PCP

يا عمال العالم اتحدوا

قل لهم منتظر.. من أين أتيت بهذا القهر؟

قل لهم منتظر.. من أين أتيت بهذا القهر؟ داريو كاستيليوس ـ المكسيك ناقل الحدث صار صانع الحدث. إنّه منتظر الزيدي، رامي الحذاء الذي سيحمله جورج دبليو بوش معه إلى القبر. كيف عاش الإعلام المفاجأة؟ نكتة الموسم... أم فعل تراجيدي؟ من اليوتيوب إلى رسائل المحمول: قصّة الصحافي العراقي الذي صار بطلاً قوميّاً سناء الخوري ـ برمية حذاء اختار من خلالها الخروج عن موضوعيته، دخل منتظر الزيدي التاريخ، أوّل من أمس، وصنع قدراً لم يتوقّعه أحد: لا المشاركون في المؤتمر الصحافي الوداعي لبوش في بغداد بحضور المالكي، ولا زملاء الزيدي في العالم أجمع. «لحظة لا توصف»، هكذا صنّفت «نيويورك تايمز» الحادثة، لافتةً إلى أنّ رحلة بوش الوداعيّة لن تدخل التاريخ بسبب حرب العراق التي طبعت عهده، «بل بسبب رمية حذاء». «لحظة لا توصف»، ربما لأنّه لم يسبق لصحافي أن اندفع في إعلان موقف سياسي بهذه الراديكاليّة. لكنّ اندهاش العالم بالحذاء الذي كاد يستقرّ على أنف الرئيس الأميركي لم يحجب سؤالاً ملحّاً عن قدرة الإعلامي على الاحتفاظ بموضوعيته، في ظلّ الاحتلال، وإمكان فصل انفعالاته الإنسانية عن متطلّبات المهنة. بعيداً عن هذه الإشكاليّة، اختلفت وسائل الإعلام العالميّة في التعاطي مع «الموقف المحرج»، رغم إجماعها على بثّ تسجيل فيديو للحدث، واعتبارها أن صانعه دخل التاريخ. كثير من المنابر الإعلاميّة البارزة تعامل مع الموضوع كأنّه «نكتة الموسم». علّقت الـ«غارديان»: «أهلاً بك في بغداد سيّدي الرئيس» في أسفل الفيديو، فيما عنونت «لو موند» شريطها «كان مقاس الحذاء 10 (44)». إذا استعرنا لغة المسرح، فقد توقف الإعلام الغربي غالباً عند الجانب الكوميدي لحركة منتظر الزيدي، فيما لاحظ آخرون البعد التراجيدي (البطولي بنظر كثيرين في هذا المقلب من العالم) الذي ينطوي عليه هذا الفعل تحت عيون الكاميرات، مباشرة على الهواء. تساءلت «سي أن أن» عن كميّة القهر التي دفعت الصحافي العراقي إلى قذف بوش بحذاء، بينما ذهبت الـ«إندبندنت» إلى أنّ «الصحافي صوّت برجليه على عهد بوش وحكمه». «واشنطن بوست» عنونت أنّ «رمية الحذاء تنسف حملة آذار كلّها»، في إشارة إلى رمزيّة «صرخة الحذاء» احتجاجاً على الحرب. وأحالت «لو فيغارو» من خلال اللعب على الكلام إلى ردّة فعل بوش، فالحذاء لم يطله كما لم تمسّه جملة الزيدي: «أنت المسؤول عن وفاة آلاف العراقيين». الـ«دايلي تلغراف» ركّزت على تفسير رمزيّة الضرب بالحذاء في الثقافة العربيّة، واصفةً محطّة «البغدادية» التي يعمل فيها منتظر، بالمستقلّة، فيما أصرّت الصحف الفرنسيّة مجتمعةً على وصفها بـ«السنيّة». لكن ماذا عن الصحافة العربيّة؟ لم يكن الرئيس الأميركي الوحيد الذي أحرجه حذاء منتظر: «الرياض» مثلاً تغاضت عن ضربة الحذاء فجاء عنوانها « بوش مودِّعاً العراق: ما حدث لم يكن سهلاً لكنّه ضروري»... وهذا الحياد لم يمنع أحد قرّاء موقعها من كتابة هذا التعليق «الزيدي أشجع رجل في العالم». أمّا «الحياة» فاختارت التدقيق في التفاصيل، مشيرةً إلى أنّ «الحذاء أخطأ الهدف بحوالى 4 أمتار ونصف»، وركّزت في عنوانها على كلام بوش حول «نعمة الحريّة». وجاء عنوان «الشرق الأوسط» مثقلاً بمنافع الحريّة: «حذاء صحافي طائر يفاجئ بوش في بغداد والرئيس يردّ: هذا ثمن الحريّة». كما عنونت صحيفة «القدس العربي» بشماتة مبطّنة: «بوش يقرّ بعدم انتهاء الحرب، والعراق يودّعه بجزمة». وأظهر فيديو بثّته وكالة «رويترز» رجال الأمن يعتقلون الصحافي العراقي ويأمرون المصورين بإطفاء الكاميرات كي لا يصوّروا بقع دمه التي سالت على الأرض. موقع «بي بي سي» العربي أشار إلى أنّ حرس المالكي يحقّق مع الصحافي الذي سيخضع لتحليل دم للتأكّد من عدم تعاطيه المخدرات! هذا الاختلاف في اللهجة لم يطل ردود فعل المعلّقين على المقالات في الصحف العربية والأجنبيّة. القرّاء تعاملوا مع منتظر الزيدي كنجم عالمي، وضاق موقع «يوتيوب» بنسخ «الفيديو الحدث» وجاءت التعليقات من نوع: «رُبّ حذاء أعاد كرامة» و«انتظرناك طويلاً» و«خلّي الحذاء صاحي». وصار بوش مجدداً بطلاً لرسائل فكاهيّة تناقلتها الهواتف الخلويّة من فلسطين إلى العراق. وعلّق أحد قرّاء «ليبراسيون» الفرنسيّة: «ما أجمل هذا الخبر صباح الاثنين»، فيما استقبل «فايسبوك» مجموعات جديدة تدعم منتظر الزيدي. نقرأ مثلاً: «أنا معجب بالبطل العظيم الذي ضرب بوش بحذائه في بغداد». هكذا، برمية حذاء، تحوّل منتظر الزيدي من مراقب ينقل الحدث... إلى طرف هو الحدث. الأخبار


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني