PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مدخل الى العولمة الليبيرالية

مقدمة: غزا مفهوم العولمة كل مجالات التفاعل البشري: "السياسية والأكاديمية والإقتصادية والإعلامية، وتحول الى أكثر التعابير شيوعياً". وأصبح أداة التفسير الرئيسية للأحداث والتحولات الجارية على الساحات المحلية والإقليمية والعالمية. وأصبح أيضاً الحجة الدائمة لتعليل السياسات المحلية لهذه الحكومة او تلك. وأكتسب أنصاراً يرون في العولمة الدواء والعلاج من كل المشاكل المعرقلة لتطور الأمم والبشرية. لكنه خلق أيضاً من المناهضين ما يزيد عدداً عن انصاره، الذين يرون في العولمة السبب الرئيسي المعاصر للمشاكل التي لا تشكل مجرد عوائق لتطور البلدان ومصدراً لمشاكلها فحسب وإنما أيضاً خطراً حقيقياً على البشرية. وبذلك تحولت العولمة الى الموضوع الرئيسي لحوارات ونقاشات المؤسسات العلمية والسياسية، النوادي والأفراد، وهي ستستمر كذلك الى أمد طويل، الى أن تتبلور الإجابات حول نشأة هذه الظاهرة وقواها المحركة والأثار السلبية والإيجابية التي يمكن أن تتمخض عنها، وتحديد المستفيدين والمتضررين منها، والإتجاهات التي ستاخذها وفي نهاية المطاف الى أن يحدد ما الذي يتعولم ومن الذي يعولم. تعريف العولمة: حددت وثيقة المؤتمر التاسع العولمة على أنها "عملية تدويل مكثف ومتزايدة لحركة رأس المال، بدأت في التوسع مع التطورات الإقتصادية الكبيرة التي حصلت خصوصاً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر". وفي الصفحة ذاتها من الوثيقة نقرأ أن العولمة هي "في جوهرها رأسمالية المرحلة التاريخية الراهنة". وبالتالي فإن كل نضال ضد العولمة المذكورة هو في جوهره، نضال ضد الراسمالية" (وثائق المؤتمر التاسع ص 14). أما في المؤتمر الثامن فنجد "أن العولمة، بمعنى الإنفتاح والتبادل والترابط، وصولاً الى الإندماج بين شعوب العالم ودوله، هي ظاهرة موضوعية، ليست بالجديدة، فهي بدأت مع التطورات التي شهدها العالم في الإقتصاد وحركة رأس المال وتدويله في اواخر القرن التاسع عشر إضافة الى تنامي التبادل السلعي وحركة اليد العاملة" (المؤتمر الثامن ـ الوثائق والقرارات ـ ص 57). لا شك أن النظرية في العولمة لم ينجز وضعها بعد. وهي كما والإمبريالية، سوف تكون مادة نقاشات وأبحاث طويلة سوف تستمر قدراً من الزمن قبل أن تتم صياغة هذه النظرية. جدير بالذكر أن صياغة نظرية الإمبريالية استغرقت في حد أدنى عقدين ونيف من الزمن. ولذا سنجد أن التعريف المذكور لا ينسجم كفاية مع الشعارات التي ترفعها الحركات المناهضة للعولمة والتي تسعى لإقامة عولمة إنسانية بديلة. ولذا نصادف تعريفاً آخر للعولمة يحدد مضمونها وشكلها. أي: العولمة سياق تاريخي طويل موضوعي، ومتناقض لتقارب واندماج وانفتاح وتكامل وترابط وتفاعل بلدان وشعوب العالم. إنها مسار التشكل المتناقض للمجتمع العالمي الموحد بكل مكوناته، مسار تعمق العلاقات والصلات في العام في جميع المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإعلامية، إنها عملية تحول العالم الى حق نشاط موحد للبشرية في هذه المجالات كلها. ولأن العولمة ظاهرة إجتماعية، نتاج تفاعل البشر في مجالات نشاطهم المختلفة، الفردية والمشتركة ونتيجة تحضرهم المستمر، أي انهم بنشطون ويتفاعلون في تشكيلات إجتماعية وظروف إجتماعية تتطور من الأشكال الدنيا الى الأشكال العليا، فإن العولمة كما وكل الظواهر الإجتماعية الأخرى تنطبع بطابع التشكيلية الإجتماعية المحددة، تتأثر بقوانينها وبأهدافها وبالقوى الإجتماعية المحركة والمسيطرة فيها، أي أن شكل العولمة يختلف بإختلاف التشكيلات الإجتماعية. ولذلك تحدد التشكيلة الرأسمالية المعاصرة والنظام الرأسمالي تطوره الإحتكاري الإمبريالي للعولمة. فالعولمة اليوم هي عولمة رأسمالية إحتكارية. هي عملية يقودها الرأسمال المعولم الذي تعود ملكيته للشركات العابرة للقوميات والساعي للحصول على الـ 40 وما فوق الإحتكاري، وإخضاع البشرية ومجتمعاتها والطبيعة والفضاء الخارجي وأعماق البحار وكل منجزات البشرية لتحقيق هذا الهدف. لذلك فإن ما نشهده اليوم ليس عملية تقارب بل تقريب، وليس إنفتاحاً بل فتحاً، وليس إندماجاً بل دمجاً، وليس ترابطاً بل ربطاً، وليس تفاعلاً بل فعلاً، بين الشعوب والبلدان والإقتصاديات والتجمعات التي يقوم بها الرأسمال المعولم بمؤسساته وأدواته وما يفرضه من إتفاقات. تخضع لعملية تعولم واسعة كل مجالات النشاط البشري: السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. وتستند هذه العملية الى خلفية إيدولوجية واحدة هي النيوليبرالية المفرطة. تعريف العولمة الإقتصادية (الليبرالية) العولمة الإقتصادية، أو عولمة الحياة الإقتصادية، هي عملية نشوء وتعمق العلاقات بين الإقتصاديات الوطنية (ووحداتها) في مختلف بلدان العالم، حيث يخرج العمل المنفرد قومياً عن أطر البلد المعني، ويتحول العالم الى حقل موحد للنشاط الإقتصادي في جميع مكوناته: الإنتاج، التبادل، التوزيع، التمويل، الإستهلاك. إلا أن القاعدة المادية لهذه العملية تكمن في عولمة عملية الإنتاج وتجديد الإنتاج التي تتخذ شكل تدويل (عولمة) القوى المنتجة، الذي يستند الى تعميق التقسيم الدولي للعمل، مما يفترض درجة عالية لتعميم (جتمعة) الإنتاج. كل هذا يعني أن العلاقات الإنتاجية التي تشكلت يوماً ما في غطار إقتصاد بلد معين في ظل النظام الرأسمالي، والتي طبعت إنتاج هذا البلد بطابع إجتماعي (إنتاج على مستوى المجتمع) تكتسب في ظل العولمة طابعاً عالمياً، بحيث أن عملية الإنتاج تتوزع الى حلقات مختلفة متموضعة في عدة بلدان وتشارك فيها قوة عمل متعدة القوميات، ويصرف المنتوج في أسواق العالم الواسعة، وتستفيد المشاريع من مصادر تمويل لا تحصى. وبهذا المعنى يصبح من الصعب تحديد قومية المنتوج لأنه لم يعد حصراً من إنتاج اليابان أو أميركا أو سنغافورة أو الصين أو الهند، على الرغم من أن أجزاء معينة تشكل المنتوج المحدد قد تم إنتاجها في هذه البلدان، بل أنه منتوج لشركة سوني أو شركة هيونداي التي تتموضع فروعها ومصانعها في هذا العدد من البلدان. اتجاهات العولمة الإقتصادية ومؤشرات التعولم: عندما يجري الحديث عن العولمة الإقتصادية يقصد بالدرجة الأولى تحويل عملية تجديد الإنتاج من قضية محلية الى قضية يستحيل حلها إلا في إطار عالمي لجهة تشكيل نسب الإنتاج والتزود بعوامله وسياق تجديده. كما يجري الحديث عن إمتلاء الأسواق العالمية بسلع وخدمات من بلدان وشركات عديدة، وعن مليارات الدولارات التي تتدفق من سوق مالية لأخرى بسرعة البرق. بكلام آخر يجري الحديث عن تكامل إقتصاديات العالم. إن خارطة العالم الإقتصادية تمتلئ بالحلقات التكاملية وبالإتحادات ما بين الدول. من هنا يمكن تحديد إتجاهات العولمة الإقتصادية على النحو التالي: 1. العولمة على مستوى الإنتاج وتجديد الإنتاج، حيث تصبح نسب الإنتاج وتشكلها على مستوى بلدان العالم مسألة مرتبطة بالعوامل الخارجية، إن لجهة حركة عوامل الإنتاج: الرأسمال، العمل، التكنولوجيا، أو لجهة المنافسة من أجل جذب الإستشمارات الأجنبية المباشرة، مما يجعل التعاون الدولي بين المشاريع أمراً لا مفر منه في تحقيق عملية تجديد الإنتاج. 2. العولمة على مستوى التبادل السلعي والخدماتي، أي عولمة التجارة التي تشمل السلع والخدمات والتكنولوجيا والمعارف. 3. عولمة الأسواق المالية التي تعتبر حقلاً للتسليفات الحكومية والخاصة وللمتاجرة بالأوراق المالية المختلفة وبالمشتقات المتنوعة وللمتاجرة بالعملات. 4. إقامة الإتحادات التكاملية بين البلدان كطور من أطوار الخلفية الإيديولوجية للعولمة الإقتصادية وقواها المحركة. اللاعبون الأساسيون: (القوى المحركة للعولمة) هي الشركات متعدية القوميات (على إختلاف أنواعها ومجالات نشاطها) ومجموعة الثمانية الكبار، والمؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية). حددت هذه القوى قواعد السلوك الإقتصادي ـ الإجتماعي لكافة دول العالم وقواها الإقتصادية في صيغة إسمها "توافق واشنطن"، وهي تتضمن: - إزالة كافة القيود أمام حركة الرساميل والسلع والأفراد، أي إزالة القيود أمام حركة عوامل الإنتاج. - تحرير القطاع المالي - تخصيص واسع للمشاريع الحكومية من أجل توسيع اقتصاد السوق وإلغاء التنظيم الحكومي للإقتصاد وتثبيت ملكية القطاع الخاص. - إصلاح ضريبي لصالح الرأسمال، تخفيض الإنفاق الحكومي على أجهزة الدولة والدفاع ودعم المشاريع. - تأمين مرونة سوق العمل. 1. الإنضباط في الموازنة الحكومية (وهذا يعني تخفيض عجز الموازنة، والإمتناع عن تمويل التزامات حكومية عبر طبع النقود). 2. تغيير أولويات الإنفاق الحكومي (الإمتناع عن سياسة الدعم بما في ذلك للمشاريع الحكومية المتغيرة). 3. الإصلاح الضريبي (من أجل إقامة نظام ذي قاعدة ضريبية واسعة وتخفيض معدل الضريبة). 4. تحرير اسعار الفوائد 5. تحرير أسعار العملات والإمتناع عن التدخل في تحديدها. 6. تحرير التجارة الخارجية (إزالة العوائق الجمركية وغير الجمركية). 7. تحرير الإستثمارات الأجنبية. 8. خصخصة المشاريع الحكومية. 9. إلغاء التنظيم الحكومي للحياة الإقتصادية. 10. تعزيز حقوق الملكية الخاصة. المشاكل العالمية الشاملة ـ مدخل لدراسة العولمة: مع نهاية القرن العشرين وحلول القرن الواحد والعشرين وجدت البشرية نفسها بمواجهة مجموعة من المشاكل العالمية الشاملة الناجمة عن التطور الإقتصادي ـ الإجتماعي ـ التكنولوجي الذي وصلت اليه عند تقاطع القرنين. ويتضح أكثر فأكثر بأن مصير التقدم الإقتصادي والإجتماعي، بل ومصير البشرية بحد ذاته، بات يتعلق اليوم بحل هذه المشاكل. والحديث يجري هنا عن درأ مخاطر الحروب وخاصة النووية والبيولوجية، حماية البيئة وإيقافها تدميرها، تجاوز التخلف الإقتصادي لما يقارب ثلاثة أرباع بلدان العالم، حل مشاكل الطاقة والخامات ومشكلة التغذية، استغلال المحيطات والفضاء. والتخلص من الأمراض المعدية الخطيرة. ومع أن ازمة البيئة تعود لعقود سابقة إلا انها تفاقمت منذ أواسط القرن التاسع عشر مع تعميق عملية التصنيع واتساعها. وقد تم خلال مئة عام إبادة ربع الأراضي المستخدمة وثلثي الغابات. وخلال كل عقد من الزمن يباد 7% من الأراضي الزراعية. وهكذا فإن عملية التصحر وتدمير التربة الزراعية تسير بوتائر هائلة السرعة مما ولد تهديداً لنسف توازن التبادل بين المجتمع والطبيعة ومما ولد تبعية جديدة لسكان الأرض ببيئة تتزايد فقراً من جراء التأثير البربري للنشاط الإنساني عليها. ويأخذ هذا التأثير الإتجاهات التالية: 1. إخراج مقادير متزايدة من الأراضي من سياق الإستخدام من جراء استخدام الأسمدة الكيميائية وزيادة ملوحة التربة وتآكلها من جراء الرياح والأمطار. 2. التأثير الكيميائي المتزايد على المنتوجات الزراعية والحيوانية والمياه وإبادة الغابات يمارس فعله على حياة وصحة الناس ناهيك عن الخطر المباشر على تجديد إنتاج البيئة الطبيعية. 3. رمي القاذورات بأحجام متزايدة في الفضاء بآلاف الأطنان من (الغازات والأمطار الحامضية وغيرها) مما يؤدي الى جانب الأخطار الأخرى، لتدمير طبقة الأوزون. 4. زيادة رمي النفايات وتحويل مساحات واسعة من الأراضي الى مطامر للنفابات الصناعية، مما يقلص المساحات الصالحة ويوسع الأراضي الموبؤة. 5. بناء المحطات الكهربائية العاملة على الطاقة النووية. ومما يولده ذلك من مخاطر على الإنسان والطبيعة. وقد أظهرت كارثة تشرنوبل السيناريو الذي يمكن أن تنتظره البشرية من انتشار هذا النوع من التكنولوجيا. 6. الحروب المحلية والمتنوعة التي شكلت مجالات تجارب لأنواع جديدة نم الأسلحة المدمرة للحياة البشرية وللطبيعة، والتجارب النووية وإطلاق الصواريخ وتسيير السفن البحرية في المحيطات محملة مختلف أنواع الأسلحة التدميرية. العولمة السياسية إذا كان النمحى الأساسي للعولمة الإقتصادية يكمن في بسط الهيمنة والسيطرة المطلقة، إقتصادياً، للرأسمال المعولم عبر مختلف الأساليب والطرق، فإنه يحتاج لتثبيت هذه الهيمنة بهيمنة سياسية. إن هذه تتحقق عبر إقامة رقابة صارمة شاملة من قبل الرأسمال المعولم وبنيته التحتية كلها على الحكومات والمؤسسات الحكومية وسياساتها في مختلف بلدان العالم، وعبر تفكيك آليات الحكم فيها وإختصار السيادة فيها الى أدنى حدودها، وتحويل الحكومات الى مجرد مجالس بلدية تقوم بمجموعة من الخدمات العامة، وصولاً لمحو الحدود السياسية. وتستند هذه المقارنة الى خطاب سياسي جديد للعولمة يفترض أن زمن الدولة القومية قد ولى وأن الحكم على المستوى القومي عديم الفعالية بوجه العمليات العولمية الشاملة، وبوجه القوى الجديدة الناشئة على المستوى القومي وعلى المستوى العالمي. فالدولة لم تعد اللاعب السياسي الوحيد محلياً وعالمياً، وإن السياسات القومية المتعارضة مع الميول العالمية لم يعد لها من مبرر، وإن العالم بات يحتاج الي بنى إدارة سياسية ما فوق قومية لإدارة الشؤون السياسية للعالم، وعبر فرض قواعد سلوك وسياسات على الدولي المختلفة، والتدخل في التعيينات والإنتخابات والخ. إن النتيجة الأساسية لهذا الميل هو تعزيز سيطرة المراكز الإمبريالية وخاصة الأميركية. العولمة الإعلامية: هي عملية تحويل العالم الى حقل إعلامي موحد لإنتاج وتسويق النتاج الإعلامي من قبل افحتكارات الإعلامية الضخمة بحيث تكون النتيجة المباشرة تشكيل رأي عام عالمي يتماشى مع ميول العولمة ويتقبل المعايير والإنماط والأفكار والمواقف والتفسيرات للأحداث التي تبنها مراكز الإعلام الدولية. في هذه الحالة لا تبقى نشرة الأخبار ولا البرنامج التلفزيوني منتوجاً محلياً، لا إنتاجاً ولا إستهلاكاً ويصبح في متناول الجميع منذ لحظة حدوته وتفاعله. وقد أصبح ذلك متاحاً بفضل التطورات التكنولوجية. ولا يقتصر الحديث هنا على المحطات التلفزيونية بل يطال كل وسائل الإعلام والإتصال وأهمها الإنترنت. العولمة الثقافية: وهي تتضمن تفاعل الثقافات والتقارب والمنافسة فيما بينها، وإغتناؤها والصراع من أجل الهيمنة وخاصة من قبل مايسمى بالثقافة الجماهيرية الواسعة التي أوصلت الثقافة الى أعلى مستويات التسليع والى إبتذال النتاجات الثقافية في مجالات السينما والمسرح والفن وغيرها. العولمة على المستوى التكنولوجي بات تحقيق الطور الراهن من العولمة ممكناً بسبب تطوير أنواع جديدة من التكنولوجيا ـ الكمبيوتر ووسائل الإتصال الحديثة، التي أمنت إختصار الزمن وتقليص المسافة بين بلدان العالم، بحيث أمنت التفاعل والتبادل ونشر المعلومات في أقصر زمن ممكن. وقد أصبح ذلك ممكناً عبر تجميع وتركيز موارد ذهنية وبشرية طليعية من مختلف بلدان العالم في المراكز البحثية للبلدان المتطورة وخاصة في الولايات المتحدة، حيث الإمكانيات المالية الضخمة الضرورية لذلك تجمع من قبل الحكومية الأميركية لتطوير قطاعات الأبحاث العلمية والتكنولوجية، وهو ما يؤمن لها هيمنة مطلقة وإحتكار مجال إنتاج المبادئ التكنولوجية، وبالتالي السيطرة على الهرم التكنولوجي العالمي (التقسيم التكنولوجي الدولي للعمل). على المستوى الإجتماعي هي سياق تعميم أنواع السلوك الفردي النمطي والجماعي الغربي على كل البشرية. وهي سياق إنتشار المشاكل والأمراض الإجتماعية، والتهميش المتزايد لفئات إجتماعية واسعة من البشر في سياق التطور الإقتصادي. كما انها سياق تشكل وعي إجتماعي عالمي يتجلى في حركات كونية مناهضة للسياسات المفروضة من المؤسسات الدولية والشركات العابرة على الشعوب، وهو ما يجسد في لقاءات ومؤتمرات دولية تهدف لمعالجة هذه المشاكل. الحركة المناهضة للعولمة: إن مصادرها الشركات العابرة والرأسمال المعلولم المتمركز في الولايات المتحدة، والغرب عموماً، والطغمة المالية العالمية بشكل خاص، قيادة العالم في مختلف المجالات أقلق الجزء الأعظم من البشرية. خاصة أن السياسات الإقتصادية والمالية والتجارية والإجتماعية التي يتم فرضها على مليارات البشر تؤدي الى تهميش متزايد للملايين والى فقدان فرض العمل والى مصادرة الخيرات والموارد الطبيعية والى إتساع دائرة الفقر وإنتشار الأمراض والأمية في مختلف أنحاء الكرة الأرضية. كل هذا أدى الى تشكل حركات جماهيرية واسعة معارضة لهذا الميل في تطور البشرية والى عقد مؤتمرات ولقاءات جماهيرية واسعة، والى تنظيم مظاهرات وإعتصامات ومختلف أنواع الإحتجاج هذه السياسات. وقد اندرجت هذه التشكيلات ونضالاتها فيما يسمى بالحركة العالمية المناهضة للعولمة. أما الأشكال الأكثر إنتظاماً ووضوحاً فهي المنتديات الإجتماعية المحلية والإقليمية والعالمية. إن هذه الحركة تضع هدفها الستراتيجي العام المتمثل في بناء عولمة إنسانية ديمقراطية بديلاً عن العولمة الليبرالية. تربية الإنسان الجديد في ظل العولمة الليبرالية: تتطلب العولمة اليوم، وهي تربي، إنساناً يوجه كل تفكيره وتكوينه من أجل بلوغ النجاح الفردي ومن أجل الحصول على المتعة. ولذلك فهي تربي فيه نظرة خاصة للعالم ونفسية وقدرات جسدية معينة. فالنظام العالمي الجديد يحتاج إنساناً له نفسية محددة ـ الإنسان الرحالة "المنقطع عن جذوره وبلده وتقاليده وعائلته". وهذه الميزة النفسية هي اساس ضمان متطلبات السوق المعاصرة تجاه قوة العمل: فالعامل الذي يبيع قوة عمله ينبغي أن يتمتع بإمكانية التنقل داخل بلده وفي كل العالم بحثاً عن أفضل أجرة. وهذا يؤمن مرونة عاليه لسوق قوة العمل. إن "الإنسان الرحالة" هو نتاج تطور النظام الرأسمالي. هذا النمط من النفسية ملائم جداً للتلاعب بالناس وبوعيتهم والتحكم بمصيرهم. فالإنقطاع عن الجذور يؤدي لتدني دور القيم المعترف فيها في المجتمع. وعندها يمكن أن يفرض على المرء أي شيء آخر. وتعمل العولمة على تربية وتعميق النزعة الفردية مما يضعف القدرة الدفاعية للفرد بوجه التأثيرات النفسية عليه. لذلك تكريس اليوم مفاهيم الإكتفاء الذاتي للفرد، سياديه وإستقلالية عن الجماعة. تمارس تربية الإنسانية و؟؟؟ والنزعة الإستهلاكية والطموح للإستمتاع. وهذا أيضاً نتاج تطور الرأسمالية: فنمو الإنتاج يحتاج لنمو الإستهلاك وهذا ما يؤمن ارتفاع متزايد للأرباح. من أجل ذلك تستخدم لدعاية والإعلان على مدار اليوم لإمتناع الناس بشراء الجديد من المنتوجات والترويج لحاجات جديدة. في ظل هكذا مناخ يصبح المرء ضعيف الإرادة ينتظر المتعة الجديدة ويبحث عن النقود التي تعتبر أعلى من كل القيم بالنسبة له. ولأن هذه الإمكانية قابلة للتحقق ولعدمه يجري تهديده والتلاعب بوعيه لينصاع للتوجيه المطلوب. من هنا يسهل ترويج المخدرات وارتباط الفرد بمصدر الحصول على المتعة مما يجعل التحكم به ممكناً عبر تهديده بحرمانه من المتعة. هذا الأمر يتطلب إستبدال القراءة بالتلفزيون، والنشاطية بلعب الكمبيوتر. إن القدرة على التحكم بوعي الشباب ناجم عن تطور مبادئالسوق وعن استخدام الحريات المختلفة. فالمرأ يحصل حقاً على حق الكرم والتصرف إلا أنه يحرم من حق التفكير، وتتحول الرغبة بإعجاب الآخرين الى صناعة المظهر. هذا النوع من البشر الخاضعين يتشكل بواسطة أدوات الدعاية ووسائل الإعلام والمدرسة، حيث يتدنى مستوى الروح النقدية ويرتفع مستوى الروح ؟؟ ويتسع الإنقطاع عن القيم. وهذا يضعف الروح الجماعية والتعاضد وبالتالي الى ضعف المشاركة في النشاط السياسي والحياة السياسية


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني