PCP

يا عمال العالم اتحدوا

تكتيك نضال البروليتاريا الثوري

صحيفة صوت الشعب ــ العدد 161 (1684) 26أيار ــ 2 حزيران 2007 لما كان ماركس قد أبصر جلياً منذ 1844 ــ 1845 إحدى النواقص الأساسية في المادية القديمة، وهي أن المادية القديمة لم تعرف كيف تفهم شروط النشاط العملي الثوري، ولا أن تقدر أهميته فإنه إلى جانب أعماله النظرية قد أعار طوال حياته انتباهاً دائباً لمسائل تكتيك نضال البروليتاريا الطبقي. ومن هذه الناحية تقدم جميع مؤلفات ماركس مراجع غنية ولاسيما مراسلاته مع أنجلس المنشورة عام 1913 في أربع مجلدات. إن هذه المراجع ما تزال بعيدة عن أن تكون كلها مجموعة ومصنفة ومدروسة ومعمقة. ولهذا يترتب علينا أن نكتفي هنا بأعم الملاحظات وأوجزها مع الإشارة إلى أن ماركس كان يعتبر بحق أن المادية إذا جردت من هذا الجانب كانت غير متكاملة ووحيدة الجانب وعديمة الحيوية. لقد كان ماركس يحدد المهمة الأساسية لتكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي ــ الديالكتيكي. إن حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين دون استثناء، وبالتالي حسبان حساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع، وللعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات يمكن له وحده، أن يكون أساساً لتكتيك صحيح للطبقة المتقدمة، وعليه ينظر إلى جميع الطبقات وجميع البلدان، لا من حيث مظهرها الثابت، بل من حيث مظهرها المتحرك أي لا في حالة الجمود، بل في حالة الحركة (الحركة التي تنبثق قوانينها من الشروط الاقتصادية لمعيشة كل طبقة). والحركة بدورها ينظر إليها لا من وجهة نظر الماضي وحسب، بل من وجهة نظر المستقبل أيضاً، وفضلاً عن ذلك ينظر إليها لا وفقاً للمفهوم المبتذل «للتطوريين» الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة، بل وفقاً للديالكتيك. فقد كتب ماركس إلى أنجلس يقول: «في التطورات التاريخية الكبرى ليست عشرون سنة أكثر من يوم واحد، مع أنه قد تأتي فيما بعد أيام تضم في أحشائها عشرين سنة، وفي كل درجة من التطور وفي كل لحظة يجب على تكتيك البروليتاريا أن يأخذ بعين الاعتبار هذا الديالكتيك الحتمي موضوعياً لتاريخ الإنسانية: وذلك من جهة باستخدام مراحل الركود السياسي، أي مراحل التطور «الهادئ» ــ كما يزعم ــ الذي يتقدم بخطى السلحفاة من أجل تطوير الوعي والقوى والقدرة النضالية لدى الطبقة المتقدمة، ومن جهة أخرى، بالاتجاه في كل هذا العمل نحو «الهدف النهائي» لحركة هذه الطبقة بجعلها قادرة على أن تحل عملياً المهمات الكبرى للأيام العظيمة «التي تضم في أحشائها عشرين سنة». ثمة بحثان لماركس بهذا الصدد يرتديان أهمية خاصة. الأول: في كتابه «بؤس الفلسفة» ويتعلق بنضال البروليتاريا الاقتصادي وبمنظماتها الاقتصادية، والآخر: في «البيان الشيوعي» ويتعلق بمهمات البروليتاريا السياسية. أما الأول فقد ورد كما يلي: «إن الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهوراً من الناس لا يعرف بعضهم بعضاً. والمزاحمة تفرق مصالحهم، ولكن وقاية الأجرة هذه المصلحة المشتركة بينهم ضد سيدهم، تجمعهم في فكرة واحدة، فكرة المقاومة والتحالف... إن التحالفات تبدأ منعزلة ثم تتألف في جماعات وبوجه الرأسمال المتجمع على الدوام يغدو حفاظ العمال على اتحاداتهم أهم بنظرهم من وقاية الأجرة ... وفي نضال ــ هذه الحرب الأهلية الحقيقة ــ تتجمع وتتطور جميع العناصر الضرورية لمعركة مقبلة، وعند بلوغ هذه النقطة يأخذ التحالف طابعاً سياسياً. إن لدينا هنا برنامج وتكتيك النضال الاقتصادي والحركة النقابية لبضع عشرات السنين لكل المرحلة الطويلة من تحضير قوى البروليتاريا «لمعركة مقبلة». وتجدر المقارنة بين ذلك وبين إشارات ماركس وأنجلس العديدة المبنية على تجربة الحركة العمالية الإنكليزية والتي تبين كيف أن «الازدهار» الصناعي يستثير محاولات «لشراء العمال، وصرفهم عن النضال، وكيف أن هذا الازدهار «يفسد معنويات العمال بوجه عام، وكيف أن البروليتاريا الإنكليزية «تتبرجز» وكيف أن «الأمة الأكثر برجوازية بين الأمم» (الأمة الإنكليزية) «تبدو كأنها تريد أخيراً أن يكون لديها، إلى جانب البرجوازية، أرستقراطية برجوازية وبروليتاريا برجوازية، وكيف أن «الطاقة الثورية تتلاشى وتزول لدى البروليتاريا الإنكليزية وكيف ينبغي الانتظار زمناً قد يطول إلى هذا الحد أو ذاك «لكي يتخلص العمال الإنكليز مما يبدو عليهم من الفساد البرجوازي» وكيف أن «حمية الشارتيين» مفقودة في الحركة العمالية الإنكليزية، وكيف أن الزعماء العماليين الإنكليز يشكلون نموذجاً وسطياً «بين البرجوازيين الراديكاليين والعمال» (تلميح إلى هوليوك)، وكيف «أن العامل الإنكليزي لن يتحرك» بسبب احتكار إنكلترا وما دام هذا الاحتكار قائماً. إن تكتيك النضال الاقتصادي بالارتباط مع السير العام (ومع النتيجة العامة) للحركة العمالية مدروس هنا من وجهة نظر واسعة شاملة ديالكتيكية على نحو رائع وثورية حقاً. أما «البيان الشيوعي» فقد صاغ لتكتيك النضال السياسي المبدأ الأساسي التالي للماركسية: «إنهم (أي الشيوعيين) يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة وأهدافها المباشرة، ولكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة»، ومن أجل هذا ساند ماركس في 1848 حزب «الثورة الزراعية» بولونيا (أي الحزب الذي أثار انتفاضة كراكوفيا في 1846). وفي 1848 ــ 1849 ساند ماركس في ألمانيا الديمقراطية الثورية المتطرفة، ولم يتراجع قط عما قاله حينذاك عن التكتيك، وكان يعتبر البرجوازية الألمانية بمثابة عنصر «كان يجنح منذ البداية إلى خيانة الشعب» (فقط التحالف مع جماهير الفلاحين كان بوسعه أن يتيح للبرجوازية بلوغ أغراضها كاملة «وإلى إجراء مساومة مع الممثلين المتوجين للمجتمع القديم». وفيما يلي التحليل النهائي الذي أعطاه ماركس عن وضع البرجوازية الألمانية الطبقي في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية مع العلم أن هذا التحليل هو نموذج للمادية التي تنظر إلى المجتمع من حيث حركته وليس فقط من جانب الحركة المتجه نحو الماضي ... «عادمة الإيمان بنفسها (أي البرجوازية الألمانية ــ المعرب) عادمة الإيمان بالشعب، متذمرة من الكبار، مرتجفة أمام الصغار ... خائفة من الإعصار العالمي ... فاقدة العزيمة في أي مكان منتحلة في كل مكان ... دون مبادرة ... كعجوز تنيخ عليه اللعنة محكوم عليه بحكم مصالح شيخوخته بقيادة الاندفاعات الفتية الأولى لشعب فتي قوي. وبعد زهاء عشرين سنة كتب ماركس في رسالة إلى أنجلس (إن فشل ثورة 1848 سببه أن البرجوازية كانت قد فضلت المسالمة مع العبودية على مجرد إمكانية الكفاح في سبيل الحرية. وعندما اختتمت مرحلة ثورات 1848 ــ 1849، هب ماركس ضد كل محاولة للعب بالثورة (النضال ضد شابر وويليخ) مصراً على معرفة العمل في المرحلة الجديدة التي تهيئ ثورات جديدة تحت ستار «سلم» ظاهري. إن تعليق ماركس التالي حول الوضع في ألمانيا في 1856 في مرحلة الرجعية الأشد اسوداداً يبين بأية روح كان ماركس يرغب في أن يتم هذا العمل: «سيتوقف كل شيء في ألمانيا على إمكانية دعم الثورة البروليتارية، بطبعة جديدة، لحرب الفلاحين». وطالما لم تنته الثورة الديمقراطية (البرجوازية) في ألمانيا وجه ماركس كل انتباهه فيما يتعلق بتكتيك البروليتاريا الاشتراكية على تطوير طاقة الفلاحين الديمقراطية، وكان يعتبر أن موقف لاسال هو «موضوعياً خيانة للحركة العمالية في صالح بروسيا. وذلك بالضبط لأن لاسال يتسامح مع الملاكين العقاريين والتعصب القومي البروسي. وقد كتب أنجلس في 1865 أثناء تبادل وجهات النظر مع ماركس بصدد مشروع بيان مشترك في الصحف يقول: «في بلد زراعي، من السفالة أن يصار باسم العمال الصناعيين إلى تسديد الضربة إلى البرجوازية فقط، دون الإشارة إلى استثمار العمال الزراعيين على الطريقة البطريركية (الأبوية) و «تحت ضربات العصا» من جانب النبلاء الإقطاعيين. وفي الحقبة الممتدة من 1863 إلى 1870 حينما كانت مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في ألمانيا تشرف على نهايتها هذه المرحلة التي كانت تتنازع فيها طبقات المستثمرين في بروسيا والنمسا حول طرق إنجاز هذه الثورة من فوق، لم يكتف ماركس بشجب لاسال بمداعبته مع بيسمارك، إنما كان يصلح أيضاً ليبكنخت الذي وقع في «حب النمسا» وأخذ يدافع عن الخصائص المحلية. وكان ماركس يلح على انتهاج تكتيك ثوري يكافح بلا هوادة سواء بيسمارك أم محبي النمسا، تكتيك لا يتكيف «للمنتصر» ــ اليونكر البروسي ــ بل يحدد النضال الثوري ضده فوراً، وبالضبط في الميدان الناجم عن انتصارات بروسيا العسكرية، وفي رسالة الأممية الشهيرة الصادرة في 9 أيلول 1870، حذر ماركس البروليتاريا الفرنسية من انتفاضة قبل الأوان، ولكن عندما قامت هذه الانتفاضة مع ذلك (1871) حيا ماركس بحماسة المبادرة الثورية لدى الجماهير «التي تصعد لمهاجمة السماء» (رسالة ماركس إلى كوغلمان). إن هزيمة الحركة الثورية في هذا الوضع مثلها في العديد من ألأوضاع الأخرى قد كانت من وجهة نظر مادية ماركس الديالكتيكية شراً أهون بالنسبة إلى مجمل سير النضال البروليتاري، وبالنسبة إلى نتيجة هذا النضال من شر إخلاء الموقع للمحتل والاستسلام دون قتال. إن مثل هذا الاستسلام كان من شأنه أن يثبط من معنويات البروليتاريا وأن يقوض كفاحيتها. إن ماركس، مع تقديره التام لاستخدام وسائل النضال الشرعية في مراحل الركود السياسي وسيطرة الشرعية البرجوازية، قد شجب بشدة بالغة في 1877 ــ 1878 بعد سن القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين «الجملة الثورية» لدى موست. وحمل بنفس الشدة، إن لم يكن أكثر، على الانتهازية التي كانت قد استولت موقتاً حينذاك على الحزب الاشتراكي ــ الديمقراطي الرسمي الذي لم يعرف كيف يعطي الدليل فوراً على الثبات والصلابة والروح الثورية وكيف يظهر جواباً على القانون الاستثنائي استعداده للانتقال إلى النضال السري. إعداد: ريناس خلف


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني