نشوء الإمبريالية نتاج موضوعي تاريخي لتطور الرأسمالية
نشوء الإمبريالية نتاج موضوعي تاريخي لتطور الرأسمالية
اسكندر جرادة
الرأسمالية هي نظام اجتماعي تخص فيه أدوات ووسائل الإنتاج عدداً غير كبير من الأشخاص ومن مالكي الأرض. بينما سواد الشعب لا يملك أو يكاد لا يملك أي شيء ويتعين عليه أن يؤجر نفسه للعمل.
إن القيمة الزائدة التي يخلقها عمل العمال في سياق عملية الإنتاج في المجتمع الرأسمالي، مصدر جميع المداخيل غير الناجمة عن العمل.
وهكذا تتحول القيمة الزائدة إلى رأسمال جديد ويتم استعماله لأجل الحصول على قيمة زائدة جديدة وهذا هو هدف الإنتاج الرأسمالي.
إن الرأسمال أياً كان الشكل الملموس الذي يرتديه ليس شيئاً وحسب، فالرأسمال يتضمن علاقة إنتاج معينة بين طبقة الرأسمالية وطبقة العمال تتجلى في استثمار الإنسان للإنسان.
وبتطور الرأسمالية يرتفع معدل القيمة الزائدة كدليل على ارتفاع درجة استثمار البرجوازية للبروليتاريا ويزداد ذلك مع ازدياد حجم العمال المأجورين الذين يستثمرهم رأس المال.
ومن هنا تنشأ القوانين الاقتصادية والتي هي التعبير عن جوهر العلاقات الإنتاجية وهي قوانين مؤقتة تاريخياً فهي تنشأ على أساس علاقات إنتاجية معينة تتحكم في هذه العلاقات إلا أنها تنتفي وتكف عن المفعول مع استبدال العلاقات التي انبثقت منها بعلاقات إنتاج جديدة.
ولكن الرأسمالية لم تأت من العدم فهي تكونت وتطورت في أحشاء المجتمع الإقطاعي وانتقل هذا التطور من الإنتاج البضاعي البسيط وهذا الإنتاج كان موجوداً في نظام الرق وفي النظام الإقطاعي وفي مرحلة انحلال الإقطاعية. أصبح الإنتاج الصناعي البسيط أساساً لنشوء الإنتاج الرأسمالي.
وكان عمال المشاغل موضع استثمار وحشي فيوم العمل يبلغ /18/ ساعة وأكثر وكانت الجور في أدنى درجة من الانخفاض وكان معظم العاملين في هذه المشاغل مصابين بنقص التغذية كتب ماركس عن تقسيم العمل في المشاغل:
«يخلق ظروفاً جديدة تضمن سيطرة الرأسمال على العمل فهو يبدو إذاً بمثابة تقدم اجتماعي ومرحلة ضرورية في التكوين الاقتصادي للمجتمع كما يبدو أيضاً بمثابة وسيلة استثمار رفيعة التمدن».
وظهر نوع جديد من العمل وهو توزيع العمل على البيوت وانتشر ذلك انتشاراً أوسع في مرحلة المينفاكتورة.... وكان الحرفيون العاملون في البيوت يأخذون أجراً أدنى من أجر العامل الذي يشتغل في ورشة الرأسمالي.
ولكن لم يكن بإمكان الرأسمالية أن تقوم بثورة جذرية في حياة المجتمع الاقتصادية كلها ما دام العمل قائماً على أساس العمل اليدوي ولكن جرى التطور الكبير في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر مع ظهور الصناعة الآلية.
كانت الآلة هي الأساس التكنيكي والمادي لهذه القفزة النوعية الجديدة وباستخدام الآلة أصبح الرأسمالي في سباق إلى الربح من خلال زيادة الإنتاج.
وكانت إنكلترا كما يسموها ورشة العالم الصناعية ومنها انتشر الإنتاج الآلي إلى سائر بلدان أوروبا وأمريكا.
إن جميع المزايا التي وفرها استخدام الآلة تصبح بسبب أسلوب الإنتاج الرأسمالي ملكاً لأصحاب الآلات ملكاً للرأسماليين الذين تزداد أرباحهم. ونؤكد هنا كما أكد ماركس «ليست الآلة بحد ذاتها هي عدو الطبقة العاملة بل النظام الرأسمالي الذي يستخدم تلك الآلات».
ويستخدم قسماً من القيمة الزائدة في توسيع الإنتاج شراء وسائل إنتاج إضافية وهكذا يتراكم ويتعاظم رأس المال على حساب استثمار الطبقة العاملة.
والرأسمال المنتج يمر بثلاث مراحل:
1ـ المرحلة الأولى من حركة رأس المال تقوم في تحويل رأس المال النقدي إلى رأس مال منتج.
2ـ المرحلة الثانية من حركة رأس المال هي تحويل رأس المال المنتج إلى رأس مال بضاعي.
3ـ المرحلة الثالثة من حركة رأس المال تقوم في تحويل رأس المال البضاعي إلى رأس مال نقدي.
وهذه المراحل متصلة بعضها ببعض اتصالاً وثيقاً كل واحدة منها تتوقف على الثانية.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من الانقلاب الصناعي في نهاية القرن الثامن عشر وانتهاء العمل بالآلات العاملة على البخار بدأت المرحلة الثانية بالتحولات التكنيكية التي طرأت، وما ميز هذه المرحلة هو استبدال المحركات البخارية بالكهربائية، إن هذا الانتقال ساعد على مضاعفة إنتاجية المعامل وهذا يعني ازدياد درجة استغلال العمال بأجورهم وأوقاتهم.
وبخلاف إعادة الإنتاج البسيطة ففي ظل إعادة الإنتاج الموسعة ينضم فائض القيمة إلى الرأسمال وتحويله بذلك إلى رأسمال إضافي هو ما يطلق عليه التراكم الرأسمالي.
وتمركز الرأسمال هذا هو عملية تجميع أموال في رأسمال واحد أكثر ضخامة.
ومع تطور الإنتاج الرأسمالي تحدث زيادة مطلقة في عدد البروليتاريين الذين يستغلهم الرأسمال وفي الوقت نفسه يزداد فائض السكان النسبي وتدهور أوضاع السكان العاطلين والعاملين على حد سواء. ويقول ماركس:
«كلما حدثت زيادة في الثروة الاجتماعية والرأسمال العامل وأحجام وطاقة نموه بالتالي كلما ازدادت الكمية المطلقة للبروليتاريا وقوة العمل المنتجة كلما ازداد الجيش الصناعي الاحتياطي وتنمو قوة العمل الحرة بناء على نفس أسباب توسع الرأسمال».
تشكيل الإمبراطوريات الاستعمارية وسياسة الاستيلاء على المستعمرات
في مرحلة التراكم الأولى للرأسمالية
صحيح أن المستعمرات كانت موجودة في الأزمنة الغابرة إلا أن نظام الحكم الاستعماري (الكولونيالية) قد ازدهر في عصر الرأسمالية ولا سيما في مراحله الأخيرة من تطوره إلى الإمبريالية وكانت القيم التي ينهبها المستعمرون تساق إلى أوروبا وتحول إلى رأسمال وتوظف في الشركات الاستعمارية.
وهكذا نشأت السوق العالمية من جراء المزاحمة الضارية بين دول العالم الرأسمالية وكان نشوء السوق العالمية في أواخر السنوات الخمسين من القرن التاسع عشر الأساس الاقتصادي لظهور التطور التاريخي العالمي الموحد لانبثاق العملية التاريخية العالمية الموحدة. وظهرت معضلة تصريف كمية كبيرة من البضائع ومعضلة الحصول على الخدمات من أجل انتاجها.
وكذلك جرى تطورات كبيرة للرأسمالية في الزراعة حيث جرى تحول نحو مزارع رأسمالية تكون أساس الإنتاج الرأسمالي وانتقلت تدريجياً أشكال استثمار الفلاحين الإقطاعية إلى أشكال الاستثمار الرأسمالية.
وجرى ضرب النظام الاستثماري القديم وتحرير الاقتصاد الريفي من العوائق الإقطاعية الأمر الذي أدى إلى سرعة تطور القوى المنتجة.
ومع تطور الاحتكار وهو أحدث المراحل في تطور الرأسمالية وهذا التطور يكون منقوصاً إن لم نأخذ بعين الاعتبار دور البنوك.
إن وظيفة البنوك الأساسية والأولى هي الوساطة في الدفع وتحول الرأسمال النقدي غير العامل إلى رأسمال عامل أي إلى رأسمال يدير الأرباح وتجمع العائدات النقدية بشتى أنواعها وتضعها تحت تصرف طبقة الرأسماليين. وبحكم ذلك تشتد تبعية الصناعة الكبيرة لعدد ضئيل من مجموعات البنوك. ويتكون في هذه النتيجة اندماج متزايد واقتران الرأسمال البنكي والصناعي وصيرورة البنوك إلى مؤسسات ذات طابع شامل.
إن الاحتكارات هي رأسمالية تحصر في أيديها إنتاج أو تصريف القسم الأكبر من منتوج الفرع المعني بها فتفرض أسعار احتكارية وتبتز أرباح عالية بفضل الاحتكار فجرى تأسيس الكارتلات والسنديكات والتروستات وقد ظهرت كأشكال أساسية للاتحادات الاحتكارية.
الكارتل هو اتحاد أو تحالف مؤسسات رأسمالية كبيرة يتفق المشتركون فيه على شروط بيع البضائع وشراء الخامات وآجال الدفع ويوزعون فيما بينهم أسواق التصريف ويفرضون أسعار البضائع والخامات والمواد المشتراة ويحددون كمية البضائع التي ينتجها كل مشترك أي ما يسمى الكوتا ولكن المؤسسات التي تدخل في الكارتل تحتفظ باستقلالها.
السنديكا هو اتحاد احتكاري بين عدد من المؤسسات يفقد المشتركون فيه استقلالهم في تصريف البضائع.
التروست هو اتحاد احتكاري تفقد جميع المؤسسات الداخلة فيه استقلالها الإنتاجي والتجاري وتندمج في مؤسسة واحدة ويصبح مالكوها أصحاب أسهم يتقاضون الأرباح حسب كمية الأسهم.
وتفرض هذه الاحتكارات سيادتها في السوق الداخلية وتقاسم هذه السوق فيما بينها واتحادات الرأسماليين الاحتكارية تفرض سيادتها على أسواق البلدان الخارجية وهكذا تتحول هذه الاتحادات الاحتكارية إلى اتحادات عالمية تتخطى الحدود القومية والوطنية.
وفضلاً عن تقاسم العالم اقتصادياً بين اتحادات الرأسماليين يجري تقاسم العالم أقليمياً بين الدول الرأسمالية وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان قد انتهى تقاسم العالم بين عدد قليل من الدول الاستعمارية الكبرى. وقد ازدادت أهمية المستعمرات لأن سيادة الاحتكارات تكون أمتن وأرسخ لأن امتلاك المستعمرات يؤمن للمستعمرين منطقة جديدة لتوظيف الرساميل وسوقاً لتصريف البضائع وتحويل هذه المستعمرات إلى قواعد حربية.
المراجع:
1ـ عرض اقتصادي تاريخي.
2ـ الاقتصاد السياسي للرأسمالية.
3ـ الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ـ لينين.
4ـ أسلوب الإنتاج الرأسمالي.