطه ونجاحه في توسيع قاعدة الحزب بالأعضاء "ومهم هنا توعية الأعضاء" وخلق شبكة أمان جماهيرية لحماية الحزب ومفتاح النجاح يكمن في شدة وصدق الانحياز للطبقة والفئات الأكثر انسحاقا والتي يحمل الحزب لواء التعبير عن مصالحها ضد الطبقة والفئات المتسلطة على رقاب الفقراء سواء نظريا أو عمليا. إن هذه التفاعلية يا رفيقي مرتبطة بعلاقة جدلية بندى تغذيتها اليومية بعوامل التعزيز لمقومات الشخصية في تراكمها البنائي فهذا الرفيق الذي يسعى بدأب لمراكمة بناء شخصية حزبية تنصهر في بوتقة الحزب لا انفصام لعرى هذه العلاقة ، سأل الرفيق لينين أحد الرفاق في مناسبة ما قائلا "قل لي يا رفيق ماذا تفعل لو تم نفيك إلى منطقة لا يوجد فيها أي رفيق " فأجاب أبدأ ببناء الحزب من جديد ما دمت حزبيا فأنا الحزب أينما رحلت". أما المكون الثالث في بناء الشخصية فهو القدرة على تحمل المسؤولية عن قراراته وهنا يبرز أهمية الجمع الحي والجدلي بين متناقضين ، فالمركزية نقيض الديمقراطية . كثيرا ما فهم قانون الأضداد ووحدته بشكل سليم لكن تطبيقه العملي ونتائجه خاطئة وكما قال الرفيق لينين " خطوة عملية خير من دزينة برامج" فيجب أن يكون الماركسي ديالكتيكيا في عمله وليس في طرحه النظري فما فائدة الفهم الصحيح والتشخيص الصائب إذا كانت الممارسة خاطئة تماما، فلا تنجح ثورة بتوفر إحدى الشرطين الوضع الثوري والحزب الثوري فلا فائدة من وجود إحداها دون الأخرى . لذا يجب الموازنة ما بين النظرية والتطبيق ، فالفهم المادي للجمع الديالكتيكي ما بين المركزية الديمقراطية يخضع لمحددات وحدود ممارسة ، فهنالك فرق كبير ما بين الحياة الحزبية الداخلية والحياة خارج الحزب ، وإذا كان هنالك فهم صحيح لأهمية الحزب اللينيني كأداة تغير ثوري فإن الحرص الشديد على هذه الأداة هو محدد الارتكاز للرفاق الحزبيين ، فديمقراطية اتخاذ القرارات الحزبية التي يوجهها برنامج الحزب ونظامه الداخلي المستندة للانحياز لغالبية الجماهير الشعبية المسحوقة، هذه القرارات التي لا تعبر عن نزعة أو رغبة ذاتية فهي تخضع لنقاش وحرية إبداء الرأي لكافة الرفاق ضمن هيئات الحزب والتأثير وتوضيح المواقف لكل رفيق من منطلق الحرص الحزبي ضن فترة زمنية محددة وسقف زمني منظور متفق عليه. وهنا تتجلى الديمقراطية أما في حال اتخاذ القرار بالأغلبية فهو قرار لا يمثل رأي مؤيد أو معارض بل هو موقف وقرار الحزب ككل ، موجب الالتزام به والدفاع عنه والتضحية في سبيله ، فكم من رفيق دافع عن قرار الحزب ودفع حياته ثمنا لقرار الأغلبية وهو مشهود له في صموده ببقاء واستمرار الحزب حيث انصهرت شخصيته بالحزب كجزء حي لا ينفصل. إن الالتزام بقرار الأغلبية وإلزامية القرار للجميع هو المركزية وإذا ما أحسن الجمع بينهما دون تغليب المركزية على الديمقراطية أو العكس فإن الحزب يشتد ويقوى وينهار بغير ذلك وتختفي معالمه كحزب ، فلا مجال هنا لفئة الأقلية بإبداء رأيها خارج الأطر التنظيمية ضمن صحف محلية أو تصريحات أو أي منبر تعبيري خارج هذه الأطر ويحذر من هذه الفئة أن تكون أداة معيقة أو معطلة في تنفيذ القرار الحزبي بحجة عدم قناعتها ،لأن ذلك إخلال بإحدى الركائز الثلاث من مكونات الحزب وهي الوحدة التنظيمية والفكرية والسياسية. وهنالك وجه أخر في فهم المركزية الديمقراطية (خارج الأطر الحزبية) وهي حال استيلاء الحزب على السلطة فلا يجب أن ينسحب ما يطبق داخل الحزب والعضو الحزبي على المجتمع عامة وأفراد هذا المجتمع ، فالحزب الثوري في السلطة يصدر قرارات لمصلحة الفئات التي عبر عنها (المسحوقة) والتي أوصلته إلى السلطة. لكن مع الامتداد الزمني لفترات طويلة بالحكم يجب عدم إلغاء الحياة الديمقراطية ودورية تجديد ثقة تلك الجماهير التي أوصلت الحزب إلى السلطة، فإشاعة الديمقراطية كفيل بإبقاء النقيض والسعي الدائم لكسب الجماهير ويبقى الحزب في حركته محورها التعبير عن الكادحين لأن غياب الديمقراطية من شأنه عزل الحزب عن الجماهير يوما بعد يوم ويصبح الحزب طبقة بذاته ولذاته ولمصالحه ، وبالتالي مصالح أعضائه وتصبح عضوية الحزب امتياز لفتح أبواب جنة النعيم. إن إشاعة الديمقراطية وتجديد ثقة الجماهير بالحزب هي من أهم مراسلات الرفيقة روزا لكسمبورغ مع الرفيق لينين أبان نجاح ثورة أكتوبر والتي أكدها الرفيق لينين وثمنها غاليا. بقلم الرفيق أبو يوسف (مجلة الوطن المجلة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني