ملف القدس
صحيفة البيان الإماراتية - 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2002 :
أقدم الرئيس الأميركي جورج بوش الثاني في الثلاثين من أيلول (سبتمبر) الماضي (2002) على توقيع قانون يلزم إدارته بتعريف القدس على أنها عاصمة لـ (إسرائيل) . و يذهب مشروع القانون الجديد بشأن القدس إلى مدى أبعد من مشروعات القوانين السابقة التي وافق عليها الكونغرس الذي حث لسنوات رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين على نقل السفارة الأميركية في "إسرائيل" من تل أبيب إلى القدس .
و يتضمن قرار الكونغرس الجديد الذي وقّعه بوش ثلاثة بنود إجبارية من شأنها تغيير الموقف الأميركي من القدس ، أولها أن الإدارة لا يمكنها الإنفاق على قنصليتها في القدس ما لم تخضع لإشراف السفير الأميركي لدى "إسرائيل" ، و ثانيها أن أي مستند تصدره الحكومة الأميركية يتضمن أسماء الدول و عواصمها يجب أن ينص على أن القدس هي عاصمة "إسرائيل" .
و بموجب البند الثالث فإنه يصبح من حق الرعايا الأميركيين المولودين في القدس أن يصرّوا على أن يذكر في الوثائق الرسمية الأميركية مثل جوازات السفر و شهادات الميلاد و الجنسية أن محل الميلاد هو "إسرائيل" .
و سبق أن وعدت الإدارات المختلفة بنقل السفارة لكنها كانت دائماً تؤجله (تحسباً لما سيثيره ذلك من مشاعر غضب) في العالم العربي و الإسلامي . و مع أن بوش قال في بيان مكتوب إن سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقدس لم تتغير ، إلا أن وزير الخارجية الأميركي (كولن باول) كان قد وصف القدس بأنها عاصمة "إسرائيل" ، و أكد في آذار (مارس) من العام الماضي أن الرئيس بوش سيفي بالوعود التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس .
و قال باول أمام لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس النواب في 8/3/2001 إن الرئيس جورج بوش (ما زال ملتزما بنقل السفارة إلى عاصمة "إسرائيل" و هي القدس) . و تزامنت تصريحات باول هذه مع تسلّم رئيس الوزراء الصهيوني (أرييل شارون) السلطة من سلفه (إيهود باراك) .
القدس عبر التاريخ :
يرجع تاريخ مدينة القدس إلى أكثر من خمسة آلاف سنة ، و هي بذلك تعدّ واحدة من أقدم مدن العالم . و تدل الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها على عمق هذا التاريخ . و قد أطلقت عليها الشعوب و الأمم التي استوطنتها أسماء مختلفة ، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها (أورساليم) و تعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم . و اشتقت من هذه التسمية كلمة (أورشليم) التي تنطق بالعبرية (يروشاليم) و معناها البيت المقدس ، و قد ورد ذكرها في التوراة 680 مرة . ثم عرفت في العصر اليوناني باسم إيلياء و معناه بيت الله . و من أهم الأعمال التي قام بها الكنعانيون في القدس شق نفق لتأمين وصول المياه إلى داخل المدينة من نبع جيحون الذي يقع في وادي قدرون و الذي يعرف اليوم بعين سلوان .
- سكان القدس الأصليون : سكنت قبيلة اليبوسيين - أحد البطون الكنعانية العربية - المدينة حوالي عام 2500 ق.م فأطلقوا عليها اسم يبوس . و في العصر الفرعوني خضعت مدينة القدس للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 ق.م. و في عهد الملك إخناتون تعرضت لغزو (الخابيرو) و هم قبائل من البدو ، و لم يستطع الحاكم المصري عبدي خيبا أن ينتصر عليهم ، فظلّت المدينة بأيديهم إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك سيتي الأول 1317 - 1301 ق.م.
- العصر اليهودي : دام حكم اليهود للقدس 73 عاماً طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة . فقد استطاع النبي داوود عليه السلام السيطرة على المدينة في عام 977 أو 1000 ق.م و سماها مدينة داود و شيّد بها قصراً و عدة حصون و دام حكمه 40 عاماً ثم خلفه من بعده ولده سليمان عليه السلام الذي حكمها 33 عاماً . و بعد وفاة سليمان انقسمت الدولة في عهد ابنه رحبعام و أصبحت المدينة تسمى (أورشليم) و هو اسم مشتق من الاسم العربي الكنعاني شاليم أو ساليم الذي أشارت التوراة إلى أنه حاكم عربي يبوسي كان صديقاً لإبراهيم . (سفر التكوين - 14: 18-20، و الرسالة إلى العبرانيين في الإنجيل 6:7،20:1-5) .
- العصر البابلي : احتل الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود صدقيا بن يوشيا عام 586 ق.م ، و نقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه .
- العصر الفارسي : في عام 538 ق.م سمح الملك الفارسي قورش لمن أراد من أسرى اليهود في بابل بالعودة إلى القدس .
- العصر اليوناني : استولى الإسكندر الأكبر على فلسطين بما فيها القدس عام 333 ق.م ، و بعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون و البطالمة في حكم المدينة ، و استولى عليها في العام نفسه بطليموس و ضمّها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م. ثم في عام 198 ق.م أصبحت تابعة للسلوقيين في سوريا بعد أن ضمّها سيلوكس نيكاتور ، و تأثر السكان في تلك الفترة بالحضارة الإغريقية .
- الحكم الروماني : استولى قائد الجيش الروماني بومبيجي ييمِذ على القدس عام 63 ق.م و ضمّها إلى الإمبراطورية الرومانية . و شهد الحكم الروماني للقدس و الذي استمر حتى عام 636م حوادث كثيرة ، ففي الفترة من 66 إلى 70م قام اليهود في القدس بأعمال شغب و عصيان مدني قمعها الحاكم الروماني تيطس بالقوة فأحرق المدينة و أسر كثيراً من اليهود ، و عادت الأمور إلى طبيعتها في ظلّ الاحتلال الروماني للمدينة المقدسة . ثم عاود اليهود التمرد و إعلان العصيان مرتين في عامي 115 و 132م و تمكنوا بالفعل من السيطرة على المدينة ، إلا أن الإمبراطور الروماني هدريان تعامل معهم بعنف و أسفر ذلك عن تدمير القدس للمرة الثانية ، و أخرج اليهود المقيمين فيها و لم يُبقِ إلا المسيحيين ، ثم أمر بتغيير اسم المدينة إلى (إيلياء) و اشترط ألا يسكنها يهودي . و نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة ، و أعلن المسيحية ديانة رسمية للدولة فكانت نقطة تحوّل بالنسبة للمسيحيين في القدس حيث بنيت كنيسة القيامة عام 326م.
- عودة الفرس : انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام 395 إلى قسمين متناحرين مما شجع الفرس على الإغارة على القدس و نجحوا في احتلالها في الفترة من 614 إلى 628م ، ثم استعادها الرومان مرة أخرى و ظلّت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام 636م .
- الإسراء و المعراج : في عام 621 تقريباً شهدت القدس زيارة النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، فقد أسرِيَ به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم صعد إلى السماوات العلا .
- العصر الإسلامي الأول : دخل الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مدينة القدس سنة 636 /15 هـ (أو 638م على اختلاف في المصادر) بعد أن انتصر الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح ، و اشترط البطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر المدينة بنفسه ، فكتب معهم (العهدة العمرية) و هي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية . و غيّر اسم المدينة من إيلياء إلى القدس ، و نصت الوثيقة ألا يساكنهم أحد من يهود . و اتخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلامي و اهتم بها الأمويون (661 - 750م) و العباسيون (750 - 878م) و شهدت نهضة علمية في مختلف الميادين . و من أهم الآثار الإسلامية في تلك الفترة مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان في الفترة من 682 - 691م ، و أعيد بناء المسجد الأقصى عام 709م ، و شهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين و الفاطميين و القرامطة ، و خضعت القدس لحكم السلاجقة عام 1071م .
- الحملات الصليبية : سقطت القدس في أيدي الصليبيين عام 1099م بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي نتيجة صراعات على السلطة بين السلاجقة و الفاطميين و بين السلاجقة أنفسهم . و قتل الصليبيون فور دخولهم القدس قرابة 70 ألفاً من المسلمين و انتهكوا المقدسات الإسلامية . و قامت في القدس في ذلك التاريخ مملكة لاتينية تحكم من قبل ملك كاثوليكي فرض الشعائر الكاثوليكية على المسيحيين الأرثوذكس مما أثار غضبهم .
- العصر الإسلامي الثاني : استطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين ، و عامل أهلها معاملة طيبة ، و أزال الصليب عن قبة الصخرة ، و اهتم بعمارة المدينة و تحصينها . و لكن الصليبيين نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاة صلاح الدين في عهد الملك فريدريك ملك صقلية ، و ظلّت بأيديهم 11 عاماً إلى أن استردّها نهائياً الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244م .
- عهد المماليك : تعرّضت المدينة للغزو المغولي عام 1243/1244م ، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز و الظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259م ، و ضمّت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر و الشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517م .
- الحكم العثماني : دخلت جيوش العثمانيين فلسطين بقيادة السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق (1615 - 1616م) و أصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية . و قد أعاد السلطان سليمان القانوني بناء أسوار المدينة و قبة الصخرة . و في الفترة من عام 1831 - 1840م أصبحت فلسطين جزءًا من الدولة المصرية التي أقامها محمد علي ، ثم عادت إلى الحكم العثماني مرة أخرى . و أنشأت الدولة العثمانية عام 1880 متصرفية القدس ، و أزيل الحائط القديم للمدينة عام 1898 لتسهيل دخول القيصر الألماني وليام الثاني و حاشيته أثناء زيارته للقدس . و ظلّت المدينة تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى التي هزم فيها الأتراك العثمانيون و أخرجوا من فلسطين .
- الاحتلال البريطاني : سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في 8 - 9/12/1917 بعد البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني اللنبي ، و منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين ، و أصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920 - 1948) . و منذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها خاصة بعد وعد بلفور عام 1917 .
- مشروع تدويل القدس : أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 بتدويل القدس .
- إنهاء الانتداب البريطاني : في عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين و سحب قواتها ، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي و العسكري و أعلنت قيام الدولة (الإسرائيلية) . و في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1948 أعلن ديفيد بن غوريون رئيس وزراء "إسرائيل" أن القدس الغربية عاصمة للدولة (الإسرائيلية) الوليدة ، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة حزيران (يونيو) 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الصهيوني .
جغرافية القدس :
تقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة و 13 دقيقة شرق خط غرينتش ، و خط عرض 31 درجة و 52 دقيقة شمالاً ، و تقع على سلسلة من التلال تميل من الغرب إلى الشرق و يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 720 و 830 متراً ، و نحو 1150 متراً عن سطح البحر الميت . و تبعد المدينة عن البحر المتوسط 54 كم ، و عن البحر الأحمر 250 كم تقريباً .
طرق المواصلات :
تربط القدس عدة طرق ممهدة بكبريات المدن الفلسطينية و بعض العواصم العربية ، فهي تبعد عن عكا 150 كم ، و عن نابلس 65 كم ، و عن الخليل 36 كم ، و عن يافا 62 كم ، و عن غزة 94 كم ، و عن العاصمة الأردنية عمان 88 كم ، و عن دمشق 290 كم ، و عن القاهرة 528 كم ، و عن بغداد 865 كم .
- النواة الأولى : كانت النواة الأولى لمدينة القدس - كما تشير الحفريات - على تلال الضهور أو تل أوفل المطل على قرية سلوان من الجنوب الشرقي للحرم المقدسي الشريف ، و كانت تقدر مساحتها آنذاك بـ 55 دونماً تسقيها عين أم الدرج . و بمرور الزمن أخذت المدينة تتوسع شيئاً فشيئاً ناحية مرتفع بيت الزيتون (بزيتا) في الشمال الشرقي ، و مرتفع ساحة الحرم (مدريا) في الشرق ، و مرتفع صهيون في الجنوب الغربي ، و هذه المرتفعات كلها أصبحت اليوم تقع في داخل السور أو ما يعرف بالبلدة القديمة ، و مساحتها حوالي كيلومتر مربع واحد ، و هي التي توجد فيها المقدسات الخاصة بالأديان السماوية الثلاثة .
القدس الشرقية :
القدس القديمة أو كما يطلق عليها القدس العتيقة هي تلك الموجودة داخل سور سليمان القانوني ، و مساحتها 8.71 دونمات (الدونم = 1000م2) ، و طول السور 4.20 كم ، و تقوم على أربعة جبال هي : الموريا ، و صهيون ، و أكرا ، و بزيتا . أما الحرم القدسي الشريف فيقع في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبل الموريا .
و (القدس الشرقية) هي نفسها القدس القديمة مضافًا إليها الأحياء التي أقامها المسلمون خارج السور مثل : حي الشيخ جراح ، و حي باب الساهرة ، و حي وادي الجوز ، و ظهر هذا الاسم نتيجة التركيز السكاني قبل قيام الدولة الصهيونية عام 1948 حيث تركز المسلمون بأغلبية كبيرة في القسم الشرقي في حين تركز اليهود في القسم الغربي .
- القدس الغربية : أما القدس الغربية فهي القدس الجديدة التي نشأت في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين لتستوعب الهجرات اليهودية المتتالية ، و قد اتسعت اتساعًا كبيرًا ، و ضمّها البريطانيون إلى الحدود البلدية للقدس عام 1946 ، فصارت مساحة القدس كلها 19 كيلومترا مربعا ، أي أكثر من عشرين ضعفًا من القدس العتيقة .
- القدس الموحدة : يستعمل اليهود مصطلح (القدس الموحدة) للدلالة على القدسين معاً الشرقية و الغربية ، لأن المدينة انقسمت عقب حرب سنة 1948 فسيطر الصهاينة على الجانب الغربي منها و احتفظ الجيش الأردني آنذاك بالجانب الشرقي . و حين سيطر اليهود على القدس كلها يوم 7 حزيران (يونيو) سنة 1967 وحّدوا المدينة و أصروا على فكرة (القدس الموحدة عاصمة أبدية لـ "إسرائيل") .
- القدس الكبرى : هي القدس الموسعة التي يحاول الصهاينة بها صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية ، فتبدو الأغلبية السكانية اليهودية كاسحة ، و تصبح مساحة الأرض التي يسيطر عليها العرب صغيرة جداً بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود . و يستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة و فصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور ، مما يسبب صعوبة كبيرة للسكان تدفعهم إلى الهجرة خارج مدينتهم .
و لم يعد موضع المدينة القديمة يستوعب السكان و المباني السكنية ، فامتد العمران خارج السور الذي بناه السلطان سليمان القانوني عام 1542 في جميع الجهات ، و أنشئت الأحياء الحديثة فيما عرف بالقدس الجديدة ، بالإضافة إلى الضواحي المرتبطة بالمدينة و التي كانت في الماضي قرى تابعة لها ثم اتصلت بها مثل قرية شعفاط و بيت حنينا و سلوان و عين كارم .
سكان القدس :
تشير الإحصاءات الصهيونية الرسمية الصادرة نهاية عام 2000 إلى أن تعداد السكان في المدينة ارتفع بنسبة 2 % من إجمالي السكان البالغ 646.3 ألف نسمة ، بينهم 436.7 ألف يهودي بنسبة 67.6 % ، في حين يبلغ عدد السكان العرب 209.5 آلاف عربي بنسبة 32.4 % .
و تبلغ الزيادة الصافية للسكان بعد حساب الولادات و الوفيات و المهاجرين من و إلى المدينة 12600 نسمة ، نصيب اليهود منها 2900 نسمة ، في حين بلغت الزيادة العربية 9700 . و بهذا فإن نسبة نمو السكان اليهود في القدس هي 0.7 % بينما هي عند السكان العرب 4.7 % .
و تعمل الحكومة الصهيونية - كما تقول الدكتورة سارة هيرشكوبيتس رئيسة قسم التخطيط الاستراتيجي في بلدية القدس الصهيونية - على ألا تتعدى نسبة العرب بالمدينة 28 % . و تحاول الحكومة الصهيونية زيادة عدد اليهود في المدينة بطرق عدة ، منها على سبيل المثال العمل على إحلال اليهود محل العرب الذين هدّمت منازلهم بحجة البناء دون تصريح.
و تشير إحصائيات بيت الشرق لعام 1999 في هذا الصدد إلى هدم أكثر من ألفي منزل منذ عام 1967 ، مما خلق ظروفاً صعبة للفلسطينيين حيث يسكن معظمهم في منازل مكتظة . و من الوسائل الأخرى التي تتخذها سلطات الاحتلال لإجبار المقدسيين على الهجرة من مدينتهم ، عدم منحهم تصاريح بناء إلا فيما ندر . و تشير المصادر الفلسطينية في هذا الشأن إلى أن بلدية القدس تمنح تصريح بناء واحداً لكل ستة أشخاص في القدس الغربية ، في حين تمنح هذا التصريح لكل 42 شخصاً في القدس الشرقية ، مما أدى إلى بناء أكثر من ستة آلاف منزل فلسطيني جديد دون تصاريح ، الأمر الذي يجعلها معرّضة للهدم في أي لحظة .
فعلى سبيل المثال لم يكن لليهود عام 1967 أي وحدة سكنية ، في حين كان للعرب 12010 وحدات ، و ارتفع هذا العدد إلى 21490 وحدة عام 1995 في مقابل 38534 وحدة في العام نفسه .
- القدس الشرقية : زاد الفلسطينيون في القدس الشرقية بنسبة 5 % عام 1999 ، و أظهر إحصاء أجرته الدائرة الفلسطينية للإحصاء في العام نفسه أن عدد الفلسطينيين الذين يعيشون حالياً في القدس الشرقية التي احتلتها دولة الكيان الصهيوني عام 1967 يبلغ أكثر من 348 ألفاً ، في مقابل نحو 331 ألفاً في عام 1998 .
و تزعم دولة الكيان التي أعلنت ضمّ القدس باعتبارها عاصمتها (الأبدية) أن عدد الفلسطينيين في المدينة لا يتجاوز 180 ألفاً ، و ذلك في محاولة منها لتغيير الطابع الديمغرافي للمدينة . و تتوقع دائرة الإحصاء الفلسطينية أن يصل عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى نحو نصف مليون نسمة بحلول عام 2010 .
و أظهر الإحصاء أن المناطق السكنية الفلسطينية في المدينة تشكل 10.7 % من مساحتها الكلية ، في حين تشكل المستوطنات اليهودية التي أقيمت على أراض احتلت في عام 1967 نحو 2.7 % . و صادرت قوات الاحتلال نحو 85 % من أراضي القدس التي تبلغ مساحتها نحو 338 ألف دونم ، و حظرت على الفلسطينيين الإقامة فيها .
القدس في مفاوضات التسوية :
رفض العرب قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947 بما يحويه من تدويل لقضية القدس ، أما اليهود فقد رحبوا به لكنهم أصروا في الوقت نفسه على الحيلولة دون تنفيذ قرار التدويل .
و في الحربين 1948 و 1967 تمكّنت دولة الكيان الصهيوني من السيطرة على القدس بأكملها (الشرقية و الغربية) و ضاعفت مساحة القدس لتصبح مائة كيلو متر مربع بدلاً من أربعة كيلومترات مربعة كما كان الحال قبل 1948 . و لضمان وجود غالبية يهودية كبيرة ضمن حدود بلدية القدس أقدمت سلطات الاحتلال على ضمّ القرى العربية المجاورة ضمن حدود القدس . و يجري التفاوض الآن حول حدود القدس القديمة التي تضمّ الأماكن المقدسة ، و مساحتها لا تتعدى كيلومتراً واحداً فقط من مساحة القدس ، و إذا علمنا أن مساحة القدس الشرقية 73 كيلومتراً مربعاً تقريباً يتبين لنا ما آلت إليه قضية القدس عبر مسيرة المفاوضات .
و التفاوض لا يتم على هذا الكيلومتر المربع بأكمله و لكن على إدارة الحي العربي فيه ، و تجدر الإشارة هنا إلى أن البلدة القديمة تنقسم إلى خمسة أحياء : الحي الإسلامي و الحي المسيحي (يطلق عليهما الحي العربي) و الحي اليهودي (أقيم بعد حرب 1967 على أرضٍ ملك أوقاف إسلامية) و الحي الأرمني ، و باحة الحرم القدسي الشريف ، و هذه الأحياء الخمسة موزعة على كيلومتر مربع واحد فقط .
كامب ديفيد الثانية :
طرحت قضية القدس ضمن قضايا الحل النهائي التي جرى التفاوض بشأنها في مباحثات كامب ديفيد الثانية التي جمعت رئيس الوزراء الصهيوني (إيهود باراك) و رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات و رئيس الولايات المتحدة الأميركية (بيل كلينتون) . و اقترحت دولة الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة أن تمنح السلطة الفلسطينية السيادة على الحي العربي (المسيحي و الإسلامي) و مساحته لا تتعدى ثلث كيلومتر مربع فقط ، و لم توافق دولة الكيان على طرح مسألة القدس القديمة بأكملها و لا بلدية القدس و لا القدس الشرقية .
أما السيادة على الحرم القدسي الشريف فقد طرحت في صيغ عدة عبر مسيرة التفاوض كان آخرها في كامب ديفيد الثانية ، حيث اقترح الجانب الصهيوني على المفاوضين الفلسطينيين سيادة فوق أرض الحرم في حين ترجع السيادة على ما تحت القشرة الأرضية للكيان الصهيوني ! ، و رفض المفاوضون الفلسطينيون هذا الاقتراح خوفاً من إكساب صبغة شرعية لعمليات الحفر التي تقوم بها جماعة أمناء الهيكل أسفل الحرم ، و قد عجّل هذا الرفض بفشل المفاوضات التي استمرت أسبوعين ، مما أدى - مع أسباب أخرى - إلى انفجار انتفاضة الأقصى