PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أزمة اسبانيا بين أموال بروكسل وتطمينات الحكومة وغضب الشارع

تتعمق الأزمة الاقتصادية في اسبانيا وسط مخاوف العديد من الأوساط المالية والاقتصادية في العالم من تبعاتها، خاصة وأن اسبانيا تشكل رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو والثالث عشر عالميا. شهدت الايام الماضية العديد من المؤشرات على تفاقم الأزمة الاقتصادية والمصرفية في البلاد، كان منها التخفيض الكبير لتصنيف اسبانيا من قبل وكالات التصنيف الائتماني كان آخرها وكالة التصنيف الائتماني موديز التي خفضت تصنيف اسبانيا بثلاث درجات مؤكدة أنه من المحتمل أن تزيد من هذا التخفيض في الأشهر الثلاثة المقبلة. موديز عزت قرارها لاعتزام الحكومة الاسبانية اقتراض حوالي مائة مليار يورو لاعادة رسملة مصارفها في الوقت الذي تراجعت فيه قدرة الحكومة الاسبانية على الإقتراض من الأسواق. حصول الصندوق الاسباني العام على اموال من اجل مساعدة القطاع المصرفي الذي يتولى بدوره تقديم هذه الاموال الى المصارف المحتاجة لها لم يبدد المخاوف سواء ضمن الأسواق العالمية أو على المستوى الشعبي من مخاطر الإنزلاق وتكرار السيناريو اليوناني. صندوق النقد الدولي لن يشترك بهذا التمويل بل ان صندوقا الانقاذ الحالي والمستقبلي بمنطقة اليورو, سوف يقدمان الأموال الاوروبية التي يبلغ مجموعها مئة مليار يورو. دانيل غروس من المركز الاوروبي للدراسات السياسية يقول: «اذا نظرنا الى عمق النظام المصرفي الاسباني ندرك ان اسبانيا الاكبر عشر مرات من ايرلندا، حصلت على ما حصلت عليه ايرلندا من مساعدات، ولهذا قد لا تكفي هذه الاموال لحل مسألة المصارف». أزمة المصارف الإسبانية ترتبط إلى حد كبير بالتشوه الهيكلي الذي أصاب الاقتصاد نتيجة التوجه نحو العقارات والإنشاءات، وبعد انفجار الفقاعة العقارية نتيجة الأزمة الاقتصادية الدورية عام 2008، بدأت المصارف الاسبانية تعاني من المليارات من الأصول السامة ومن المتوقع تفاقم الأزمة المصرفية من خلال مشكلة انخفاض أسعار العقارات وتأثيراتها السلبية على المصارف التي أقرضت عملاءها لحظة ارتفاع الأسعار، وتعاني هذه المصارف كثيرا من إمكانية عجز الكثيرين عن السداد، مما سيعرضها للإفلاس عندما ستضطر إلى بيع هذه الأصول. يقول جوزيف ماريا أوريتا، وهو صحافي متخصص في الاقتصاد في صحيفة «بيريوديكا دي كاتالونيا» في برشلونة لدى سؤاله عن إمكانية محاسبة وإدانة مسؤولين عن أزمة مصرف «بانكيا»: «مصارف الادخار تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، وقسم كبير من هذه المصارف مملوك من قبل الحزبين الأساسيين: حزب الشعب والحزب الاشتراكي. بالنسبة لقضية بانكيا، فإن المسؤولية تقع على عاتق مسؤولين في حزب الشعب. فهل من الممكن أن نتوقع أن يوافق حزب حاصل على غالبية أصوات الشعب الإسباني تأييد قرار كهذا؟» علامة أخرى على تدهور الاقتصاد الاسباني تتمثل بارتفاع الدين العام الى أعلى مستوياته. وفقا للأرقام الصادرة عن بنك إسبانيا، بلغ الدين العام في نهاية آذار المنصرم رقما قياسيا جديدا وصل الى 72,1٪ من الناتج المحلي الإجمالي أي بزيادة 8,5 نقطة قبل عام حيث كان يمثل 63,6٪. ووصل في أواخر آذار إلى أكثر من 700 مليار يورو، أو 72,1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، في حين كان يمثل قبل ثلاثة أشهر 68,5٪ . مستوى الديون الاسبانية من المتوقع أن ترتفع بشكل ملحوظ خلال العام الجاري اذ تنتظر حكومة ماريانو راخوي أن تصل الى 79,8٪ من الناتج المحلي الإجمالي نهاية العام وهو توقع لا يأخذ في عين الاعتبار القرض الأوروبي للبنوك الإسبانية، الذي يمكن أن يصل إلى 100 مليار يورو ومن ثم زيادة الدين الى 10 نقاط. الدين في البلاد آخذ في الارتفاع بشكل مستمر منذ الربع الأول من العام 2008، حيث بلغ 35,8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أكثر من عقد من التراجع، في حين كانت إسبانيا تعيش نموا قويا بسبب فائض الحسابات العامة. ومما يزيد الوضع تأزما هو ارتفاع كلفة استدانة إسبانيا، حيث قفزت يوم الخميس الماضي لمستوى هو الأعلى منذ طرح العملة الأوروبية الموحدة حيث ناهز العائد على السندات الإسبانية لأجل 10 سنوات قرابة 7% بالرغم من موافقة منطقة اليورو قبل أيام على إقراض إسبانيا نحو 100 مليار يورو (125 مليار دولار) لحل أزمة مصارفها. وتعتبر نسبة 7% مستوى خطيرا يفوق ما بلغته كلفة استدانة اليونان وإيرلندا والبرتغال التي منحت حزم إنقاذ مالية للتغلب على أزمة ديونها السيادية. الإحصاءات تشير إلى أن حجم ديون المصارف الإسبانية من البنك المركزي الأوروبي ارتفع ليتخطى في شهر ايار الماضي 287 مليار يورو بعد أن كان 263 مليار يورو في نيسان الماضي. لا يمكن النظر إلى أزمة المصارف الاسبانية كونها مجرد أزمة تعصف بشبه الجزيرة الايبيرية. فدخول رابع اقتصاد في منطقة اليورو بأزمة حقيقية من شأنه أن يهدد النظام المصرفي الاوروبي بمجمله بل وحتى ستطال شظاياه النظام المصرفي العالمي، فالمصارف الاوروبية غارقة في السندات الاجنبية الاسبانية. أكثر الدول تعرضاً لهذه السندات هي: ألمانيا بــ 117 مليار يورو تليها فرنسا بــ 92 ملياراً، ومن ثم بريطانيا بــ 67 ملياراً وأيضاً الولايات المتحدة بــ37 ملياراً. وبالتالي فإن مجموع المبالغ قد يؤدي إلى فقاعة هائلة بدأت في قطاع العقارات في إسبانيا ولن تنتهي في العديد من المصارف الاوروبية، لا سيما وأن معظم هذه المصارف غارقة في الديون والسندات اليونانية. لطالما كابرت الحكومة الاسبانية في عدم رغبتها الحصول على أموال إنقاذ، لكن يبدو أنها في نهاية المطاف قد رضخت للضغوط، ورغم تطمينات الحكومة بأن شروط خطة الإنقاذ المفروضة من قبل بروكسل سوف تكون أقل من نظيراتها في تلك الدول المتأزمة والتي حصلت على أموال إنقاذ، إلى ان مخاوف الشارع لم تهدأ. وقد وافقت إسبانيا على تطبيق إجراءات للتقشف. لكن تطبيق المزيد في دولة تعاني في الأصل من معدل بطالة يصل إلى أكثر من 24% سيعني ركودا اقتصاديا أعمق. يقول دانييل دريزنر أستاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس في ماساسوشيتس إنه ليس من مصلحة أحد ترك اقتصاد مثل اقتصاد إسبانيا- الذي يحتل المركز الثالث عشر في العالم- يغرق. ويضيف أن الاقتصاد الإسباني يعادل أكثر من أربعة أضعاف الاقتصاد اليوناني. وبالرغم من خطة إنقاذ البنوك قال رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي إن الاقتصاد الإسباني سيتراجع بنسبة 1,7% هذا العام وسيفقد المزيد من الإسبان وظائفهم، مشيرا إلى أنه سيكون عاما أسود. وفي الأسابيع الماضية رفع المستثمرون العائدات على السندات الإسبانية ولو حاولت إسبانيا الحصول على القروض من السوق لإنقاذ بنوكها لزادت العائدات على السندات بصورة أكبر. بين تطمينات الحكومة وغضب الشارع التحلي بالصبر والهدوء هو ما طلبه وزير الاقتصاد الاسباني لويس دي جويندوس في رسالة وجهها الى الشعب الاسباني الغاضب من الوضع الاقتصادي للبلاد وأكد أن الاتحاد النقدي الاوربي سيدعم اسبانيا . وزير الاقتصاد الاسباني لويس دي جويندوس يقول: «نحن نعيش حالة من التوتر وعدم الاستقرار، وهو الأسبوع الاكثر تعقيدا بسبب الانتخابات اليونانية. والحكومة تدرك بوضوح هذا الوضع الصعب ولكنها تطلب من الجميع الهدوء، هذه الرسالة التي نريد ان نوجهها، ويجب ان يعلم الجميع اننا نحظى بدعم من جميع شركائنا في الاتحاد النقدي لاوروبا وهذه هي الرسالة الرئيسية». من جهته الشارع الاسباني لا يشعرابدا بالارتياح للتصنيف الاخير الذي قدمته موديز حيث تم تخفيض تصنيف الاقتصاد الى المحدود جدا بسبب ضعف الاقتصاد الوطني. كارمن دي ستيفانو، مواطنة اسبانية تقول: «اننا ذاهبون الى الحضيض، لا أعتقد أنه في هذه اللحظة الراهنة هناك حل لهذا الوضع، دعونا نأمل أن يتم حل الازمة في المستقبل، لن يقوموا بأي شيء مفيد فهم لا ياخذونا بعين الاعتبار ونحن بالنسبة لهم مجرد ارقام». لويس مارتن محامي اسباني يقول: «بصرف النظر عن حقيقة أن بلدنا في حالة سيئة، فان تصنيف الوكالة هو بالفعل أمر مخجل للغاية». أما حركة الغاضبون الاسبانية فقد تقدمت بشكوى ضد الادارة السابقة لبنك «بانكيا» حيث تتهمه بسوء ادارة السوق وبالقيام بتزوير حسابات مصرفية. وكان من المفترض أن يحصل بانكيا على 23 مليار يورو حسب الاتفاق على خطة المساعدات الأوروبية في القطاع المصرفي الاسباني. ويبدو ان اسبانيا ستواصل برامج اصلاحاتها الهيكلية لتصحيح اقتصادها، وفق خطة تهدف الى تطمين المستثمرين، لكن بالنسبة الى مواطنين اسبان فان الخطة لا تعني تطورا لصالحهم، وانما هي تعني المزيد من الركود وتقليص النفقات وغلاء المعيشة. أحد المواطنيين عبر عن ذلك بقوله: «أعتقد أننا رهنا البلد ولم تعد للديمقراطية قيمة الآن، لأن من يعطون الأوامر الآن لم ينتخبهم الشعب، والأوامر تطبق بفضل المال». في إشارة منه بأن التعليمات الآن سوف تأتي من قبل هيئات الاتحاد الأوروبي والحكومة لن تقوم سوى بتنفيذها. أما قلق العاطلين عن العمل في إسبانيا فقد تضاعف بعد قبول دولتهم تلقي مساعدة أوروبية بقيمة مئة مليار يورو لإنقاذ مصارفها الواقعة في أزمة ديون عقارية، وقد اعتبروا أنه الاجدر بالدولة الإسبانية الالتفات إلى الشعب عوضا عن المصارف. يقول أحد العاطلين عن العمل: «أنا لست متفائلا، كل يوم يزداد وضعي سوءا، فأنا عاطل عن العمل، منفصل عن زوجتي ولدي ولدان لا أستطيع أن أعيلهما، فأنا شبه عاجز والشركات تستغلنا بشدة». الاقتصاد الإسباني هو رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لكن عدد العاطلين عن العمل فاق في شهر أيار الماضي الأربعة ملايين شخص بحسب إحصاءات وزارة العمل الإسابنية. يأتي هذا فيما يواصل عمال المناجم في اسبانيا اضرابهم احتجاجا على قرار وزارة الصناعة والطاقة والسياحة اقتطاع 63% من المساعدات المالية لقطاع الفحم في البلاد. الاضراب المفتوح الذي دعت اليه أكبر نقابات في البلاد سرعان ما تحول الى أعمال شغب واشتباكات بين عمال المناجم وعناصر الشرطة في اقليم استورياس شمال البلاد. وشهدت عدة مناطق في قشتالة والأندلس مواجهات عنيفة اضطرت معها قوات مكافحة الشغب الى الرد بالرصاص المطاطي في محاولة لردع المحتجين. وفي غياب المفاوضات بين الطرفين يعتزم العمال مواصلة الاعتصام مالم تعمد حكومة ماريانو راخوي زيادة المخصصات المالية لقطاع الفحم في اسبانيا كما هددوا بتصاعد أعمال الشغب في انتظار اتخاذ الحكومة قرارات ايجابية بهذا الشأن. في ظل هذه الظروف، يتبين حجم الفراغ الذي يتركه غياب الدور المهم لوجود حزب ذي توجه طبقي حقيقي وفاعل. وهنا لا بد من القول ان هكذا أوضاع تتوق لوجود مثل هذه القوة، إلا أنه، وللأسف، فإن الحزب الشيوعي الإسباني ذو التاريخ العريق والتضحيات المجيدة قد نخر أسنانه سوس التحريفية وقلمت أظفاره الانتهازية اليمينية عبر سنوات وسنوات وجرى تحويله إلى نمر من ورق، يركز في «نضاله» على كل ما هو ثانوي متأثرا بكل ما تبثه الدعاية البرجوازية ومبتعدا عن كل ما هو جوهري واساسي في النضال الحقيقي ضد سلطة الرأسمال. وهذا ما يؤكد المقولة اللينينية بأن النضال الناجع ضد الإمبريالية يجب أن يتضافر ويترافق مع النضال ضد الانتهازية والتحريفية.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني