PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مفاهيم أولية حول ظاهرة التحريفية (نضال لينين وستالين ضد التحريفية والانتهازية ) جزء 3

نضال لينين وستالين ضد التحريفية والانتهازية بدأ لينين حياته الفكرية والسياسية بعد دراسته للماركسية بشكل عميق ، وانخراطه في اتحاد النضال من أجل الطبقة العاملة ، وبرز نشاطه الفكري في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين بعد أن كانت الماركسية قد حلت محل النظريات المعادية لها، ولكن الميول التي كانت تعبر عنها هذه النظريات ظهرت بأساليب جديدة داخل الماركسية مشكلة تيار معاديا لها ، وقد عبر لينين عن ذلك بأن هذه الظاهرة تعود تاريخيا إلى البرجوازية ، وقد ظهرت على شكل نزعة تحريفية من خلال الصراع الذي منيت فيه الاشتراكية الطوباوية بالهزيمة أمام الاشتراكية العلمية في ظل الماركسية وبين لينين مايلي: 1- في حقل الفلسفة: ظهرت هذه النزعة التحريفية ضد المادية الديالكتيكية واستقى المحرفون أفكارهم من المثالية ، وحاولوا دحض الماركسية والصراع الطبقي معتمدين على الفلسفة الموروثة من القرون الوسطى "اللاهوت" ومكيفين مناهجهم المثالية والانتقادية وفقها. 2- في حقل الاقتصاد السياسي: بين لينين أن المحرفين زعموا أن تمركز الإنتاج وإزالة الإنتاج الكبير للصغير لا يظهران في الزراعة ولا يسيران في التجارة والصناعة إلا ببطء شديدين ، وأن الأزمات في النظام الرأسمالي العالمي ، بدأت تضمحل وأن حدة التناقضات الطبقية تميل نحو الهبوط وهكذا برهن لينين أن المحرفين يريدون تجميل الإنتاج الصغير. كما أظهر بشكل محسوس تفوق الإنتاج الكبير على الصغير واندماج الزراعة في نظام التبادل للاقتصاد العالمي كما استنتج أن كل خطوة يخطوها العلم والتكنيك إلى الأمام تقوض بلا رحمة ولا هوادة أسس الإنتاج الصغير في المجتمع الرأسمالي، وما على المنتج الصغير والفلاح في هذا الواقع إلا أن يتبنى وجهة نظر البروليتاري في هذه المسألة . واكتشف أن المحرفين في القرن التاسع عشر ارتكبوا خطأ كبيرا من الناحية العملية عندما قاموا بتعميم سطحي لوقائع مختارة بصورة مغرضة دون النظر إلى صلتها بمجمل النظام الرأسمالي وبالتالي دفعوا الفلاحين وصغار المنتجين من الناحية السياسية إلى اعتناق وجهة النظر البرجوازية ،بدلا من دفعهم إلى تبني وجهة نظر البروليتاريا الثورية ، وقد بين لينين كل هذه المسائل في أوائل القرن العشرين وأثبت خلال دراساته مراحل الازدهار والنهوض الصناعيين ، وأن هذه الأزمات تزيد من حدة فوضى الإنتاج ومن تفاقم الشروط القاسية لمعيشة البروليتاريا ، ومن شدة طغيان الرأسمال وبالتالي تؤدي إلى ازدياد حدة التناقضات الطبقية إلى درجة لم يعرف لها مثيل من قبل وتؤدي في النهاية إلى إفلاس الرأسمالية تجاه الأزمات. 3- في حقل السياسة: فند لينين مزاعم التحريفيين بكل جلاء ووضوح والقائلين بأن البرلمانية البرجوازية تقضي على الطبقات والصراع الطبقي ، مبينا أن هذه المفاهيم تندرج في نهج البرجوازية الليبرالية التي تدعي أن المواطنين كلهم يتمتعون بحق التصويت والاشتراك في شؤون الدولة وأنهم متساوون في الحقوق غير أنه أوضح بشكل ملموس في عصر الديمقراطية البرجوازية البرلمانية ، لا تخف حدة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات بل تشتد وتتفاقم وأن النظام البرلماني يكشف جوهر أكثر الجمهوريات البرجوازية ديمقراطية بوصفها أجهزة للاضطهاد الطبقي ، وربما أن النظام البرلماني يساعد في تنوير وتنظيم جماهير من السكان إلا أنه لا يهيأ الوضع لزوال الأزمات والثورات السياسية ، بل يهيئ الحد الأقصى من تفاقم الحرب الأهلية إبان هذه الثورات. واستشهد بأحداث كومونة باريس عام 1871 والثورة الروسية الأولى علم 1905-1907 وأكد لينين أن من لا يدرك الديالكتيك الداخلي المحتوم في النظام البرلماني والديمقراطية البرجوازية لا يعرف كيف يقوم بدعاية وتحريض متطابقين مع المبادئ الاشتراكية واللذين من شأنهما تحضير الجماهير العمالية للاشتراك في النزاعات والانتفاضات والثورات اشتراكا مظفرا. ونبه لينين من خطورة موقف التحريفية من الهدف النهائي للحركة الاشتراكية ودحض قول التحريفي إدوارد برنشتاين "الهدف النهائي ليس بشيء" الحركة هي كل شيء قائلا " أن يحدد المرء سلوكه تبعا لكل حالة ووضع، أن يتكيف تبعا لأحداث الساعة لتغيرات الأمور السياسية الطفيفة ، أن ينسى مصالح البروليتاريا الجذرية من أجل منافع وقتية فعلية أو مفترضة تلك هي خطوط السياسية التحريفية". وفس لينين سبب كون التحريفية أعمق من اختلاف الخصائص القومية ودرجات تطور الرأسمالية؟ وأجاب لأنه في كل بلد رأسمالي تقوم أبدا إلى جانب البروليتاريا فئات واسعة من البرجوازية الصغيرة ومن صغار أرباب العمل ، إن الإنتاج الصغير قد ولد ولا يزال يولد الرأسمالية على الدوام . وأن هؤلاء المنتجين الصغار الجدد يدفعون بدورهم حتما إلى صفوف البروليتاريا وعليه يكون من الطبيعي تماما أن تتسرب المفاهيم البرجوازية الصغيرة أيضا إلى صفوف الأحزاب العمالية الواسعة ، وتنبأ لينين بأن نضال الماركسية الثورية الفكري ضد النزعة التحريفية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، هو ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التي ستخوضها البروليتاريا السائرة إلى الأمام نحو انتصار قضيتها التام "انتصار الثورة البروليتارية وتحقيق الاشتراكية " رغم كل تردد العناصر البرجوازية الصغيرة وتخاذلها. غير أن المرحلة التي أعقبت تشكيل الأممية الثانية والتي كانت ذات طابع سلمي نسبيا في الحركة العمالية قد غذت التيار الانتهازي بوصفه اتجاها وأخيرا بوصفه جماعة أو فئة من البيروقراطية العمالية ورفاق الطريق البرجوازيين الصغار الذين خدعوا الجماهير العمالية بخطاباتهم وتصريحاتهم الزاعمة أن العمل السلمي ليس إلا تحضير للثورة البروليتارية ثم أيدوا برجوازية بلادهم في الحرب العالمية الأولى 1914-1918 تلك الحرب التي قامت من أجل اقتسام العالم من قبل البرجوازية الأوروبية واستثماره ومن أجل اضطهاد الشعوب واستغلال ثرواتها وقد عبر لينين عن هؤلاء الانتهازيين بمايلي: " إن الأساس الطبقي للاشتراكية الشوفنية والانتهازية واحد كما أن المضمون السياسي لهما واحد أيضا" . وكثيرون الذين خانوا الطبقة العاملة وخدعوها وعادوا الثورة البروليتارية عندما نضجت الظروف لقيادتها وفي مقدمتهم كاوتسكي بتروجهم لـ "التعاون بين الطبقات ـ رفض ديكتاتورية البروليتاريا ـ رفض الأعمال الثورية والعنف الثوري ـ الإعتراف بلا قيد أو شرط بالشرعية البرجوازية ـ عدم الثقة باليروليتاريا". وذلك لأنهم قبلوا رشوة البرجوازية من فتات موائدها العامرة التي حققتها من استغلال واضطهاد واستثمار شعوب المستعمرات ومن عذاب سواد البروليتاريا وأنصاف البروليتاريا في الغرب وأصبح هؤلاء أيضا من رموز التوفيقية الوسطية الذين يريدون الجمع بين الاشتراكيين الثوريين والاشتراكيين الانتهازيين ، أي كانوا يريدون التوفيق بين الجماهير المناضلة وبين الأحزاب الإنتهازية المعادية للثورة وذلك ببضع جمل ذات دور ثوري ، لقد درس لينين ظاهرة التحريفية والانتهازية بشكل علمي عميق والتي نشأت في الحركة العمالية الأروبية والأمريكية في أوائل القرن العشرين وبدأ النضال ضد اتجاهين هما 1- النزعة التحريفية المتمثلة بـ "الانتهازية والاصلاحية" 2- الفوضوية المتمثلة بـ "النقابية الفوضوية ، الاشتراكية الفوضوية " . وبين أن هذين الاتجاهين يظهران على شكل انحراف يميني انتهازي أو انحراف يساري متطرف وهذان الانحرافان هما انعكاس للفكر والسياسة عند البرجوازية الصغيرة ، وبدخول هذه الأفكار إلى الحركة العمالية يبدأ التردد في تكتيك البروليتاريا أو إلى إتباع نهج تكتيكي وحيد الجانب وإلى الاعتماد على منهج القفز من طرف إلى اخر الذي تتبعه البرجوازية في نضالها . هذا يتنافى مع المنهج الديالكتيكي الماركسي وهذا ما يؤثر في تعزيز النزعة التحريفية في الحركة العمالية وغالبا ما تدفع الخلافات داخل هذه الحركة إلى حد الانشقاق السافر ، ودعا لينين الحزب الماركسي الثوري إلى النضال ضد الانتهازية والتحريفية في الحركة العمالية والانفصال عنها حيث يقول : واجبنا إذا شئنا أن نظل اشتراكيين هو السير إلى أدنى إلى أعمق نحو الجماهير الحقيقية ، وأن الانفصال عن الانتهازية حتمي وضروري وهو طريق لا هوادة فيه ضد الانتهازية بدلا من سترها ـ تلك هي الخطة الماركسية الوحيدة في الحركة العمالية العالمية. وقد ناضل لينين ضد التيار الانتهازي في مؤتمرات الاحزاب الاشتراكية والاشتراكية الديمقراطية التي عقدوها منذ بداية القرن العشرين وحتى الحرب العالمية الاولى وذلك عندما ناقشوا جملة من المسائل أهمها: 1- مسألة المستعمرات والسياسة الاستعمارية. 2- علاقة الاحزاب الاشتراكية بالنقابات العمالية. 3- مسألة هجرة العمال. 4- مسألة حق النساء الانتخابي ومساوتهم بالرجال. وفند لينين أفكار الانتهازيين وفضح مواقفهم ودل الاحزاب الاشتراكية على طريق النضال الصحيح. وأدى هذا النضال في مؤتمر / شتوتغارت/ عام /1907/ إلى الاعتراف بتضامن العمال من جميع البلدان في النضال الطبقي وكذلك في حق النساء الانتخابي ومساواتهم بالرجال وفي الوقوف ضد الحروب الاستعمارية واحتلال أراضي الغير بالقوة وإلى التقارب بين الأحزاب الاشتراكية والنقابات العمالية ثم التحالف معها ضد البرجوازية دون الوقوف على الحياد كما دعا التيار الانتهازي وإلى إقرار الثورة الاجتماعية والعزم على النضال حتى النهاية والاستعداد لأشد وسائل النضال ثورية. وقد رد لينين فكريا على الكثير من التحريفين أمثال مارتوف وكاوتسكي مبينا أن الديمقراطية لها طابع طبقي وأنه لا توجد ديمقراطية خالصة ، وفي قضية دكتاتورية البروليتاريا بين أنها قضية موقف الدولة البروليتارية من البرجوازية وأنه بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة انتقال تحدث فيها تحولات ثورية عميقة تناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا ، أي أن لها طابع العنف الثوري وبيّن أن سلطة السوفيتات في روسيا هي أكثر ديمقراطية بمليون مرة من أوفر الجمهوريات البرجوازية ديمقراطية في أوروبا ، وأنه لا يمكن أن تقوم مساواة حقيقية بين المستثمرين والمستثمرين (بفتح التاء) ، كما برهن بأنه إذا لم تأخذ السوفييتات دورها الحقيقي كهيئات للدولة البروليتارية وتقوم بتحطيم آلة الدولة البرجوازية فإن ذلك قد يؤدي إلى الإفلاس المخزي ثم الارتداد والقمع من قبل البرجوازية في خضم هذا النضال الطبقي الضاري. ومن المعروف أن التيار البلشقي الثوري الماركسي قد تصلب عوده في أوائل القرن العشرين داخل حزب العمال الاشتراكي الروسي من خلال نضاله الشديد ضد التحريفية والانتهازية بكافة أشكالها وأدى هذا النضال إلى انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا القيصرية بقيادة لينين عام /1917/ وتشكيل الاممية الثالثة عام /1919/ التي انبثقت عنها الاحزاب الشيوعية في أنحاء العالم والتي أدت دورا هاما في الحركة الثورية العالمية في النضال ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية وإلى دعم حركة التحرر الوطني العالمية ومن ثم القضاء على الاستعمار القديم الكولونيالي ومقاومة الاستعمار الحديث (الاقتصادي). كانت تعاليم لينين بشأن هذه الظواهر والمسائل هامة في الحركة العمالية والشيوعية العالمية ودلت الماركسيين الثوريين على الطريق الثوري الصحيح في النضال من أجل سعادة الطبقة العاملة ومن أجل بناء حزب من طراز جديد يقود هذا النضال نحو النصر المظفر في الثورة البروليتارية وإقامة النظام الاشتراكي في أول دولة للعمال والفلاحين في العالم ألا وهي روسيا السوفيتية ثم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. ستالين المناضل بلا هوادة من أجل نقاء الماركسية ـ اللينينية.... تابع ستالين ذلك الماركسي ـ اللينيني البلشفي نضاله العنيد والدائم ضد التحريفية والانتهازية بعد أن قاد الحركة العمالية في القفقاس في أوائل القرن العشرين بنجاح وكذلك قاد المعارك في العديد من الجبهات بنجاح تام ودحر جيوش كولتشاك ودينيكن وفرلانجل يودينيش في الحرب الأهلية بين عامي /1918-1920/ وكان مناضلا ومنظما حزبيا رفيع المستوى كما كان مفكرا مناهضا لأفكار وطروحات المناشفة ويبدو ذلك في كراسه (الثورة المسلحة وتكتيكنا) حيث أكد فيه على ضرورة النضال المسلح في سبيل القضاء على القيصرية واشرف على إصدار الصحف البلشفية في فترات السر والعلن وعلى رأسها جريدة "البرفدا". ورغم إبعاده ونفيه إلى سبيريا خمس مرات بين عامي /1903-1917/ فإنه أصدر مؤلفه المشهور (الماركسية والمسألة القومية) هاجم فيه الاستقلال الثقافي القومي داخل حزب العمال الاشتراكي الروسي وأدانه باعتباره النهج الذي يؤدي إلى إنقسام في الحزب وإلى التبعية الاشتراكية للقومية ودافع عن وحدة ومختلف الجنسيات داخل الحزب المركزي الواحد وكان أحد البلاشفة الاوائل الذين آمنوا بانتصار الثورة في بلد واحد حيث قال: "لا يمكننا أن نستبعد إمكانية أن تكون روسيا هي البلد التي ستفتح الطريق نحو الاشتراكية علينا التخلي عن الفكرة القديمة التي ترى أن أوروبا وحدها هي التي بمقدورها أن ترشدنا إلى الطريق" وعندما أصبح بعد قيام ثورة أوكتوبر مفوض الشعب لشؤون القوميات أدرك بشكل بأن البرجوازية العالمية ستدعم البرجوازيات المحلية للأقليات القومية وكتب في هذا الصدد مايلي: (إن تقرير المصير ليس من حقوق الطبقة البرجوازية وإنما هو حق جماهير العمال في أية أمة من الأمم ينبغي أن يستخدم حق تقرير المصير كأداة للصراع من أجل الاشتراكية ولا بد أن يكون هذا الحق خاضعا للمبادىء الاشتراكية). وعلى الضد من المناشفة الانتهازيين والتحريفيين بزعامة مارتوف وبلخنوف وغيرهم من الاشتراكيين والشعبيين والبرجوازين الذين كانوا يقولون أنه من المستحيل أن تنتصر الاشتراكية في روسيا ذلك البلد المتخلف وأن تزعم البلاشفة لحركة الثورة سيولد استبداد الديكتاتورية وسيشكل أرستقراطية جديدة فوق الجماهير ، ونادوا بتحرير روسيا من الطغيان البلشفي وإقامة النظام الديمقراطي البديل مروجين لفكرة الديمقراطية في المجتمع . وعندما احتدم الصراع داخل حزب البلاشفة (الحزب الشيوعي السوفياتي) بعد أن تغلبت ديكتاتورية البروليتاريا سياسيا وعسكريا على خصومها وذلك بتحالفها مع الفلاحين الفقراء والمتوسطين وبرز أمام قيادة الحزب ومفكريه السؤال الكبير هل ستكون البروليتاريا السوفيتية قادرة على بناء الاشتراكية في بلد متخلف يسوده الدمار؟ وقد أجاب لينين على ذلك بعبارة مكثفة : "الشيوعية هي السلطة السوفيتية بالاضافة إلى كهربة البلاد بأسرها" . وصاغ تعالميه بعد قيام دولة الاتحاد السوفيتي تشريعيا عام 1922 من أجل بناء الاشتراكية على شكل مهمات ثلاث يجب إنجازها وهي: 1- بناء الصناعة الثقيلة وتطوير الصناعة الحديثة. 2- بناء التعاونيات الزراعية الفلاحية. 3- إنجاز الثورة الثقافية. وكانت السياسة الاقتصادية الجديدة "النيب" التي اتبعت منذ أوائل العشرينيات من القرن العشرين قد أحدثت سجالا إمتد حتى عام/1927/ داخل حزب البلاشفة كما ظهرت عدة تيارات داخل حزب البلاشفة مخالفة التعاليم اللينينية في بناء الدولة الاشتراكية الفتية. وبرز تروتسكي وأنصاره معارضين الاحتمالات والآفاق التي رسمها لينين للثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية في روسيا وأكدوا بأن ديكتاتورية البروليتاريا ستدخل في صدام مع جماهير الفلاحين وأن الاشتراكية السوفيتية لم تنتصر بدون مساعدة الثورة البروليتارية في أوروبا ، وفد استخدم تروتسكي مصطلحات كنظرية الثورة الدائمة ضد الملكية الاقطاعية والملكية البرجوازية التي ستتبعها البروليتاريا الروسية والتي لن تجد الحل إلا في مساعدة الثورة البروليتارية العالمية ، ولم يقتنع بأن البروليتاريا الروسية وحدها قد برهنت على كونها في الواقع ثورية حتى النهاية عندما قامت الثورة وانتصرت فيها ، وأن الثورة في أوروبا الغربية قد تخلفت في مضمونها وعادت إلى الماضي وبالتالي كان في لغوه اليساري حول "الثورة العالمية" قد التصق بفكر المناشفة الذين كانوا يعلنون بأنه لا الجماهير ولا الشروط الموضوعة ناضجة لبناء الاشتراكية في روسيا، وكان يقف منذ البداية منذ إصدار كتابه "مهامنا الجديدة" عام /1904/ وحتى كراسه "مسارنا الجديد" عام /1922/ ضد المبادىء اللينينية في بناء حزب من طراز جديد متهما لينين بشتى التهم السيئة وصابا افتراءاته وشتائمه فوق رأس ستالين طامحا للإمساك بزمام السلطة في الحزب البلشفي ومحاولا إقصاء الكوادر البشفية القديمة وإحلال محلها كوادر شابه ليس عندها الخبرة الكافية متسترا باتهامات لقيادة الحزب ما أنزل الله بها من سلطان . لقد ناضل ستالين والخط اللينيني في مرحلة بناء الصناعة الثقيلة والتعاون الزراعي ضد كل التيارات التحريفية والانتهازية التي ظهرت داخل الحزب فوقف ضد أفكار بوخارين القائلة (بأن التصنيع قد أدى إلى استغلال عسكري – إقطاعي للفلاحين) وأنه (يجب تلبية الحاجات التموينية الشعبية قبل البدء في عملية التصنيع الواسع الأبعاد) وأنه يمكن التقدم عبر علاقات السوق ودعا الفلاحين أن يغتنوا وقد وجه ستالين له انتقادا بأن شعار (اغتنوا) ليس شعار البلاشفة وإنما الشعار الصحيح هو (التراكم الاشتراكي). وعندما رأت قيادة الحزب أن المخرج من حدوث مجاعة مرتقبة لدى سكان المدن بسبب احتكار الكولاك للقمح هو تطوير الكولخوزات بسرعة وقف بخارين ضد ذلك مشجعا المزارع الفلاحية الفردية وداعيا إلى إقامة (سلام طبقي) مع الكولاك الذين بدأوا يفرضون شروطهم على الحكومة السوفيتية، عندها أدرك الخط اللينيني وعلى رأسه ستالين أن الاشتراكية مهددة بالخطر من ثلاث جهات: 1- خطر اندلاع ثورات الجياع في المدن 2- وخطر تعزيز وضع الكولاك في الريف بحيث يصبح التصنيع الاشتراكي في حكم المستحيل 3- خطر التدخلات الاجنبية العسكرية المثير للقلق. قرر ستالين نقل الثورة للريف وخوض الصراع النهائي ضد الطبقة الرأسمالية الاخيرة في الاتحاد السوفيتي وهي طبقة الكولاك أو البرجوازية الزراعية ، وأدى ذلك إلى تسريع عملية التعاون الزراعي بشكل يفوق الوصف من قبل الفلاحين الفقراء والمتوسطين وشن حملة ضد الكولاك وانتزع أملاكهم وطردهم من الارض في بعص الأحيان وإلى تصفية نفوذهم الاقتصادي والسياسي في الريف وذلك بمساعدة البروليتاريا عبر صراع طبقي حاد. وعندما شنت الانتهازية اليمينية الممثلة بالمجموعة البوخارينية والمجموعة التروتسكية التي أخذت تشكك في العملية الانتاجية وتعتبر نزع أملاك الكولاك (مغامرة بيروقراطية) وأن الكولخوزات ستنهار ووصفوا التعاون الزراعي بأنه ذو طابع طوباوي كل ذلك بهدف تشويه موقف القيادة اللينينية وعلى رأسها ستالين ودعوا إلى الاطاحة بها غير أن النتائج الباهرة التي حققها التعاون الزراعي في الريف رد على كل تخرصاتهم وانتهازيتهم. لقد شن تروتسكي على الخط الماركسي ـ اللينيني في الحزب البلشفي حملة يصف فيها قيادة الحزب (بالبيروقراطية الستالينية) وكان الهدف من ذلك الاطاحة بدكتاتورية البروليتاريا وتزعم الحزب ، غير أن لينين وستالين ورفاقهم المبدئيين كانوا يشنون حملة ضد البيروقراطية من أجل الحفاظ على نقاء الخط البلشفي وإلى تطوير الديمقراطية داخل الحزب وتنشيط التربية السياسية من أجل رفع الوعي السياسي للأعضاء الجدد. ومن أجل القضاء على الفساد البيروقراطي في الدولة والجهاز الحزبي طبقوا طريقة المراجعة والتطهير في الحزب في أعوام /1927-1929-1932-1937/ لكل الأعضاء غير المطابقين للمعاير الأولية (المعادون للثورة ـ الكولاك ـ الظباط البيض) والوصوليون والفاسدون والبيروقراطيون الذين يرفضون الانظباط الحزبي ويتجاهلون قرارات اللجنة المركزية ومرتكبوا الجرائم والمدمنون على الخمور. وتصدى ستالين للمؤامرة التي انكشفت والتي قامت بها المجموعة التروتسكية المتعاونة مع كامنيف وزينوفييف عضو المكتب السياسي والتي كانت تدعم منظمة سرية معادية للشيوعية قامت باغتيال الشخصية البلشفية المعروفة (كيروف) عام /1934/ وأدى ذلك إلى إبعادهم إلى منفى داخل روسيا بينما تابع تروتسكي حملته الفكرية والإعلامية ضد القيادة البلشفية وضد ديكتاتورية البروليتاريا واصفا المناخ السياسي بأنه ملائم للإرهاب ومناديا بإقامة أممية رابعة ومشجعا على (الارهاب الفردي) وممجدا لقيام ثورة مسلحة ضد البلاشفة وبذلك أصبح ناطقا باسم الطبقات الرجعية المهزومة (الكولاك ـ القيصريون ـ البرجوازيون ـ والضباط البيض) أي أصبح ضد الشيوعية. وناضل التيار المبدئي اللينيني وعلى رأسه ستالين ضد أعمال التخريب والتجسس والعبث التي يقوم بها جواسيس الدول الاجنبية في المناطق الاقتصادية في كازخستان والأورال وضد عملاء الدول الأجنبية في الداخل وعلى رأسهم التروتسكيون الذين وصلوا إلى بعض مواقع المسؤولية في الحزب والدولة وضد بعض القادة والذين ساهموا في إيصال عملاء الدول الأجنبية إلى هذه المواقع الهامة وتوصل ستالين إلى نتيجتين : 1- التخلص من السذاجة السياسية وسرعة التصديق وتعزيز اليقظة الثورية في الحزب وقال قوله المشهور "كلما تقدمنا نحو الاشتراكية كلما تزداد حدة الصراع الطبقي" . 2- الارتقاء بالتربية السياسية لكوادر الحزب عن طريق إقامة دورات سياسية بدءا من قيادة الخلايا وانتهاء بالقادة في قمة هرم الحزب وذلك من أجل الوقوف ضد كافة الانحرافات في الحزب وعلى الأخص اليسارية البيروقراطية ولكنه حذر من توسيع حملة التطهير في الحزب بدون معايير وكذلك حذر من القمع بطريقة تعسفية. وتصدى لبرنامج بوخارين الذي كان يرتكز على إنهاء الصراع الطبقي وإنهاء اليقظة الثورية السياسية تجاه القوى المعادية للإشتراكية ويعد بتحسين فوري لمستوى حياة السكان، والديمقراطية للتيارات الانتهازية والاشتراكية الديمقراطية أي أن برنامجه كان يهدف إلى حماية البرجوازية الزراعية والتجارية وإيقاف التصنيع الثقيل وإقامة الصناعة الخفيفة ، كان تطبيق مثل هذا البرنامج سيؤدي حتما إلى الهزيمة أمام الفاشية والنازية أبان الحرب العالمية الثانية . والتطهيرات التي نفذتها القيادة البلشفية في الحزب (المدنيون والعسكريون) وضد معظم المعارضة التحريفية والانتهازية في الحزب والدولة هيأت الأجواء والأرضية الملائمة للرد على ألمانيا النازية وقادت الجيش والشعب إلى النصر المؤزر في 9/5/1945 عليها مجترحة المآثر والمعجزات في الوقت الذي كان ينادي فيه تروتسكي لقيام ثورة سياسية جديدة تسحق ما زعم بأنه بيروقراطية بلشفية. وفي مقولته التي ساوى فيها (البلشفية بالنازية) يصف الستالينية بأنها تمهد الطريق لصعود الفاشية وانتصارها ويصفها بحليفتها المنحطة ويقول(تروتسكي): " إن انحطاط الستالينية هو المشهد الأكثر فظاعة والأكثر قبحا في تاريخ الإنسانية". يروج تروتسكي بهذه المقولات للدعاية الانهزامية وللروح الاستسلامية بشكل مضلل بغية خنق الثورة البلشفية والبروليتارية من خلال حقده على القيادة البلشفية واصفا إياها بأنها قوضت القوى الأخلاقية وروح المقاومة في البلاد عامة وفي اللحظات العصيبة ستجد نفسها عديمة الشرف والذمة ومرغمة على خيانة البلاد وبهذه المقولة يحرض النازية على الحرب ضد الاتحاد السوفييتي ويؤكد لها بأنها ستكسب الحرب . وكان معارضا لكل تدابير الحزب البلشفي الرامية إلى ممارسة رقابته السياسية على الجيش الأحمر بإدخال الفوضويين السياسيين إلى الجيش مدغدغا مشاعر النخبة لدى العسكريين وضباط الجيش ضد الحزب من أجل تفجير الجيش الأحمر من داخله وإشعال حرب أهلية وهم على أعتاب الحرب العالمية الثانية. وفي دفاعه عن الموضوعة التي تقول : " من أجل الاستعداد للحرب العدوانية النازية ينبغي ضرب البلاشفة وعلى رأسهم ستالين " أصبح تروتسكي يتمرد ضد النظام القائم من أجل الإطاحة به فكشف عن نفسه بأنه العدو اللدود للشيوعية ، لقد ناضل ستالين وواجه تيارات مناهضة للماركسية اللينينية وعلى رأسها التروتسكية ـ المنشفية المتسترة خلف لغة يسارية متطرفة والبوخارينية (الانحراف نحو الاشتراكية الديمقراطية) والميول البونابرتية (داخل الجيش الأحمر) والقومية البرجوازية (التيتوية) التي اتخذت داخل الحزب الشيوعي اليوعسلافي مواقف مناهضة للماركسي ـ اللينينية قد بدأت تصدع الجبهة الموحدة للإشتراكية في أوروبا والواقفة ضد الإمبريالية وأدت هذه المواقف إلى تصفية الشيوعيين الحقيقيين في الحزب مما سبب انحرافا نحو الاشتراكية الديمقراطية التي تنادي بالانتقال إلى الاشتراكية دون صراع طبقي وإحلال السوق محل التخطيط الاقتصادي كما هاجم هذا التيار شعار "ديكتاتورية البروليتاريا" ثم أضعف دور الدولة في المجال الاقتصادي ومهاجمة الاتحاد السوفييتي وتأيده للعدوان الأمريكي على كوريا وبذلك تحولت التيتوية إلى أداة في يد الإمبريالية المعادية للشيوعية. وقد حذر ستالين من تنامي النزعة القومية في الأحزاب الشيوعية واعتبرها عقبة إيديولوجية أساسية في طريق تشكيل الكوادر الطليعية الماركسية داخل هذه الأحزاب ، ورغم انشغاله في إعادة بناء ما دمر في الحرب العالمية الثانية داخل الاتحاد السوفييتي واهتمامه بالقضايا الدولية، فإنه أوضح بأن تأثير البرجوازية في الداخل والإمبريالية من الخارج كان ينعكس داخل الحزب في ظل أشكال من الانتهازية وكان على قناعة تامة بأن تطهيرا جديد داخل الحزب يجب أن يحدث ضد الانتهازية فقد ضعف النقد والنقد الذاتي والرقابة الحزبية من القاعدة وكذلك الانضباط الحزبي وعدم التزام بعض القادة بقرارات الحزب وقوانين الدولة وانتشار الفساد في أوساطهم وتراجع الاهتمام بالعمل الأيديولوجي مما هيأ أرضية لنمو البيروقراطية التي كان نبه منها لينين وقاومها ستالين ، كما هيأ لبروز تيار انتهازي تحريفي في قيادة الحزب بزعامة بيريا وخروتشوف ، وبعد موت ستالين عام /1953/ بدأ التراجع عن الخط اللينيني في المجال الفكري والسياسي وأعيد الاعتبار إلى العديد من الانتهازيين وأعداء اللينينية الذين أبعدهم ستالين مما هيأ ذلك لبداية الانحراف نحو نهج أدى بعد أربعين عاما إلى إنتصار ثورة مضادة للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي على أيد الانتهازيين والتحريفيين والصهيونيين والمرتدين. لقد صدق ستالين القول "سيضعون الزبل على قبري ولكن التاريخ كفيل بإزالته" جهاد البطل


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني