PCP

يا عمال العالم اتحدوا

غايات أدب الأطفال

غايات أدب الأطفال الطفولة أهم المراحل في حياة الإنسان، وهي الفترة الأكثر تأثيراً في مجمل مسيرة حياته، وتتشكَّل فيها جميع السمات الأساسية للشخصية الإنسانية، وتتحدَّد معالمها. كما أن هذا الينبوع الإنساني هو أهم الثروات التي تملكها الشعوب، ومن أسمى الغايات التي تنهض بالمجتمعات إلى التطوّر والتقدّم، لذلك كان من الطبيعي أن تحظى بأولى الاهتمامات. يعرِّف الدكتور علي حداد مرحلة الطفولة بأنّها: (المرحلة العمرية الأولى التي يمرُّ بها الإنسان في بواكير وجوده الذاتي والاجتماعي، والتي تُحدَّد سماتها في أنماط من السلوك والميول، وأوجه النشاط المؤُسسة على خصوصية في البناء الجسدي والعقلي والتمثيل اللغوي، وأساليب اللعب والحركة، ووسائل التعبير عن المشاعر والأحاسيس، والحاجات وسُبل إشباعه). ولأن الطفل يعيش في عالمه الخاص به، ويتميَّز بلغته وبقدراته المختلفة عمّا يملكه الكبار كان لابدَّ من تهيئة العوامل والأسباب التي تعمل على بناء الشخصية المتكاملة - جسدياً وانفعالياً واجتماعياً - لهذا الكائن الصغير، فأصحاب الشخصيات المتكاملة هم الذين يفكرون بطريقة سوّية، وهم الذين يبنون بشكل سليم. وتشكِّل البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل العامل الأساسي في تحديد أنماط سلوكه وتكوين أفكاره، وفي صياغة نظرته الخاصة للحياة، فنمط السلوك وطريقة التفكير لا يتأتيان بالفطرة، وإنما يتكوَّنان بالاكتساب، والتعلّم بتأثير المحيط. وتمثِّل (الثقافة الطفلية) أهم الأساليب التربوية التي تستطيع أن تطوِّر أفكار الطفل وتُوقظ في أعماقه مكنوناتها الدفينة، وتفجِّر طاقاتها الكامنة. ويشكِّل أدب الأطفال الدعامة الأساسية للثقافة الطفلية الشاملة، إذ إن مفهوم الثقافة أعمق وأشمل من مصطلح الأدب. ولتوضيح الفارق بين ثقافة الطفل وأدبه يمكننا القول: إن الثقافة تمثِّل الإطار الذي يحكم مجمل أشكال العلوم والمعارف والفنون بمختلف أشكالها - الأدبية والتشكيلية والموسيقية - والعادات والقيم والمهارات السلوكية التي يتلقاها الطفل ويكتسبها من محيطه، وتتعدَّد وسائل إيصالها مـن الكتاب إلى الإنترنيت، مروراً بالتلفاز والإذاعة والمتحف والمعرض.. إلخ. يقول الكاتب عبد التواب يوسف (*) في تعريفه لثقافة الطفل: (ثقافة الطفل هي خليط ممّا يرثه من أبويه وأسرته، وما يصله من عادات وتقاليد، وما يكتسبه من معرفة وعلم، وما يتأثَّر به من فنون وما يمارسه منها، وما يعتقد فيه ويؤمن به وما يتصف به من خلق، وما تتميز به شخصيته من ملامح، وكل ما يسود في مجتمعه من أفكار وآراء وقوانين وما يشيع فيه من ثقافة عامة).إذاً تزداد الثقافة عند الطفل كلما استمر في اكتساب الخبرات وتلقي المعارف. أما أدب الأطفال فهو من الوسائل التربوية التي تعتمد على أشكال معيَّنة، وتهدف لتحقيق غايات محدَّدة، ويتّخذ أساليب وقنوات وأشكالاً مختلفة كـ (القصة) التي تمثِّل أكثر الأنواع إقبالاً، ذلك لانسجامها مع طبيعة الطفل، وهناك أيضاً الشعر والتمثيلية والمقالة والرواية... إلخ. ولابدَّ أن تمتاز عناصر هذه الأنواع الأدبية بالحسّية، أي أن يسمعها الطفل أو يشاهدها ويدركها. ولم يعد يُنظر لأدب الأطفال كوسيلة ترفيهية لإشاعة البهجة والمرح فحسب، وإنما بات مؤشراً دقيقاً للاهتمام الحقيقي بالمستقبل بكلِّ أبعاده، ولم تعد أهدافه محصورة بمجرد تسلية الطفل وإمتاعه، بل أصبح مساهماً فاعلاً في تقديم الخبرات له، وفي تنمية مقدرته على التفكير والتعبير السليم، وفي زرع بذرة المهارات في نفسه، وغرس القيم التربوية والسلوكية الإيجابية والمبادئ الإنسانية والقيم الفاضلة - التي لا ترتبط بمكان أو زمان - لديه، وتُسهم في تكوين وجدانه وتنمية الاتجاهات التي تعزِّز مواجهته للمشكلات الحياتية، كما أنه يعمل على تنمية شخصية الطفل وتهذيب مكوّناتها، وإشباع حاجاته الوجدانية والاجتماعية وإرواء ظمأ الطفولة في نفسه، في إطار بناء الشخصية المتكاملة، الخالية من العقد والقابلة للتطوّر، والقادرة على التفاعل الايجابي مع العصر ومتغيراته، ليكون الطفل في النهاية فرداً صالحاً في محيطه، وعنصراً بنّاءً في مجتمعه، ويكون معدّاً إعداداً جيّداً، لينهض بأعبائه، حيث يؤمّن هذا الأدب للطفل القصص والحكايات الحافلة بالمشاهد والصور، فتغذي نفسه بالحوارات التي تتضمنها، وتتيح له الفرصة لتذوق رسومها الجذابة، ويتيح الاستمتاع بالقصائد الجميلة، ومشاهدة التمثيليات، فيرتقي بسلوكه بالمحتوى الهادف، ويسمو بمشاعره بالأسلوب الجميل. ويعدُّ الكتاب - الحاضن الأكبر لمختلف أنواع أدب الأطفال، كالشعر والقصة والمسرحية والمقالة والرواية.. إلخ - الوسيلة المفضلة والأكثر جاذبية للطفل، وصاحب المقدرة الفاعلة في التأثير على مشاعره وسلوكه، ويتيح لهم الاستمتاع بما يحتويه، وينمي ثروتهم اللغوية، وبهذا لا يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار في أنواعه وخصائصه، وإنما يكمن اختلافه في أساليبه وصوره، وفي مضمونه من حيث اللغة والأحداث، وفي أنه يخصُّ الأطفال فحسب، معتمداً على أساليبه الخاصة في مخاطبتهم وإشباع حاجاتهم الأساسية ضمن مراحل النمو التي يمرّون بها. أما أهم ما يمكن أن يتناوله هذا الأدب، فيشمل كلّ ما يتعلَّق بالطفل ومحيطه وجميع ما قد يثير تفكيره ومشاعره، ويمكن تقديم المادة للطفل ضمن إطار اجتماعي أو علمي أو تاريخي، في حين انحصرت دعوته في البدايات إلى القيم والأخلاق الحميدة بالأساليب الوعظية المباشرة. ومن محظورات هذا الأدب الإشارة إلى بعض الأمور التي قد تجعل النتائج عكسية كالتذكير بالموت والدماء أو الأشباح وإلى ما شابه ذلك من أمورٍ قد تحرِم الطفل أن يعيش طفولته كما نريد لها أن تكون. وهذا النوع من الأدب الذي أقبلت عليه الشعوب منذ أكثر من قرنٍ من الزمن أدبٌ قائم بذاته - وإن كان جزءاً من الأدب عموماً - له سماته الخاصة، وكتّابُه المستقلّون ودراساته المتفرِّدة، ومن أشهر الكتّاب العالميين الذين عُرف عنهم الانصراف للكتابة للأطفال: ((تشارلز بيرو) مؤلّف (حكايا أمي الأوزة) الذي صدر في فرنسا عام 1697 والذي يعدُّ أول كتاب أدبي خاص بالأطفال ويتضمن حكايات شعبية متنوِّعة، وشكَّل بداية مرحلة جديدة في تاريخ تطوّر أدب الأطفال، إذ ظهر مستقلاً عن الآداب الشّعبيّة، و(الأخوين غريم يعقوب ووليم اللذين أصدرا (حكايات الأطفال والبيوت) عام 1812، والكاتب الدانمركي (هانز كريستيان أندرسون) مؤلِّف (فرخ البط القبيح) عام / 1846 / والكثير من القصص التي أدخلت أدب الأطفال عهداً جديداً، ولويس كارول الذي كتب (أليس في بلاد العجائب) عام 1846، ومارسيل إيميه والياباني كينجي ميازاوا والكاتبة الإنجليزية جوان. ك رولنج صاحبة سلسلةهاري بوتر (التي تُرجمت حتى الجزء الرابع إلى أربعين لغة، ووصل عدد النسخ المطبوعة منها إلى أكثر من 90 مليون نسخة). وعربياً نذكر: محمد الهراوي وكامل الكيلاني رائد نثر الأطفال العرب الذي أصدر150كتاباً، وعبد التواب يوسف، وزكريا تامر... إلخ (وقد خصَّص العديد من كبار الكتّاب جزءاً من كتاباتهم للأطفال مثل تولستوي وتشيخوف وتشارلز ديكنز وفيكتور هوغو وأوسكار وايلد. وهنا يجدر بالذكر التميز بين ما يكتبه الأطفال بأنفسهم، ويعبِّرون من خلاله عن خواطرهم ومشاغلهم بما يتفق مع مداركهم وأذواقهم ومستوياتهم المختلفة - وهذا النوع من الكتابة ينمي قدرات الأطفال الإبداعية، ويمنحهم الرضا عن النفس - وبين الأدب الذي يُكتبه لهم الكبار، الذي هو موضوع بحثنا. ومن الجدير ذكره أيضا ًحالة التمازج الكبيرة بين أدب الأطفال وأدب اليافعين، إذ إنه يصعب الإشارة إلى حدود فاصلة بينهما، وما أكثر القصص العالمية التي تعدُّ من روائع الكتابات للأطفال اليوم، ولم يكن كتّابها قد خصّصوها لهم آنذاك مثل دون كيخوته لـ ثربانتس، رحلات جوليفر للكاتب الإيرلندي جوناثان سوفيت وربنسون كروزو لـ دانييل ديفو عام 1719. عبد المجيـد إبراهيـم قاسـم


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني