الحزب الشيوعي الفلسطيني (رؤية نظرية)
الحزب الشيوعي الفلسطيني (رؤية نظرية
)
أولا:مقدمة نظرية:
الحزب الشيوعي الفلسطيني هو حزب ماركسي لينيني ، حزب اشتراكي علمي أي مادي ديالكتيكي (جدلي) ، مبني على القواعد اللينينية في التنظيم وهي القيادة الجماعية والمركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي.
والماركسية هي النظرية الثورية لتحرير الطبقة العاملة وسائر الكادحين والفقراء وهي نتاج التطور الفكري الفلسفي الانساني الذي تزامن مع صعود الطبقة البرجوازية وقيام النظام الرأسمالي على أنقاض الاقطاعية، والنظرية الماركسية هي نسق متكامل من الاراء الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والماركسية تعتمد على الفلسفة المادية والفلسفة المادية ترتكز على ثلاث أركان:-
1-المادية الديالكتيكية (الجدلية) والمادية التاريخية.
2- الاقتصاد السياسي.
3- الاشتراكية العلمية.
1- المادية الديالكتيكية
وهي علم حركة الطبيعة وهي الركن الاول للماركسية وهي تختص في قوانيين التطور المادي للكون ، والمادية التاريخية هي علم حركة المجتمع وتختص في قوانين تطور المجتمع وحيث أن المادة في حركة دائمة وأبدية فإنه لا وجود لحركة بدون مادة ولا وجود لمادة بدون حركة، فالمادية الدياليكتيكية (الجدلية) لها ثلاث قوانين أساسية، وهي قوانين موضوعية عامة ضرورية لربط الاشياء (المواضيع) والظواهر الطبيعية.
الاول: قانون وحدة وصراع الاضداد (المتناقضات)
فقانون وحدة وصراع المتناقضات هو جوهر المادية الديالكتيكية كما سماه لينين، فهو يكشف السبب الداخلي (الخفي) للتطور فالتناقضات هي سمة أو قوة الظاهرة (الموضوع) التي تلغي بعضها تتابعا، وترابط هذه المتناقضات يؤدي بدوره الى تناقض اخر، أي أن التناقضات ما بين المكونات (مكونات المادة أو الظاهرة) هو الذي يقود التطور في المادة ومن تراكم التناقضات الكمي يؤدي في النهاية الى حالة جديدة سواء في الطبيعة أو المجتمع وهذه الحالة الجديدة أيضا تخلق ضدها معها. فالواراثة والتكيف مع المحيط هما متناقضان فالجسم (العضو) يحمل صفات وراثية وفي نفس الوقت يكتسب صفات جديدة من تغير الظروف المحيطة به. فوحدة الاضداد تعني أنه لا يمكن وجود شيء بدون وجود المضاد له(والمترابط معه) وهذه الاضداد تتعادل في وقت معين وتحت ظروف معينة تتوازن ولكن حالة التوازن هذه نسبية ومؤقتة فضمن حركة التطور يختل هذا التوازن مما يؤدي الى اختفاء شيء وظهور شيء اخر وبوحدة أضداد جديدة، وهكذا إذن الاضداد في صراع دائم (عراك،نضال) مع بعضها البعض أي أنها تنفي وتلغي بعضها بالتبادل ، فصراع الاضداد يشكل المحتوى الداخلي أي مصدر التطور الموضوعي للواقع وعليه فإن التناقض الاساسي للرأسمالية هو الطبيعة الاجتماعية للانتاج والصيغة الخاصة لرأس المال (الملكية الخاصة) وتحتوي الرأسمالية طبقتين متضادتين ، البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج والطبقة العاملة (البروليتاريا) المسحوقة ، وقد بين ماركس وانجلز أن التطور الاجتماعي وظهور الطبقات في المجتمع يرتكز في الاساس على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج.
الثاني: قانون التحول الكمي الى كيفي
هذا القانون يرينا كيف يحدث التطور والالية لهذه العملية فعالمنا مليء بأشياء وظواهر متعددة وكل من هذه الاشياء والظواهر تحتوي أشياء خاصة ومميزة لها ، فهناك الفرق بين الاشياء الحية والاشياء غير الحية ، وهناك أنواع متعددة من النباتات والحيوانات وهناك الانسان والمجتمع يختلفان في أوقات زمنية مختلفة.
تميز الاشياء وتشابهها يعبر عنها بمفهوم الكيفية ، فالكيفية هي مجموع العوامل الجوهرية المعبرة عن طبيعة ونوعية الاشياء والكيفة أيضا تؤشر على الاستقرار النسبي للاشياء وهو تغير في الشيء نفسه. بالاضافة الى هذه الكيفية توصف الاشياء بكميات محدودة ، فأوجه الكمية والكيفية للاشياء تكون وحدة متشابكة ووحدة جوانب الكمية والكيفية لموضوع ما (شيء ما) أوظاهرة ما تسمى مقياس، وعندما يختل القياس لا تتوافق الكيفية القديمة مع الكيفية الجديدة فيظهر التناقض مرة أخرى بينهما، ويزداد ويشتد هذا التناقض حتى ينتهي أخيرا بتكوين حالة كيفية جديدة ويظهر مقياس جديد ، وهذا ما يعرف بالتحول (التغير الكمي الى تغير كيفي) فأي تطور له وجهان هما تغير كمي وكيفي وهما يكونان وحدة لا تنفصم.
الثالث: قانون نفي النفي
وهذا القانون يرينا الترابط بين مراحل التطور المتتابعة بين القديم والجديد ففي النفي يحل الجديد محل القديم ، أي أن مرحلة من مراحل التطور تفسح المجال الى المرحلة الاخرى (الاكثر تقدما) وإحلال مرحلة من المراحل بدلا من مرحلة أخرى ، تعرف في الفلسفة الماركسية بالنفي الديالكتيكي والنفي هو صفة عامة (إنه جوهري لأي تطور في الطبيعة والمجتمع. ففي الطبيعة الحية جميع الاصناف الحية (البيولوجية) في الطبيعة تنتفي على مدى الزمن وتستبدل بأصناف جديدة تظهر على أنقاض الاصناف القديمة وهي أكثر قابلية للحياة، والتطور التاريخي هو إحلال المجتمعات القديمة بمجتمعات جديدة وأرقى منها فالمشاعية البدائية حل محلها مجتمع العبيد وحل محل مجتمع العبيد المجتمع الاقطاعي، وحل محل المجتمع الاقطاعي المجتمع الرأسمالي.....وهكذا.
فالنفي متأصل في وحدة وصراع الاضداد والجوانب المتضادة في الصراع لها معاني وأدوار مختلفة في تطور الاشياء والظواهر، فإحداها موجه لتغير الاشياء والظواهر وبذلك تلعب دورا تقدميا، أما الجانب الاخر يعبر عن استقرار الاشياء والظواهر هذه تلعب دورا محافظا فالنفي إذن هو حل للتناقضات الداخلية ، فالقديم المحافظ يندحر والجديد التقدمي يثبت ويؤكد نفسه وفي عملية التطور ينتفي دائما القديم ويستبدل بجديد والنفي الديالكتيكي يحفظ العناصر الايجابية من القديم وإنجازات التطور القديم تندمج بالجديد وكل شيء جديد يصبح فيما بعد قديما وككل شيء قديم يتلاشى ويفسح المجال لشيء جديد وهكذا.
2- الاقتصاد السياسي
وهو الركن الثاني للماركسية وأعظم كتاب للاقتصاد السياسي هو كتاب رأس المال لكارل ماركس ، فالاقتصاد السياسي علم يدرس حركة المجتمع ،فالمجتمع في حركة دائمة ومستمرة لا تتوقف عند حد، والاقتصاد السياسي الماركسي يفحص تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج وطرق الانتاج والتوزيع في فترة زمنية معينة ، والاقتصاد السياسي يتطور مع تطور المجتمع وقد وقع على عاتق ماركس تحليل الاقتصاد الرأسمالي في عهد تطور الصناعة حيث ظهر الرأسمال الصناعي بوضوح ، أي في عهد المنافسة الحرة التي عاصرها ودرسها ماركس ، وقد وقع على عاتق لينين دراسة وتحليل تطور الاقتصاد السياسي للمجتمع الرأسمالي في فترة تحوله الى المراحل الامبريالية المختلفة عن مرحلة المنافسة الحرة التي درسها ماركس.
لقد اكتشفت الماركسية من خلال دراستها لحركة المجتمع أن الانسان من أجل أن يعيش لا بد له من إنتاج ما يحتاج إليه من غذاء ولباس وسكن ..الخ ، يقول ماركس " لكي يستيع الانسان أن يعيش عليه أن يغذي جسمه مستعيرا المواد التي يحتاجها من الطبيعة الخارجية التي تحيط به ، وتفرض هذه الاستعارة مقدما على الانسان أن يؤثر تأثيرا معينا على الطبيعة الخارجية لكن الانسان إذ يؤثر على الطبيعة الخارجية فإنه يغير طبيعته هو أثناء إنتاج الاشياء التي يعيش منها الانسان ، يقيم الافراد (الناس) فيما بينهم علاقات إنتاج معينة لا تحدد بعلاقتهم الطبيعية ، فالانتاج ممكن في ظل نوع معين من المشاركة والتبادل (من العلاقات) في الاعمال التي يقوم بها المنتجون وهذه تسمى علاقات الانتاج وعلاقات الانتاج هذه يجب أن تتطابق بالضرورة مع قوى الانتاج التي تسبب بدورها تجميعا معينا للسكان.
إذن فالناس أثناء الانتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم ، هي علاقات الانتاج التي تتوافق بدرجة معينة من تطور قواهم المنتجة ومجموع علاقات الانتاج هذه تؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع ( النظام الاقتصادي) وفوق كل أساس اقتصادي معين ينبثق حتما بناء فوقي أيديولوجي ملائم له.
3- الاشتراكية العلمية
وهي الركن الثالث من الاركان التي ترتكز عليها الاشتراكية ولقد أطلق هذا الاسم عليها فريدرك انجلز ، وهي نظام اجتماعي له خصائصه وقوانينه الاقتصادية والاجتماعية (من كل حسب حاجته ولكل حسب ما يعمل)، فمن صفات المجتمع الاشتراكي تحول الانتاج الاجتماعي كله الى إنتاج للطبقة العاملة والفلاحين وكامل المجتمع كما أنه لا يوجد في المجتمع الاشتراكي بطالة ولا تضخم مالي ولا ارتفاع في أسعار المواد الغذائية و الاستهلالكية.
فبسبب الملكية الخاصة لوسائل الانتاج برز في المجتمع الرأسمالي طبقتين متناقضتين هما البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج والطبقة العاملة (البروليتاريا) المسوقة والحرومة من ملكية وسائل الانتاج (واحد سائد مالك لوسائل الانتاج واخر مسود مضطهد ولد في رحم السائد) وهذين النقيضين يكونان أبدا قطبين متصارعين ومتنافيين والطبقة العاملة إذا توحدت بقيادة حزب طليعي ماركسي –لينيني في صراعها التناحري مع البرجوازية الرأسمالية حتما ستنتصر وتسود المجتمع (اي ستفرض سلطة الطبقة العاملة).
إن تطور النظام الرأسمالي بعد معاينة بنيته وأليات عمله وتطوره المتفاوت وأزماته الدورية سوف يقود الى مرحلة الاشتراكية نتيجة للتناقض والصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج الرأسمالية ينتهي الى( طفرة نوعية ) تحول تقوده الطبقة العاملة تحرر بواسطتها نفسها والمجتمع من نير الاستغلال والاضطهاد وعدم المساوة، وهذا ما خلص إليه البيان الشيوعي (عام 1848) حيث أرسى نظرية الصراع الطبقي والدور الثوري الذي تطلع به الطبقة العاملة في التاريخ ، فنظرية الصراع الطبقي تمثل الجوهر الذي يحكم العلاقات الاجتماعية وإن تاريخ المجتمعات كما يقول البيان الشيوعي ما هو إلا تاريخ صراع الطبقات ، فقوانين تطور المادة الثلاثة أعلاه تسري على تطور المعرفة وتطور المجتمع أيضا وهو ما تسميه الماركسية بالمادية التاريخية ، وهذه هي القواعد الاساسية العامة التي يعتمد عليها الحزب الشيوعي الفلسطيني في تحليلاته المختلفة.
انتهى