PCP

يا عمال العالم اتحدوا

ثورات بلا ثوار...وربيع بلا أزهار

قبل حقب النعاج النفطية، وانتشار بعرها و"زبلها" وروثها في أرجاء المكان، وقبل انبعاج ثقب الأوزون النفطي وانبعاث سموم وروائح الغاز وزيت الكاز وضعوذات ابن باز في الفضاء وقيمه الجلفة الرثة والمنحطة الجدباء، كان لكل شيء طعم ونكهة لذيذة ورائعة يبقى عبقها في الفم لسنين وايام، ويبقى طعمها تحت الأسنان لشهور وسنوات. كم كان مثلاً اسم الثائر الأممي العظيم إرنستو تشي غيفارا، الذي ترك مكتب الوزير في وزارة الصناعة في وذهب إلى أدغال بوليفيا ليكمل مهمته الثورية الأممية هناك، يلهب حماس الشباب ويشعل فيهم مشاعر الأمل والمستقبل الزاخم بالأحلام الوردية عن العدالة والحرية والمساواة. هكذا كانت أيقونة الثائر وصورته في ذهن الإنسان العادي البسيط رجل زاهد في الحياة طيب، نقي السريرة مناصر للحق معطاء متقشف يناصر الفقراء والمسحوقين والأبرياء وضحايا الطغم الفاشية المتعطشة للقتل والسطوة والسلطان، ويعشق وينافح ويصول ويجول من أجل أولئك الفقراء الذين كانت تدهسهم عجلات القاطرة الإمبريالية وتترك أشلاءهم الطرية القانية على حافة عجلاتها بكل استخفاف واستهتار، يهب لنجدة المظلومين لا يهمه خارطة ولا حدوداً جغرافية ولا مذهباً أو ديناً من الأديان. هكذا حـُفرت تلك الأسماء الخالدة الزاهية والنقية في وجدان شعوب العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهكذا كنا نفهم الثورة والثورات ونتطلع لاستنساخها في كل مكان. ثورات قامت من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتحرر من طغيان تروستات المال وضباع الراسمالية وذئاب التجويع والاحتكار، من كومونة باريس الأولى التي انتفضت على جلاديها وجعلت هذه العاصمة، طبعاً، قبل فابيوس وهولاند، عاصمة للتنوير والعلمانية في العالم، إلى مشاغل وورشات موسكو الصغيرة ومعاملها الباردة الرطباء، حيث ترعرت البروليتاريا الرثة الهائمة على وجهها من أجل ثمن كأس من الفودكا حسب لينين، فحولتها خطب ومناقبية الرفيق والثائر العظيم فلاديمير إيليتش إلى عبقريات تخترع الكلاشينكوف والسوخوي وتطلق سيوز إلى القمر وليدك أحفاد أولئك العمال البهاليل بعد ربع قرن أسوار برلين مسقطين الفاشية والنازية إلى الأبد، وحتى براري الصين الشاسعة حيث قاد الزعيم الخالد ماو، الفلاحين الفقراء الجياع الحفاة العراة، في المسيرة الكبرى لتدك أسوار الصين الإقطاعية وتنشئ الإمبراطورية الحمراء الأعظم في التاريخ البشري وتهدد إمبراطورية رعاع أوروبا التي أقامها العم سام على جماجم الهنود الحمر، ولن نعرج على قصة وسيرة الثائر الإنساني العظيم فيديل كاسترو الذي جعل من بلده الصغير خنجراً في خاصرة اليانكي، وكان الجامع الوحيد بين هذه الثورات الخالدة والتنويرية العظيمة أنها لم تكن بهوية عرقية أو دينية، ولم تحمل طابعاً مذهبياُ، او إرثاً قروسطياً، ثورات على القيم والمفاهيم والعقول المتكلسة لم يتنطع لقيادتها الملتحون بجلابيبهم القصيرة الملوثة بزفر البداوة وعفن التعصب والكراهية والتمذهب الرخيص، وكان الكهنوت الديني الفاشي الرذيل الخبيث السرطاني المتشيطين، وبرموزه المتأبلسة والمتدورشة، والمختبئة خلف الغيب والأساطير والدجل والشعوذات من أولى أهدافها الثورية العظيمة. من أزقة باريس الضيقة وحاراتها البائسة الجائعة حيث كانت الطبقية تترسب عبر حقب من الظلم والقهر والاضطهاد خرج "البؤساء" في ثورة الخبز لتحطيم أسوار الباستيل رمز الطغيان والجبروت والجور الملكي الإرستقراطي الفرنسي، ليعلن قيم العدالة والحرية والمساواة التي توّجت لاحقاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المستمد جملة وتفصيلاً من قيم الثورة الفرنسية وشعاراتها. هكذا كنا نعرف الثورة والثوار، وهكذا زرع أولئك الثوريون العظام الرواد الأوائل مفاهيم وصور الثورات في اذهاننا من زمان. لكن عندما أصيب الأعاريب بلوثة ثورات الردة "الليفية" الإخوانية المزيفة، أصبح طعم الثورة بطعم النفط والغاز، وحين تتوقف أمام مسار أية ثورة، لا تخال نفسك إلا وأنت أمام "طرنبة"، أو "شيشة" بانزين كما يطلق عليها إخوتنا الخلايجة، ينقـّط منها المازوت والزيت كاز والقطران، وحين تسمع باسم أي ثائر من إياهم فلا يقفز إلى خيالك إلا اسم أبو جعفر المنصور، والحجاج بن يوسف الثقفي، وأبو العباس السفاح، وبقية أئمة السيف وقطع الرقاب. ثوار خرجوا من تحت جلباب القرضاوي وجبة العرعور وعمامة ابن آل الشيخ، وتربوا في حضانات ومفاقس ومداجن الشيوخ النعاج رافعين يافطات الحروب الدينية والتصفيات المذهبية والتطهير العقائدي ضد الأقليات، وقراراتهم الثورية البلهاء تكتب في الغرف المكيفة في الشيراتون والريتز والماريوت وفنادق النجوء المتلألئة بمدن الملح والرمال، ولم يزهر ربيعهم إلا خراباً وفرقة ودماً وقطع رؤوس وتخريباً للمنشآت العامة وتطهيراً طائفياً وتدميراً ممنهجاً لكل قيم المحبة والتسامح والجمال. ربيع الإعلانات الدستورية المشبوهة الطغيانية التي تفوقت على ديكتاتورية العسكر الجنرالات أصحاب النياشين وجعلت من ديكتاتورياتهم "الاستبدادية" مجرد لهو ولعب "عيال". ثورات تصنع في أمريكا وتسوّقها محميات النعاج ويشتريها اللقطاء ويتاجر بها وعلى "أونة وعلة دوي وعلى تري"، بائعو "البطانيات" والحرير المغشوش، وفلول ولمامات الأحزاب المهزومة وسماسرة الحروب ويبيعونها للرعاع وسقط المتاع، لتنشر الخراب والدمار وتدك العمران وتأكل الأخضر واليابس وتدمر كل أشكال الحياة في كل شبر يمر فوقه "ثوار" البعير ومربو النعاج. ثورات أحد رموزها نصف أبله وكراكوز يقبع في قصر قرطاج، وشبه معاق مضحك مثير للقرف والسخرية، هارب من العدالة و"رد سجون"، وشيخ كار في فنون النصب والاحتيال في أرض الكنانة، وربع معتوه ومهرج بطربوش أحمر في بلاد عمر المختار، وأشباه ثوار من حفاد جواسيس وأزلام "الفرنجة" وبني عثمان في سوريا، وكم يضحكك منظر "ثائر" رخيص كجرو ملتاع وجوعان خارج من أحد مسالخ النعاج يلهث وراء فتات يرمى إليه بالكيس كقواد رخيص في ليالي الأنس الحمراء تهليلاً وانتصاراً لفحولة الخصيان بعد حفلات الجماع، ثورات تعيد إنتاج إرث "السقيفة" وتشعل حروب داحس والغبراء وتؤسس لإمارات الظلام والجزية والسبي والانغلاق والنفاق، وتدوس على حقوق "النسوان"، وتعلن ولادة إمبراطوريات اللحى والجواري ومفتيي "الأنكحة" والإخوان الظلماء. وأما الربيع الذي طنطنطوا به كثيراً فلم يأت إلا بالشوك والصبار والعلقم وحراب الموت التي نبتت كالفطر والسرطان الخبيث في كل مكان. ربيع لم يزهر سوى بالأشنيات والطفيليات والدمى المتحركة والكرازايات المضحكة التي لا تذكرك إلا بمسرحيات خيال الظل الشهيرة التي تتحرك ببلاهة من وراء ستار، ممن تربوا في KG، خاصة على أيدي شقراوات الموساد، وأروقة الكارنجي ومعهد السلام وفريدوم هاوس، ممن ينافحون ويصولون ويجولون ويرغون ويزبدون في الفضائيات لإرضاء بني شخبوط وأزلام الـ"الآل". ربيع يورق دماً ورؤوساً مقطعة وأشلاء أبرياء في الزواريب والحارات وترفع الأنخاب نصراً له، واحتفاء به في دهاليز قراصنة النفط وومكاتب "شل" و"التوتال"، ومافيات ولصوص الغاز الكبار في باريس وواشنطون وعاصمة الضباب.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني